الحدث
في زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى واشنطن خلال الفترة من 21 إلى 23 يونيو/حزيران، استضاف الرئيس الأمريكي “جو بايدن” رئيس الوزراء الهندي في البيت الأبيض كما اجتمع “مودي” مع وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين”، ووُصفت الزيارة بأنها نقطة تحول رئيسية في العلاقات الثنائية بين البلدين.
التحليل: زيارة مودي إلى واشنطن بداية تحالف أمريكا والهند لاحتواء صعود الصين
مهدت زيارة وزير الدفاع الأمريكي، “لويد أوستن”، إلى نيودلهي في يونيو/حزيران الماضي الأرضية لزيارة مودي إلى واشنطن. وقد اتفق الجانبان خلال زيارة “أوستن” على خارطة طريق لتعزيز التصنيع الدفاعي في الهند عبر نقل التقنيات الأمريكية وتشجيع عمليات البحث والتطوير المشتركة، وتقليل العقبات البيروقراطية الخاصة بإجراءات بيع الأسلحة الأمريكية، وتعزيز قابلية التشغيل البيني العسكري.
- خلال زيارة مودي إلى واشنطن، تم الإعلان عن مذكرة تفاهم بين شركة جنرال إلكتريك وشركة هندوستان للصناعات الجوية تختص بتصنيع 99 محركًا نفاثًا أمريكيا من طراز GE F414 في الهند في أول عملية نقل تكنولوجيا لصناعة الأسلحة من الولايات المتحدة إلى بلد لا توجد معه معاهدة دفاع مشترك، كما تم الاتفاق على تجميع 31 طائرة بدون طيار MQ-9B في الهند، وهو ما يُضاف إلى اتفاق نيودلهي على شراء 200 طائرة بوينج أمريكية. بالإضافة لذلك؛ وبهدف استبعاد الشركات الصينية من سلاسل التوريد التكنولوجية المحلية، اتفق الجانبان على مواءمة أنظمة مراقبة الصادرات الخاصة بسلسلة توريد أشباه الموصلات.
- تشير استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الصادرة في عام 2022 إلى ضرورة تنشيط شبكة التحالفات والشراكات بهدف الاحتفاظ بالحضور الأمريكي عالميا، لذا تسعى واشنطن لتعزيز شراكاتها مع الهند في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية بهدف احتواء الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فالهند هي الدولة الأكبر عالميا من حيث عدد السكان، وهي تمثل حلقة وصل بين جنوب وغرب آسيا، كما أن لديها نزاعا حدوديا مع الصين التي تطالب بنحو 90 ألف كم مربع من الأراضي الهندية، وقد زودت واشنطن الهند بطائرتين متطورتين بدون طيار لأعمال المراقبة والاستطلاع عندما تجدد التوتر على الحدود بين الصين والهند عام 2020.
- اتخذت العلاقات الثنائية بين واشنـطن ونيودلهي شكلا مؤسسيا منذ عام 2018 عبر الحوار الثنائي “2 زائد 2” بمشاركة وزراء خارجية ودفاع البلدين، كما تعمل الولايات المتحدة على دمج الهنـد في عدد من الشراكات متعددة الأطراف بهدف ربط الهنـد بعدد من أقرب شركاء أمريكا، كما هو الحال في الحوار الأمني الرباعي “كواد” الذي يضم الولايات المتحدة والهنـد واليابان وأستراليا، والذي أعيد تفعيله منذ عام 2017. وكذلك تحالف “I2U2” الذي يشمل الهنـد والولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل، والذي بدأ انعقاده في عام 2022، ويركز على الجوانب الاقتصادية مثل الأمن الغذائي، المياه، والطاقة النظيفة، والابتكار التكنولوجي، والصحة، والنقل.
- تسعى واشنـطن إلى الحد من اعتماد شركائها الاقتصادي على بكين، وذلك بهدف عرقلة التمدد الصيني في غرب وجنوب آسيا لا سيما في مجالات الاستثمار والابتكار والتكنولوجيا، مما يُحجم مشروع الحزام والطريق. وبدلاً من الاكتفاء بالضغط على حلفاء واشنـطن، مثل الإمارات وإسرائيل، لتقليص الاستثمار الصيني في الموانئ والبنية التحتية للاتصالات، تشجعهم واشنـطن على التوجه نحو الهنـد. وعلى سبيل المثال، حصلت شركة Adani الهنـدية على عقد لإدارة محطة في ميناء حيفا الإسرائيلي بدلا من شركات صينية بعد تحفظ واشنـطن.
- تسعى الهنـد لتحقيق أهداف استراتيجية من تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، وفي مقدمتها تحديث جيشها من خلال الحصول على التقنيات الأمريكية المتقدمة، وتطوير المعرفة والصناعات الدفاعية المحلية، مما يدعم صعودها كقوة عظمى قادرة على موازنة الصين بشكل مستقل، فبينما تنفق الولايات المتحدة 13% من ميزانيتها الدفاعية على البحث والتطوير، تنفق الهنـد نحو 1% فقط.
- تطرح الهنـد نفسها كشريك لواشنـطن في مكافحة الإرهاب بجنوب آسيا أكثر موثوقية من باكستان؛ حيث ترى نيودلهي أن انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي من أفغانستان أدى إلى تقلص في القدرات الأمريكية لجمع المعلومات الاستخبارية البشرية، كما أضعف علاقات واشنـطن بإسلام أباد في ظل الاستغناء عن طرق الإمداد الباكستانية، وانخراط باكستان في مبادرة الطريق والحزام مع الصين.
- أيضا تعمل الهنـد على توظيف موقعها الجغرافي للحصول على مكاسب من التنافس الأمريكي الصيني، حيث عرض وزير الدفاع الهنـدي “راجناث سينغ” على نظيره الأمريكي إعطاء الأولوية للهند لتصبح مركزًا لوجستيًا عسكريًا رئيسيًا يلبي متطلبات الجيش الأمريكي، ويقدم خدمات التزود بالوقود والدعم اللوجستي للطائرات والسفن الأمريكية.
- في ضوء ذلك؛ من المرجح أن يتوسع التعاون الهنـدي الأمريكي، ليشمل تعزيز التحالفات الأمنية الثنائية، وتوسيع التجارة والاستثمار. فالهنـد لا تطالب بأي ضامن خارجي للأمن، كما أن عدد سكانها الكبير واقتصادها وموقعها يجعلها قوة موازنة للصين.
- لكن وفي ذات الوقت؛ ستعمل نيودلهي على توازن علاقاتها بحيث لا يؤدي توثيق علاقاتها مع واشنـطن إلى توتير علاقاتها مع دول أخرى، فقد تجنبت نيودلهي إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، كما أنها تتحفظ على المشاركة في أي ترتيب دفاعي يتطلب منها الانخراط في العمليات العسكرية الأمريكية المحتملة ضد الأنشطة الصينية في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، وهو ما يضع حدودا لمستوى تحالفها مع واشنـطن حتى الآن.