بدأت أستراليا، أجف القارات المأهولة بالسكان على وجه الأرض، جهود تخضير الصحراء الشاسعة التي تقبع فيها. وقد تكون خطة تخضير المناطق النائية كافية لتعزيز التنمية الاقتصادية ورفع أستراليا إلى مصاف القوى الإقليمية المؤثرة. لكن فيما يدفع مناصرو المشروع حكومتهم نحو التوسع أكثر في هذه الخطط، يقول منتقدوه إنها خطط غير ذات جدوى لارتفاع تكلفتها وصعوباتها اللوجستية وآثارها البيئية.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو شرحا لمشروع تخضير أستراليا وتحويل المناطق النائية إلى واحة
في فبراير 1942 بعد 3 أشهر من هجوم بيرل هاربور، تعرضت داروين الأسترالية لهجومٍ من الإمبراطورية اليابانية. وانتزعت الطائرات اليابانية نصرًا سهلًا ما كشف ثغرة في موقف كانبرا الإستراتيجي. ومع أن النصف الشمالي الخالي من القارة وفر عازلًا إستراتيجيًا إلا أن قلة الكثافة السكانية تركت هذه الجبهة مفتوحة لقوة أسيوية للتمركز فيها عسكريًّا.
مشاريع ما بعد الحرب 1942
لذا، صارت مشروعات البناء الوطني الأولوية الإستراتيجية الأولى لأستراليا. وبدأ التخطيط لإعادة الإعمار بعد الحرب في أواخر 1942 من جانبين:
- النمو السكاني المدفوع بالهجرة والخوف المنتشر من الغير كان يعني عدم الترحيب بالمهاجرين من غير البيض لكن وللمرة الأولى، فُتِحت الهجرة الجماعية لأوروبا الجنوبية
- توسيع قاعدة أستراليا الصناعية عن طريق مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق والحشد في وقت الحرب أظهر ما يمكن للتخطيط الوطني تحقيقه
وتحققت الكثير من هذه المشاريع في عصر ما بعد الحرب، وأبرزها:
- خطة الجبل الجليدي:
- شملت إنشاء 16 سدًّا و9 محطات كهرباء
- مد أنابيب بطول 225 كيلومتر
- وفر المشروع الطاقة لجنوب شرق أستراليا عن طريق تحويل مسارات الأنهار نحو السدود الكهرومائية
- أمّن فرص العمل للمهاجرين الجدد الذين مثَّلوا ثلثي القوى العاملة
- مشروع جون برادفيلد (تخضير المناطق الداخلية بقارة أستراليا)
- شملت خطته بناء سد على نهر تالي
- حفر قناة أو نفق قصير لتحويل المياه عبر نهير بلندر إلى سد آخر على نهر هربرت
- من هناك يتم تحويل المياه نحو نهر بورديكن لتصل إلى سد آخر عند هيلز جيتس
- هذه المياه المتراكمة تزحف نحو كلارك قبل صرفها نحو سد فليندرز
- هنا يحجز سد ضخم آخر مخزونًا هائلًا من المياه ومنه يمكن توجيه تدفق مستمر للمياه عبر نهر تاور هيل إلى نهر طومسون
- ينتهي جريان الماء في جنوب أستراليا ليصب في بحيرة إيري
إقرأ أيضاً:
ما هي اتفاقية “أوكوس” التي قد تشعل حرب تسلح إقليمية في المحيط الهادئ؟
تحالف “أوكوس”.. الصراع الصيني الأمريكي يدخل مرحلة جديدة
ما أبرز مشروعات مصر لاستصلاح الأراضي؟
ماذا سيوفر المشروع؟
- زعم برادفيلد أن المشروع سيروي أكثر من مليون هكتار من الأراضي الجدباء
- سيوفر الطاقة الكهرومائية للمناطق النائية بأستراليا
- ستؤدي استعادة البحر الداخلي إلى تغيير الدورة المائية وتحفيز سقوط الأمطار
- سيؤدي إلى الاستصلاح التدريجي للأراضي الداخلية وتكوين سلة غذائية في قلب أستراليا
لقد كان مشروع برادفيلد طموحًا، وداعب الأحلام الإنجليزية بالتوسع في الجبهات الجديدة. واستغلت خطة برادفيلد هذا التفاؤل الوطني وقدمت إطارًا يمكن عبره تحقيق البناء الوطني لكن شكك الخبراء في جدوى المشروع.
انتقادات لمشروع التخضير (جون برادفيلد)
في عام 1947 كتب المهندس الهيدروليكي ويليام نيمو مراجعة مليئة بالانتقادات لخطة برادفيلد.
- وفقًا لنيمو، حسب برادفيلد معدلات التبخر باستخدام صيغة مطبقة على الأنهار الألمانية.
- بتطبيق هذه الصيغة على المناطق الداخلية الأسترالية الحارة، قدَّر برادفيلد كمية الماء التي ستتبخر في أثناء الجريان بقيمة أقل بكثير.
- ستُفقد المزيد من المياه عن طريق التسرب ولن تكون خزانات المياه الداخلية كبيرة بما يكفي لحث هطول المطر.
- نظرًا لهذه العوامل، تتجاوز التكاليف الضخمة المنافع الفعلية لهذه الخطة.
ورغم محاولة داعمي الخطة تعديلها، لكن الدعم الشعبي لها تراجع. وحاولت على مدار عقود أقلية صاخبة أن تضغط على الحكومات لإعادة النظر في خطة برادفيلد. إذ يقولون: “لم لا ننقل مياه الفيضان الساحلية إلى المناطق الداخلية المعرضة للجفاف؟” وكانت هناك مشروعات ناجحة ساعدت في عملية الضغط هذه.
- مشروع خطة نهر أورد شمال غرب أستراليا
- هذا المشروع أنشأ خزانات مياه داخلية توفر مياه الري لمنطقة كيمبرلي
- رغم تعثره في البداية إلا أنه حسَّن الأوضاع الزراعية في الوادي المحيط
- جودة التربة ظلت عائقًا ومحاصيل فول الصويا وخشب الصندل التي تنتجها لا تحتاج إلى عناية كبيرة لذا لم تخلق الكثير من وظائف العمل
- وبحلول العقد الثاني من الألفية الحالية زاد نمو أسواق التصدير الآسيوية من الجدوى الاقتصادية للمشروع
ومنذ ذلك الحين استعادت مشروعات استصلاح الأراضي جاذبيتها في الشرق، حيث اجتمعت الحوافز الاقتصادية والحاجة إلى التعامل مع أنماط الطقس غير المتوقعة لا سيما الفيضانات الساحلية وموجات الجفاف الداخلية التي أصبحت أكثر شيوعا منذ عام 2000.
مشروع التخضير (جون برادفيلد) يعود
عام 2020، اتخذ الحزب المعارض بكوينزلاند من مشروع برادفيلد حجر أساس لحملته الانتخابية بتمركزها حول سد هيلز جيتس.
- هذه الخطة ستوفر المياه عبر أنفاق تمر أسفل سلسلة جبال الفاصل الكبير إلى نهر واريجو
- سيصل السد بحوض موراي دارلينج ما سيصنع منطقة غذائية بالقرب من بلدة هيوندن
- سيوفر مياه الري لنحو 8 ملايين هكتار من السهول ذات التربة السوداء
- هذه منطقة تضاهي مساحتها مساحة جمهورية التشيك ويمكن استعمالها في تصدير محاصيل مثل القطن وقصب السكر والقمح والتبغ والغلال والخضروات
وفي حين كان مشروع برادفيلد القديم مصممًا جزئيًّا للتغلب على القوى الأسيوية فإن المشروع الجديد يهدف إلى إطعامها. خسر الحزب المعارض الانتخابات، لكن الحكومة الأسترالية كلفت بإجراء دراسة جدوى للمشروع. كما خصصت مؤخرًا 5.4 مليار دولار أسترالي لسد هيلز جيتس.
لكن عقبات جديدة واجهت المشروع هذه المرة.
- وجهات النظر حول إدارة الموارد المائية تغيرت
- المياه الساحلية المتدفقة إلى المحيط لم تعد تُعتبر هدرًا لأنها تدعم أنظمة بيئية هشة يمكن أن تنهار بفعل تحويل مسار المياه
- تزايد معدلات التلوث وصرف المياه بفعل الزراعة على نطاق واسع يمكن أن تهدد الحيد المرجاني العظيم المعرض بالفعل لأزمة بيئية بسبب تبييض الشعب المرجانية
- خطة برادفيلد وُضِعت عندما لم يكن للسكان الأصليين تمثيل سياسي وكان السكان الأصليون يُنتزعون ببساطة من حول آبارهم تحت تهديد السلاح
- الوضع لم يعد هكذا ومنذ اعتراف المحكمة العليا بحقوق السكان الأصليين في الأرض في عام 1992 لابد أن تضع خطط التنمية في اعتبارها احتياجات السكان الأصليين
يُعجب مشروع برادفيلد العديد من الأستراليين لكن تحقيقه على أرض الواقع أمرٌ مشكوك فيه، لا سيما وأن منافعه لا تساوي الضرر البيئي. فهل تتخذ الخطة شكلا جديدا في المستقبل يسمح بتنفيذ المشروع؟