الحدث
● صوّت البرلمان الباكستاني، مساء السبت 9 أبريل/نيسان، على حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء “عمران خان”، بأغلبية 174 نائبا، في حين يحتاج قرار سحب الثقة عن رئيس الوزراء دستوريّاً إلى موافقة 172 صوتاً، وجاء هذا بعد يومين من إعلان اللجنة القضائية الخاصة المكونة من قضاة المحكمة العليا في باكستان، إلغاء قرار الرئيس الباكستاني حلّ البرلمان الذي خسر فيه رئيس الوزراء الأغلبية، وجاء في مذكرة موجزة أصدرتها اللجنة القضائية، أن البرلمان لا يزال في مكانه، وسيواصل أعماله على حالته السابقة التي كان عليها قبل الثالث من الشهر الجاري، ودعت إلى عقد اجتماع البرلمان في التاسع من الشهر الجاري من أجل التصويت على مذكرة سحب الثقة من رئيس الوزراء “عمران خان”.
● يتشكل البرلمان الباكستاني من 342 عضوا، شكل الائتلاف الحاكم، المكون من حزب رئيس الوزراء “عمران خان” (حركة إنصاف الباكستانية-PTI) وحلفاؤه الرسميين، الأغلبية في البرلمان بعدد 178 مقعدا، بينما تستحوذ جميع أحزاب المعارضة على 162 مقعدا، وواجه الائتلاف الحاكم داخل البرلمان توترات أفقدته الأغلبية اللازمة، وظهرت مع إعلان بعض نوابه نيتهم التصويت ضد “عمران خان”.
التحليل: هكذا فقد ” عمران خان ” دعم قادة الجيش الباكستاني
- لا يمثل إسقاط الحكومة حدثا غير معتاد في باكستان؛ حيث لم يُكمل أي رئيس وزراء في تاريخ البلاد مدة حكومته البالغة خمس سنوات لأسباب متنوعة، ارتبطت في مناسبات كثيرة بالصراع السياسي الداخلي سواء بين قادة الجيش والحكومات المدنية، أو بين القوى السياسية المتنافسة، ويأتي إسقاط حكومة “عمران خان” كنتيجة لتطورات محلية داخلية، سياسية واقتصادية، لكنّه أيضا يمثل حدثا مهما حين النظر للعوامل الجيوسياسية التي قد تكون ساهمت في تحققه، أو التي قد تنتج عنه.
أولا: العوامل الداخلية
- يتمتع الجيش الباكستاني بنفوذ سياسي هائل، حيث مرت باكستان منذ استقلالها بثلاثة انقلابات عسكرية ناجحة، وحتى في فترات الحكومات المنتخبة يلعب الجيش دورا أساسيا، بالإضافة إلى تمدد نفوذه في الأنشطة الاقتصادية والسياسة الخارجية والأمنية، وبالرغم من العلاقات الإيجابية بين الجيش الباكستاني و”عمران خان” منذ صعود نجمه السياسي، إلا أن ثمة تطورات في الآونة الأخيرة أثارت الشكوك حول استمرار دعم الجيش له؛ بسبب بعض توجهات “خان” الخارجية وتسببها في فتور علاقات حكومته مع واشنطن، بالإضافة إلى الأزمة التي نشبت بين الطرفين على إثر تعيين الجيش رئيسا جديدا للاستخبارات الباكستانية أواخر عام 2021، وسواء كانت هذه التطورات تعكس توترا حقيقيا بين “عمران خان” والجيش أم لا، فإن المؤكد أن سحب الثقة من حكومة “عمران خان” لم يكن من الممكن تمريره دون وقوف الجيش على الحياد في الحد الأدنى.
- دفعت الأزمات الاقتصادية في باكستان المعارضة لاتخاذ خطوة سحب الثقة من رئيس الوزراء “عمران خان”، حيث اتهمته بسوء إدارة الاقتصاد منذ وصوله للسلطة في عام 2018، حيث تعاني باكستان من أوضاع اقتصادية معقدة ومزمنة لا يتحمل مسؤوليتها حكومة “عمران خان”، لكنّ تفاقم الضغوط الاقتصادية مؤخرا أضعف موقف الحكومة، حيث فقدت الروبية الباكستانية 30% من قيمتها منذ عام 2018، وبلغت معدلات التضخم في مارس الماضي 13%.
- كما فقدت إسلام آباد جزءً كبيرا من احتياطات النقد الأجنبي، بسبب نفقات ورادات النفط المرتفعة -بسبب حرب أوكرانيا-، حيث بلغت احتياطات النقد الأجنبي 12 مليار دولار، تكفي فقط لتغطية شهرين من مجمل واردات باكستان، وبينما استأنف صندوق النقد الدولي دعمه لباكستان، بعد أن توقف بسبب عدم تلبية حكومة “عمران خان” لشروط الصندوق في السابق، فإن برنامج صندوق النقد معرض مرة أخرى للتوقف، بسبب حزمة القرارات التي اتخذها “خان” للتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية والحد من ارتفاع تكاليف المعيشة، وتتهم المعارضة “خان” بالتسبب في القضاء على احتياطيات النقد الأجنبي، وتهديد باكستان بفقدان القدرة على سداد ديونها، نتيجة سياسته مع صندوق النقد التي تصفها بـ”النهج المتخبط“، بالإضافة إلى تعيينه أربعة وزراء مالية منذ وصوله للسلطة.
- من جانب آخر؛ فإن موقف “خان” الذي يميل إلى تجاهل البرلمان، وتصريحه الدائم حول حاجة باكستان إلى نظام رئاسي، مثل تهديدا لنخبة الأحزاب الباكستانية التي تستمد نفوذها السياسي والاقتصادي من التواجد في برلمان له صلاحيات واسعة، وهو ما قد يفسر توحد الحزبين الحاكمين السابقين “الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف (PML-N)”، و”حزب الشعب الباكستاني” (PPP)”، داخل جبهة معارضة ضد استمرار “خان”، رغم الصراع التاريخي الطويل بينهما، كما أن هذه الدعوة ربما تسببت في توتر داخل الائتلاف الحاكم نفسه.
ثانيا: الأبعاد الخارجية
- تراجعت مكانة باكستان في السياسة الخارجية الأمريكية في العقد الماضي، حيث تحول اهتمام واشنطن من مواجهة الإرهاب إلى مواجهة الصعود الصيني. وأصبحت واشنطن أكثر ميلا للنظر إلى علاقاتها مع باكستان ضمن إطار أوسع يأخذ في الاعتبار المصالح الأمريكية المتنامية مع الهند، يظهر هذا التراجع في الانهيار الحاد للمساعدات الخارجية التي تتلقاها إسلام آباد من واشنطن؛ فبينما بلغت في عام 2010 ما يناهز 4 ونصف مليار دولار؛ لم تتجاوز في عام 2020 حدود 70 مليون دولار، وعلى العكس من الجهود التي بذلتها واشنطن في السابق لتوازن بين علاقتها مع إسلام آباد وعلاقتها مع الهند، الخصم الرئيسي لباكستان؛ اتجهت واشنطن مؤخراً إلى تفضيل علاقتها مع الهند، حيث أقامت أمريكا التحالف الرباعي “كواد” (QUAD) مع كل من الهند واليابان وأستراليا، والذي يرتكز على التعاون في المجالات الأمنية والاقتصادية والتكنولوجية في سياق الصراع الأمريكي الصيني.
- بالمقابل تطورت العلاقات الباكستانية مع الصين، إذ وسّعت باكستان علاقاتها الاقتصادية مع الصين واستمرت في سياسة الاقتراض منها بشكل مكثف، وقدمت بكين في السنوات القليلة الأخيرة نحو 11 مليار دولار لباكستان على هيئة قروض تجارية ومبادرات لدعم احتياطيات النقد الأجنبي.
- لكنّ كل ما سبق لا يعكس نهاية للنفوذ الأمريكي في باكستان، كما لا يعكس عمق العلاقات الباكستانية الأمريكية على مستوى قادة الجيش والاستخبارات.
- صعد “خان” لرئاسة الحكومة وهو يتبنى نهجا أكثر استقلالية، وعلي الرغم من أن علاقة باكستان مع تركيا بدأت في اتخاذ أبعاد أوثق قبل حكومة “خان”، إلا أنه ومنذ صعوده للسلطة في 2018، ظهر كشريك للرئيس التركي “أردوغان” في السعي لبناء كتلة إسلامية أكثر استقلالا، وهو ما وتر علاقاته ليس فقط مع الولايات المتحدة، ولكن أيضا مع السعودية والإمارات.
- وأخيرا، سعى “خان” لأن تقف باكستان على الحياد تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، ورفض توجيه انتقادات للرئيس الروسي “بوتين”، بل وأجرى زيارة كانت محددة مسبقا إلى موسكو بعد ساعات من بدء الحرب، رغم نصيحة الجيش ووزارة الخارجية بتأجيلها، وهو الأمر الذي أثار غضب واشنطن، خاصة مع امتناع باكستان عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة روسيا.
- العلاقات المتوترة بين “خان” وواشنطن، ظهرت عقب عودته من موسكو؛ حيث أعلن استمرار شراء القمح والبترول من روسيا، ورد على رسالة وجهها رؤساء 22 بعثة دبلوماسية في إسلام أباد تحثه على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، قائلا إنهم يعتقدون أن باكستان “عبد” لهم، كما هو وجه “خان” اتهامات لواشنطن بدعم المعارضة والسعي للإطاحة به، تحركات “خان” الأخيرة فسرت كانحياز للمحور الصيني الروسي أكثر من كونها نهجا محايدا، لذلك سعى قائد الجيش، “قمر جاويد”، لمعالجة الوضع مؤكدا أن لبلاده “تاريخ وعلاقة استراتيجية ممتازة مع أمريكا”، كما أنها تتمتع بـ”علاقة استراتيجية وثيقة مع الصين”، والأهم من ذلك؛ أنه انتقد غزو روسيا لأوكرانيا ودعا لوقفه، معتبرا أنه “مأساة كبيرة”.
خلاصة السياق:
- الخلاصة، على الصعيد الداخلي، ليس من المؤكد أن المعارضة الباكستانية ستنجح في تشكيل حكومة ائتلافية جديدة بسبب الخلافات العميقة بين أحزابها الرئيسية، وهو ما يعني أن انتخابات مبكرة تظل احتمالا واردا، ومن المرجح أن حالة عدم الاستقرار السياسي ستدفع بمزيد من الضرر بالاقتصاد وربما إلى اضطرابات اجتماعية واحتجاجات، كما أن احتمالات تدخل الجيش الباكستاني لتولي زمام الأمور صراحة، لن تكون مستبعدة.
- وعلى الصعيد الخارجي، ستكون باكستان أكثر حرصا تجاه تهدئة التوتر مع إدارة “بايدن”، حيث سيستمر حرص قادة الجيش على العلاقات مع الولايات المتحدة. كما أن وتيرة استعادة العلاقات التاريخية مع السعودية ستكون أسرع بعد غياب “خان”، خاصة في حال تولي زعيم المعارضة “شهباز شريف” رئاسة الحكومة نظرا لعلاقته التاريخية بالرياض. بينما ليس من المتوقع أن تواجه مسيرة العلاقات التركية الباكستانية تحديات، حيث إنها أكثر استراتيجية من العلاقة مع حكومة “خان”، كما أن تهدئة التوترات بين تركيا وكل من الإمارات والسعودية سيحرر إسلام أباد من الضغوط السابقة.