الحدث
أعلنت الولايات المتحدة عن خطة لإنشاء ميناء في غزة لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، من خلال إنشاء رصيف مؤقت قبالة ساحل غزة لتلقي الإمدادات الغذائية والطبية التي تشتد الحاجة إليها. وتأتي هذه المبادرة وسط أزمة إنسانية حادة في غـزة، مع تحذير الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة تهدد مئات الآلاف من الأشخاص. وقد تم إرسال السفينة العسكرية الأمريكية، الجنرال فرانك إس بيسون، إلى الشرق الأوسط لدعم عملية بناء الميناء. وقال السكرتير الصحفي للبنتاغون، الميجور جنرال باتريك رايدر، إن بناء الرصيف البحري والجسر الذي يربطه باليابسة سيستغرق ما يصل إلى 60 يومًا ويتطلب حوالي 1000 جندي أمريكي.
التحليل: دوافع بناء ميناء في غزة، وتأثير “المساعدات الإنسانية” الجيوسياسية
لا ينفصل مشروع الميناء عن أهداف “إسرائيل” والولايات المتحدة الاستراتيجية تجاه مستقبل قطاع غزة، خاصة تقويض قدرات حماس العسكرية وإنهاء أي دور لها في سلطة حكم القطاع المدنية؛ فالهدف الرئيسي من بناء الميناء هو التحكم الكامل والتام في قطاع غزة، وقطع أي اتصال للقطاع خارج سيطرة وإدارة “إسرائيل” المباشرة، والتحكم في كل ما يدخل إلى القطاع، وذلك بهدف تقويض حركات المقاومة وإحكام الحصار عليها لإضعاف قدراتها وفاعلياتها العسكرية والأمنية.
- من الناحية العسكرية، يخدم الميناء الاستعدادات للعملية التي تضغط “إسرائيل” لتنفيذها في مدينة رفح جنوب قطاع غـزة، كضرورة لاستكمال تقويض قدرات حماس العسكرية، وهي العملية التي تعارض الولايات المتحدة تنفيذها دون وضع خطة تضمن سلامة المدنيين. من هذه الزاوية، سيكون الميناء عنصر جذب للنازحين جنوب القطاع في التحرك للشمال ووسط غزة للحصول على المساعدات، ما يجعل من الميناء حجة أمام الرأي العام الدولي حال بدء العملية العسكرية في رفح.
- أما من الناحية المدنية، فإن “إسرائيل” تنظر للمساعدات الإنسانية والغذائية كأداة أساسية لاختراق الحالة المدنية وإنشاء سلطة بديلة في القطاع. ولذلك؛ تتبنى حكومة الاحتلال موقفا صارما برفض أي محاولة من قبل حماس أو موظفي حكومة غـزة بممارسة دور في توزيع المساعدات. وفي المقابل، تخطط لمنح السلطة البلدية المفترضة ميزة توزيع المسـاعدات والتحكم فيها، ما يمنحها مزيجا من الشرعية ومقومات السلطة بما يضمن إبعاد حماس عن مستقبل حكم القطاع. وهو الأمر الذي عبر عنه وزير دفاع الاحتلال، يوآف غالانت، بالتأكيد على أن الميناء سيساهم في تقويض سلطة حماس.
- من ناحية استراتيجية أخرى، ثمة مؤشرات على أن مسألة توزيع المساعدات وإعادة الإعمار سوف تستخدم من قبل الاحتلال لإعادة هندسة قطاع غـزة من ناحية التوزيع الديمغرافي. فعندما تتحكم سلطات الاحتلال بشكل حصري في تدفق المساعدات وخطط إعادة الإعمار، فإن ذلك سوف يوظف لأغراض أمنية استراتيجية بحيث سيحدد الاحتلال أماكن المخيمات أو الأحياء المعاد بناؤها، والتي ستتدفق إليها المسـاعدات، بينما يمنع وصولها إلى أماكن أخرى، بما يجبر السكان على التوزيع وفق خريطة توفر المساعدات المرتبطة بخريطة الهندسة الأمنية للمخيمات أو المساكن المؤقتة لإيواء النازحين الذين دمرت الحرب بيوتهم. أي أن خريطة المدن والأحياء ما قبل 7 أكتوبر لن تكون هي بالضرورة خريطة غـزة ما بعد الحرب.
- سيمر وصول المسـاعدات إلى ميناء غزة بعدد من المراحل، حيث سيتواجد المفتشون الإسرائيليون في ميناء لارنكا القبرصي، لفحص شحنات المسـاعدات المتجهة إلى غـزة. كما سيتوجب على “إسرائيل” أن تتعامل مباشرة مع ضباط الخدمات اللوجستية العسكريين الأميركيين بدلاً من مسؤولي الإغاثة. لكن مازال من غير المحدد الجهة المحلية التي ستشرف على توزيع المساعدات؛ حيث خرجت معظم المؤسسات الإغاثية من غزة عن العمل، ولا تمتلك هياكل إدارية أو مقرات لوجستية يمكنها توظيفها في توزيع المسـاعدات، خاصة مع وقف تمويل الأونروا والتضييق الإسرائيلي والأمريكي على عملها. وبينما تسعى واشنطن لإقناع تل أبيب بضرورة قيام السلطة الفلسطينية بهذه المهمة، فإن نتنياهو يرفض بشكل استراتيجي عودة السلطة إلى غـزة لأنه يصر على إبعاد شبح الدولة الفلسطينية الواحدة، ويسعى في المقابل إلى خلق سلطة مدنية محلية تدعمها أطراف إقليمية مثل الإمارات والأردن، مع احتفاظ “إسرائيل” بالسيطرة الأمنية لسنوات قادمة.
- من جهة أخرى، وبحسب تصريحات نتنياهو، فإن الميناء سيساعد على الأرجح في حركة خروج بعض سكان القطاع. حيث يمثل ثقل غـزة الديمغرافي أحد التحديات الاستراتيجية لإسرائيل إزاء أي خطط مستقبلية في القطاع. ولذلك؛ من المتوقع أن تواصل حكومة الاحتلال خطط ترحيل عدد من كبير من سكان القطاع بصورة أو بأخرى، وهي خطط تلقى دعما من أصوات أمريكية مثل غاريد كوشنر صهر ترامب. وقد يجري ذلك تحت دعاوى إنسانية كالعلاج أو من أجل الدراسة أو العمل في الخارج خاصة للكفاءات الفلسطينية، في ظل تدمير كافة مظاهر ومؤسسات الحياة المدنية في غزة، أو حتى التغاضي عن محاولات الهجرة غير الشرعية وتشجيعها.
- وأخيرا؛ سيكون للميناء تأثيرات سلبية على المستوى الجيوسياسي لمصر؛ حيث يوفر الميناء بوابة خروج مباشرة بعيدة عن أي ترتيبات مع مصر، وهو خيار أقل ضررا من حيث التبعات الأمنية والإقليمية بالمقارنة مع تهجير سكان قطاع غـزة إلى سيناء، لكنّه يحد من نفوذ القاهرة بإضعاف أهم ميزة لديها كونها الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك حدودا مباشرة ومنفذا بريا مع قطاع غـزة يتحكم في حركة عبور السكان.
إقرأ أيضاً:
✚ سيناريوهات طوفان الأقصى والحرب على غـزة
✚ المرحلة الثالثة من حرب غـزة ستُحدد مصير التصعيد الإقليمي
✚ لماذا تُعتبر ”جغرافية إسرائيل“ مستحيلة؟
✚ الحوثيون يضغطون على قناة السويس والتجارة الدولية أكثر مما يرهقون إسرائيل