الجيش السوداني يلوح بالتوجه لروسيا في مواجهة التجاهل الغربي
سياقات - مايو 2024
تحميل الإصدار

الحدث

أعلن عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للقوات المسلحة، ياسر العطا، في 25 مايو/ أيار، أن موسكو طلبت من الخرطوم منحها نقطة تزود بالوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة، وأن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، سيوقع على الاتفاقيات المنظمة للطلب الروسي قريبًا. وتأتي تصريحات العطا بعد أقل من شهر على زيارة وفد روسي بقيادة ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الخاص للرئيس فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، إلى مدينة بورتسودان، والتي عرض خلالها تقديم دعم عسكري روسي للجيش السوداني، مقابل المضي في بناء قاعدة بحرية روسية على ساحل البحر الأحمر سبق الاتفاق بشأنها مع الرئيس السابق عمر البشير. كما أعلن بوغدانوف خلال الزيارة أن بلاده تدعم سيادة السودان والشرعية القائمة فيه وترفض التدخلات الأجنبية به.

الجيش السوداني يلوح بالتوجه لروسيا في مواجهة التجاهل الغربي

التحليل: أهداف الجيش السوداني

يفتقر الجيش السوداني لحليف دولي غير متذبذب في تقديم الدعم، حيث عجز عن حسم المعركة مع قوات الدعم السريع حتى في العاصمة الخرطوم. وضمن هذا السياق أعادت الخرطوم علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وحصلت على طائرات مسيرة ساعدت في حسم معركة أم درمان، ولكن إيران تتلمس خطاها بحذر في السودان في ضوء تجربتها السابقة أثناء عهد البشير، والذي قطع علاقاته معها بعد انخراطه في عاصفة الحزم وتلقيه مساعدات اقتصادية من الرياض وأبوظبي. ويتعرض الجيش لضغوط غربية للتفاهم مع الدعم السريع باعتبارهما مؤسستان متنازعتان، وليس وفق رؤية الجيش بأنه يواجه مليشيا متمردة خارجة عن الشرعية.

  • في المقابل، تحظى قوات الدعم السريع بدعم عسكري ومالي من الإمارات، ودعم سياسي من دول مجاورة، في مقدمتها كينيا وأثيوبيا. فضلا عن الدعم الغربي لرئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، وتنسيقية “تقدم” الذين يمثلون الحليف السياسي للدعم السريع. لذلك؛ تبرز روسيا كحليف محتمل ستساعد العلاقة معها في حصول الخرطوم على أسلحة نوعية، والحد من تعاون قوات فاغنر والدعم السريع، وبالأخص بعد ضم فاغنر إلى الفيلق الأفريقي بقيادة يونس بك يفكوروف نائب وزير الدفاع الروسي. كما يمكن لروسيا أن تقدم حماية للجيش السوداني ضد العقوبات الأممية، وسبق أن امتنعت موسكو وبكين عن التصويت على قرار لمجلس الأمن بتمديد فرض العقوبات على السودان في عام 2023، وهو ما قد يتطور إلى استخدام حق النقض ” الفيتو” في حال تعزيز العلاقات بين البلدين.
  • تعكس تصريحات العطا إحباط الجيش إزاء تجاهل الغرب لمصالحه، رغم تبني قادة الجيش، منذ الإطاحة بالبشير، سياسة منفتحة لطي القطيعة مع الغرب والتخلص من إرث البشير، بما في ذلك التطبيع مع “إسرائيل”. لذلك؛ من المبكر الجزم بأننا إزاء انعطافة في اتجاه علاقات قادة الجيش بالقوى الدولية. فقد تستهدف تصريحات العطا التلويح للغرب بأن التقارب مع موسكو، بعد التقارب مع طهران، خيار على طاولة الجيش من أجل تليين الموقف الغربي والضغط على الإمارات. وهي لعبة خطرة أدمن نظام البشير استخدامها في علاقاته الإقليمية والخارجية، لكنها أسفرت في نهاية المطاف عن تركه وحيدا دون حليف موثوق. لذا فإن موسكو ستربط تقديم الدعم بالخطوات الفعلية الملموسة التي يقدمها الجيش السوداني دون الاكتفاء بتلقي وعود وتطمينات.
  • يقع البحر الأحمر في قلب استراتيجية روسيا البحرية التي أقرها الرئيس بوتين عام 2022، والتي تولي تركيزا متزايد على المحيطين القطبي الشمالي والهادي، بما يجعل روسيا حلقة وصل بينهما ويمنحها دورا بحريا دوليا استراتيجيا، وهو ما يتطلب تواجد روسيا بحريا على خط يشمل البحر المتوسط والأحمر وباب المندب والمحيط الهندي. ولذلك؛ فإن مأزق الجيش السوداني يمثل فرصة لموسكو للحصول على موطئ قدم استراتيجي على سواحل البحر الأحمر، وتأمين قاعدة إمداد لوجستية تساعد في نشر السفن العسكرية الروسية في منطقة المحيط الهادئ الهندي، والتي تمثل بؤرة الصراع على النفوذ العالمي خلال العقد القادم. 
  • إن التواجد العسكري في السودان، إن تحقق فعليا، يتكامل مع استراتيجية روسيا في أفريقيا، ويضع موسكو في قلب منطقة حيوية قرب باب المندب الذي يطل على خطوط التجارة الدولية، وبالأخص مسارات شحن النفط والغاز، ما يمنح موسكو تأثيرا على أمن الطاقة الأوروبي على وجه الخصوص، والذي يعتمد على واردات الطاقة من الخليج. كما سيكفل لموسكو ربط أماكن انتشار قواتها من شرق القارة إلى غربها، بداية من السودان ثم دول الساحل والصحراء، تشاد، مالي، بوركينا فاسو، النيجر، وحتى السينغال، والتي تشهد تدهورا للنفوذ الغربي. وقد زودت روسيا النيجر بالفعل بأنظمة دفاع جوي، و100 مدرب عسكري في أحدث حلقات تمدد نفوذ روسيا في منطقة الساحل. وتهدف روسيا إلى إنشاء ممر تجاري لنقل الموارد الطبيعية، مثل الذهب والنفط والماس، من منطقة الساحل إلى روسيا عبر الموانئ الليبية، متجاوزة أوروبا.
  • كذلك يساهم تواجد روسيا العسكري في السودان في تقويض الجهود الأوكرانية لاستهداف المصالح الروسية في السودان، والتي توجت بنشر قوات خاصة أوكرانية في السودان لاستهداف المقاتلين الروس، وذلك بعد لقاء عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة مع الرئيس الأوكراني زيلنسكي في مطار شانون بأيرلندا عام 2023.