تُعتبر بوليفيا من الدول الغنية بالموارد الطبيعية مع رواسب كبيرة من خام النفط والغاز والقصدير والفضة والذهب والتنجستن والحديد، ورغم أنها تمتلك أيضا ربع رواسب الليثيوم الموجودة في العالم لكنها من الدول التي تعاني، إذ خسرت ساحلها في ثمانينيات القرن التاسع عشر عقب نزاعٍ مرير مع جارتها تشيلي. وتحوّلت إلى دولةٍ حبيسة مما أعاق اقتصادها القائم بقوة على التصدير.
فما تاريخ بوليفيا؟ وكيف أصبحت دولة حبيسة؟ ولماذا تواصل المطالبة بممرٍ إلى المحيط الهادئ؟
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو إجابة لهذه الأسئلة
متى اشتعل فتيل الصراع بين بوليفيا وتشيلي؟
بعد استقلالها عام 1852 ورثت بوليفيا اقتصاداً قائماً على استخراج الموارد الطبيعية، ورغم امتلاكها لساحل في منطقة صحراء أتاكاما لكن المنطقة خلت من السكان مما أضفى نوعاً من الضبابية على حدودها مع تشيلي، تغيّر موقف عدم التدخل هذا مع اكتشاف النترات والنحاس بالقرب من ميخليونيس في منتصف القرن التاسع عشر، إذ تمتعت بوليفيا بموقعٍ أفضل للمطالبة بالمنطقة.
- مصالح التعدين التشيلية كانت تحظى بدعم بريطانيا دبلوماسياً ومالياً
- بدأت تشيلي ترسم الوقائع الجديدة على الأرض
- شيّدت مجمعاً صناعياً للتعدين
- لم يكن بوسع بوليفيا أن تنافسه
- حاولت كلتا الدولتين عبثاً حل مشكلة الحدود بتوقيع عدد من الاتفاقيات الحدودية
- حصلت بوليفيا على حقوق فرض الضرائب على شركات التعدين التشيلية بموجب اتفاقيات عامي 1866 و1874
- نصيب الأسد من الأرباح استمر في التدفق إلى سانتياغو
- بدأ صراع الموارد يلوح في الأفق فدخلت بوليفيا في تحالفٍ سري مع بيرو
- اهتمت تشيلي ببناء قواتها البحرية
اشتعل فتيل الصراع في النهاية عام 1878 عندما نكثت بوليفيا عن التزامات المعاهدة ورفعت الضرائب على شركات التعدين التشيلية، وعندما رفضت تلك الشركات دفع الضرائب الجديدة، صادرت الدولة البوليفية أصولهم. فردت القوات التشيلية باحتلال ميناء أنتوفاغاستا، وبمجرد انتشار أنباء التحالف بين بوليفيا وبيرو، قررت تشيلي إعلان الحرب على البلدين في أبريل/نيسان عام 1879.
وامتلكت بيرو وبوليفيا قوات أكبر، لكن تلك القوات هُزِمَت على أرض المعركة.
- طُرِدَت القوات البوليفية إلى منطقة المرتفعات في غضون أشهر
- استمر الصراع بعدها في صورة حرب بحرية بين تشيلي وبيرو بشكلٍ أساسي
- توقف الصراع في النهاية عام 1883 بعد استيلاء تشيلي على غالبية ساحل المحيط الهادئ
- تُركت بوليفيا دون أي اتصالٍ بالساحل على الإطلاق
- تحاول بوليفيا منذ ذلك الحين أن تطعن في شرعية تسوية ما بعد الحرب
إن اتفاقية السلام النهائية المُوقعة عام 1904 منحت أراضي الأتاكاما الغنية بالموارد لتشيلي، وبحلول عام 1900 كانت الضرائب المفروضة على صادرات التعدين في أتاكاما قد زادت إيرادات الدولة التشيلية بخمسة أضعاف، بينما تراجعت الإيرادات المحتملة لبوليفيا وبيرو بمقدار النصف، وشاهدت لاباز جارتها تشيلي وهي تزداد ثراءً بفضل أراضيها السابقة بينما تعطّلت آفاق التصدير في بوليفيا بعد أن أصبحت دولةً حبيسة.
هل تعيد تشيلي الساحل البوليفي؟
سيكون من غير العملي إعادة الساحل البوليفي حتى لو أرادت سانتياغو ذلك.
- احتلت تشيلي أراضٍ من بيرو أيضاً
- إن إعادة الساحل البوليفي ستحول تلك الأراضي بيروفية الأصل إلى إقليمٍ محتاط مما سيجعل موانئها التجارية بلا فائدة
- إذا قررت تشيلي منح ساحلٍ على المحيط لبوليفيا فستختار تسليمها الأراضي البيروفية السابقة
- هذه الخطوة تمثل إشكاليةً في حد ذاتها لأن اتفاق التسوية الحدودية لعام 1929 يمنح ليما حق الفيتو على أي اتفاقية تبادلٍ للأراضي تشمل أراضيها السابقة
- إن سانتياغو لن تستطيع منح بوليفيا ميناءً في أريكا دون الحصول على موافقة ليما وهو الأمر الذي يُعتبر مستبعد الحدوث
محاولة لإصلاح العلاقات.. قطيعة ثانية في 1978
حاولت تشيلي وبوليفيا إصلاح العلاقات بينهما خاصةً في عام 1975 عندما كان البلدان خاضعين لحكم ديكتاتوريات تدعمها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تعاطفا معاً بسبب وضعهما المشترك كدولٍ منبوذة وعادت العلاقات الدبلوماسية بينهما، لكن عرض تشيلي كان ضعيفاً؛ فبدلاً من أن تمنح ميناء أريكا لبوليفيا، عرضت تشيلي منحها ممراً أرضياً شمال المدينة.
لكن المنطقة لم تكن تتسع لبناء ميناءٍ تجاري، ثم انهارت الصفقة بسبب مطالبة تشيلي لبوليفيا أن تدفع تعويضاً قيمته 200 مليون دولار في المقابل فتدخلت بيرو وعرضت فرض إدارة مشتركة على أريكا لكن العرض قوبل بالرفض أيضاً، ونتيجةً لخيبة أملها قطعت بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع تشيلي ثانيةً عام 1978.
- تجادل لاباز بأن سانتياغو ملزمةٌ بالتفاوض قانوناً
- قررت حكومة إيفو موراليس أن ترفع القضية إلى لاهاي في 2013
- قدمت بـوليفيا العديد من الأسس التي بنت عليها مزاعمها
- زعمت أن تصريحات مسؤولي تشيلي إبان محادثات عام 1975 هي التي دفعت بـوليفيا -متضررةً- إلى التعويل على الوعود بإجراء المزيد من المفاوضات
- كانت بـوليفيا تأمل أن تؤدي حجتها إلى صدور قرار بالإغلاق الحُكمي الذي سيُلزم تشيلي باستئناف المفاوضات
- قرار المحكمة الصادر عام 2018 لم يجد دليلاً يؤيّد ذلك الإلزام
- أوضحت المحكمة أنه في حال وجود ذلك الإلزام فستكون تشيلي قد أوفت به عندما أجرت مفاوضات لاحقة
بوليفيا.. أولوية الوصول إلى المحيط
كان استرداد الوصول إلى البحر أولويةً بالنسبة لموراليس حيث تمتلك بوليفيا كميات ضخمة من رواسب الليثيوم التي زاد الطلب عليها في السنوات الأخيرة، وكان موراليس يأمل في وضع أسس صناعة البطاريات المحلية واختار لها موقعاً رمزياً في مدينة بوتوسي التي كانت مختصةً بتعدين الفضة قديماً، وبهذا كانت بـوليفيا ستنجح في تسلق سلسلة القيمة وكسر لعنة مواردها. كما أن الوصول إلى المحيط سيزيد تنافسية صادرات البضائع السائبة البوليفية.
- طبقت لاباز خطةً احتياطية لجذب الاستثمارات الأجنبية بإعادة المواءمة مع بكين
- حاول موراليس أن يحصل على تمويلٍ صيني لمشروع ممر السكك الحديدية العابر للقارات
- كان من المفترض أن يمتد المشروع الضخم من البرازيل مروراً بالمرتفعات البوليفية ووصولاً إلى مدينة إيلو البيروفية
- المشروع عانى من عدة تأجيلات فضلاً عن تقويض جدواه بسبب ظهور مسارٍ بديل يمر عبر باراغواي
- تشبّث موراليس بالسلطة لتحقيق رؤيته وغيّر القوانين الدستورية المرتبطة بفترات الرئاسة
- انتخابات عام 2019 شهدت مخالفات مزعومة في عملية فرز الأصوات مما شكل ذريعةً مبررة لانقلابٍ عسكري ضد موراليس
لويس آرسي .. رئيس بوليفيا الجديد
شهد العام التالي اندلاع مظاهرات شعبية دفعت حكومة الانقلاب لإجراء انتخابات جديدة، وبرز لويس آرسي كرئيسٍ جديد لبوليفيا وبدأ يضغط منذ ذلك الحين على نظيره التشيلي من أجل إعادة فتح المفاوضات وتسوية العلاقة المتوترة، ويعطي مسؤولو تشيلي الأولوية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، بينما يتمحور الاهتمام الأساسي لمسؤولي بـوليفيا حول التفاوض على الوصول البحري.
لكن تظل هناك بعض المشكلات الأخرى أيضاً حيث تُقاضي تشيلي جارتها بوليفيا في لاهاي حالياً بسبب حقوق استخدام مياه نهر سيلالا في صحراء أتاكاما، ومن الواضح أن كل بلدٍ يريد شيئاً من الآخر، لهذا قد يكون من الأفضل لهما تسوية خلافاتهما خارج قاعات المحاكم، إذ يمكن أن تحصل بـوليفيا على اتفاقية تبادل أراضٍ أو على وصولٍ مفتوح لموانئ المحيط الهادئ في مقابل تقديم تنازلات المياه العذبة أو الغاز الطبيعي لتشيلي.
وربما تكون هذه الخطوة ضرورية لحل الجدل بينهما بغض النظر عن تداعياتها السياسية محلياً.
إقرأ أيضاً:
عودة “دا سيلفا” تنهي عزلة البرازيل وتتوج انتصارات يسار أمريكا اللاتينية
لماذا توقف نمو الأرجنتين ولم تصبح دولة غنية؟
كولومبيا تلحق بربيع اليسار في أمريكا اللاتينية وتعيد انتباه واشنطن إلى الكاريبي
الممر بين المحيطين في أمريكا الجنوبية.. هل يحلّ محلّ قناة بنما؟