ملخص
● من المرجح في الفترة المقبلة أن يتنامى النفوذ الروسي في أفريقيا عموما، لكنّ من المتوقع أن تكون وتيرة هذا التنامي بطيئة وغير مستقرة، نتيجة العوامل التالية:
أولا: تأثير حرب أوكرانيا على مواصلة روسيا إمداد أفريقيا بالسلاح وتوفير المرتزقة، فضلا عن تأثيرها على خطط انتشارها العسكري الطموحة في الخارج بما تتطلبه من موارد ونفقات.
ثانيا: الضغوط الغربية على دول القارة للحد من تطوير التعاون العسكري مع روسيا، سواء بالعقوبات المحتملة، أو بالمنع من حزم التمويل الإنمائية والمساعدات.
وثالثا: حالة الاضطراب والهشاشة التي تعاني منها بعض دول القارة، والتي تجعل من إقامة تحالفات طويلة الأجل عملية مشكوك فيها. فكما أطاحت انقلابات عسكرية بحلفاء فرنسا، من المحتمل أن تطيح أخرى بحلفاء روسيا.
● لم تكن منطقة الساحل محط اهتمام روسي خاص حتى سنوات قريبة، حيث يعتبر حضور موسكو الاقتصادي في المنطقة ضعيفا، لكنّ روسيا وعلى الرغم من الحرب في أوكرانيا، أثبتت أنها تعرف كيفية الاستفادة من ضعف أنظمة الحكم وعدم الاستقرار والفراغ الأمني في المنطقة، ونجحت في تأسيس نفوذ في الإقليم الهش سياسيا وأمنيا، وقدمت نموذجا مفيدا لقادة بعض دول الساحل الطامحين لتثبيت حكمهم العسكري، خاصة أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينافاسو.
● تستثمر روسيا في الاضطراب بباقي دول منطقة الساحل، وتعمل على تغذية عوامل عدم الاستقرار لخلخلة موازين القوة المستقرة منذ عقود، كما في السودان وتشاد، باعتبار أن اضطراب المنطقة يؤمن لروسيا خط نقل بري يمتد من قواعدها العسكرية في ليبيا إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
● وبينما جاء انقلاب النيجر والمنطقة بالأساس نتيجة ديناميات داخلية استثمرها الروس، ولم يصنعوها، فإن نموذج الدعم الروسي القائم على تقديم خدمات أمنية سهلة ومدفوعة لتثبيت أنظمة الحكم العسكرية ليس من المرجح أن يساهم في تلبية تطلعات شعوب دول المنطقة، التي لا تهتم بالصراع الروسي الغربي بقدر اهتمامها بتحسين ظروف بلادهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ومعالجة جذور عدم الاستقرار الإقليمي؛ وهي أمور لا تبدو روسيا قادرة على تقديمها. لذلك؛ فإن نفس الأسباب التي أنتجت السخط الشعبي على التواجد الغربي في المنطقة، ليس من المستبعد أبدا أن تعمل ضد روسيا مستقبلا.
مقدمة:
- في 27 أبريل/نيسان 2022، أقر مجلس النواب الأمريكي “قانون مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة في أفريقيا” ((Countering Malign Russian Activities in Africa Act بأغلبية ساحقة (419/9)، والذي دعا إلى “محاسبة الاتحاد الروسي والحكومات الأفريقية ومسؤوليها المتواطئين في مساعدة مثل هذا التأثير والأنشطة الخبيثة”، وألزم وزير الخارجية بـ”المراقبة والإبلاغ عن عمليات التأثير السياسي والتضليل الروسي وأنشطة المتعاقدين العسكريين الروس أو المتصلين بروسيا أو الممولين من روسيا في إفريقيا.”
- نص القانون بصورة خاصة على تقديم وزير الخارجية، بصورة دورية، تقريرا حول “(1) التلاعب بالحكومات الأفريقية وسياساتها، وكذلك الآراء العامة وتفضيلات التصويت للسكان الأفارقة ومجموعات الشتات، بما في ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة؛ و(2) الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية في أفريقيا أو الانخراط فيها أو التحكم فيها، مثل التعدين والأشكال الأخرى لاستخراج الموارد الطبيعية واستغلالها، والقواعد العسكرية واتفاقيات التعاون الأمني الأخرى، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.”
- لم يُعَرّف القانون “الأنشطة الخبيثة” سوى أنها “تقوض المصالح والأهداف الأمريكية”، وبدا أن الخطوة الأمريكية تستهدف آنذاك جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، نظرا لتعاقدهما مع مجموعة فاغنر. بالإضافة إلى التلاعب بالعملية الديمقراطية كما في حالتي زيمبابوي ومدغشقر. لكنّ الخطوة الأمريكية تستهدف أكثر تحذير دول القارة التي أظهرت دعما متواضعا لجهود الولايات المتحدة والغرب لمعاقبة روسيا عقب غزو أوكرانيا، بالإضافة إلى منع روسيا من فرصة “سرقة الموارد في أجزاء من أفريقيا والتلاعب بها واستغلالها للتهرب من العقوبات وتمويل الحرب في أوكرانيا”، على حد تعبير نائب عن الحزب الديمقراطي، “ويلدون ميكس”.
- تواضع دعم دول القارة للموقف الغربي ضد روسيا ظهر بصورة صادمة حين اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 مارس/آذار 2022، بأغلبية 141 دولة، قرارا يشجب “بأشد العبارات” العدوان الروسي على أوكرانيا. حيث أظهر التصويت أن حوالي نصف دول القارة ليس لديها الرغبة في إدانة روسيا؛ فمن بين 35 دولة امتنعت عن التصويت، توجد 15 دولة أفريقية: الجزائر، السودان، جنوب السودان، مالي، أفريقيا الوسطي، السنغال، أنغولا، بوروندي، الكونغو، مدغشقر، موزمبيق، ناميبيا، جنوب أفريقيا، أوغندا، زيمبابوي، بينما تغيبت 9 دول أفريقية عن التصويت أصلا: المغرب، إثيوبيا، بوركينافاسو، الكاميرون، إسواتيني، غينيا الاستوائية، غينيا، غينيا بيساو، توجو.
أفريقيا في الاستراتيجية الروسية الواسعة
- عقب ترحيب الناتو في قمة الناتو 2008 في بوخارست بمساعي انضمام جورجيا وأوكرانيا للحلف، ثم حرب جورجيا، أدرك الرئيس الروسي أن التنافس الجيوسياسي مع الغرب يمضي نحو المواجهة، وأظهرت التقديرات الروسية نقاط ضعف واضحة في التوازن البحري بين روسيا والناتو في البحر الأسود والمتوسط. لذلك؛ شرعت روسيا في إعادة بناء تواجدها البحري الاستراتيجي، بدءا من البحر الأسود بما يضمن لها تأمين أراضيها المباشرة، وما يتطلبه ذلك من تعزيز التواجد في البحر المتوسط لمنع عزلها في البحر الأسود من قبل الناتو، وحرمانها من الوصول للمحيطات.
- وفي 31 يوليو/تموز 2022، أقر “بوتين” الاستراتيجية البحرية الروسية الجديدة التي تنهي سابقتها السائدة منذ 2001، وتولي تركيزا متزايد على المحيطين القطبي الشمالي والهادي، بما يجعل روسيا حلقة وصل بينهما ويمنحها دورا بحريا دوليا استراتيجيا، وهو ما يتطلب التواجد البحري لروسيا على خط يشمل البحر المتوسط والأحمر وباب المندب والمحيط الهندي.
- وهكذا؛ ودون إهمال الدوافع الأخرى، تبدو مسألة أفريقيا بالنسبة لروسيا مرتبطة بشكل وثيق بالاستراتيجية البحرية الروسية، خاصة مناطق مثل مصر وليبيا والجزائر والسودان، بالإضافة إلى منطقة القرن الأفريقي التي تتحكم في باب المندب والبحر الأحمر، وهو ما يظهر في العلاقات مع السودان وإريتريا وأثيوبيا، وصولا إلى مدغشقر وموزمبيق جنوبا.
- تزايد الاهتمام الروسي بأفريقيا بعد العقوبات الغربية التي فُرضت على موسكو عقب احتلال القرم، حيث تعمل روسيا على تعزيز دورها في أفريقيا بحيث تكون لاعبا لا يمكن تجاوزه في القارة، وبما يفرض على الغرب التنسيق معه لمكافحة التمردات وتقليل الاضطرابات، ويعطي لموسكو أوراق قوة دولية إضافية.
- تدرك روسيا أن فرصتها محدودة جدا لمنافسة النفوذ الاقتصادي الصيني والغربي في أفريقيا. حيث لا تستطيع روسيا مجاراة صادرات الصين السلعية ولا إنفاقها على المنح والبنية التحتية، كما لا يمكنها مجاراة مبادرات الغرب التنموية، وعلاقاته التجارية طويلة الأجل مع دول القارة.
لذلك؛ تعتمد روسيا على استراتيجية بديلة لتعزيز نفوذها في أفريقيا، تشمل:
أولا: دعم التوجهات المناهضة للوجود الغربي. فقد اعتبر وزير الخارجية “سيرجي لافروف” في شباط/فبراير أمام لجنة الشؤون الخارجية للحزب الحاكم في روسيا، الاستعمار الأمريكي والفرنسي السبب الرئيسي لعدم المساواة العالمية، وأكد لافروف دعم موسكو جهود الأفارقة للرد على الغرب، والعمل مع شركاء أجانب في أفريقيا لمواجهة ما أسماه “الاستعمار الأوروبي” باعتبار ذلك جزءا من السياسة الخارجية لروسيا.
ثانيا: استخدام نفوذ روسيا في مجلس الأمن لصالح حلفائها في أفريقيا. حيث عارضت روسيا فرض عقوبات على جنوب السودان عام 2019، وأفريقيا الوسطى عام 2020، وامتنعت عن التصويت ضد أي دولة أفريقية.
ثالثا: العمل كمزود للأمن الداخلي في عدة دول أفريقية. وذلك من خلال:
- السعي لتواجد عسكري دائم، حيث تقدمت روسيا بطلب لإنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي، لكن الطلب رفض نتيجة ما يعتقد أنها ضغوط أمريكية وربما صينية أيضا، ومن ثم تناقش موسكو فرصا بديلة في 6 دول أفريقية أخرى هي مصر والسودان وإريتريا وأفريقيا الوسطى ومدغشقر وموزمبيق.
- توريد الأسلحة، حتى أصبحت روسيا أكبر مورد أسلحة لأفريقيا بنسبة 44% بين 2017-2021 معظمها إلى مصر والجزائر. وفي نفس الفترة، صدرت روسيا أسلحة إلى 22 دولة أفريقية من أصل 54، تليها الولايات المتحدة 17%، الصين 10%، ثم فرنسا 6.1%.
- العمل كمزود للأمن، من خلال الاتفاقيات وخدمات الشركات خاصة مثل مجموعة فاغنر. حيث أصبح لدى روسيا اتفاقيات تعاون عسكري مع 36 دولة أفريقية (تشمل التسليح والتدريب والاستشارات)، ست اتفاقيات منها وقعت عامي 2021 و2022 مع إثيوبيا والغابون وموريتانيا ونيجيريا ومدغشقر والكاميرون؛ وعشرون اتفاقية بين 2017–2021، نصفها على الأقل مع دول لم تربطها علاقات سابقة مع روسيا.
- في ضوء ذلك؛ يظل من المرجح في الفترة المقبلة أن يتنامى النفوذ الروسي في أفريقيا عموما، لكنّ ثمة عوامل من المتوقع أن تجعل وتيرة هذا التنامي بطيئة وغير مستقرة، هي:
- أولا: تأثير حرب أوكرانيا على مواصلة روسيا إمداد أفريقيا بالسلاح وتوفير المرتزقة، فضلا عن تأثيرها على خطط انتشارها العسكري الطموحة في الخارج بما تتطلبه من موارد ونفقات.
- ثانيا: الضغوط الغربية على دول القارة للحد من تطوير التعاون العسكري مع روسيا، سواء بالعقوبات المحتملة، أو بالمنع من حزم التمويل الإنمائية والمساعدات.
- وثالثا: حالة الاضطراب والهشاشة التي تعاني منها بعض دول القارة، والتي تجعل من إقامة تحالفات طويلة الأجل عملية مشكوك فيها. فكما أطاحت انقلابات عسكرية بحلفاء فرنسا، من المحتمل أن تطيح أخرى بحلفاء روسيا.
أفول فرنسا وصعود روسيا في منطقة الساحل
- منطقة الساحل الأفريقي هي المساحة الشاسعة الممتدة من إريتريا والسودان على البحر الأحمر، وحتى موريتانيا على المحيط الأطلسي. كثير من دول المنطقة هي مستعمرات فرنسية سابقة، ما جعلها تقليديا مناطق نفوذ أمني واقتصادي فرنسي، وبالأخص دول مجموعة الساحل الخمس: بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر.
- منذ عام 2012، تشهد المنطقة اضطرابات وتمردات مسلحة استدعت تدخلا دوليا بقيادة فرنسا، في عمليتي سيرفال في مالي وبرخان في دول الساحل، ولكن الفرنسيين لم يحققوا نتائج مرضية، بل انتشرت عدوى الاضطراب في باقي الدول وتفاقمت الأزمات الإنسانية وموجات النزوح على مدار العقد الماضي، مما أثار سخط السكان الذين اعتبروا تدخل فرنسا تجديدا للحقبة الاستعمارية، وتصاعد بالتالي الخطاب والتوجهات المعادية لفرنسا.
- في 26 يوليو/تموز، نفذ الحرس الرئاسي في النيجر، بقيادة “عبد الرحمن تشياني”، انقلابا عسكريا على الرئيس المنتخب “محمد بازوم” المدعوم غربيا. وسبق انقلاب النيجر انقلابان في مالي عامي 2020 – 2021، الأول على الرئيس “بوبكر كيتا” المدعوم فرنسياً، والثاني على الحكومة الانتقالية التي شكل الشق المدني فيها حلفاء فرنسا، وتحالف المجلس العسكري الجديد بقيادة الجنرال “عاصمي غوتا ” مع روسيا كبديل عن القوات الفرنسية والأوروبية التي تم طردها.
- وفي بوركينا فاسو، حيث تسيطر الحكومة على 60% فقط من مساحتها، قاد الكابتن “إبراهيم تراوري” من “وحدة كوبرا لمكافحة التمرد” ما أطلق عليه “انقلاب النقباء” (captains’ coup) والذي أطاح بالقائد العسكري “بول هنري دامبيا” في أكتوبر/تشرين أول 2022 قبل انتهاء عام على انقلابه على الرئيس البوركيني كابوري. وكما في مالي، طرد الكابتن “تراوري” القوات الفرنسية وشرع في تطوير العلاقات الأمنية مع روسيا ووكيلها فاغنر.
- قبل هذه التطورات بأعوام قليلة؛ توسطت روسيا في إعفاء من حظر مجلس الأمن على توريد الأسلحة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عام 2017، وفور رفع الحظر، أرسلت موسكو بسرعة أسلحة ومدربين عسكريين من مجموعة فاغنر إلى ذلك البلد. في المقابل، سحبت فرنسا قواتها بنهاية عام 2022.
- بالنظر إلى خريطة منطقة الساحل، فمنذ عام 2017 أصبح الروس متواجدين في 5 دول منها (إريتريا – السودان – أفريقيا الوسطى – مالي – بوركينا فاسو). كما قدموا عن طريق مجموعة فاغنر دعماً للجماعات المتمردة في تشاد التي تقع في وسط منطقة الساحل، ولها حدود مفتوحة نسبيًا مع جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا والسودان، بهدف الإطاحة بحكومة الرئيس التشادي المؤقت “محمد إدريس ديبي” بالتعاون مع قوات الدعم السريع التي تتقاتل ضد الجيش السوداني في الوقت الحالي وتحصل أيضا على إمدادات عسكرية ولوجستية من قوات فاغنر.
روسيا في منطقة الساحل: اغتنام الفرص وليس صناعتها
- لم تكن منطقة الساحل محط اهتمام روسي خاص حتى سنوات قريبة، ويعتبر حضور موسكو الاقتصادي في المنطقة ضعيفا، لكنّ روسيا نجحت في تأسيس نفوذ في الإقليم الهش سياسيا وأمنيا، حيث استغلت عدم الاستقرار بالمنطقة، وأخطاء السياسة الغربية وفشلها في معالجة أسباب الاضطرابات في دول المنطقة المضطربة، وعملت على تعزيز المشاعر المعادية للوجود الفرنسي والغربي. كما مكن الانسحاب الفرنسي الروس من الدخول إلى هذه الدول دون وجود منافس.
- قدمت روسيا نموذجا إيجابيا لقادة بعض دول الساحل الطامحين لتثبيت حكمهم العسكري، بالتدخل في أفريقيا الوسطى عام 2017 لفك الحصار الدولي عن طريق التوسط لإعفائها من حظر توريد الأسلحة، وأرسلت موسكو أسلحة ومدربين عسكريين من مجموعة فاغنر لدعم قوات الأمن الداخلي في كبح جماح التمرد المسلح.
- ومع الانسحاب الفرنسي من مالي وبوركينا فاسو احتضنت موسكو النظام الجديد في كلا البلدين وقدمت لهما الدعم العسكري والأمني مقابل عقود تعدين مربحة؛ مستغلة حاجة القادة الجدد إلى تعزيز شرعيتهم وتدريب قواتهم الأمنية لإحكام السيطرة. وفي المقابل تحصد روسيا الموارد الطبيعية الموجودة بوفرة في هذه الدول لتجاوز العقوبات المفروضة عليها.
- نشر كل من الجيش الروسي ومجموعة فاغنر مئات (ربما 1000) المدربين في مكافحة التمرد في مالي لدعم قوات الأمن في البلاد لمحاربة الجماعات المسلحة. ومن المحتمل أن يعاد تركيز مجموعة فاغنر من الحرب في أوكرانيا إلى أفريقيا، وبالتالي تعزيز وجود المجموعة في مالي بشكل كبير. وإذا وسعت مجموعة فاغنر عملياتها في مالي، فسيؤدي ذلك بلا شك إلى فرض المزيد من القيود على بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي (مينوسما MINUSMA)، والتي تبلغ نحو 15 ألف جندي، وسيكون انسحابها أكثر احتمالا.
- اتفق المجلس العسكري المالي بقيادة العقيد “عاصمي غويتا” على خريطة طريق مع الإيكواس لإجراء الانتخابات عام 2024 ونقل السلطة إلى إدارة مدنية. لكن بعد إقرار دستور جديد في استفتاء شعبي يونيو/حزيران 2023، بات واضحا أن “غوتا” سيكون هو المرشح الأكثر احتمالا للفوز بالانتخابات الرئاسية، وأن الإدارة العسكرية ستواصل نفوذها في النظام الجديد. لذلك؛ من المرجح استمرار السياسة المعادية للغرب، وربما تبني خطوات أكثر ثورية مثل سحب البلاد من مجال نفوذ فرنسا الاقتصادي والمالي في الاتحاد النقدي UEMOA الذي يستخدم عملة CFA الفرنسية المضمونة ومن البنك المركزي الإقليمي BCEAO.
- عقب الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو، أصبحت النيجر الركيزة الأساسية للتواجد الفرنسي والأمريكي في دول الساحل. وعلى الرغم من عدم وجود علاقة لروسيا بانقلاب النيجر، فإنه بات يمثل تهديدا للنفوذ الغربي، خاصة مع شجب المجلس العسكري اتفاق التعاون الأمني مع فرنسا، وإرسال الولايات المتحدة مؤشرات على احتمالية سحب قواتها، وإن كان مازال غير مؤكد.
- ومع تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس بازوم للحكم، أعلن الحكام العسكريين في مالي وبوركينا فاسو، الموالين لروسيا، عن دعمهم لانقلاب النيجر، واعتبروا أن أي تدخل عسكري سيمثل إعلان حرب عليهما، وهو ما يجعل من التدخل العسكري سيناريو غير مرجح، خاصة مع رفض أطراف أخرى مثل الجزائر. ومن المرجح أن تؤدي الضغوط الغربية والعقوبات، حال تصاعدها، إلى دفع قادة المجلس العسكري في النيجر إلى تعزيز التحالف مع مالي وبوركينافاسو، وبالتالي مع روسيا.
- تستثمر روسيا أيضا في الاضطراب بباقي دول منطقة الساحل، وتعمل على تغذية عوامل عدم الاستقرار لخلخلة موازين القوة المستقرة منذ عقود. ففي السودان تدعم بقوة قوات الدعم السريع ضد الجيش، وفي تشاد وسط الساحل تعمل على تقوية حركات المعارضة المسلحة وتقدم لهم الدعم العسكري. باعتبار البلدين بؤرا ملتهبة من المهم للروس خلخلة موازين القوى فيها لتميل لصالحها على غرار أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو، باعتبار أن اضطراب المنطقة يؤمن للروس خط نقل بري يمتد من قواعدها العسكرية في ليبيا إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
خاتمة: حدود النفوذ الروسي في منطقة الساحل
- على الرغم من الحرب الروسية في أوكرانيا، أثبتت موسكو أنها تعرف كيفية الاستفادة من ضعف أنظمة الحكم وعدم الاستقرار والفراغ الأمني في منطقة الساحل. حيث ضاعفت روسيا من تركيزها على المنطقة، وأوجدت من خلال دورها كمزود للأمن موطئ قدم لها في بلدان مثل أفريقيا الوسطى، مالي، وبوركينا فاسو، مستفيدة من انتشار العنف، والمشاعر المتزايدة المعادية لأوروبا، والفشل طويل الأمد للأطراف الفاعلة الدولية والمحلية في معالجة أسباب عدم الاستقرار الإقليمي.
- إن سكان المنطقة التي تعاني من أزمات اقتصادية وبيئية وسياسية وأمنية لسنوات طويلة، غير معنيين بالصراع الروسي الغربي بقدر رغبتهم في تحسين ظروفهم الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وخلق استقرار في محيطهم الجغرافي.
- وبينما جاءت انقلابات المنطقة بالأساس نتيجة ديناميات داخلية استثمرها الروس واستفادوا منها، ولم يصنعوها، فإن نموذج الدعم الروسي القائم على تقديم خدمات أمنية سهلة ومدفوعة لتثبيت أنظمة الحكم العسكرية ليس من المرجح أن يساهم في تلبية تطلعات شعوب دول المنطقة، ولا أن يعالج جذور عدم الاستقرار الإقليمي، المتمثل في الحكم السيئ، والمعاناة الإنسانية، والآثار المدمرة لتغير المناخ، والجماعات المسلحة؛ وهي أمور تتطلب حلاً متعدد الأطراف معززا بالموارد الجيدة. لذلك؛ فإن نفس الأسباب التي أنتجت السخط الشعبي على التواجد الغربي في المنطقة، ليس من المستبعد أبدا أن تعمل ضد روسيا مستقبلا.
إقرأ أيضاً:
سيناريوهات انقلاب النيجر وتداعياته
قوات فاجنر في مالي..صراعات النفوذ بين روسيا وفرنسا داخل أفريقيا
انقلاب النيجر يفاقم أزمات غرب أفريقيا ويهدد مصالح القوى الدولية
كيف تخوض روسيا حرباً سرية في إفريقيا عبر فاغنر؟
من الاقتصاد والثقافة إلى الأمن والتسليح.. نضوج النفوذ التركي في أفريقيا