دلالات أول هجوم إيراني مباشر على إسرائيل
سياقات - أبريل 2024
تحميل الإصدار

الحدث

شنّت الجمهورية الإسلامية الإيرانية هجوما تجاه أهداف في الداخل الإسرائيلي منتصف ليل السبت – الأحد 14 أبريل/نيسان. وأعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن إيران أطلقت ما يزيد عن 200 طائرة مسيرة وصاروخا مجنحا وبالستيا تجاه “إسرائيل”، ومن جانبه، شدد اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية، على انتهاء هجوم إيران وعدم الرغبة في مواصلته، لكنه هدد بشن هجوم آخر أكثر حدة حال استهداف “إسرائيل” مجددا للمصالح الإيرانية.

دلالات أول هجوم إيراني على إسرائيل

التحليل: دلالات أول هجوم إيراني على إسرائيل

  • صعّدت تل أبيب في استهداف المصالح الإيرانية في الساحتين السورية واللبنانية بقصف مبنى رسمي تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال العميد محمد رضا زاهدي، القائد الكبير في فيلق القدس. مثّل هذا من طرف “إسرائيل” كسرا للخطوط الحمراء، وبالتالي أصبحت طهران ملزمة برد يعيد رسم معادلات الصراع ويضبط توازن الردع بينها وبين الاحتلال، دون أن يورطها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، أو حتى في حرب مفتوحة مع “إسرائيل”، وهو ما يظهره حجم الهجوم الإيراني، والرسائل المسبقة المتبادلة بين طهران وواشنطن بخصوصه.
  • فرضت ظروف الحرب في غزة على المنطقة معادلة جديدة، جعلت الرد الإيراني يحدث بطريقة لم تكن متوقعة لو تم الاستهداف قبل 7 أكتوبر/تشرين أول الماضي، خاصة عند مقارنة هذا الرد مع الرد الإيراني على اغتيال الجنرال قاسم سليماني. ومن ثم؛ قررت إيران للمرة الأولى قصف “إسرائيل” انطلاقا من أراضيها وليس عبر جماعات حليفة، كما أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها “إسرائيل” لضربات من طرف دولة أخرى منذ إطلاق العراق صواريخ بالستية تجاهها أثناء حرب الخليج الثانية عام 1991.
  • للمرة الأولى يقبل الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، أن يكون الرد الإيراني على “إسرائيل” هو باستهداف أراضيها وليس استهداف مصالحها في الخارج، وهو تحول بارز بغض النظر عن أي ترتيبات مصاحبة أو حجم وشكل الرد؛ فاستهداف الداخل “الإسرائيلي” كان خطا أحمرا غير مقبول، ودونه كانت معادلات ردع إسرائيلية وأمريكية لإيران، لكنّها تهاوت بعد حرب غزة، وبات العمق الإسرائيلي ساحة معركة أو هدفا ممكنا في ظل الجبهات المفتوحة على الاحتلال من أكتوبر الماضي.
  • ويتفق الرد الإيراني مع استراتيجية طهران للتعامل مع حرب غزة، حيث وضعت حرب غزة إيران أمام منعطف جوهري، فإما أن تثبت صلابة نفوذها وتعزز من مكتسباتها من معركة طوفان الأقصى، وإما أن تتلقى خسائر استراتيجية، قد تفتح الباب لاحقا لاستهداف المشروع النووي الإيراني نفسه. ومن ثم؛ فإن الهدف الإيراني من الهجوم ليس متعلقا بتغيير معادلة حرب غزة نفسها أو التأثير الميداني على عمليات وخطط جيش الاحتلال داخل القطاع، وإنما تدافع إيران عن موقعها كقوة إقليمية لها مشروع، فضلا عن استعادة ثقة الرأي العام الإيراني الداخلي في قدرة بلاده عسكريا على التصدي لسلسلة الاعتداءات الإسرائيلية.
  • تخفف الضربة الإيرانية المباشرة لإسرائيل من أثر الصورة الذهنية التي تركتها إيران وحلفاؤها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لدى شعوب المنطقة خلال العقد الماضي؛ فالرد الإيراني، رغم هامشية أثره الميداني، يجعل إيران الدولة الثانية بعد نظام صدام حسين في اتخاذ قرار ضرب العمق الإسرائيلي من أراضيه مباشرة، خاصة وأنه يأتي بعد انتقادات لتفاعل إيران العسكري مع معركة طوفان الأقصى، والذي اقتصر على تحريك أدواتها في اليمن ولبنان للرد ضمن انضباط لمواجهة محدودة، دون أن يشمل أبدا تدخلا إيرانيا مباشرا.
  • إن مشاركة قوات أمريكية وبريطانية وفرنسية، فضلا عن أنظمة دفاع صاروخي في دول إقليمية في التصدي للهجوم الإيراني، يشدد على أن أي مواجهة إيرانية-إسرائيلية لن تقتصر عليهما فقط، إنما ستقود نحو مواجهة بين إيران من جهة وتحالف غربي داعم للاحتلال في الجهة الأخرى.
  • ويظهر اعتماد “إسرائيل” بشكل كبير على حلفائها في صد هجوم إيران حدود قدرات “إسرائيل” الذاتية في الدفاع الصاروخي دون إسناد من القواعد الأمريكية والغربية في دول الطوق المحيطة، خاصة في ظل الثغرات التي كشفتها المقاومة الفلسطينية في منظومات القبة الحديدية والدفاعات الجوية الإسرائيلية.
  • بالإضافة لذلك؛ فإن اعتماد “إسرائيل” والولايات المتحدة على دول عربية (مثل الأردن) في التصدي للرد الإيراني يمكن أن يزيد من جرأة إيران في استهداف تلك الدول في أي رد على استهداف إسرائيلي أو غربي لها في أي موجة تصعيد محتملة، وربما لا يشمل ذلك القواعد الأمريكية في تلك الدول بقدر ما تكون رسالة موجهة لأنظمتها نتيجة انحيازها العسكري الإجرائي المباشر ضد إيران.
  • ظهرت الولايات المتحدة باعتبارها المايسترو للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية، بما يشير لمستوى انخراطها في شؤون المنطقة منذ السابع من أكتوبر؛ فمن جهة لعبت قواتها دورا محوريا في إسقاط أغلب الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية خارج حدود “إسرائيل”، ومن جهة أخرى يمكنها لجم حكومة نتنياهو عن الرد وإجباره على تقبل الرد الإيراني.

باتت الكرة حاليا في ملعب تل أبيب؛ فطبيعة الرد الإسرائيلي ستحدد اتجاه الأحداث، فمن شأن رد عنيف على هجوم إيران أن يدفع المنطقة لمزيد من التصعيد، إذ ستضطر طهران دون شك لرد مقابل، قد يفتح الباب أمام دائرة الردود المتبادلة. لكن مازال من الصعب ترجيح أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة؛ في ظل الانضباط الذي أظهرته طهران ولتزمت به منذ بدء الحرب، والحرص الأمريكي على تجنب هذا السيناريو.