معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران: الضرورات أكثر من دواعي الحذر 
سياقات - يناير 2025

الخبر

وقع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في حفل أقيم بالكرملين بتاريخ 17 كانون الثاني/يناير 2025 معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وروسيا الاتحادية، على أن تكون مدة سريانها 20 عاما، وتضمنت مقدمة و47 مادة. ونصت على أنها تهدف لرفع مستوى العلاقات بين الدولتين ومنحها طابعاً شاملاً طويل الأمد واستراتيجيا.

مسارات روسيا وإيران تتقاطع على وقع الصراع مع الغرب

التحليل: مسارات روسيا وإيران تتقاطع على وقع الصراع مع الغرب

تمثل المعاهدة تطورا لا يمكن تجاهله في علاقات البلدين. لكنّها مع ذلك ما زالت دون مستوى “التحالف” الذي يخلص إيران من واحدة من نقاط ضعفها الاستراتيجية وهي افتقارها لتحالف صلب مع قوة دولية، كما أنه لا يرمم تآكل القدرة الروسية على المستوى الدولي والتي تجلت بصورة واضحة في عدم قدرة موسكو على الاحتفاظ بموقعها التاريخي في سوريا. وتتلخص أبرز ملامح المعاهدة فيما يلي:

  • أولا: خلت المعاهدة من أي إشارة للدفاع المشترك، مما يجعلها دون مستوى التحالف. فيما تنص على: إذا تعرضت روسيا أو إيران لاعتداء، فلن يقدم أي منهما للمعتدي مساعدة من أي نوع. كذلك لن يسمحا باستخدام أراضيهما لدعم الحركات التي تهدد أراضيهما.
  • ثانيا: تنسيق الجهود دوليا وإقليميا من خلال التعاون في مناطق بحر قزوين وآسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط، ومنع تدخل دول ثالثة فيها، وتنسيق المواقف داخل منظمة شنغهاي للتعاون، وتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وهي بنود يقصد بها تقويض جهود تغلغل أمريكا والناتو، وأيضا النفوذ التركي، في تلك المناطق، والتعاون لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب في مواجهة الهيمنة الأميركية.
  • ثالثا: إضعاف أنظمة العقوبات الأميركية والغربية وتنسيق جهودهما في مواجهتها، وإنشاء بنية تحتية جديدة للمدفوعات المالية بشكل مستقل، والانتقال إلى المدفوعات الثنائية بالعملات الوطنية. وهو ما يفيد البلدين بعد فصل دول غربية لإيران وبنوك روسية من منظومة سويفت المالية.
  • رابعا: تطوير ممرات النقل الدولي التي تمر في البلدين خاصة ممر النقل الدولي من الشمال إلى الجنوب، مما يساعد روسيا في الوصول لأسواق الهند والخليج وأفريقيا، والالتفاف على العقوبات الغربية.
  • خامسا: تعزيز التعاون في مجال النفط والغاز بين الشركات الإيرانية والروسية، وتشجيع الاستثمار في مشاريع تطوير حقول النفط والغاز. وهو ما يعزز الاتفاق الموقع عام 2022 بقيمة 40 مليار دولار بين شركة غازبروم الروسية وشركة النفط الإيرانية لتطوير حقول النفط والغاز في إيران. وقد أعلن بوتين عقب توقيع معاهدة الشراكة عن خطط لبناء خط أنابيب غاز إلى إيران لنقل 55 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي.

من منظور جيوسياسي، فإن الشراكة بين روسيا وإيران تبدو منطقية، وإن لم تكن بالضرورة مستقرة. إذ تواجه روسيا استنزافا استراتيجيا ومتصلا لمواردها العسكرية، وتقييدا على اقتصادها نتيجة الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية. بينما تعرض نفوذ إيران في الإقليمي لتقويض استراتيجي عقب إضعاف حزب الله وانهيار نظام الأسد في سوريا مما تركها مكشوفة أمام التهديد الإسرائيلي والأميركي باستهداف نظام الثورة وتقويض حكمه.

ورغم أن الاقتصاد الإيراني لا يعوض خسارة روسيا قدرتها على الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأميركية، فإن موقع إيران الجغرافي الذي يربط بين الشمال والجنوب، يوفر ممرا من بحر قزوين إلى المحيط الهندي والخليج، مما يتيح للشركات الروسية التهرب من العقوبات، وقدرة أفضل على الوصول إلى الشبكات التجارية في الهند والخليج وأفريقيا. وتجمع إيران وروسيا حدودا قريبة، وتتمتع طهران بنفوذ إقليمي وحضور في ملفات الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى، كما أن لديها علاقات متوترة مع الولايات المتحدة، وسوق محلي كبير يقترب من 80 مليون نسمة، وموارد من النفط والغاز. كما يوفر سوقاً مغرية لصناعة الدفاع والشركات الروسية بما فيها شركات الطاقة دون منافسة من الشركات الغربية التي تقيد العقوبات الغربية دخولها للسوق الإيراني.

تبحث إيران عن مظلة حماية روسية بمجلس الأمن في مواجهة الضغوط الأميركية والأوروبية، كما ترغب في تعزيز التعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية، وتحسين قدرتها على الوصول إلى المواد الخام والسلع والتكنولوجيا التي تحتاجها لتلبية احتياجاتها المحلية وتطوير قدراتها العسكرية، فضلا عن شراء أسلحة روسية متطورة تعزز قدرات الردع الإيرانية، مثل أنظمة الدفاع الجوي إس 400 وطائرات سوخوي 35، خاصة في ظل التهديد المتزايد باستهداف خارجي من قبل “إسرائيل”.

وقد أدت الحرب الروسية في أوكرانيا وحرب غزة إلى زيادة تقاطع المصالح بين روسيا وإيران، وخلقت حوافز جديدة للتعاون وزيادة الاعتماد المتبادل في مواجهة الضغوط الغربية، وبما يزيد القدرة على الصمود في مواجهة العقوبات الاقتصادية. 

ولكن من السابق لأوانه التأكيد على أن العلاقات الروسية الإيرانية تمر بتحول جوهري. فالعلاقة بين البلدين اتسمت بالتقلب بشكل كبير خلال العقود الماضية بسبب تضارب المصالح في عدة ملفات، والتاريخ الطويل من التنافس، ويحمل كل منهما إرثا حضاريا وقيما ثقافية وانتماء دينيا مختلفا. ولذلك؛ توجد داخل إيران تقييمات متباينة لقيمة روسيا كشريك استراتيجي، إذ يبرز تخوف من أن موسكو تستخدم العلاقة مع طهران كورقة مساومة لتأمين تنازلات من الغرب تتعلق بالحرب في أوكرانيا، وأن أي تخفيف لحدة صراع روسيا مع الغرب سينعكس سلبا على العلاقات الثنائية بين موسكو وطهران.

ومن أمثلة تضارب المصالح، اختلاف الموقف من “إسرائيل”، التي تعاديها إيران، بينما تجمعها مع روسيا علاقات وطيدة إلى حد التنسيق بما يضر المصالح الإيرانية في سوريا. وبينما تتباعد العلاقات بين روسيا وأرمينيا على خلفية تداعيات استعادة أذربيجان لإقليم كاراباخ، تتوطد العلاقات الإيرانية الأرمينية، في ظل مخاوف طهران من فتح أذربيجان لممر زانج يزور، مما يقطع الطريق البري بين إيران وأوروبا عبر الأراضي الأرمينية.

أيضا تتضارب مصالح البلدين في قطاع الطاقة، إذ يتنافسان في الأسواق على تزويد المشترين بالنفط، فلروسيا سوابق في التنسيق مع السعودية من خلال أوبك مما أضر بمصالح إيران التي اضطرت منذ عام 2023 لتقديم خصم قدره 30 دولارًا للبرميل للمشترين في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا للتنافس مع المنتجين الروس وغيرهم من دول الخليج العربي.

إن التقارب الإيراني الروسي يتعزز في فترات التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة والاضطرابات في الشرق الأوسط، ويتباعد حال حدوث العكس، مثلما حدث عندما صوتت روسيا عام 2010 لصالح فرض عقوبات من الأمم المتحدة على إيران. وبشكل متكرر، استخدم قادة روسيا وإيران علاقاتهما كوسيلة ضغط في المفاوضات مع أطراف ثالثة، مما يولد أزمات ثقة دورية، ويقيد مستوى العلاقة بينهما. ويمكن القول إن قدرة البلدين على بناء شراكة مستقرة سوف تعتمد على مدى قدرة قادتهما على التعامل مع المصالح المتضاربة وإدارة التوترات الناشئة عن ذلك، فضلا عن تطور صراع كل من الدولتين مع الغرب.