الحدث
استضافت حكومة الاحتلال الإسرائيلي اجتماعا غير مسبوق، الإثنين 28 مارس/آذار 2022، في النقب، اجتماعا سداسيا، ضم وزير خارجية الاحتلال “يائير لابيد”، ونظراءه الأمريكي “أنتوني بلينكن”، والمصري “سامح شكري”، والإماراتي “عبد الله بن زايد”، والبحريني “عبد اللطيف الزياني”، والمغرب “ناصر بوريطة”، ويعد هذا أول اجتماع يجمع وزراء عرب في لقاء داخل “إسرائيل”.
وأعلن “لبيد” خلال كلمته الافتتاحية للقاء المشترك، أنه تقرر تحويل اللقاء إلى “منتدى دائم”، مشيراً إلى أن المنتدى يعكس بلورة “هيئة أمنية إقليمية لمواجهات التحديات الأمنية التي تواجهها الدول المشاركة في المؤتمر”، غير أن الاجتماع لم يصدر عنه بيان مشترك، واكتفى المشاركون بتصريحات منفصلة.
التحليل: إسرائيل والعرب.. من العزلة إلى الشراكة الاستراتيجية
- شهدت علاقات “إسرائيل” مع عدد من الدول العربية تطورا لافتا خلال العامين الماضيين، حيث انتقلت من مستوى الاتصالات السرية إلى الشراكة الرسمية المعلنة عبر “اتفاقات أبراهام” عام 2020 مع كل من الإمارات، والبحرين، والمغرب، والسودان، وخلال الأشهر القليلة الماضية، تجلى هذا التطور في توقيع اتفاقيات أمنية واقتصادية وتكنولوجية مع مصر والإمارات والبحرين والمغرب والأردن، فضلا عن مشروع إقليمي لبناء نظام إنذار مبكر ضد الطائرات بدون طيار يضم دول الخليج و”إسرائيل”، أي أن “اتفاقات أبراهام” تجاوزت مرحلة “التطبيع”، إلى مستوى غير مسبوق من الشراكة الاستراتيجية.
- لكنّ هذا لا يعني بالضرورة أن اجتماع النقب يعكس تبني أجندة إقليمية مشتركة وموحدة إزاء كافة القضايا، ولعل هذا هو السبب الرئيسي الذي حال دون تبني بيان ختام مشترك، لصعوبة صياغة موقف سياسي موحد يلبي أولويات ومصالح الأطراف المشاركة تجاه قضايا إقليمية أساسية.
- فعلى سبيل المثال، لا تتبنى مصر سياسة الانخراط في جبهة إقليمية ضد إيران، وهو موقف ثابت طوال السنوات الماضية رغم التحالف الوثيق مع السعودية والإمارات، بل إن وزير الخارجية المصري علق على التصريحات التي أعقبت اجتماع النقب، والتي أوحت أنه أسس تحالفا ضد إيران، بالتأكيد على أن مصر لم تشارك بـ “قمة النقب” لتشكيل تحالفات ضد أي طرف، وحتى الإمارات التي تطور شراكة أمنية واسعة مع حكومة الاحتلال، فإنها تتمسك بسياسة التهدئة تجاه إيران، وتسعى لإعادة بناء العلاقة الثنائية على أساس تعزيز الروابط التجارية وتجنب التصعيد.
- كذلك، فإن الخروج ببيان موحد حول الموقف من القضية الفلسطينية لم يكن من الممكن، ليس فقط لأن الدول العربية المشاركة مازالت في خطابها الرسمي تتمسك بحل الدولتين، وهو ما أكدته تصريحاتهم الختامية، ولكن لأن وزير الخارجية الأمريكي أكد تمسك إدارة “بايدن” بحل الدولتين، على الرغم من أن حكومة الاحتلال تعتبر أن هذه القضية لم تعد مطروحة، وترفض إعادة إحياء المفاوضات على هذا الأساس.
- يبدو إذاً أن المهم في الاجتماع هو انعقاده أكثر من كونه تأسيسا لجبهة إقليمية موحدة، حيث أراد كل طرف إرسال رسالة تخدم مصالحه الخاصة، فمن ناحية الاحتلال، يستهدف تشكيل تحالف إقليمي قادر على قيادة جهود مواجهة التهديدات الإيرانية، من خلال تعميق العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية مع دول المنطقة، مع الحفاظ على الدور الأمريكي في المنطقة كشريك استراتيجي ضامن للأمن الإقليمي، كما أن “إسرائيل” تروج لموقعها كشريك أمني قادر على ملء الفراغ الذي قد تتركه واشنطن.
- أما الولايات المتحدة، فتعمل على تشجيع حلفائها الاستراتيجيين في الشرق الأوسط على إقامة شراكات أمنية مع حكومة الاحتلال؛ بحيث تنخرط الأخيرة في القيام ببعض الأدوار الأمريكية في المنطقة، خاصة مع تطور المراقبة الإلكترونية والتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية التي يُمكنها أن تقدم ضمانات أمنية لحكام الإمارات والسعودية والبحرين، وتمنعهم من البحث عن شركاء جدد، وكذلك تمنع تسلل النفوذ الصيني والروسي إلى المنطقة، وفي الوقت نفسه تستهدف واشنطن من الشراكات الأمنية التي من المفترض أن تقودها إسرائيل، أن تؤدي دورها كاتفاق مواز للاتفاق النووي، تستطيع من خلاله الولايات المتحدة الحفاظ على توازن القوى في المنطقة ومنع إيران من استثمار الاتفاق النووي لتعظيم قوتها.
- انعكست حالة عدم اليقين بين السعودية والإمارات من جهة وواشنطن من جهة أخرى، على التفاهمات بين الجانبين فيما يتعلق بالاستجابة للمطالب الأمريكية المتكررة بزيادة إنتاج النفط لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود التي تسبب فيها كل من الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو، ويبدو أن السعودية والإمارات لن تتخذا خطوات نحو الاستجابة للمطالب الأمريكية المتعلقة بالطاقة؛ إلا في إطار اتفاق أوسع يشمل إعادة تقييم شراكتهم الاستراتيجية مع أمريكا، وإعادة تعريف الضمانات الأمنية التي ستلتزم بها واشنطن نحوهما في المستقبل، بالإضافة لمسألة قرار “بايدن” عدم التواصل مع ولي العهد السعودي والذي فاقم أيضاً من توتر العلاقات بين الجانبين.
- لذلك؛ تسعى واشنطن إلى إحداث توازن بين أولوياتها حيال مواجهة الصين وروسيا، ومصلحتها في إتمام الاتفاق النووي، وبين طمأنة حلفائها والحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، لاسيما بعد التعامل السعودي والإماراتي مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أدركت معه واشنطن عمق أزمة الثقة مع الإمارات والسعودية، لذلك كان من اللافت أن يعقب اجتماع النقب لقاء لافت، في المغرب، بين وزير الخارجية الأمريكي وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، مع تصاعد لهجة “بلينكن” طوال جولته بالمنطقة المنددة بسلوك إيران الإقليمي وتأكيده على العمل مع حلفاء واشنطن من أجل “معاقبة إيران على أفعالها”، ورغم أن هذه التصريحات تظل محل شك لأن مسودة الاتفاق النووي باتت شبه جاهزة للتوقيع، إلا أنها تعكس حرص واشنطن على تهدئة مخاوف حلفائها في منطقة الخليج.
- وفيما يتعلق بمصر، ففي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وفي إطار الجهود المصرية للحفاظ على دورها الإقليمي خاصة في الملف الفلسطيني، فإن القاهرة ستواصل متمسكة بتحالفها الاستراتيجي مع دول الخليج، وكذلك الانخراط في مزيد من العلاقات المتطورة مع إسرائيل لأسباب أمنية واقتصادية ثنائية وليس على قاعدة التحالف ضد إيران، لكنّ التحدي الذي تواجهه القاهرة هو أنها في موقف إقليمي ضعيف نتيجة اعتماد اقتصاديا على الدعم الخليجي، في صورة استثمارات وودائع استراتيجية في البنك المركزي، وهو ما يجعلها حريصة على إظهار الدعم لمواقف السعودية والإمارات إقليميا، وأحيانا التماهي معها.
- في الجانب الآخر، فإن المغرب أقل اهتماما بالتهديدات الإيرانية بسبب البعد الجغرافي؛ ولكنها في الوقت نفسه تسعى إلى تعزيز تحالفاتها الإقليمية في ظل توتر علاقاتها مع الجزائر، ومن ثم، فإنها ستمضي في تطوير علاقاتها الأمنية والدفاعية مع “إسرائيل” التي تنظر بقلق للعلاقات الإيرانية الجزائرية، بالإضافة إلى أن وجودها ضمن ترتيبات إقليمية أوسع يضمن لها مزيدا من الدعم وهو ما تجلى في تأييد دول الخليج للموقف المغربي في قضية الصحراء.
- الخلاصة، لا ترقى مخرجات القمة إلى مستوى تشكيل تحالف إقليمي متماسك؛ ولكنها في نفس الوقت تعزز من مسار تطوير رؤية مشتركة تجمع كل من دولة الاحتلال الإسرائيلي ومصر والإمارات والبحرين والمغرب، وبشكل غير مباشر السعودية والأردن، حول زيادة التنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي، فضلا عن مواجهة تحديات إقليمية، في مقدمتها النفوذ إيران. ويمكن أن تعطينا اللقاءات الموسعة والمكثفة التي عقدت في الأيام الماضية، إشارة هامة لمحاولات الوصول لرؤية مشتركة تجمع أطراف إقليمية متعددة.
- لكن، في المقابل، تبدو أسس هذه المحاولات أقل تماسكا مما توحي به صورة اجتماع النقب الحميمية؛ حيث إن القضية والفلسطينية وتطوراتها الميدانية ستظل دائما محددا رئيسيا في صياغة علاقة حكومة الاحتلال بالدول العربية التي ستجد نفسها في مواجهة ضغوط شعبية دائما ومتجددة كلما تكررت موجات المواجهة في الأراضي المحتلة. وهذا ربما ما جعل الأردن يغيب عن الاجتماع، ومازال يحول دون اتخاذ السعودية لقرار التطبيع الرسمي.