الحدث
أعلن المرشد الأعلى الإيراني آية الله “علي خامنئي” خلال اجتماعه بسلطان عمان “هيثم بن طارق آل
سعيد”، 29 مايو/أيار، ترحيبه بتحسين العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، وذلك بعد أيام من المحادثات التي جرت في القاهرة بين السلطان “هيثم” والرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”. وفي سياق متصل نقلت صحيفة “ذا ناشيونال” في مايو/أيار الماضي عن مسؤولين مصريين أن القاهرة وطهران تعتزمان تعيين سفيرين لهما خلال الأشهر المقبلة في إطار مسار تطبيع العلاقات بعد عدة جولات من المحادثات الثنائية في الأشهر الأخيرة بوساطة عمان والعراق.
التحليل: مصر وإيران وتشكيل البيئة الجيوسياسية في المنطقة
تمثل مصر أهمية في رؤية إيران تجاه إعادة تشكيل البيئة الجيوسياسية في المنطقة، والتي تقوم على إعطاء الأولوية لإضعاف النفوذ الخارجي، الأمريكي بصورة خاصة، والحد من تمدد النفوذ الإسرائيلي، مقابل تعزيز التنسيق والتعاون بين أطراف الإقليم. وتعتقد طهران أن التطبيع مع دول مجلس التعاون الخليجي يحد من مخاوف دول الخليج الأمنية وبالتالي يضعف مبررات تدخل الولايات المتحدة والحاجة لتواجدها العسكري في منطقة الخليج، كما يثبط اتجاه هذه الدول لتطوير التعاون الأمني مع “إسرائيل”.
- وبالمثل؛ فإن رؤية إيران تقوم على أن التطبيع مع مصر يتحدى تمدد النفوذ الإسرائيلي في محور الشام، والذي يعوقه بالفعل العراق وسوريا، أو أنه في المستوى الأدنى يمهد لإيجاد توازن مضاد لعلاقات مصر مع “إسرائيل”. كذلك؛ فإن تطوير العلاقات مع مصر يبدو ضرورة جيوسياسية لإيران في ظل تسارع وتير عودة العلاقات المصرية التركية، وهي علاقة تعزز من أوراق تركيا الإقليمية بينما يتصاعد التنافس الجيوسياسي بين طهران وأنقرة.
- تمسكت مصر طوال السنوات الماضية بسياسة عدم التصعيد الإقليمي مع إيران، وتحفظت على مساعي السعودية لتوسيع المواجهة مع طهران، ومع ذلك؛ فإن مصر لديها مخاوف عميقة تجاه النفوذ الإيراني في سوريا والعراق والملف الفلسطيني ولبنان واليمن، ويبدو في الوقت الراهن أن إيران أكثر حماساً بشأن سرعة إعادة العلاقات، بينما تبدو مصر أكثر حذرا في التحرك باتجاه تطوير العلاقات مع إيران، ويعزو السلوك المصري إلى حرص القاهرة على بناء تفاهمات تدريجية مع طهران حول بعض الملفات، كي لا يمثل تطبيع العلاقات إقرارا مصريا بـ”تدخلات إيران” في المجال العربي. بالإضافة إلى أن القاهرة تحرص على الحد من تأثير التطبيع مع إيران على مسار علاقاتها القوية مع إسرائيل.
- لكنّ القاهرة لا تتمتع حاليا بأفضلية جيوسياسية تمكنها من انتزاع تنازلات مهمة من طهران، خاصة بعد أن سبقتها السعودية والإمارات، كل على حدة، في مسار التطبيع الفردي مع إيران، وهو الأمر الذي فوت على هذا المحور العربي فرصة تبني مقاربة مشتركة تجاه إيران. وبالنظر إلى اعتماد مصـر على التمويل الخليجي، فستكون القاهرة أكثر انسجاما مع الجهود الخليجية لخفض التصعيد الإقليمي والمدفوعة بخلق بيئة مناسبة للطموحات الاقتصادية لدول الخليج. وكما كان التوجه السعودي والإماراتي نحو تحسين العلاقات مع تركيا وقطر دافعا لمصـر لاتخاذ نفس المسار، يبدو أن الأمر سيكون مشابها إلى حد ما في حالة العلاقات مع إيران.
- ويمكن لخفض التوترات الإقليمية عموما المساهمة في تحقيق بعض الفوائد الاقتصادية للجانب المصـري الذي يعاني من تأزم الأوضاع الاقتصادية؛ حيث سمح تعزيز علاقة مصـر مع قطر وتركيا في جذب استثمارات وتمويلات قطرية للسوق المصرية، والاستفادة من الواردات التركية الرخيصة – بسبب ضعف الليرة التركية – والاستفادة أيضاً من زيادة التدفقات السياحية من تركيا بعد أن سمحت القاهرة مؤخرًا بدخول السياح الأتراك إلى البلاد من خلال منح تأشيرات دخول عند الوصول. وعلى الرغم من أن العلاقات التجارية مع طهران ستظل بها إشكالية نتيجة العقوبات، إلا أن القاهرة قد تتمكن من تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية، حتى وإن كانت بصورة غير مباشرة مثل عدم إعاقة خطط القاهرة للدخول إلى السوق العراقي.
- على الجانب الآخر؛ تتعرض الحكومة الإيرانية إلى ضغوط داخلية متزايدة بسبب الاضطرابات الاجتماعية والمقترنة بأوضاع اقتصادية متدهورة، نتيجة استمرار العقوبات الأمريكية والمساعي الدولية لفرض مزيد من العزلة على إيران بعد دعمها العسكري لروسيا في حرب أوكرانيا، وتراهن طهران على أن تساهم عملية إعادة ضبط العلاقات مع جيرانها العرب في تخفيف آثار العزلة الدولية، خاصة في حالة مصـر التي تمثل سوقا كبيرا في الشرق الأوسط، كما أن هذه العملية قد تكون بمثابة أحد العناصر المحفزة لاستئناف المفاوضات النووية بعيدا عن ضغوط دول الإقليم على واشنطن لتبني نهجا متشددا ضد إيران.