النزاع بين الجزائر والمغرب.. تنافس جيوسياسي متواصل منذ عقود
مطالعات جيوسياسية - ديسمبر 2021

في أغسطس/آب 2021، بدأت محطة جديدة من النزاع البارد بين الجزائر والمغرب رغم السلام بين البلدين. قطعت الجزائر علاقتها بالمغرب واتهمت الأخيرة الجزائر بتجاوزات، ووصل الأمر بينهما لاحتمالية إغلاق المجال الجوي وخطوط أنابيب الطاقة وتعزيز التواجد العسكري على الحدود. لكن هل يصل النزاع حدّ القتال العسكري؟ فكلا الدولتين أنفقتا ملايين الدولارات على المشتريات العسكرية لتحقيق التفوق الإقليمي دون أن يتمكن أي منهما من التفوق على الآخر.

منصة أسباب وبالشراكة  مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو شرحا لأسباب النزاع بين الجزائر والمغرب منذ ستينيات القرن الماضي.

الاستعمار.. بداية النزاع الجزائري المغربي

رغم تشابه البلدين اللتين تقعان في الجزء نفسه من القارة الأفريقية، في التكوين العرقي بين عرب وبربر وتأثر بالثقافة الإسلامية وآخر بالفرنسية، إلا أن التعاون بينهما لم يحدث. بل تعززت الخلافات بينهما بفعل تبني كل بلدٍ منهما أيديولوجية مختلفة تمامًا عن الأخرى.

عام 1830 – الاحتلال الفرنسي للجزائر 

بعد احتلال فرنسا الجزائر، أججت المغرب ثورة ضد الاحتلال. وبعد 10 سنوات، ردت فرنسا بمهاجمة الجيش المغربي وضم بعض المناطق المغربية بالقرب من الحدود الجزائرية، والتي تُعرف الآن بمنطقتي بشار وتندوف. أصبحت حينها جزءًا من فرنسا لا الجزائر، لكن الفرنسيين تخلوا عنهما ولم يقوموا بترسيم الحدود.

1950  

تم اكتشاف معادن ثمينة في المنطقتين عام 1950، فوضعتهما فرنسا تحت سيطرة الجزائر.

1957

اقترحت فرنسا إعادة المنطقتين إلى المغرب شرط موافقة الأخيرة على إدارة مشتركة تشرف على استغلال المعادن المكتشفة فيها. لكن المغرب رفضت العرض حينها، لأن حركة الاستقلال الجزائرية كانت في أوج نشاطها. ثم توصلت الرباط إلى تفاهم مع الحكومة الجزائرية المؤقتة يتم بموجبه تسوية الخلافات الإقليمية عندما تحصل الجزائر على استقلالها.

1962

بعد استقلال الجزائر في 1962، غيرت الجزائر رأيها فقد كانت التضحيات كبيرة ولم تكن في حالة تسمح لها بالتنازل عن أي أراض.

1963

فشلت المفاوضات بين الطرفين وسادتها العدوانية وانعدام الثقة حتى وصلت لاندلاع حرب بين البلدين عام 1963 والتي عُرفت بحرب الرمال. اقتتل الطرفان دون أن ينتصر أي منهما، ولاحقا تم تسوية النزاع الحدودي. لكن التوتر بين الدولتين لم يتوقف يوماً.

الحرب الباردة

 مثل أغلب الملكيات العربية، انحازت المغرب إلى الصف الأمريكي في الحرب الباردة. في حين تميزت الجزائر بكفاحها ضد الاستعمار، حيث استُشهد في حرب الاستقلال نحو مليون ونصف جزائري.  وبعد انتهاء المعارك، تبنت الجزائر أيديولوجية ثورية انحازت إلى الاتحاد السوفيتي. وبالتالي أصبح صناع القرار في الرباط والجزائر في اصطفافين متضادين عالميا، الأولى مع أمريكا، والثانية مع الاتحاد السوفيتي.

1975 – الصحراء الغربية

تخلت إسبانيا عن الصحراء الغربية بعد معركة قانونية طويلة في الأمم المتحدة، وهي منطقة تقع جنوب المغرب وتناهز مساحتها مساحة المملكة المتحدة (243,610 ألف كيلو متر مربع).  وبعد أن عبر نحو 350 ألف مدني مغربي غير مسلح الحدود إلى الصحراء الغربية، لم يرغب الساسة الإسبان حينها في القتال، فسلموا المنطقة إلى المغرب. لكن بالنسبة للجزائر كانت السيطرة على الصحراء الغربية تعني الحصول على منفذ للمحيط الأطلنطي وممر بديل يتجاوز مضيق جبل طارق. فبدأ الصراع على الصحراء بين البلدين. بعد ضم المغرب للصحراء الغربية، دعمت الجزائر الميليشيات الصحراوية المحلية ما أدى إلى حربٍ بالوكالة طال أمدها. وكانت الجماعات الصحراوية الوكيلة بقيادة جبهة البوليساريو نفذت عملياتها من داخل الأراضي الجزائرية وشنت هجمات بين الحين والآخر على المغرب.

سيطرة المغرب على الصحراء الغربية

 بعد نحو عقدين من القتال، فرضت المغرب سيطرتها على نحو 85% من أراضي الصحراء الغربية.  وفي العام 1991 أنهى وقف لإطلاق النار الأعمال العدائية، ليعقبه سلام شابه التوتر حتى يومنا هذا.

1991 – 2002 

خاضت الجزائر حربا أهلية مروعة ضد الجماعات الإسلامية، اتهمت خلالها المغرب بدعم الميليشيات المتمردة. وردا على ذلك، أغلقت الحدود وظلت مغلقة بين البلدين منذ عام 1994. ورغم أن تسكير البلدين الأبواب في وجه بعضهما كان له خسائر اقتصادية هائلة، إلا أنهما اتجها لسباق تسبق مكلف لا مثيل له.

المغرب  

  • جيش المغرب من أكثر الجيوش تطورًا في أفريقيا 
  • تتضمن ترسانته طائرات إف-16 ودبابات إم-1 إبرامز المقاتلة ومدافع هاوتزر ذاتية الدفع وأنظمة صاروخية متوسطة المدى وأقمار صناعية للمراقبة
  • بين 2005 و2015 أنفقت المغرب نحو 48 مليار دولار على جيشها 
  • في 2020 أعلنت المغرب “خطة خمسية” ميزانيتها 20 مليار دولار لتحقيق التفوق العسكري في المنطقة بثرواتها الهيدروكربونية الكبيرة

الجزائر

  • بين 2005 و2015 أنفقت 58 مليار دولار على الدفاع أي أكثر من المغرب بـ 10 مليارات دولار
  • اشترت الجزائر غواصات وفرقاطات سعيًا للتفوق العسكري
  • اشترت طائرات سوخوي 34 و35 النفاثة الحديثة 

لكن سباق التسلح بين الجزائر والمغرب ليس فقط مكلفًا بل ضرب من ضروب التدمير الذاتي، إذ أن الموارد المنفقة على شراء أسلحة الدمار لم تنفق على بناء الطرق والسكك الحديدية والمدارس والمستشفيات. ولم يتوقف الإنفاق العسكري بين البلدين رغم عوامل كثيرة طرأت في السنوات الماضية:

  1. الاضطراب في ليبيا 
  2. الجهاديون في الساحل 
  3. تراجع في أسعار النفط 
  4. القيود المفروضة للحد من كوفيد 19

2020 – التطبيع بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي

أقدمت الرباط على خطوات لتحسين العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي. في المقابل اعترفت أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

الحكومة الجزائرية في مواجهة حركة القبائل 

في المقابل، كانت الجزائر تخوض أزمة من نوع آخر. فمنذ بداية 2019، شهدت صراعا بين الأقلية الحاكمة المسنة وحركة ثورية ثابتة العزم، استقال على إثرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي حكم الجزائر 20 عامًا. لكن الانتخابات التي تلت ذلك شهدت إقبالا ضعيفا. فلدى الكثير من الجزائريين شعور بأن الحكومة ما زالت فاسدة ولا تعبر عن تطلعاتهم. كما تسبب التقشف الذي استمر أعوامًا إلى تقليص الخدمات العامة في الجزائر، وهو ما أدى  لاندلاع الاحتجاجات الحالية وتأسيس حركة استقلال منطقة القبائل.

2021

في أوائل أغسطس تعرضت مساحات شاسعة من الغابات للدمار إثر موجة حر شديدة أشعلت حرائق شمالي الجزائر، اتهمت فيها الحكومة تنظيمات القبائل بافتعالها. وما زاد من الطين بلة، موت أكثر من 30 جندي جزائري أثناء مكافحة حرائق الغابات. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث اشتباكات دامية بين الانفصاليين والقوات الجزائرية، الذين صنفتهم الحكومة سابقا بالإرهابيين. كما اتهمت الجزائر المغرب بالمشاركة في إشعال حرائق الغابات وتوفير الدعم المادي للانفصاليين القبليين. وكانت المغرب أبدت دعمها للقبائل قديما وحديثا لكن من غير الواضح ما إذا كان الدعم المغربي قد تجاوز التصريحات الرسمية.

لكن هل من الممكن أن تكون المغرب قد دعمت القبائل ردا على تدخل الجزائر مؤخرا في الصحراء الغربية؟ من الوارد؛ لذا قررت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بسبب ما قالت إنها أعمالًا عدائية.

نصف قرن من النزاع

ضحى البلدان بالنمو الاقتصادي نظير عداوة مدمرة. إذ أن كلا البلدين غني بالموارد الطبيعية الاستراتيجية، والجزائر تتميز بنفطها الخام والغاز الطبيعي. كان المستوى المعيشي لسكان البلدين الذين يبلغ عدد سكانهما سكان ألمانيا، سيتحسن كثيرًا لو وجدا سبلًا للتعاون. وفقًا لبيانات من صندوق النقد الدولي، فإن المغرب والجزائر من أفقر دول العالم إذ تأتي المغرب في المرتبة 125 والجزائر في المرتبة 109 كل جوانب التعاون باءت بالفشل، وما تبقى من آمال في هذا الملف، يواجه منذ أشهر خطر الإنهاء والإغلاق للمجال الجوي أمام حركة الطيران المغربية، إلى جانب إغلاق خط أنابيب جزائري يمر بالأراضي المغربية.