يستهدف مشروع قانون سياسة تايوان الذي وصل مجلس الشيوخ الأمريكي في 14 سبتمبر/أيلول عام 2022 على ترقية العلاقات الثنائية بين واشنطن وتايبيه، لكن مشروع القانون استخدم أيضاً خطابا يُركّز على القيم ويستعرض تفاصيل استراتيجية واشنطن في منطقة المحيطين الهندي-والهادئ، وأظهر تايوان في دور البطولة ووصفها بأنها محورية للمصالح والقيم الأمريكية.
لكن كيف تحمل تايوان مفتاح توازن القوى إقليمياً؟
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو أهمية تايوان بالنسبة للولايات المتحدة
تزعم بكين منذ قديم الأزل أن تايوان جزء من أراضيها لكن الأهمية الاستراتيجية للجزيرة تُعتبر ظاهرةً حديثة.
ولطالما اهتمت الصين بقوتها ودفاعاتها البرية، إذ تصدى سور الصين العظيم لهجمات المغيرين. فيما مثّل طريق الحرير ممراً تجارياً سمح لتجار الصين بتبادل الحرير مقابل الفضة مع الرومان، ولم يكترث أحد لأمر تايوان معظم تاريخها.
- عاشت الجزيرة وشعوبها الأصلية حياةً من العزلة متحررين من نفوذ سياسات القوى العظمى
- ظلت على ذلك الحال حتى القرن السادس عشر
- انتبه بحارة البرتغال إلى الجزيرة وأسموها “إلها فورموزا” أي الجزيرة الجميلة
- كانت أهمية الجزيرة تتمثل في كونها مركزاً تجارياً للاستعمار
- انتبهت بكين لأهمية الجزيرة بسبب استعمار القوات الإسبانية والهولندية لها
- أصبحت السيطرة على الجزيرة ضروريةً للمصالح الصينية لأنها ستمنع الهجمات والتدخلات غير المرغوبة من جانب الغرباء في الأسواق الصينية
تايوان.. بوابة لقلب الأراضي الصينية
بعد انهيار سلالة مينغ الحاكمة عام 1644 تمرّد الموالون لها ضد قادة الصين الجدُد من المانشو.
وكان كوكسينجا من أبرز قادة المقاومة.
- شن هجمات ناجحة ضد المانشو بطول الساحل الصيني
- تلقى هزيمةً كبيرة في نانجينغ عام 1659 وفرّ إلى تايوان
- هناك استغل كوكسينجا براعته الحربية لقتال المستعمرين الهولنديين حتى هزمهم في 1661
- أرسلت بكين 300 سفينة حربية عام 1863 لتهزم قوات كوكسينجا
- ضمت تايوان إلى إمبراطورية تشينغ لكن سيطرة بكين لم تدم طويلاً
- احتلتها الإمبراطورية اليابانية بعد عقود في عام 1895
- استمرت سيطرتها عليها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية
- نهاية الاحتلال الياباني فتحت أبواب الحرب الأهلية في البر الرئيسي للصين مرةً أخرى بين قوات ماوتسي تونغ الشيوعية وبين الكومينتانغ بقيادة شيانج كاي شيك
بداية الدعم العسكري الأمريكي
رغم الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي لشيانج أُجبِرَت قواته على الانسحاب من البر الرئيسي عام 1949 وتراجعت عبر مضيق تايوان.
رأت واشنطن أنه لا مفر من استيلاء الشيوعية الصينية على الجزيرة فقررت ضم تايوان إلى استراتيجية الاحتواء البحري المناهضة للشيوعية.
كانت تأمل أن توفر حكومة تايبيه حلقة وصل ضرورية في السلسلة التي تمتد من جزر ألوتيان إلى الفلبين إلى الأرخبيل الإندونيسي.
وتقع تايوان في قلب استراتيجية الاحتواء الأمريكية؛ لهذا ضمتها واشنطن كحليف عندما وجدت نفسها في مواجهةٍ ضد بكين خلال الحرب الكورية.
لكن الظروف أجبرت الصين والولايات المتحدة على مراجعة العلاقات بينهما في النهاية.
- أدت التوترات في العلاقات الصينية السوفيتية إلى منح واشنطن فرصةً للتفاعل مع بكين
- أرادت إدارة نيكسون المترنحة من هزيمة حرب فيتنام أن تُطبِّع علاقاتها مع الصين
- اعترفت في بيان شنغهاي عام 1972 بأن جميع الصينيين على جانبي المضيق ينتمون إلى صينٍ واحدة وأن تايوان هي جزء منها
- جرى تقنين هذا التسييج الدبلوماسي بموجب قانون العلاقات مع تـايوان عام 1979 الذي اعترفت خلاله إدارة كارتر بحكومة بكين
سياسة واشنطن تجاه تايوان
راهنت واشنطن على جانبي القضية التايوانية. رغم أنها لا تعترف باستقلال تـايوان عملياً لكن صناع السياسة الأمريكية سعوا إلى ردع محاولة بكين لإعادة توحيد القطرين.
- تضمنت جهودهم مبيعات أسلحة مكثفة وبرامج تدريبات عسكرية
- زار مشرعون بارزون من الكونغرس الجزيرة ومنهم نيوت غينغريتش ونانسي بيلوسي لتعزيز أوراق اعتمادهم على صعيد الأمن القومي و
- أثارت هذه الترتيبات إحباط بكين التي تصر على أن تلتزم واشنطن بالبيان المشترك قولاً وفعلاً
- لا تستطيع القيادة الشيوعية في بكين أن تتهاون في هذه القضية فعلياً حيث تعهّدت علناً وبقوة أن تُعيد توحيد الصين
- التخلّي عن تايوان بأي طريقة يعد بمثابة ضربة في مقتل لشرعية الحزب الشيوعي
تايوان.. موطن لصناعات استراتيجية حيوية
إن الأسلحة العسكرية من الولايات المتحدة وغيرها حوّلت الجيش التايواني إلى قوةٍ صغيرة وعالية القدرات.
كما تعد تايوان موطناً لصناعات استراتيجية حيوية، ويتجلى هذا الأمر تحديداً عند الحديث عن أشباه الموصلات التي تُعتبر أساسيةً لتقنيات الجيل الخامس الناشئة وإنترنت الأشياء والأتمتة.
- استحوذت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة على 54% من حصة سوق مسابك أشباه الموصلات في 2022
- تُصنع 65% من أشباه الموصلات في العالم وتسعة أعشار الرقاقات شديدة التقدم داخل الجزيرة
- اعتمدت تايبيه على الرعاية الأمريكية لاستغلال انخفاض تكاليف عمالتها وقربها من البر الرئيسي للصين
- أصبحت تـايوان رائدةً في صناعة الرقاقات الدقيقة على مستوى العالم
- مثّلت تلك الصناعة 30% من إجمالي صادرات البلاد عام 2019 و 17% من ناتجها المحلي الإجمالي
- مراكمة تـايوان للثروات رفعت أجور عمالتها مما دفع الشركات التـايوانية إلى التعاقد مع مصادر خارجية لتأدية العمليات كثيفة العمالة في البر الرئيسي للصين
- كانت الاستثمارات والتجارة التـايوانية سبباً في التطور الصناعي الذي حلّ بمقاطعة فوجيان الصينية قبالة سواحل تـايوان
- أصبحت 90% من منتجات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التـايوانية تُصنع داخل الصين بحلول عام 2019
لكن براعة تـايوان في تقنيات أشباه الموصلات تُعتبر سلاحاً ذا حدين، إذ تضخ الولايات المتحدة مليارات الدولارات لدعم شركات تصنيع الرقاقات المحلية مثل Intel نظراً للتقلبات الجيوسياسية، بينما تفعل الصين الأمر نفسه مع شركات أخرى مثل المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات.
ولا شك أن هذه التطورات ستقتطع من حصة تـايوان في سوق تصنيع الرقاقات العالمية على المدى البعيد، مما سيُبعد تـايوان عن فلك الصين ويجعلها أكثر اعتماداً على الولايات المتحدة بمرور الوقت.
لكن التكافل الاقتصادي في المرحلة الحالية سيجعل العداء مقتصراً على تكتيكات المناطق الرمادية:
- التلويح بالحرب
- المناورات العسكرية
- تعبئة الطائرات العسكرية المقاتلة
وسنجد بالمقارنة أن المياه التايوانية لم تدخلها سوى سفينتين من البحرية الصينية فقط عام 2017.
- الرقم قفز إلى 600 بحلول 2019
- وصل إلى نحو 4,000 سفينة في 2020
- شهد 2020 قيام القوات الجوية التايوانية باستدعاء المقاتلات نحو 3,000 مرة استجابةً للغارات الصينية
- كلّف دافعي الضرائب التـايوانيين 900 مليون دولار من الوقود والإهلاك وإنهاك الطياري
وبهذا تستنزف الصين موارد تايوان دون إطلاق رصاصةٍ واحدة. ويمثل “الضغط المتفاوت” أداة تفاوض شديدة الفعالية.
لكن من حسن حظ تايـوان أن تحالفها مع واشنطن هو ما سيصنع الفارق وحتى إذا استمرت التوترات بين الأمن الأمريكي من ناحية وبين الرخاء الصيني من ناحيةٍ أخرى فمن المرجح أن ينتهي النزاع لصالح الولايات المتحدة.
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي الأمريكي 2022: تنافس جيوسياسي حاسم مع الصين وهزيمة روسيا
شراكة استراتيجية بين أمريكا وجزر المحيط الهادئ كأحدث مظاهر الحرب الباردة مع الصين
مبادرتان أمريكيتان لمواجهة الصين .. هل يمكن لواشنطن التغلب على بكين؟