قمة الناتو في واشنطن: تأرجح بين التهديدين الروسي والصيني والاستعداد لعودة ترامب
سياقات - يوليو 2024

الحدث

انعقدت قمة الناتو في واشنطن خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 11 يوليو/ تموز، بحضور قادة 32 دولة فضلا عن الرئيس الأوكراني زيلينسكي وقادة أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي. واحتفلت القمة بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف، وناقشت عدة ملفات على رأسها تعزيز الردع ودعم أوكرانيا وتعزيز الشراكات العالمية للحلف. وانتهت القمة بالاتفاق على عقد قمة العام القادم في هولندا، وقمة عام 2026 في تركيا، فيما سيغادر الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول القادم ليحل محله رئيس الوزراء الهولندي مارك روته.

قمة الناتو تواصل استنزاف روسيا في أوكرانيا وتؤكد دعم الحلفاء في منطقة الشرق

التحليل: قمة الناتو تواصل استنزاف روسيا في أوكرانيا وتؤكد دعم الحلفاء في منطقة الشرق

بعد اندلاع حرب أوكرانيا عام 2022، وضع الناتو خططًا جديدة للدفاع عن أوروبا، حيث استبدل استراتيجية الدفاع عن الأراضي من خلال نهج الدفاع المحدود في انتظار وصول التعزيزات من أعضاء الحلف، باستراتيجية الدفاع الأمامي، فحشد نصف مليون جندي جاهزين للقتال في أوروبا، خاصة في دول خط المواجهة الأقرب إلى روسيا، فضلا عن توسيع الحلف بضم فنلندا والسويد. كما كثف الناتو تدريباته وفق النهج الجديد، فأجرى خلال العام الجاري مناورة “المدافع الصامدة” بمشاركة 90 ألف جندي، تضمنت عبور قوات من أمريكا الشمالية للمحيط الأطلسي نحو أوروبا.

كذلك انشغل الناتو بالتخطيط لدمج قدرات الدفاع الجوي والصاروخي تحت مظلة جماعية واحدة بالتنسيق مع مبادرة “درع السماء الأوروبية”، وإعادة هيكلة ترتيبات القيادة والسيطرة، وضمان الحركة السريعة والسلسة للقوات والعتاد في القارة الأوروبية، مما يتطلب تطوير البنية التحتية للنقل، وتيسير أذونات الحركة عبر الحدود، فيما أعلنت قمة واشنطن إنشاء مركز الدفاع السيبراني المتكامل.

وشددت على أن الردع النووي يمثل حجر الزاوية في أمن الحلف. كما أعلنت القمة أن إنفاق دول الناتو 2% أو أكثر من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، سيُنظر له كحد أدنى، وليس كهدف وفق ما حددته قمة ويلز عام 2014.

وتزامنت قمة واشنطن مع دخول حرب أوكرانيا عامها الثالث، وتحولها إلى حرب استنزاف مطولة دون أفق لتحقيق اختراق عسكري أو التوصل إلى سلام. ويخشى الناتو من أن الفشل في دعم أوكرانيا سيؤدي إلى صراع أوسع في أوروبا يهدد دول البلطيق وشرق أوروبا. لذلك؛ بحث قادة الناتو مأسسة إرسال المساعدات العسكرية لكييف، بدلا من إرسالها بشكل ثنائي بين الدول الأعضاء وأوكرانيا، أو من خلال مجموعة الاتصال الخاصة بأوكرانيا المُشكلة من خمسين دولة بقيادة واشنطن، وتقرر إنشاء مركز تابع للناتو في فيسبادن بألمانيا يضم 700 فرد لتنسيق توفير المعدات العسكرية والتدريب لأوكرانيا بشكل أكثر كفاءة وتنظيماً. فضلا عن دراسة توسيع القاعدة العسكرية الصناعية للحلف لمواجهة النقص في الأسلحة والذخائر الرئيسية المرسلة لأوكرانيا، ولإعداد الحلف لمواجهة التهديدات المستقبلية.

وبينما حافظ الحلف على موقفه المتحفظ تجاه منح كييف عضويته حاليا، لتجنب توريطه في حرب مباشرة مع روسيا، فقد أرسل رسالة واضحة حول التزامه بدعم أوكرانيا عسكريا ضد روسيا. إذ أعلنت القمة تقديم تمويل خلال عام 2025 لصالح أوكرانيا بحد أدنى 40 مليار يورو بهدف تمويل شراء المعدات العسكرية وعمليات الصيانة والتدريب وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية والصناعات العسكرية الأوكرانية، فضلا عن المضي قدماً في إنشاء مركز “التحليل والتدريب والتعليم المشترك بين الناتو وأوكرانيا” في بولندا بهدف تحديد وتطبيق الدروس المستفادة من الحرب الحالية، والتعهد بعدم الاعتراف بضم روسيا للأراضي الأوكرانية، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، ودعى البيان الختامي موسكو إلى سحب جميع قواتها من مولدوفا وجورجيا، وندد بتعاون كوريا وإيران العسكري مع روسيا.

يرى الناتو وفق “نهج 360 درجة” أن أمن المنطقة الأوروبية الأطلسية يرتبط بأمن شركائه الجنوبيين، مما يتطلب التزاماً مؤسسياً طويل الأمد بالتعاون دون الاكتفاء بالاستجابة للأزمات عندما تندلع. ولذا دعت قمة واشنطن إلى تعميق العلاقات مع دول شمال أفريقيا والخليج والشرق الأوسط والساحل الأفريقي، وأعلن البيان الختامي عن فتح أول مكتب اتصال لحلف الناتو في المنطقة بالأردن، يشرف على تنفيذ تدريبات ودورات مشتركة، فضلا عن اختصاصه بالتحليل الاستراتيجي، والتخطيط والتأهب لحالات الطوارئ وإدارة الأزمات، والأمن السيبراني.

ولذلك حضرت على طاولة قمة واشنطن الحرب في غزة وما يرتبط بها من توترات وبالأخص الأمن في البحر الأحمر، وتزايد النفوذ الروسي في ليبيا والساحل، وتداعيات تغيرات المناخ في أفريقيا فضلا عن زيادة الهجرة غير النظامية تجاه أوروبا.

أولت القمة اهتماما بملف التنافس مع الصين، ولذا حضرت أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، قمة واشنطن، وأشار البيان الختامي إلى أن “الطموحات المعلنة للصين تستمر في تحدي مصالح الحلف وأمنه وقيمه”، كما ندد البيان بما وصفها “الشراكة الاستراتيجية العميقة بين روسيا والصين، ومحاولاتهما المتبادلة لتقويض وإعادة تشكيل النظام الدولي”، ودعا بكين إلى وقف نقل المواد ذات الاستخدام المزدوج، مثل مكونات الأسلحة والمعدات والمواد الخام إلى روسيا.

يوجد قلق داخل الناتو من الدعوات التي تتردد في واشنطن لدمج مسرحي أوروبا وأسيا معا بحجة أن الولايات المتحدة تواجه تهديداً موحدا من الصين وروسيا، في حين توجد علاقات اقتصادية عميقة بين أوروبا والصين. ونظرا لحساسية الموقف الأمريكي، فقد قبلت دول الناتو عام 2022 للمرة الأولى في تاريخ الحلف، بتحديد الصين رسميًا باعتبارها تمثل تحديا أمنيا، ورغم ذلك تأمل الدول الأوروبية في ابتعاد بكين عن موسكو، وليس في مواجهتهما معا.

انعقدت قمة واشنطن في ضيافة الرئيس الأمريكي بايدن وسط شبح عودة ترامب للبيت الأبيض، وهو الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، ويثير المخاوف من تركيز واشنطن لجهودها باتجاه الصين، بينما تنظر الدول الأوروبية لروسيا على أنها التهديد الأكثر أهمية لأمن الحلف. وتسعى دول الناتو للتكيف مع تداعيات عودة ترامب المحتملة للبيت الأبيض عبر زيادة الإنفاق العسكري الأوروبي، وزيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والتي يأتي نصفها حاليا من الولايات المتحدة.

وقد ارتفع عدد دول الحلف التي تنفق أكثر من 2% من ناتجها الإجمالي على قطاع الدفاع من ثلاث دول (الولايات المتحدة، بريطانيا، اليونان) عام 2014 إلى سبع دول عام 2022، قبل أن يصل عددها إلى ثلاث وعشرين دولة بحلول عام 2024.، كذلك ارتفع إجمالي إنفاق الناتو بنسبة 11% عام 2024، مقارنة بنسبة 3% في عام 2023.

إقرأ أيضاً:

أمريكا تصنف كينيا “حليف خارج الناتو” في خطوة تخدم مصالح “إسرائيل”

موافقة تركيا على انضمام السويد إلى الناتو يعزز دور أنقرة في الحلف

كيف سيؤثر انضمام السويد للناتو على روسيا وموقعها جيوسياسيا بالمنطقة؟

بايدن يدشن الحرب الباردة مع الصين في قمتي مجموعة السبع (G7) والناتو