الحدث
● انعقدت في العاصمة نيامي القمة الأولى لتحالف دول الساحل الذي يضم مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر، في 6 يوليو/تموز الجاري، عشية انعقاد قمة المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، حيث اتفق الزعماء العسكريون للدول الثلاث على تأسيس اتحاد كونفدرالي، لتوحيد السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية بما يشمل إنشاء قوة أمنية موحدة وخطة مشتركة للعمليات العسكرية، بالإضافة للدخول في عملة نقدية واحدة، وإنشاء بنك استثماري مشترك، وصندوق استقرار، وتسهيل حرية تنقل المواطنين بين الدول الثلاث، وتجميع مواردهم للمشاريع في قطاعات رئيسية مثل التعدين والطاقة والزراعة، إضافة إلى إنشاء برلمان مشترك لاقتراح القوانين والاتفاقيات.
● يذكر أن أُسس تحالف الدول الثلاث وضعت في اتفاق الساحل الدفاعي “ميثاق ليبتاكو-غورنا”، الموقع في 17 سبتمبر/أيلول 2023، للوقوف في وجه تهديدات “إيكواس” بالتدخل العسكري في النيجر وقتها، ونص على إنشاء “هيكلية للدفاع المشترك”، وفي يناير/كانون ثاني الماضي انسحبت الدول الثلاث من “إيكواس”، ثم أعلنوا في مارس/آذار عن تأسيس قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب.
التحليل: صدع جيوسياسي بين الغرب وروسيا في الساحل وغرب أفريقيا
يأتي انعقاد قمة دول الساحل بالتزامن مع اكتمال مغادرة القوات الأميركية من القاعدة 101 الجوية في العاصمة النيجرية نيامي، والتي حلت مكانها في نفس القاعدة قوات روسية، ما يشير للدور الروسي الذي أصبح محركاً للأحداث في الدول الثلاث وليس مجرد فاعل، خاصة وأن التقارير تشير كذلك إلى أن القوات الأمريكية ستغادر نهائيا من قاعدة الطيران المسير في أغاديز نهاية أغسطس/آب القادم، كما ستنهي القوات الألمانية عملياته في النيجر في نفس التوقيت، بعدما أنهت بعثة الاتحاد الأوروبي تواجدها في يونيو/حزيران الماضي.
سيسعى تحالف دول الساحل الجديد إلى إضافة أعضاء جدد لتعزيز موقعه كتكتل إقليمي بديل، وهو ما بدت بوادره في 20 مايو/أيار الماضي بإجراء تدريبات عسكرية في النيجر بمشاركة قوات من تشاد وتوغو. لذا بات من المحتمل أن تنضم تشاد إلى التحالف نظراً للتهديدات المشتركة التي تربطها بالنيجر، ويعزز من هذا الاحتمال دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس التشادي محمد ديبي إلى موسكو في يناير/كانون ثاني، وزيارة وزير خارجيته، سيرجي لافروف، تشاد في يونيو/حزيران. بالإضافة لذلك؛ تسعى دول تحالف الساحل أيضا لاستقطاب المجلس العسكري الغيني الذي نفذ انقلاب عام 2021، نظرا لحاجتها إلى نافذة للوصول إلى الموانئ البحرية، وتوجد مؤشرات على استجابة غينيا المحتملة لذلك.
إن إعادة التشكل الجيوسياسي لمنطقة الساحل وغرب أفريقيا لم يعد منفصلا عن تنامي الصراع الدولي بين روسيا والولايات المتحدة وحتى الصين، بالإضافة للدور الفاعل الذي تلعبه قوى إقليمية خاصة تركيا ثم إيران بدرجة أقل. إذ وفرت روسيا بديلا أمنيا دوليا وسياسيا للدور الأمريكي والفرنسي، ووقعت العديد من الشركات الروسية الخاصة والمملوكة للدولة العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بشأن التعاون النووي المدني والتعاون العسكري التقني والتعدين والموارد الطبيعية وبناء مصافي الذهب والاتصالات مع الدول الثلاث منذ سبتمبر/أيلول 2023. فيما استثمرت الشركات الصينية في مشاريع النفط الخام واليورانيوم والطاقة الشمسية في جميع أنحاء منطقة الساحل.
باتت منطقة الساحل وغرب أفريقيا واحدة من أهم جغرافيا النفوذ التركي المتنامي في أفريقيا. إذ تلعب تركيا دوراً بارزاً في الدول الثلاث، من خلال أنشطة اقتصادية متنوعة، وحضور أمني متزايد لم يعد يقتصر على طائراتها المسيرة، إنما نشر مقاتلي شركة “سادات” في النيجـر. كما يظهر جدية الحضور التركي في اجتماع العمل المشترك بين تركيا والنيجر في نيامي في 17 يوليو/ تموز، بحضور تركي لافت تضمن وزراء الدفاع والخارجية والطاقة رئيس الاستخبارات ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية.
من جانبها؛ تستفيد إيران بذلك من توجه القادة العسكريين في دول الساحل للحد من النفوذ الغربي في بلادهم مقابل الانفتاح على القوى الجديدة. إذ وقّعت طهران عدة اتفاقيات بشأن الطاقة والتعدين وقطاعات أخرى مع بوركينا فاسـو والنيجر في عامي 2023 و2024، وصفقات دفاعية مع مالي وبوركينا فاسو في عام 2023، هذا بخلاف صفقة شراء اليورانيوم من النيجـر.
الخلاصة؛
يعتبر الإعلان عن تحالف دول الساحل الجديد نقطة تحول في تطورات منطقة غرب أفريقيا، وعلى الرغم من التحديات الصعبة التي ستواجه دول التحالف، إلا أن اعتمادها على عدد من الشركاء الدوليين والإقليميين يعزز من فرص تجاوزهم للتحديات الاقتصادية والأمنية المحتملة. وهو ما يُبقي الباب مفتوحا لباقي دول المنطقة الهشة اقتصادياً وأمنياً لاتخاذ خطوات مماثلة، في ظل الانسحابات الغربية من المنطقة.
بالمقابل، سيكون لانسحاب دول تحالف الساحل من “إيكواس” أثره على فاعلية التكامل الأمني والاقتصادي للمجموعة، إذ سيترتب على ذلك إلغاء التجارة الحرة وحرية التنقل والعمل بين دول إيكواس ودول تحالف الساحل مما سينعكس سلباً، على الأقل في الأجل القريب، على الوضع الاقتصادي خاصة في دول تحالف الساحل غير الساحلية لأنها تعتمد على المساعدات والواردات.