الحدث
أجرت أستراليا تغييرا جذريا في إنفاقها العسكري، وصف بأنه أهم مراجعة لاستراتيجيتها الدفاعية منذ عقود، حيث أعلنت يوم الإثنين 24 أبريل/نيسان 2023، عن “المراجعة الاستراتيجية الدفاعية”، والتي أوصت بتوجيه أولويات الإنفاق نحو شراء صواريخ بعيدة المدى وطائرات بدون طيار، وتعزيز التصنيع الدفاعي المحلي. ووصفت المراجعة الاستراتيجية التنامي العسكري الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ بأنه الأكبر والأكثر طموحا مقارنة بأي دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية، كما أشارت إلى أن الولايات المتحدة، أكبر حليف دفاعي لأستراليا، “لم تعد الزعيم أحادي القطب للمنطقة”.
التحليل: أستراليا وجهود الحفاظ على توازن القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادي
تأتي المراجعة الاستراتيجية التي قامت بها وزارة الدفاع الأسترالية إلى جانب اتفاقية “أوكوس” (Aukus)، وهي شراكة دفاعية ثلاثية تجمع “كانبرا” مع “واشنطن” و”لندن” وتتمحور حول الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، في إطار جهود أستراليا المتواصلة لإعادة هيكلة قدراتها العسكرية، وذلك لمواجهة توسع الوجود العسكري الصيني ومحاولات بكين فرض الهيمنة الإقليمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك المخاوف المتزايدة من قيام بكين بغزو عسكري لتايوان وما يمكن أن يشكله من تهديدات مباشرة للمصالح الأسترالية في المنطقة.
- ترتكز المراجعة على ضرورة مواكبة استراتيجية الإنفاق الدفاعية الأسترالية للتغيرات التي طرأت على تكنولوجيا الصواريخ المتطورة، والتي بات اعتماد أستراليا الطويل على بعدها الجغرافي أمراً غير ذي جدوى، حيث يقلل بروز الصواريخ المتطورة وفائقة السرعة في الحرب الحديثة بشكل جذري من فوائد الجغرافيا والمسافات الشاسعة التي كانت تعد أحد أعظم الأصول الدفاعية لأستراليا. لذلك؛ ترسخت لدى صانعي السياسات في أستراليا قناعة بأن الوضع الدفاعي للبلاد لم يعد ملائماً للبيئة الاستراتيجية الحالية، مما يتطلب تعزيز القدرات العسكرية واعتماد استراتيجية الردع بعيد المدى، إلى جانب بناء علاقات أقوى مع الحلفاء والقوى الرئيسية في المنطقة، بما في ذلك اليابان والهند.
- تـأتي الاستراتيجية الجديدة لأستراليا في أعقاب إعلان كل من اليابان وكوريا الجنوبية، أواخر العام الماضي، عن توجهات استراتيجية أمنية جديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وبينما تؤدي تلك الخطوات إلى تحفيز مخاوف الصين أكثر، وتزايد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، فإنها تؤكد في الوقت نفسه أن حلفاء الولايات المتحدة في الإقليم، أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، أصبحوا في وضع غير مسبوق للعب دور بارز في تشكيل الأوضاع الأمنية في المنطقة في المستقبل المنظور.
- من المتوقع أن يكلف الإنفاق الدفاعي أستراليا حوالي 12.7 مليار دولار على مدى السنوات الأربع القادمة، حيث سيأتي ما يناهز 8 مليار دولار من ميزانية الإنفاق من خلال خفض أو قطع التمويل عن بعض المشاريع المرتبطة بالتسليح التقليدي وتحويلها نحو امتلاك الصواريخ والطائرات بدون طيار. فعلى سبيل المثال؛ خفضت أستراليا في أعقاب الإعلان عن المراجعة الاستراتيجية مخططات شراء 450 مركبة مشاة من ألمانيا وكوريا الجنوبية، كما ستنفق نحو 2.7 مليار دولار لزيادة مخزونها من الصواريخ بعيدة المدى، وبناء على ذلك؛ سيوسع الجيش الأسترالي نطاق أسلحته من 40 كم فقط إلى مدى صاروخي أولي يبلغ 300 كم، مع مخططات لامتلاك صواريخ هجومية دقيقة، سيتجاوز مدى الصواريخ الأسترالية 500 كم.
- في المقابل؛ سمحت الصين في مطلع يناير/كانون أول الماضي للشركات المحلية باستئناف استيراد الفحم الأسترالي، الذي كان محظوراً منذ عام 2020. ويمثل تخفيف القيود الصينية على الصادرات الأسترالية -تزامنا مع إعادة الصين بث المحتوى الإعلامي الكوري الجنوبي بعد حظر دام خمس سنوات- تحولاً بارزاً في نهج الصين تجاه إصلاح العلاقات الاقتصادية التي تضررت في السنوات الأخيرة مع شريكين تجاريين رئيسيين مثل أستراليا وكوريا الجنوبية.
- لا تسعى بكين من خلال تلك الخطوات إلى إعادة إنعاش اقتصادها بعد أن أنهت إجراءات الاغلاق الصارمة لفيروس كورونا، ولكن أيضا إلى إبطاء تشكيل تحالف مناهض لها بقيادة واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكنّ استراتيجية أستراليا الدفاعية الجديدة تؤكد أن الخطوات الصينية لتخفيف التوترات التجارية مع أستراليا من غير المتوقع أن تدفع الأخيرة إلى تخفيف سياستها الأمنية والدفاعية أو إنهاء التزامها بالشراكة الأمنية الرباعية “كواد” مع الولايات المتحدة والهند واليابان أو تحالف “أوكوس”.
إقرأ أيضاً:
استراتيجيتا اليابان وكوريا الجنوبية: تحالف استراتيجي مع الغرب لاحتواء الصين
نمو البحرية الصينية .. ما أهداف بكين لعامي 2030 و 2050؟
ما هي اتفاقية “أوكوس” التي قد تشعل حرب تسلح إقليمية في المحيط الهادئ؟
زيارة “شي” إلى موسكو: الصين وروسيا تعززان شراكة إنهاء نظام القطب الواحد