الحدث
حسمت نتائج انتخابات “الثلاثاء الكبير”، 5 مارس/آذار، بنسبة كبيرة هوية مرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى في 5 نوفمبر/تشرين ثاني القادم. حيث ضمن “جو بايدن” ترشحه مرة أخرى عن الحزب الديمقراطي بعد فوزه في كل الولايات، بينما حقق الرئيس السابق “دونالد ترامب” ما يكفيه من الانتصارات ليضمن تقريبا خوض غمار الانتخابات الرئاسية. وقد برزت فلسطين كقضية رئيسية ضمن القضايا التي يهتم بها الجمهور الأمريكي في اختيار مرشحيه، خاصة داخل قاعدة الحزب الديمقراطي، بعدما خسر “بايدن” العديد من الداعمين الذين صوتوا ببطاقات بيضاء (حوالي 40 ألفا) للتعبير عن غضبهم إزاء دعم الرئيس الواسع للحرب على غزة.
التحليل: الداعمون لفلسطين يهددون فرص فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
كانت الولايات المتحدة تاريخيا منحازة لـ”إسرائيل” بغض النظر عن هوية الرئيس الأمريكي، لكنّ الديمقراطيين بصورة خاصة ارتبطوا بمناسبات حاسمة. ففي نوفمبر/تشرين ثاني 1917 لم تجرؤ الحكومة البريطانية برئاسة جورج لويد على إصدار “وعد بلفور” إلا بعد أن ضمنت موافقة الرئيس الأمريكي الديموقراطي وودرو ويلسون في سبتمبر/أيلول 1917. وفي عام 1948، كان الرئيس الديمقراطي هاري ترومان أول من اعترف بإسرائيل بعد 11 دقيقة فقط من إعلان إنشائها، بينما حمت إدارة ليندون جونسون، الديمقراطي أيضا إسرائيل بعد توسعها وسيطرتها على فلسطين التاريخية بعد حرب 1967. لكنّ الحزب الديمقراطي يواجه اليوم تحديا داخليا إذ تتجه مجموعات مهمة من قاعدته لدعم فلسطين، الأمر الذي يعتبر تغيرا جذريا في موقف الحزب الذي يتمتع بقاعدة واسعة ومتعددة الخلفيات.
- أدى موقف بايدن الداعم بشدة لإسرائيل إلى انقسامات داخل قاعدة الحزب الديمقراطي في أمريكا، أثارت قلق مساعديه حيال تأثير ذلك الرفض المحتمل على فرص إعادة انتخابه. إذ أبدت المجموعات الأكثر تأييدًا للقضية الفلسطينية، مثل الناخبين الشباب، والأمريكيين من أصل أفريقي، واللاتينيين، الذين يشكلون جزءاً مهماً وكبيراً من القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي، عدم موافقتهم على تعامل بايدن مع الصراع. وأظهر استطلاع أجرته شبكة إن بي سي نيوز انخفاض معدل التأييد لبايدن إلى 40٪، مع عدم موافقة 57٪ على دعمه، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق في شعبيته.
- يظهر الناخبون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا انخفاضًا كبيرًا في نسبة تأييد بايدن، حيث انخفضت من 46٪ إلى 31٪. وفي ملفات السياسة الخارجية على وجه التحديد، أظهر الاستطلاع موافقة 33٪ فقط من جميع الناخبين على طريقة تعامل بايدن، بانخفاض 8 نقاط عن سبتمبر، بينما رفض 62٪ منهم سياسة بايدن. وفيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة، فإن 34٪ فقط من إجمالي الناخبين يوافقون على نهج بايدن، بينما لا يوافق عليه 56٪. وتعكس هذه الاستطلاعات مناخًا سياسيًا مليئًا بالتحديات للرئيس بايدن، الذي يواجه انخفاض معدلات تأييده بين الفئات السكانية الرئيسية، واستياء متزايد من تعامله مع قضايا حاسمة مثل السياسة الخارجية.
- يؤثر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الانتخابات الرئاسية الأمريكية بوسائل مختلفة، بعدما بات محل اهتمام الناخبين، خاصة الشباب، والذين يتعاطفون مع فلسطين أكثر من تعاطفهم مع إسرائيل. وفي استطلاع للرأي نظمته جامعة كوينيبياك الرائدة في قياس نبض الشارع الانتخابي، أعرب 66٪ من الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا عن عدم موافقتهم على رد فعل “إسرائيل” على هجوم حماس في 7 أكتوبر.
- في السنوات الأخيرة؛ كان الجيل Z قوة رئيسية في الحياة المدنية داخل أمريكا، فقد قاد الحركات الاجتماعية وقام بالتصويت بمعدلات أعلى مما فعلته الأجيال السابقة عندما كانوا في نفس العمر. وفي الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيكون هناك 40.8 مليون شخص من الجيل Z (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و27 عامًا) مؤهلين للتصويت، بما في ذلك 8.3 مليون شاب (تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا) سيدخلون التصويت لأول مرة، وهو ما يجعلهم كتلة فاعلة مرجحة في الانتخابات المقبلة. ويمثل الشباب غير المحسوبين على “الأمريكان البيض” ما يقرب من 45% من ناخبي الجيل Z في عام 2024، بما في ذلك 47% من الناخبين المؤهلين الجدد، وهم في الغالب يفضلون التصويت للديموقراطيين، ومن ثم ستكون آراؤهم محل اهتمام عند الساسة الأمريكيين.
- تشتهر ولاية ميشيغان تاريخيا بأنها ضمن الولايات المتأرجحة بين الديمقراطيين والجمهوريين (أريزونا وجورجيا وميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن). وينفق المرشحون الرئاسيون جزءًا كبيرًا من وقتهم ومواردهم على الولايات المتأرجحة، حيث إن الفوز في هذه الولايات أمر ضروري لتأمين 270 صوتًا انتخابيًا للفوز بالانتخابات الرئاسة. وقد فاز بايدن في انتخابات عام 2020 بولاية ميشيغان بنسبة 50.62% من الأصوات، بينما حصل دونالد ترامب على 47.84%. وتمتلك ميشيغان 16 صوتًا انتخابيًا، ما يجعلها ولاية حاسمة في الانتخابات الرئاسية.
- أظهرت التطورات الأخيرة في ميشيغان تحولاً في مشاعر الناخبين الأميركيين العرب والمسلمين في الانتخابات التمهيدية بالولاية؛ حيث أدلى أكثر من 101 ألف ديمقراطي بأصوات احتجاجية (“غير ملتزم”) ضد بايدن، بنسبة تقارب 13٪، خاصة في المدن التي تضم عددًا كبيرًا من السكان الأمريكيين من العرب والمسلمين مثل ديربورن. وينبع هذا السخط من سياسة بايدن مع الصراع بين إسرائيل وحماس، ما يعتبر رسالة احتجاج من الناخبين.
- في ولاية مينيسوتا فازت حملة نظمها أعضاء الجالية المسلمة لحمل الناخبين على التحقق من “غير الملتزمين” في الانتخابات التمهيدية الرئاسية الديمقراطية بالولاية، بما يقرب من 46 ألف صوت بنسبة تقارب 20٪، وهو ما يتجاوز بكثير هدفهم البالغ 5000 صوت. جدير بالذكر، أنه في الانتخابات التمهيدية التي خاضها بايدن عام 2020، صوّت 2612 فقط بـ”غير ملتزم”، وهو ما يعكس التحول الهائل عند مقارنته بالتصويت الراهن.
- هذه المؤشرات باتت تزعج الديمقراطيين إزاء مستقبل الانتخابات، لأن القضية الفلسطينية، وتحديداً الحرب على غزة، باتت أقرب ما تكون لتصبح “مسألة انتخابية” في الولايات المتحدة، الأمر الذي يعني أن الموقف من غزة وفلسطين قد يكون سبباً في نجاح أو سقوط مرشح الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية في أمريكا. لذا يتوقع أن تكون الإدارة الأمريكية أكثر جدية خلال الفترة القادمة في إظهار دعمها لجهود احتواء الحرب وممارسة ضغوط على حكومة نتنياهو، كما ظهر في الانتقادات التي وجهها له السيناتور اليهودي تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ. لكنّ هذا التحول لا يعني أن واشنطن بصدد التخلي عن أهداف الحرب نفسها، وهو ما يعني أن جهود “بايدن” لاسترضاء الناخبين الداعمين لفلسطين ستكون على الأرجح غير كافية.
- مازال من المبكر ترجيح مآل الانتخابات الرئاسية؛ فالناخبون لا يتأثرون بقضية واحدة وإنما يفكرون في قضايا متعددة عند اتخاذ القرار. ويمكن الإشارة مثلا إلى قضية الهجرة غير الشرعية كواحدة من القضايا التي لها تأثير في توجيه الناخبين داخل كلا الحزبين. فبينما يواجه بايدن تراجعا في الدعم على خلفية حرب غزة، فإن ترامب قد يكون بديلا أكثر خطورة من وجهة نظر هؤلاء الغاضبين من بايدن.
إقرأ أيضاً:
✚ الموقف الأمريكي بين الردع والدبلوماسية في حرب غزة
✚ مشروع ميناء غزة: استكمال أهداف الحرب بسلاح المساعدات الإنسانية
✚ تصنيف الحوثيين إرهابيا: أمريكا حائرة بين الحاجة للردع ولاحتواء التوتر الإقليمي
✚ حرب غزة تعزز مسار دول الجنوب العالمي بعيدا عن السياسة الأمريكية