بدعمٍ من الحكومة البريطانية، أجرت إسكتلندا استفتاءً حول الاستقلال عام 2014 واصفة التصويت بأنه “فرصة لا تأتي سوى مرة واحدة كل جيل”، نحو 4.2 مليون إسكتلندي أدلوا بأصواتهم التي تمثل 85% من سكان البلاد ليرفضوا الاستقلال بنسبة 55٪ مقابل 45% من المؤيدين.
لكن العالم تغير بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ يضغط المسؤولون في إدنبرة الآن من أجل إجراء استفتاء جديد على الاستقلال وحددوا تاريخه المبدئي في أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، فهل ستكون هذه هي طريقة انفصال إسكتلندا لتعيد تعريف معنى “أن تكون إسكتلندياً بحق”؟
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو التحالف بين إسكتلندا وبريطانيـا واحتمالية الانفصال بينهما
ظلت إسكتلندا تمثل شوكةً في حلق إنجلترا لقرون بينما كانت الحتمية الجيوسياسية الإنجليزية تقضي بضرورة توحيد جزيرة بريطانيـا العظمى،وفي القرن 13 احتلت بريطانيـا ويلز لكن مزيج الخلافات السياسية الداخلية الذي تضمن الحروب الأهلية الإنجليزية بالإضافة إلى جغرافية إسكتلندا منعا إنجلترا من الاستيلاء على إسكتلندا بالقوة، بل وافقت الأخيرة على الانضمام إلى المملكة المتحدة إبان تأسيسها عام 1707.
- حرص كل حكام إسكتلندا وفرنسا على تجديد ما كان يُعرف باسم “تحالف أولد” منذ القرن الـ13 وحتى القرن الـ16
- التحالف كان يُوفّق المصالح الإسكتلندية مع مصالح فرنسا التي كانت عدوة إنجلترا الأبدية في تلك الفترة
- موّلت فرنسا خلال القرن الـ14 تعبئة الجيوش الإسكتلندية لغزو إنجلترا في ثلاث مناسبات
- أنقذ التدخل الفرنسي إسـكتلندا من عمليات نهب الملك هنري الثامن في القرن الـ 16
لماذا انضمت إسكتلندا إلى بريطانيا؟
- شرعت إسـكتلندا أواخر القرن الـ17 في تنفيذ خطةٍ لإنشاء مستعمرة جديدة في برزخ بنما بخليج دارين
- كان المشروع طموحاً ليُصبح من أهم مناطق العالم الاستراتيجية
- إسـكتلندا لم تمتلك التقنيات اللازمة لغزو طبيعةٍ شرسة بهذا القدر في أواخر القرن الـ16
- تسبب الفشل الذريع لمشروع دارين في تحطيم السهول الإسكتلندية مالياً نظرً لتخصيص ما يتراوح بين ربع ونصف ثروات إسـكتلندا الوطنية لصالح المبادرة
- الاتحاد مع إنجلترا لم يكن أكثر من مجرد منفعةٍ اقتصادية بالنسبة لإسـكتلندا
- اعترض العديد من الإسكتلنديين على الفكرة حينها وسادت الاضطرابات العنيفة والحشود الغاضبة
موقف إسكتلندا من معركة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي
في العام 2016 أجرت المملكة المتحدة استفتاءً لتقرير مصير بقائها في الاتحاد الأوروبي من عدمه. حيث كان من المتوقع أن تنتصر أصوات البقاء لكن 52% من الناخبين البريطانيين اختاروا الخروج، وكانت هناك مشكلةٌ صغيرة واحدة وهي أن الدول المكونة للمملكة المتحدة لم تتفق بالإجماع على هذه القضية الحاسمة.
- صوّتت إنجلترا وويلز بأغلبية 53% على الخروج من الاتحاد الأوروبي
- صوّتت أيرلندا الشمالية لصالح البقاء بأغلبية بلغت 56٪
- كانت المشاعر المؤيدة لأوروبا أقوى داخل إسـكتلندا حيث صوت 62% من الناخبين لصالح البقاء واختار 38% فقط الخروج
هذه النتائج خلقت مشكلتين بالنسبة لمستقبل المملكة المتحدة:
- قوّض الشرعية الديمقراطية للمملكة حيث جرى تقرير مصير اسـكتلندا وأيرلندا الشمالية بما يخالف إرادة شعبيهما
- الأخطر من ذلك أن المنطق الاقتصادي للمملكة المتحدة لم يعُد حتميةً متوقعة إذ استفادت إسـكتلندا أكبر استفادة من اتحادها مع إنجلترا على مدار ثلاثة قرون
إقرأ أيضاً:
ما هي اتفاقية “أوكوس” التي قد تشعل حرب تسلح إقليمية في المحيط الهادئ؟
فنلندا والسويد تفتحان الطريق لهيمنة الناتو على البلطيق
عقيدة بوتين الجديدة لسياسة روسيا الخارجية تمهد لمزيد من التدخلات العسكرية
كيف استفادت إسكتلندا من انضمامها لبريطانيا؟
في غضون 50 عاماً من توقيع قانون الاتحاد انطلقت الثورة الصناعية داخل إنجلترا التي كان موقعها الجغرافي ووصولها إلى الفحم والموارد الضرورية الأخرى من أهم العوامل التي منحتها أفضليةً مبكرة.
- خلال قرنٍ واحد من توقيع قانون الاتحاد اندلعت ثورة سياسية هائلة في فرنسا وشهدت البلاد صعود نابليون
- هزيمته في النهاية أدت إلى ترك بريطانيـا دون منافس داخل أوروبا لأجيال متعاقبة
- تحوّلت إسـكتلندا من جزءٍ رجعي داخل جزيرة معزولة إلى مُكوّنٍ رئيسي
- وقفت إسـكتلندا في صف المنتصرين خلال الحربين العالميتين بحكم علاقتها مع إنجلترا
- رغم أن إسـكتلندا قايضت استقـلالها مقابل الثروة والنفوذ لكن لم يكن ثمة أي سبب يدعوها للتشكيك في تربّحها من هذا الاتحاد
ماذا لو انفصلت إسكتلندا عن بريطانيا؟
تمثل تجارة المملكة المتحدة قرابة ثلثي التجارة الإسكتلندية، وخلصت دراسةٌ أجرتها كلية لندن للاقتصاد إلى أن الاستقـلال سيون مكلفا بالنسبة لاسكتلندا.
- سيكلف اسـكتلندا ما يتراوح بين 6.3% و8.7% من دخل الفرد على المدى البعيد
- سيكون تأثيره على اقتصاد إسـكتلندا أسوأ بضعفين أو ثلاثة من تأثير بريكست
- توجد أيضاً بعض القضايا الشائكة الأخرى التي يجب حلها مثل:
- حصة إسـكتلندا من الدين الوطني البريطاني
- هل ستبقى إسـكتلندا داخل اتحاد العملة؟
- هل ستحتفظ بالجنيه الإسترليني أم لا؟
- ما النسبة التي ستتمتع بها إسـكتلندا المستقلة من ثروات الغاز والنفط في بحر الشمال؟
من المؤكد أن الاستقـلال سيكون كارثياً بالنسبة للاقتصاد الإسكتلندي على جميع المستويات وخاصةً في المدى القريب حيث يعترف أكثر القوميين الإسكتلنديين تشدداً بهذا الأمر، نشرت حكومة إسكتلندا ورقةً مؤخراً تقارن بين المملكة المتحدة وبين جيرانها في أوروبا وتحديداً الدنمارك، والسويد، وفنلندا، والنرويج، وآيسلندا وسويسرا، والنمسا، وبلجيكا، وهولندا.
- المملكة المتحدة تقدم أداءً أقل من نظرائها الأوروبيين على مختلف الأصعدة
- قدمت أسوأ أداء، أو أداءً يقترب من الأسوأ على صعيد:
- الناتج المحلي الإجمالي للفرد
- تفاوت الدخل ومعدلات الفقر
- الحراك الاجتماعي
- إنتاجية العمال والإنفاق على الأبحاث والتطوير
وبدأ قادة إسكتلندا في نشر فكرة أن الأوجاع الاقتصادية للاستقـلال على المدى القريب لا تساوي شيئاً في مقابل الفخر بحق تقرير المصير الوطني، فمن المنطقي التفكير في أن آفاق إسـكتلندا الاقتصادية كجزء من منطقة اليورو التي يبلغ حجم اقتصادها 18 تريليون دولار ستكون أفضل من عضويتها في المملكة المتحدة التي لا يتجاوز حجم اقتصادها 2.7 تريليون دولار.
ولم تحسم إسكتلندا الرأي في مستقبلها السياسي بعد وفقاً لاستطلاعات الرأي.
- ارتفع دعم الاستقـلال إلى أكثر من 50% بقليل خلال السنوات التي أعقبت بريكست
- استطلاعات الرأي الحديثة من مصادر مثل The Scotsman تُظهر تفضيل عدد أكبر من الإسكتلنديين للبقاء في الاتحاد
- توجد نسبة كبيرة تتراوح بين 7% إلى 15% من الناخبين الإسكتلنديين الذين لم يحسموا رأيهم بعد
لكن يبدو أن إنجلترا لا تريد مساعدة نفسها هنا إذ قالت رئيس الوزراء البريطانية ليز تروس مؤخراً إن أفضل نهج للتعامل مع إسكتلندا هو تجاهلها وتجاهل زعيمتها التي تسعى للفت الأنظار نيكولا ستارجن، هل ستستطيع إسـكتلندا الحصول على استقـلالها أو إجراء استفتاء على الاستقلال كما وعد قادتها بحلول العام المقبل؟
أصدر مجلس العموم ورقةً بحثية درست الموضوع في أكثر من 99 صفحة وخلصت إلى:
- إن القضية ليست محسومة
- يجب أن تقرر المحكمة العليا للمملكة المتحدة ما إذا كان استفتاء إسـكتلندا يقع ضمن نطاق اختصاصها
- من المستبعد أن توافق حكومة بريطانيـا على إصدار أمرٍ آخر بموجب البند رقم 30 لإجراء الاستفتاء
- قد يلجأ الحزب الوطني الإسكتلندي لإقامة استفتاء غير قانوني على طريقة كتالونيا عام 2017
لكن المسألة الأكثر إلحاحاً هي معرفة ما إذا كان الكبرياء القومي الإسكتلندي الذي أثاره الغضب حيال بريكست، والازدراء الإنجليزي، وضعف الأداء الاقتصادي سيخلق الأسس الضرورية للإسكتلنديين حتى يطالبوا باستقلالهم بغض النظر عن التداعيات القانونية، والاقتصادية، والسياسية لخطوةٍ كهذه.