الحدث
وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة الصينية بكين، الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول، للمشاركة في المنتدى الثالث لمبادرة الحزام والطريق، حيث تحتفل بكين بالذكرى العاشرة لمبادرتها لإنشاء بنية تحتية تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. وتعد زيارة الصين ثاني رحلة لبوتين -بعد زيارة قيرغيزستان في وقت سابق من نفس الشهر – منذ أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه في مارس/آذار الماضي بشأن جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا.
التحليل: الشراكة الروسية الصينية أبعد من مبادرة الحزام والطريق
- يشير حضور بوتين قمة الحزام والطريق إلى استمرار الاهتمام الصيني بتطوير الشراكة مع روسيا على حساب دول الاتحاد الأوروبي، إذ تدرك الصين أن مشاركة بوتين في المنتدى ستعني غياب عدد كبير من قادة أوروبا الذين يفرضون عقوبات على موسكو. وعلى الرغم من أن هذا الأمر يحد من جهود بكين لإظهار نفوذها العالمي المتنامي من خلال القمة الثالثة لمبادرة الحزام والطريق، لكنّه يشير إلى أن رهانات الصين باتت أقل على أوروبا، خاصة بعد انسحاب إيطاليا من مبادرة الحزام والطريق، وإعلان مجموعة السبع مبادرة “الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار” لمواجهة المبادرة الصينية.
- يتزايد اعتماد الاقتصاد الروسي على الصين، بما يؤدي لاتساع الخلل في ميزان العلاقات الثنائية لصالح الصين. ومع ذلك؛ فإن روسيا التي تعاني من عزلة دولية ترى الصين بمثابة شريان حياة مالي حاسم للاقتصاد الروسي. وتعد الصين أكبر مستورد للوقود الأحفوري الروسي وسوق مهمة للسلع الروسية، وتظهر البيانات أن التجارة الثنائية بين بكين وموسكو نمت بنسبة 36.5% خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2023، لتسجل 134.1 مليار دولار، ومن المتوقع بحلول نهاية العام أن تسجل 200 مليار دولار، متجاوزة الرقم القياسي المسجل العام الماضي والبالغ 190 مليار دولار.
- تسببت العزلة الاقتصادية والتكنولوجية المفروضة على روسيا خلال العام ونصف العام الماضيين في تغيير وجهة نظرها تجاه مبادرة الحزام والطريق، وأصبحت روسيا أكثر اهتماما بتوسيع مشاريع البنية التحتية المشتركة مع الصين، كما أن إعادة توجيه التجارة نحو آسيا أصبحت على رأس أولويات روسيا، الأمر الذي يجعل موسكو أكثر حرصاً على الاستثمار في ممرات الحزام والطريق واستخدامها، لكسب رسوم العبور وجذب الاستثمارات، وإعادة توجيه تدفقاتها التجارية من وإلى الصين وجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط.
- وفي هذا السياق يأتي تفعيل طريق بحر الشمال لتسريع وتيرة التجارة بين روسيا والصين، ودول آسيا والمحيط الهادئ عموما، وجعلها أقل تكلفة؛ حيث أعلنت شركة “غازبروم” الروسية، في 16 سبتمبر/أيلول الماضي، تسليم الغاز الطبيعي المسال للصين للمرة الأولى عبر طريق بحر الشمال في القطب الشمالي، حيث انطلقت الشحنة من محطة بورتوفيا في شمالي غرب روسيا، إلى في ميناء تانغشان في شمالي شرق الصين. وفي أكتوبر/تشرين أول الجاري، أعلنت روسيا، عن وصول أول سفينة تجارية قادمة من شنغهاي الصينية عبر طريق بحر الشمال، إلى بالتييسك في كالينينجراد الروسية على أبواب الاتحاد الأوروبي.
- تستفيد الصين بشكل كبير من أسعار النفط والغاز والسلع المخفضة التي توفرها روسيا، ولكن لاتزال بكين تشعر بالقلق من مخاطر التحالف بشكل وثيق مع موسكو، إذ إن ذلك من شأنه أن يزيد من توتر علاقة الصين مع أمريكا والدول الأوروبية. وتسعى بكين التي تعاني من تزايد وتيرة التباطؤ الاقتصادي إلى الحفاظ على استقرار علاقتها التجارية مع الغرب بقدر الإمكان، وتشير أغلب التوقعات إلى استمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني في الاتجاه نحو الانخفاض، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل النمو إلى 4.5% فقط في عام 2024 ثم ينخفض إلى 3% بحلول نهاية هذا العقد، وهي معدلات بعيدة كل البعد عن المعدلات التي تجاوزت 10% قبل عقد من الزمن.
- لم تسع روسيا إلى تعميق علاقاتها في مجال الطاقة مع الصين فقط من أجل إيجاد مسارات بديلة لصادراتها من النفط والغاز، ولكن أيضاً من أجل الوصول إلى تقنيات ومعدات التنقيب عن النفط والغاز التي حرمت منها بسبب العقوبات الغربية، وتسببت في إيقاف مشروعات ضخمة مثل مشروع تنمية النفط والغاز “سخالين 3”، وكذلك رغبة موسكو في توقيع عقود شراء للغاز الطبيعي طويلة الأجل مع الصين. بينما سعت الصين منذ الغزو الروسي إلى أوكرانيا إلى زيادة مشترياتها من النفط والغاز الروسي منخفض التكلفة حيث تستقبل الصين نحو مليوني برميل من النفط يوميا من روسيا، أي أكثر من ثلث إجمالي صادرات روسيا من النفط الخام.
- توقفت الصين منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عن المشاركة في أي مشاريع للطاقة داخل روسيا، بما في ذلك المشروع الضخم “قوة سيبيريا 2” (Power of Siberia-2)، وهو خط أنابيب غاز يمر عبر منغوليا ويمكن أن ينقل 50 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الروسي إلى الصين. وخلال زيارة بوتين إلى بكين، اكتفى الرئيس الصيني “شي” بإشارة دبلوماسية حول رغبة الصين في إحراز تقدم كبير في المشروع في أقرب وقت. ويشير استمرار الحذر الصيني إلى أن الشراكة الصينية الروسية التي أعلن الجانبان أنها “بلا حدود” في عام 2022، لا تزال تواجه حسابات الصين المعقدة إزاء حاجتها الحيوية للعلاقات التجارية مع الغرب.
- تتفق الصين وروسيا بصورة استراتيجية على مساعي تقويض الهيمنة الأمريكية وإنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما يعزز من آفاق الشراكة بين الجانبين رغم التباينات. حيث لا تخفي الشراكة الاستراتيجية التنافس التقليدي في آسيا الوسطى، والاختلافات الملحوظة إزاء بعض القضايا، خاصة في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا. حيث تعتمد رؤية الصين التوسعية للتكامل الاقتصادي مع الدول على الاستقرار السياسي، وعلى النقيض تعتمد روسيا في توسيع نفوذها على عدم الاستقرار السياسي ودعم الانقلابات العسكرية وتسويق خدماتها عبر مجموعة فاغنر، بما قد يتسبب في بعض الأحيان بأضرار للمصالح الصينية.
وترى موسكو أن بكين استفادت من انشغال أمريكا وروسيا في الحرب الأوكرانية وسعت إلى تكثيف نشاطها السياسي في الشرق الأوسط، الأمر الذي يثير تخوفات موسكو من أن يزاحم نفوذ بكين النفوذ الروسي بالشرق الأوسط. وكذلك؛ فإن الجهود التي تبذلها الصين لتحل محل روسيا كمورد للأسلحة لدول المنطقتين، والتي تستفيد من قيود العرض الروسية في وقت الحرب ومخاطر العقوبات الغربية، يمكن أن تتسبب في زيادة حدة التنافس بين روسيا والصين.