مثّلت الهند لدى الإمبراطورية البريطانية جوهر قوتها إذ اعتمدت استراتيجيتهم بالكامل على خطوط الإمداد إلى شبه القارة الهندية، فأطلق عليها لقب “درة التاج”، ولا تحتوي شبه القارة الهندية على دولة الهند فحسب بل تضم باكستان وبنغلاديش أيضاً، وتُعَدُّ من أقدم الأماكن الموجودة على وجه الأرض.
فيما تضم أكثر من 2,000 جماعة عرقية توحدها الأديان والقيم المشتركة، ويعد حوض نهر الغانغ شمالي الهند من أحواض التصريف ذات الأهمية الاستراتيجية الشديدة.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو العوامل التي ساهمت في تشكيل الهند
تمثل شبه القارة الهندية عالماً قائماً بذاته حيث تعيش في عزلةٍ جغرافية بطول غالبية حدودها.
- خليج البنغال في الجنوب الشرقي
- بحر العرب والمحيط الهندي في الجنوب الغربي
- عدد من السلاسل الجبلية في الغرب:
- جبال سليمان المرتبطة بسلسلة جبال سفي
- سلسلة جبال سفي تتصل بسلسلة هندوكوش المرتبطة بسلسلة جبال قراقرم
- سلاسل الهيمالايا التي تمتد شرقاً لمسافة نحو 2,400 كيلومتر
- تواصل امتدادها من خلال جبال أراكان قبل أن تتوسع في اتجاه الجنوب عند حدود ميانمار
يُحوّل هذا التخطيط الجغرافي شبه القارة الهندية إلى قلعةٍ فعلية تحيط بها جدران من السلاسل الجبلية.
باكستان.. المنطقة الغربية
- تقع باكستان غرب شبه القارة الهندية،
- يُعَدُّ هذا البلد من البقايا المعاصرة الرئيسية للحكام المسلمين الذين حكموا الهند في العصور الوسطى
- يمر نهر السند في منتصف البلاد تماماً ليوحد الشعب عن طريق التجارة والثقافة في آنٍ واحد
- تحظى باكستان والهند بتاريخٍ طويل من العداء المتبادل
- تفصل بينهما صحراء طهار والمستنقعات في الجنوب
- تقع نقطة الاتصال الوحيدة بين البلدين في منطقة
- يعيش نحو نصف سكان باكستان بنجاب التي تضم العاصمة إسلام آباد أيضاً
ولا تمثل هذه المنطقة قلب باكستان فقط بل تمتد بطول المناطق الشمالية لشبه القارة الهندية وتُعرف باسم السهول الشمالية (سهل الغانغ الهندي).وتتشاركها دول باكستان والهند وبنغلاديش وتُعَدُّ من أكثر المنطاق اكتظاظاً بالسكان على سطح الكوكب حيث يقطنها نحو مليار شخص.
بنغلاديش.. المنطقة الشرقية
- تقع بنغلاديش في شرق السهول الشمالية
- تحتل بنغلاديش ذات الأغلبية المسلمة دلتا نهر الغانغ
- تُعَدُّ من أكثر الأراضي خصوبةً في العالم
- المشكلة أن بنغلاديش تقع على مستوى سطح البحر
- في غياب السدود المناسبة تتعرض بنغلاديش لفيضانات خليج البنغال بصفةٍ متكررة
تقع الهند بين باكستان وبنغلاديش وربما يتشارك غالبية سكان الهند العيش في السهول الشمالية مع جيرانهم. لكن الهند تتمتع بمناطق أخرى ذات تعداد سكاني كبير وخاصةً في جنوب شبه الجزيرة.
سبب التوزيع غير المنتظم للكثافة السكانية
- وفرة المياه
- جودة التربة
يتكدس السكان في أي منطقةٍ تحتوي على هذين الموردين، ويبدأون في النمو، إن كافة مدن الهند الكبرى ترتكز حول أحواض الأنهار مثل نهر الغانغ و براهمابوترا ونارمادا وغيرها، وسمح هذا التنوع في الأنهار والأراضي والسكان بتطوير ثقافات مميزةمثل البنجاب والغجراتيون والماراثيون والتاميليون والبنغال وغيرهم. وكوّنت تلك الجماعات العرقية ممالكها الخاصة.
الانقسام التاريخي لشبه القارة الهندية
كانت شبه القارة الهندية شديدة الانقسام تاريخياً، إذ استمرت حدودها الداخلية في التغير باستمرار ودراماتيكية، يرجع ذلك إلى أنها لم تحتوي على أي حواجز جغرافية باستثناء القليل من الأنهار الكبرى وصحراء طهار، مما سمح للجيوش بالتقدم سريعاً نحو قواعد العدو ثم تأسيس ممالكها الجديدة بسرعة.
واستمر هذا الوضع لقرون، وساهم هذا المشهد المنقسم في خلق فرصةٍ أمام القوى الأجنبية حتى تعتمد استراتيجية التفرقة لتسود الهند. وهذا هو ما حدث بالضبط.
مغول الهند
- خضعت الهند لحكم المسلمين بين القرنين الـ11 والـ18 وكان أشهرهم مغول الهند
- إن أباطرة المغول كانوا شديدي الفعالية في حكمهم
- لم يستخدموا القوة لاحتلال الهند بل استغلوا غياب الوحدة وتحالفوا مع القوى المحلية ووسعوا نفوذهم ببطء
- اعتمد إسقاط القوة الناعمة بهذه الطريقة على حقيقة بسيطة وهي أن الاستياء الداخلي بين الهنود كان أكبر من علاقاتهم مع الأجانب
البريطانيون
- نجحت هذه الاستراتيجية بكفاءة شديدة لدرجة أن البريطانيين قرروا اعتمادها عند وصولهم إلى الهند
- نشر البريطانيون هناك قوةً صغيرةً للغاية مقارنةً بحجم الهند
- إن البريطانيين لم يحتلوا الهند فعلياً بل نجحوا في إدارة صراعاتها الداخلية لخدمة مصالحهم ببساطة
مشاكل الهند الداخلية
وتعتمد الحكومات الهندية المعاصرة على طريقة الحكم نفسها اليوم، ويُمكن وصف هذا الأمر بأنه أحد المشكلات الجوهرية التي تعانيها البلاد، وتتمثل في المواجهة بين سلطة الحكومة وبين استقلال الولايات، وتُعَدُّ مشاعر القومية الهندية قويةً للغاية وتكفي لمقاومة الميول الانفصالية لكن غياب الحكومة المركزية القوية يُعرقل النمو الاقتصادي ولا يسمح بإجراء الإصلاحات.
وتُعتبر الهند دولةً جمهوريةً رسمياً لكنها تُدار كدولةٍ اتحادية أو اتحاد كونفدرالي أحياناً إذ لا ترغب بعض الولايات الهندية في التعاون مع الولايات الأخرى ببساطة مما يضر بالبنية التحتية للبلاد، وزراعتها، وإدارة مواردها، وغيرها.
مشاكل الهند الإقليمية
بعيداً عن الأعمال العدائية المتبادلة بين باكستان والهند، لم تواجه الهند المعاصرة سوى تهديدات خارجية محدودة. حيث لا يمثل بقية جيرانها في الشمال أي تهديدٍ يذكر، لكن الصين تقع على الجانب الآخر من سلاسل الهيمالايا، وهنا تزداد الأمور تعقيداً، إذ يقول العديد من المحللين إن الهند والصين من المتنافسين المحتملين، لكن الواقع يقول إن قدرتهما على فرض الهيمنة محدودة للغاية.
- إن المراكز الحضرية الرئيسية في الصين تحيط بها ولايات حاجزة مثل منغوليا الداخلية ومنشوريا وأويغورستان والتبت
- قلب الصين ليس عرضة لخطر الهجوم البري
- تُعَدُّ التبت قضية حساسة واستراتيجية للغاية لأن التبت ستتحالف مع الهند في حال استقلالها
- ستتحول الهند عندها إلى تهديدٍ كبير بالنسبة للصين
- تدعم نيودلهي الدالاي لاما وحركة استقلال التبت منذ وقت طويل
الصين X الهند
ولذلك السبب يشعر الصينيون بارتياب كبير عندما يتعلق الأمر بالتبت كما يرون في دعم الهند للدالاي لاما تصرفاً عدوانياً.
- جاء الرد الصيني بتكوين حركة تمرد شيوعي في الهند، وقد توفي أكثر من 10,000 شخص منذ بدء القتال الذي يمثل أكبر صراع داخلي في تاريخ الهند.
- جاء الرد الصيني الآخر في صورة دعمٍ للحركة الشيوعية بنيبال, ولم تُظهر نيبال أي ردود فعل عدائية تجاه الهند لكن النفوذ الشيوعي في نيبال يُمثل الرد الصيني على سياسة الهند في التبت.
ولا تمتلك الهند أو الصين أي وسيلةٍ لمواجهة بعضهما البعض مباشرةً ولهذا تستخدمان وكلاء مثل التبت ونيبال لتحقيق أهدافهما، حيث تمتد الحدود الصينية الهندية بطول أعلى نقاط مرتفعات الهيمالايا، مما يعني استحالة عبور أي جيش كبير لتلك الحدود ناهيك عن الحفاظ على مرور خطوط الإمداد عبرها لفترةٍ طويلة.
جرى الصدام الكبير الوحيد بين الهند والصين عام 1962 ولم تكن حرباً حاسمةً في مجملها، حقق الصينيون نصراً عسكرياً لكن القومية الهندية حققت صعوداً كبيراً وجعلت شعب البلاد المتنوع أكثر اتحاداً من ذي قبل، مما يعني أن تلك الحرب ساعدت الهند في تكوين هويتها الفريدة.
بينما يوجد نزاع أراضٍ آخر بين بكين ونيودلهي على ولاية أروناجل برديش الواقعة شمال شرق البلاد، ولم يشهد هذا النزاع أي تصعيدٍ فعلي لكنه يُسلط الضوء على نقاط الضعف الهندية، فإذا نجحت الصين في إقامة شراكة استراتيجية مع بنغلاديش كما حدث في الشراكة الصينية الباكستانية، فسوف تواجه الهند تهديدين خارجيين على جانبين مختلفين من الخريطة.
ولهذا تشعر الهند بقلقٍ بالغ حيال توسُّع نفوذ البحرية الصينية في المحيط الهندي.
- إن جبهة بنغلاديش قد تكون أخطر من نظيرتها الباكستانية من المنظور الهندي
- هناك ممر ضيق يقع بين نيبال المدعومة من الصين وبين بنغلاديش
- يربط الممر ذاته بين أراضي الهند الرئيسية وبين منطقة آسام
- إذا تحالفت بنغلاديش ونيبال والصين معاً فقد ينجحون في فصل منطقة آسام عن بقية مساحة الهند
- ستتحول الأمور بعدها من سيءٍ إلى أسوأ
- تقع بنغلاديش في دلتا نهر الغانغ وهي قريبة جداً من قلب الهند
- وجود عددٍ كبير من البنغال الذين يعيشون على الجانب الهنـدي من الحدود في بنغال الغربية
ظهرت مقترحات لتكوين دولة موحدة للبنغال في الماضي لكنها لم تكلل بالنجاح. ومع ذلك فإن مجرد طرح فكرة بنغلاديش الكبرى تمثل ضربةً في قلب الهـند.
كشمير.. الضربة الأكبر
لا يتوقف التنافس الصيني الهنـدي عند هذا الحد، بل يُمكن القول إن أكبر قضية جارية اليوم ترتبط بكشمير، ويتضمن هذا الصراع الكثير من العناصر العاطفية والرمزية، لكن بُعده الاستراتيجي يُعتبر بسيطاً للغاية.
فكلما زادت سيطرة باكستان على أراضٍ في كشمير، زادت العلاقة الباكستانية الصينية عمقاً وقوة، مما يُشكل خطراً كبيراً بالنسبة للهنـد على المدى البعيد، ولهذا تريد الهنـد السيطرة على كشمير بالكامل حتى تقطع الطريق على الشراكة الباكستانية الصينية وتجعلها عديمة الجدوى، تُعَدُّ كشمير بالغة الأهمية في الاستراتيجيات طويلة المدى سواء بالنسبة لباكستان أو الهنـد.
النفوذ الهندي خارج شبه القارة
لم تبد الهنـد أي رغبةٍ في فرض نفوذها خارج شبه القارة الهنـدية لأن غالبية المناطق المجاورة لديها كثافات سكانية منخفضة ولا تمتلك ما يكفي من الموارد مثل الماء والأراضي الخصبة، وبالتالي لا يمكنها استيعاب عددٍ أكبر من السكان، وتعتمد الاستراتيجيات الجيوسياسية الهنـدية على العناصر الجغرافية.
- تحتاج البلاد أولاً إلى إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية جادة
- تحتاج لتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء
- تحتاج لمواجهة التمرد الشيوعي تقييد اليمين الهندوسي
- تحتاج إلى العثور على موارد جديدة من أجل مواكبة الاستهلاك المتزايد
- تحتاج لشكل أكثر كفاءة من البيروقراطية ودور الحكومة
- تطوير قواتٍ بحرية أفضل لتحمي طرق تجارتها البحرية وتتصدى لأي شكل من أشكال الغزو البحري
- تحتاج إلى قوات برية وجوية كبيرة لتأمين حدودها إذ تمثل الحواجز الجغرافية خط الدفاع الأول
- تحتاج إلى الاستحواذ على تقنيات عسكرية أكثر تقدماً لكن يجب عليها أن تتكتم على حجم قوتها العسكرية أيضاً
- تحتاج إلى إقامة علاقات أوثق مع جيرانها
وتتمثل أفضل طريقة لتحقيق ذلك في التوافق مع بنغلاديش وباكستان وإقامة علاقات جيدة مبنية على التجارة والتنمية، وتستطيع الهنـد مساعدة بنغلاديش ببناء السدود وغيرها من مشروعات الطاقة الكهرومائية مما سيرسي دعائم العلاقات الاستراتيجية طويلة الأجل ويحرم بنغلاديش من أي أسباب للتحالف مع الصين.
وبالنسبة لباكستان، يُمكن أن تحاول نيودلهي سلك المسار الدبلوماسي وتصلح علاقاتها مع إسلام آباد وتعثر على حل تدريجي لنزاع كشمير، لكن هذا السيناريو ليس مرجحاً، لأن الهـند تحتاج إلى السيطرة على كشمير وقطع الحدود بين الصين وباكستان إذا كانت تريد القضاء على النفوذ الصيني.
إقرأ أيضاً:
“ممر الهند أوروبا” و”طريق التنمية”… كيف ستغير مشروعات النقل خريطة الشرق الأوسط؟
شراكة استراتيجية بين الهند ومصر ضمن مساعي نيودلهي لمنافسة انتشار الصين
تعاون روسيا وإيران مع الهند لمواجهة عقوبات الغرب – ممر النقل الشمالي الجنوبي