الحدث
اختتم مساء الأحد، 26 فبراير شباط 2023، قمة العقبة الخماسية التي استضافتها الأردن بمشاركة مصر وفلسطين والولايات المتحدة و”إسرائيل”، حيث أعلن المشاركون في بيان التزام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بجميع الاتفاقات السابقة بينهما، والعمل على منع المزيد من العنف، ووضع حد للتدابير أحادية الجانب لمدة تتراوح بين 3-6 أشهر، خاصة التزام إسرائيل بوقف مناقشة أي وحدات استيطانية جديدة لأربعة أشهر ووقف منح التصاريح لأي بؤر استيطانية لستة أشهر.
التحليل: خطة استعادة الثقة بين السلطة والاحتلال في قمة العقبة
- تأتي القمة ضمن جهود الإدارة الأمريكية لاحتواء التصعيد ومنع الانجرار نحو “انتفاضة ثالثة” أو تفجر الأحداث خلال شهر رمضان المقبل. هذه الجهود ظهرت في زيارة كبار مسؤولي الإدارة إلى المنطقة مؤخرا: رئيس المخابرات المركزية “وليام بيرنز”، مستشار الأمن القومي “جيك سوليفان”، ووزير الخارجية “أنتوني بلينكن”، حيث تحرص إدارة “بايدن” على ضمان الاستقرار الإقليمي لتجنب أي تداعيات سلبية على أولوياتها الدولية، في ظل الانشغال بالصراع في أوكرانيا والتنافس مع الصين.
- بالرغم من البيان الختامي الذي تضمن التزامات مشتركة، إلا أنها لا تمثل اتفاقا نهائيا بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية، وبناء عليه جرت الدعوة إلى عقد جلسة أخرى في 17 مارس/ آذار المقبل في شرم الشيخ المصرية، وذلك لمتابعة التقدم في تنفيذ الالتزامات. ولذلك؛ اقترحت الإدارة الأمريكية مرحلة انتقالية مدتها من ثلاث إلى ستة شهور لتنفيذ المعالجات الأمنية التي تضمن عودة السلطة لبسط سيطرتها على شمال الضفة الغربية في مواجهة تصاعد حضور مجموعات المقاومة الفلسطينية هناك.
- ويبرز في هذا الإطار دور المنسق الأمريكي في القدس، الجنرال “مايك فنزل”، الذي يعمل منذ أسابيع على ضمان حالة من التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وقدم “فنزل” خطة ناقشها مع أطراف إسرائيلية وإقليمية لإعادة هيكلة أجهزة أمن السلطة لتستعيد دورها في الضفة الغربية، لاسيما في جنين ونابلس. لكن إنفاذ الخطة بحاجة لتهيئة الظروف السياسية من خلال استعادة الثقة بين السلطة والاحتلال، وهو الأمر الذي يجرى العمل عليه سواء في قمة العقبة أو غيرها من اللقاءات والاتصالات المستمرة على عدة أصعدة.
- مع ذلك، لا تزال عوامل التصعيد على الأرض أقوى من هذه الجهود، بالنظر للسياسات المتطرفة التي يتعهدها وزير الأمن القومي، “ايتمار بن غفير”، ووزير المالية، “بتسلئيل سموتريتش”، والتي تستهدف فلسطيني48 والضفة الغربية والقدس وحتى داخل السجون. ومع تجدد الاشتباكات في حوارة تزامنا مع القمة، ثم في أريحا في اليوم التالي أصبحت الشكوك أوسع حول فرص احتواء التوتر قريبا.
- كما أن التباينات داخل حكومة “نتنياهو” والأزمة السياسية في دولة الاحتلال تمثل عائقا أساسيا يحد من قدرة “نتنياهو” على المناورة أمام الإدارة الأمريكية والأطراف الإقليمية بشأن كبح أجندة وزرائه المتطرفة، وهو ما يظهر في سلوك اتسم بالفوضوية في التعامل مع مخرجات القمة، حيث اضطر رئيس الوفد الإسرائيلي المشارك، و”نتنياهو” شخصيا للتأكيد على عدم الالتزام ببنود “تجميد الاستيطان”، عدا عن الدعوات التي صدرت عن بعض وزراء الحكومة الذين هاجموا ورفضوا مخرجاتها.
بصورة عامة، تتفق هذه التطورات مع تقديرنا السابق أن جهود التطبيع وإدماج “إسرائيل” في المنظومة الإقليمية اقتصاديا وأمنيا ليس من المتوقع أن تعزز أمن “إسرائيل” في ظل تجاهل القضية الأساسية متمثلة في الاحتلال، وملفات القدس، واللاجئين، والاستيطان. كما أن هذه التطورات الناتجة عن السياسات اليمينة المتطرفة قد تؤثر جزئيًا على علاقات “إسرائيل” العربية خاصة إذا مضت حكومة “نتنياهو” في سياساتها قدما. أي إن النجاح الذي تفاخر به “نتنياهو” دوما، والمتمثل في فصل مسار التطبيع العربي عن تحقيق تقدم في القضية الفلسطينية، يواجه الآن تحديا حقيقيا.