الحدث
في 15 شباط/ فبراير 2021، تعرّضت محافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، لهجمات صاروخية عنيفة استهدفت أربع صواريخ منها قاعدة عسكرية أمريكية ومطار أربيل الدولي، مما أسفر عن مقتل متعاقد واصابة 5 آخرين وجرج جندي أمريكي. فيما أعلنت سرايا “أولياء الدم” مسؤوليتها عن الهجوم، وهي واحدة من مجموعة ميليشيات عراقية ظهرت خلال العام الماضي كان لها دور في هجمات صاروخية متكررة استهدفت المصالح الأمريكية في العراق.
هجوم يحمل رسائل متعددة
- يعد “هجوم أربيل”، الثاني من نوعه بعد أن استهدف مجهولون في 30 أيلول/سبتمبر الماضي مطار أربيل بستة صواريخ دون وقوع خسائر بشرية. ولكن هذه المرة جاء في ذكرى اغتيال الولايات المتحدة للواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وأبو مهدي المهندس، قائد قوات الحشد الشعبي. وبعد هجوم آخر لا يقل خطورة استهدفت فيه جماعة الحوثي مطار “أبها” الدولي وقاعدة “خميس مشيط” الجوية السعودية، بصواريخ وطائرات مسيرة.
- وكان رادار “التحالف” قد تعقّب إطلاق 14 صاروخًا باتجاه شمال غرب مدينة أربيل والمطار، رغم أن العدد الفعلي ربما كان 24 صاروخاً، حيث ذكرت مصادر أمنية أمريكية أن 10 صواريخ وقعت خارج القاعدة الامريكية، والأربعة الأخرى أصابتها. كما تعرّضت القنصلية الصينية للقصف، بينما سقطت صواريخ أخرى بالقرب من قنصلية “السلطة الفلسطينية”. فيما لم يتّم تفعيل أي من الدفاعات الجوية، يعزى السبب على الأرجح إلى تجنّب خطر ضرب أي مبان شاهقة عن طريق الخطأ في تلك المنطقة.
- وفي حين تبنّت سرايا “أولياء الدم” مسؤوليتها عن الهجوم، كانت جماعة أخرى مدعومة من إيران، وهي جماعة “أصحاب الكهف” قد وجّهت تهديداً لقيادة “إقليم كردستان العراق”، قبل 13 دقيقة فقط من الهجمات الصاروخية. وبعد مرور 23 دقيقة على الهجوم، تّم نشر الصور الأولى من الحملة الدعائية للهجوم على قناة “صابرين”، وهي وسيلة إعلامية ترتبط بـ “عصائب أهل الحق”، في وقت لم تعترض أي من فصائل الحشد الشعبي أو غيرها على الهجوم.
ضمن هذه السياقات تطرح العديد من التفسيرات المحتملة والرسائل الممكنة وراء الهجوم؛ ولعل أبرزها:
- رسالة ضغط من إيران، مع اقتراب المهلة التي حددتها في 21 شباط/فبراير الحالي بالانسحاب من الاتفاق النووي على وقع عدم تلمّسها تغيرات عملية من قبل إدارة “بادين” في هذا الإطار.
- قد يندرج الهجوم في سياق الرد الاستراتيجي على مقتل “سليماني” و”المهندس”، والدفع باتجاه اخراج القوات الامريكية من العراق.
- رسالة مفادها بأن التهديد الأمريكي بنقل السفارة الامريكية من بغداد الى أربيل، ليس له قيمة، حيث ان أربيل في مرمى النار، وليس لها حصانة مستقلة.
- رسالة إيرانية تجاه القواعد الامريكية في الخليج والمنطقة، في حال حدوث أي هجوم أمريكي إسرائيلي على المنشآت النووية الايرانية.
- وبشأن الجهة التي تقف خلفه، فمما لا شك فيه أن الكثير من المسؤولين في دول المنطقة والعالم سينظرون إلى إيران على أنها متواطئة في الهجوم، والنفي الرسمي من قبل الحكومة الإيرانية لن يلغي تلك الفرضية لديهم ضمن التفسيرات الأوسع لـ “حرب الوكالة”.
- لكن من ناحية أخرى، فإن توسّع عدد الميليشيات العراقية بسرعة في العام 2020، وظهور مجموعات جديدة تعارض بشدة بقاء القوات الأمريكية في البلاد، وقد لا تكون راضية عن الرد “الخافت” من قبل قوات الحشد الشعبي وإيران على اغتيال قادتها، يفتح الباب أمام احتمال وجود فراغ في القيادة وضعف في السيطرة داخل الحشد الشعبي، خاصة أن اللواء “سليماني” كان الوسيط الرئيسي في معظم علاقات إيران مع الميليشيات العراقية، وفيما بين قادة المليشيات نفسها، ونتيجة لذلك، فإنه من غير المستغرب أن يؤدي موته المفاجئ إلى زعزعة استقرار هذه العلاقات وخلق درجة من الانقسام الجزئي.
التداعيات على السياسة الأمريكية
- شكّل هجوم أربيل نكسة مبكّرة لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، ولسياساتها في محاولة إعادة إيران إلى خطة العمل المشتركة للاتفاق النووي لعام 2015. وستعطي مبرراً قوياً لمعارضي سياسة الانفتاح الدبلوماسي مع إيران داخل الكونغرس، لتصوير طهران على أنها متواطئة في الهجمات المستمرة على المصالح الأمريكية في العراق، والإشارة إلى أن هذه الهجمات تبرر حملة “الضغط الأقصى” التي كانت تتبناها إدارة “ترامب” السابقة ضد إيران ووكلائها الإقليميين، وهو الإرث الذي يسعى “بادين” جاهدًا للابتعاد عنه في سياسته الخارجية.
- الهجمات المستمرة على المصالح الأمريكية في العراق من قبل الميليشيات المرتبطة بإيران يمكن أن تعرقل التقدم في المحادثات الأمريكية الايرانية، لكن الأهم في الوقت الراهن، هو أنه يتعين على إدارة “بايدن” صياغة رد يبدو حازماً ورادعاً تجاه منفذي الهجوم، أو مواجهة فقدان جزء من مصداقيتها في نظر شركاءها الإقليمين.
- ويبدو أن أولوية الإدارة الأمريكية في هذا الملف ستتمثّل في الأيام القليلة القادمة في التتبع الاستخباري المكثّف للمليشيات العراقية التي ارتبط اسمها بالهجوم، ومحاولة الوصول لنتائج دقيقة قدر الإمكان في الجهة صاحبة القرار، سواءً كانت ميليشيات أكبر مثل “عصائب أهل الحق” والحشد الشعبي، أو الحرس الثوري الإيراني. وستختبر من دون شك مدى قدرة الإدارة الأمريكية الجديدة على التعامل مع الحدث وفق معايير “بايدن” التي أعلن عنها في سياسته الخارجية.
رأي وخلاصة السياق
- على الرغم مما قد يشكّله الهجوم من إحباط لجهود “بايدن” في ملف الاتصالات الدبلوماسية مع إيران، وتأخر محتمل في تقدم المفاوضات بسبب الضغوط الداخلية الأمريكية وضرورات الإجابة عن تساؤلات الهجوم، إلى أنه من غير المتوقع رؤية تغييرات جذرية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في ملف الاتفاق النووي بشكل عام.
- من جهتها، سيكون السلوك الإيراني في الفترة القادمة مؤشراً على مدى حرصها على التقدم بالمفاوضات أو الاستمرار في سياسة “حافة الهاوية” مع إدارة “بادين”، وسواءً كانت هي وراء هجوم أربيل أم لا، فإنها ستحرص على ضبط الوضع الميداني في العراق ما أمكن وفق إيقاع سياستها التي ستتبناها.
- داخلياً، سيؤدي الهجوم على إقليم كردستان العراق إلى تعميق الأزمة بين بغداد وأربيل، وتقويض جهود رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، في مواجهة المليشيات. فيما سيهدد العدد المتزايد للميليشيات المسلحة بزعزعة استقرار البيئة السياسية في العراق، ويزيد من خطر اندلاع النزاع، خاصة مع تصاعد الخلاف مؤخراً فيما بين تلك المليشيات على مسألة الولاء لإيران (فصائل “السيستاني” مثالاً على ذلك). كما من المرجّح أن يكون للوجود المتزايد للميليشيات في الشوارع العراقية تداعيات كبيرة على الانتخابات العراقية المزمع عقدها في تشرين الأول/أكتوبر القادم.