أبرم الصومال مع تركيا معاهدةً أمنية جديدة تتولى بموجبها البحرية التركية تدريب وتجهيز نظيرتها الصومالية على مدار السنوات العشر المقبلة، وتربط المعاهدة بين رغبة مقديشو في الشعور بالأمان وبين طموح أنقرة لاستعراض قوتها بعيداً عن شواطئها.ولم تتضح تفاصيل الاتفاق علناً بالكامل، لكن تركيا سرعان ما أبرمت صفقةً ثانية مع الصومال تسمح
للأولى بالتنقيب عن النفط والغاز في سواحل الصومال، أي إن الصومال قرر تأجير سائر مياهه الإقليمية وموارده البحرية لتركيا.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو عن أسباب تخلي الصومال عن سواحله
الدعم التركي للصومال.. الصديق وقت الضيق
رغم أن الصومال بلدٌ مُدمَّر وفقير ومُقسَّم ومعزول وخطير لا يتطلع إليه المستثمرون لإقامة مشروعاتهم، إلا أن لديه حليف وحيد وقف بجواره في بناء الدولة: تركيا.
- تتدفق المساعدات الإنسانية التركية على الصومال دون انقطاع منذ عام 2011.
- انخرطت المؤسسات الأهلية التركية في مشروعات التطوير والإغاثة
- أطلقت الشركات التركية متعددة الجنسيات، مثل الخطوط الجوية التركية، حملات لجمع الأموال من أجل الصومال
- قدمت أنقرة مساعدات تتجاوز المليار دولار لبرامج الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة والبنية التحتية
ويُعد مبلغ المليار دولار بمثابة ثروة صغيرة بالنسبة لاقتصاد بحجم الصومال، لكن الدعم الإنساني تحوّل في النهاية إلى دعم استراتيجي.
- قدمت المساعدات الاقتصادية والبنية التحتية للصومال
- أضافت إليها الدعم العسكري المتزايد بعدها
- في 2014 أعادت تركيا افتتاح ميناء مقديشو البحري ومطارها
وما تزال الشركات التركية هي التي تديرهما حتى يومنا هذا. وتحسّن الوضع الاقتصادي الصومالي مقارنةً بالعقود السالفة.
- قادت تركيا لاحقاً شراكةً دولية من أجل تدريب وتجهيز الجيش الوطني الصومالي.
- في 2017 افتتحت تركيا أولى قواعدها العسكرية الخارجية في مقديشو وتخرّج من هذا المجمع العسكري نحو 5,000 من قوات المغاوير الصومالية (الكوماندوز) بالإضافة إلى 1,000 جندي نظامي آخر خضعوا للتدريبات
ويصنع هؤلاء الفارق الكبير في أرضٍ لم تعرف سوى الفوضى والدمار، وإجمالاً، نجحت البرامج التركية في إعادة الصومال إلى شيء من الحياة الطبيعية لكن لا يزال على هذا البلد أن يقطع شوطاً طويلاً، إذ يستمر مسلحو حركة الشباب في التجول بحرية داخل الريف، ولا يزال الاقتصاد ضعيفاً.
ومع ذلك، يحق للصوماليين أن يحتفلوا قليلاً، إذ أصبحوا يمتلكون خارطة طريق مع مسار للمضي قدماً بفضل البرامج التركية. وربما يعاود الصومال الانضمام إلى المجتمع الدولي مرةً أخرى
المصلحة المتبادلة بين تركيا والصومال
لكن الأتراك يرغبون في حماية مصالحهم الاقتصادية والسياسية أيضاً بعد أن استثمروا الكثير في الصومال، ولهذا كان توسيع الوجود البحري التركي في البحر الأحمر هو الخطوة المنطقية التالية، حيث وقعت أنقرة ومقديشو في فبراير/شباط 2024 اتفاقاً لتدريب وتجهيز بحرية الصومال والمساعدة في تأمين سواحله الممتدة لمسافة 3,300 كلم.
وتُعد الصفقة مفيدةً للطرفين.
- تمنح تركيا فرصةً للانتشار وزيادة قائمة عملائها الدفاعيين.
- ينمو قطاع الدفاع التركي بقوة
- تركيا واحدة من الدول القليلة التي تمتلك قدرات مستقلة لبناء السفن
أي إن المعاهدة الأمنية مع الصومال ستؤدي إلى شراء مقديشو للمنصات البحرية التركية، وتُعد أفريقيا سوقاً ضخماً للشركات والخدمات الأمنية فضلاً عن أن الأسلحة التركية تعُد ميسورة التكلفة نسبياً بما يكفي للاستحواذ على حصةٍ كبيرة من السوق الأفريقي.
ولهذا يحظى الصومال بالتقدير على اعتباره بوابة تركيا نحو صفقات دفاعية كبيرة داخل السوق الأفريقي، ونظراً إلى قرب الصومال من حركة المرور البحري العالمية، تعتبر تركيا وجودها هناك جزءاً من استراتيجية أوسع لتأمين سلاسل الإمداد وتكوين عمق استراتيجي في المجال البحري.
شروط صفقة تجهيز بحرية الصومال
وربما لم تُنشر كامل تفاصيل الصفقة بعد لكنها تتضمن شروطاً لتقاسم إيرادات الأنشطة الجارية داخل المنطقة الاقتصادية الصومالية الخالصة، ستحصل تركياً تحديداً على حصةٍ قيمتها 30% من الإيرادات البحرية في مقابل تعزيزها لقدرات الأمن البحري الصومالية عبر :
- التدريب
- العمليات المشتركة
- تبادل المعلومات
- شراء القطع البحرية
ومن الزاوية الصومالية، سنجد أن رسوم الـ30% ليس مبالغاً فيها حيث يُعد بناء بحرية عصرية والحفاظ عليها من أكثر البرامج تكلفةً لأي حكومة، ناهيك عن أنها واحدة من أكثر البرامج تعقيداً، لكن امتلاك مؤسسات وقدرات أمن بحري أقوى هو أمر شديد الأهمية بالنسبة للصومال.
حيث إن ساحل الصومال ممتد ويُعد أطول ساحل لبلدٍ أفريقي في الواقع، أي إن الصومال يمتلك منطقةً اقتصاديةً خالصةً ضخمة تتمتع بحياةٍ بحرية غنية وموارد هيدروكربونية محتملة كبيرة.
صفقة ثانية: استكشاف النفط والغاز
لهذا، وبمجرد توقيع المعاهدة الأمنية، أبرمت تركيا والصومال صفقة ثانية مطلع مارس/آذار تركز على استكشاف النفط والغاز تحديداً، ويُمكن لصفقة الطاقة هذه أن تقلب الأوضاع بالنسبة للصومال إذ تُظهر الدراسات الزلزالية الجغرافية أن الصومال لديه احتياطات محتملة تصل إلى 30 مليار برميل من النفط والغاز الطبيعي، ما يضعه على قدم المساواة مع كازاخستان الغنية بالنفط.
وأبرمت مقديشو سابقاً صفقة تنقيب مع شركة كوستلاين إكسبلوريشن الأمريكية لاستكشاف سبعة مربعات بحرية ومن المقرر أن يبدأ الحفر في 2025، ومع صفقة الطاقة الجديدة، من المتوقع أن تنضم الشركات التركية إلى الأمريكيين في حمى النفط بطول ساحل الصومال.
لكن المعاهدة الأمنية وصفقة الطاقة تمنحان أنقرة الأفضلية على واشنطن، إذ يستطيع أسطول الحفر التركي استخراج الموارد الطبيعية بتكلفة منخفضة مقارنةً باتفاقيات الترخيص القياسية، وهذا يشير ضمنياً إلى أن المعاهدة الأمنية وصفقة الطاقة تُمثلان تعويضاً جزئياً لتركيا عن أنشطة بحريتها، وذلك عبر منحها جزءاً من إيرادات الأنشطة البحرية.
ولتوضيح السياق، تصل خسائر الاقتصاد الصومالي إلى أكثر من 300 مليون دولار سنوياً نتيجة الصيد الجائر وغير النظامي والقرصنة قبالة سواحلها، لكن مع تدخل تركيا، سيتمكن الصومال من الحصول على 70% على الأقل من ذلك المبلغ الذي كان سيضيع تماماً في المقابل.
وتحتوي المنطقة الاقتصادية الخالصة للصومال على العديد من الكابلات البحرية التي تمر عبر قاع مياهه لتربط أسواق الخليج العربي بشرق أفريقيا والبحر الأحمر، ونتحدث هنا عن كابل 2 أفريقيا وكابل شرق أفريقيا البحري تحديداً حيث يمر كلاهما عبر مقديشو ويربطان عشرات الدول ببعضها.
أي إن من يحمي تلك المياه سيحظى بقوة تفاوض كبيرة بطول المحيط الهندي. وهذا يعني أن المكاسب المتبادلة تُعزز الشراكة بالنسبة لأنقرة ومقديشو ولهذا تُعَدُّ الصفقة منطقية من الناحيتين السياسية والاقتصادية
أرض الصومال (صوماليلاند) .. “التقدم بحذر”
ربما تعمل تركيا والصومال على إتمام الصفقة البحرية منذ فترة، لكن الأحداث الأخيرة أثّرت على التوقيت، فقبلها بشهرٍ واحد، وقّعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال. وتستأجر إثيوبيا بموجبها قطعة أرض على ساحل أرض الصومال لمدة 50 عاماً، لاستخدامها في الأغراض البحرية التجارية والعسكرية، فضلاً عن إمكانية استخدام ميناء بربرة.
وتتمتع تركيا بعلاقات اقتصادية وعسكرية وطيدة مع إثيوبيا أيضاً، لكن تجاوُز الأخيرة في أرض الصومال، التي يعتبرها العالم جزءاً من الصومال، قد يؤدي لتداعيات تضر العلاقات التركية الإثيوبية مستقبلاً، وتحتل مسألة السيادة صدارة الخلاف حول الاتفاق الأخير مع أرض الصومال.
ففي مقابل اتفاقية ميناء بربرة، تفكر إثيوبيا في الاعتراف باستقلال منطقة أرض الصومال الانفصالية -إن لم تكن اعترفت بها فعلياً لكن الاعتراف العلني بذلك قد يؤثر على استقرار المنطقة.
- سيمثل الاعتراف سابقةً خطيرة، إذ لا تُعَدُّ إثيوبيا نفسها أكثر الدول أمناً أو تماسكاً
- من المحتمل أن يؤدي الاعتراف بقوات انفصالية إلى نتائج عكسية تضر بإثيوبيا نفسها
- إن صفقة أرض الصومال ستحسن وضعية إثيوبيا كدولةٍ حبيسة وستمنحها وصولاً استراتيجياً واقتصادياً إلى البحار المفتوحة، ما سيزودها بطرق بديلة لميناء جيبوتي الذي تمر عبره 95% من الصادرات والواردات الإثيوبية
- إن الصفقة الصومالية التركية تمثل وسيلة ضبط وتساعد في الحفاظ على السيادة الصومالية ضد ما تراه تعدِّياً أجنبياً
- تتعلق المعاهدة الأمنية بما هو أكثر من ردع إثيوبيا
الصومال.. ساحة للتنافس بين الإمارات وتركيا
إذ تُعد الإمارات من الدول التي يجب وضعها في الاعتبار لأنها تُعتبر من وسطاء القوة الرئيسيين في منطقة القرن الأفريقي ولديها أصول مزدوجة الأغراض في إرتريا، وجزيرة سقطرى اليمنية، ومنطقة أرض الصومال الانفصالية، والصومال نفسه
وفي الوقت ذاته، يتمتع الأتراك بتواجد في السودان والصومال، لكن رؤية الإماراتيين تختلف عن نظرائهم الأتراك. ولهذا دخلت تركيا في منافسةٍ شرسة مع الإمارات بطول منطقة البحر الأحمر الأوسع.
ولا تعارض الإمارات صفقة إثيوبيا مع أرض الصومال الانفصالية لأنها أبرمت صفقتها الخاصة مع الأخيرة مقابل حصةٍ في ميناء بربرة ومنذ ذلك الحين، نمت الاستثمارات الاقتصادية والسياسية لأبوظبي في إثيوبيا أرض الصومال.
وبهذا ظهرت جبهتان في الآونة الأخيرة:
- تضم الأولى إثيوبيا والإمارات وأرض الصومال الانفصالية
- تضم الأخرى كلاً من تركيا والصومال
لقد تغيّرت ديناميات القوى منذ ذلك الحين. ويستمر تشكيل التحالفات الجديدة بمشاركة أطراف إقليمية وغير إقليمية، لكن من النادر للغاية أن تكون الأوضاع الجيوسياسية بالغة البساطة، فخلال السنوات الثلاث الماضية، ضخت الإمارات استثمارات ضخمة في الاقتصاد التركي، ولهذا فهي تتمتع ببعض النفوذ المالي.
وينطبق الأمر ذاته على الصومال، إذ يدير الإماراتيون ميناءين رئيسيين في الصومال: بربرة وبوصاصو، ويقع الميناء الأول في أرض الصومال الانفصالية، بينما يقع الثاني في الصومال، لكن الإماراتيين يتفاوضون حالياً من أجل الاستحواذ على ميناء كيسمايو في الجنوب.
كما يتمتع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بدعم سياسي وثيق من نظيره الإماراتي، أي إن كل هذه الاستثمارات العابرة للحدود تزيد صعوبة التفرقة بين العدو والصديق أحياناً وبهذا تحوّل الصومال إلى ساحةٍ للتنافس الشرس بين أنقرة وأبوظبي على مدار العقد المنصرم.
ورغم علاقاتها الاستثنائية مع أنقرة؛ ستكون مخاطرةً بالنسبة لمقديشو أن تقطع علاقاتها مع أبوظبي بالكامل
“بؤرة نشاط“
وبالنظر إلى ما سبق، تجري كل هذه الأنشطة على خلفية صراع غزة وهجمات الحوثي على طرق الشحن المارة عبر مضيق باب المندب، وقد تأثرت مصر وإثيوبيا والإمارات بما يحدث على نحوٍ خاص، وذلك نظراً لاعتمادهم على الشحن البحري.
إذ قفزت تكلفة تأمين الشحن، وبدأ الحوثيون الآن في استهداف الكابلات البحرية الممتدة أسفل البحر الأحمر، ويُبرز هذا النشاط الحاد مدى الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، وربما يوفر الصومال نقطة انطلاق لتركيا نحو المحيط الهندي، لكنه يفتح بذلك أبوابه أمام ردود الأفعال.
فمن المحتمل أن تهدأ علاقاته مع إثيوبيا وأرض الصومال تدريجياً لكن الإماراتيين قد لا يعجبهم النفوذ التركي القريب لهذه الدرجة، وينطبق المبدأ ذاته على الهند وإيران، وكلاهما لديه علاقة مضطربة مع تركيا، أي إن امتلاك قاعدة خلفية في الصومال سيعزز استعراض القوة التركي بالتأكيد، إلى جانب الأسطول التركي المتنامي من حاملات الطائرات، والمركبات البحرية المُسيّرة، والطائرات المُسيَّرة.
إقرأ أيضاً:
✚ تحذير أرض الصومال لن يعطل توغل تركيا في القرن الأفريقي
✚ في الصومال وجيبوتي… تركيا تؤسس لتواجد عسكري استراتيجي في القرن الأفريقي
✚ قاعدة عسكرية إثيوبية على ساحل أرض الصومال تنذر بأزمة في القرن الأفريقي
✚ تركيا تزيد نفوذها الأمني في النيجر على وقع التنافس في الساحل الأفريقي