تنمو دلتا النيل في مصر بمعدل ثابت منذ الثمانينات، لكن يزداد سكان مصر بمعدل مليونين في العام الواحد تقريبًا، وتنمو المناطق الحضرية بمعدل أسرع من تحمل البنية التحتية، وفيما يتراجع الأمن الغذائي باستمرار، يلجأ المشرعون المصريون إلى عدة مشروعات لتهيئة الأرض لإنشاء أراضٍ صالحة للزراعة ومدن جديدة.
لكن هل تنجح خطط مصر في تحويل الصحراء إلى أراض صالحة للزراعة؟
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو مدى جدوى تحويل صحراء مصر إلى أراض زراعية.
1997 – مشروع توشكى
إن استصلاح الأراضي الصحراوية وتحويل الرمال الجدباء إلى أراضٍ مأهولة كان دائمًا من أهداف مصر، فهذا سيمكن الدولة من إعادة توزيع سكانها على مساحة أكبر لتخفيف الضغط على مناطقها الحضرية، وكانت أول محاولات مصر في 1997 على يد الرئيس السابق حسني مبارك. وسُمي المشروع توشكى وكانت فكرته بسيطة لكنها بالغة الأهمية وهي حفر قناة طولها 240 كيلومترًا إلى وسط أراضي الصحراء الغربية وإمداد القناة بمياه من بحيرة ناصر ثم نقل خمس سكان مصر إلى هذه الدلتا الجديدة.
لكن المشروع فشل فشلا ذريعا إذ كان سياسيًا أكثر منه واقعيًا ما أسهم في انهياره لعدة أسباب:
- مع بدء العمل على المشروع امتزجت مستويات الملوحة العالية مع أحواض المياه الجوفية وقللت المياه العذبة المتاحة
- أدى تحرك المركبات الضخمة لري الأراضي إلى غوص إطاراتها في الرمال ووصل المشروع إلى طريق مسدود
- لم يأتِ المستثمرون الأجانب قط فقد اعتبروا مشروع توشكى مخاطرة لا يمكن الاستثمار فيها
- كانت الجهود الصغيرة المبذولة أقل من المطلوب فالقناة انتهت على بعد 15 كيلومترًا من الواحة الأولى في الصحراء الغربية
- كان المشروع فوضويًا لدرجة توقف العمل عليه في 2005 وطيه في غياهب النسيان لاحقًا
إحياء مشروع توشكى
كان الإخفاق فرصة للبدء من جديد والقيام بالأمور على نحوٍ مختلف، لذا أمر الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بإعادة إحياء المشروع مع تحديثه وفق الاعتبارات الجديدة على الأرض، وخصصت الحكومة 400 مليون دولار للمشروع على بعد نحو 225 كيلومترًا جنوب غرب أسوان.
- يسعى مشروع توشكى إلى ربط عدد من الواحات الكبرى في الصحراء الغربية
- المشكلة أن بحيرات توشكى جفت منذ ذلك الحين لأن مصر توقفت عن ضخ المياه إلى المنطقة
- ينبغي استعادة مستويات المياه وهذه مهمة ضخمة بحد ذاتها
- إن نجح المشروع سيركز في حال استكماله على إنتاج القمح والذرة والبلح والقطن
- ستفوق المساحة الكلية 6000 كيلومترًا مربعًا وهذه تقريبًا مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة معًا
لكن الكثير تغير منذ منذ وضع المخططات الأصلية للمشروع:
- زاد عدد سكان مصر من 64 مليونًا في عام 1997 إلى 106 مليونًا في 2021: هذه زيادة مذهلة قدرها 42 مليون مواطنًا والنتيجة هي مزيدًا من الأفواه لإطعامها ومساحة أقل لتسكن فيها هذه الأعداد المتزايدة
- أدى التحول الحضري إلى التأثير بشدة على الأراضي الزراعية المتاحة في مصر خاصة في دلتا النيل
أهداف مصر في مشروعات التأريض
- تعويض فقدان الأراضي وذلك لتحقيق الأمن الغذائي
- إتاحة مساحة أكبر للأعداد المتزايدة للسكان
- تقليل تكاليف استيراد سلع بعينها من الخارج
لذا فإن مشروعات استصلاح الأراضي (تحويل الأراضي الصحراوية إلى زراعية) يتم تنفيذها في أنحاء البلاد، وتنفذ مصر في شبه جزيرة سيناء أكثر من 400 مشروع تطوير بتكلفة 31 مليار دولار، يجري فيه تأسيس مدن جديدة مجهزة بمواقع صناعية وزراعية وكذلك مدارس ومستشفيات وبرامج بنية تحتية. وفي مناطق أخرى من مصر تعمل الدولة على تأسيس 100 ألف صوبة خضراء لتعزيز الأمن الغذائي وإطعام نحو 20 مليون مواطن وهذا أكبر مشروعات الصوب الخضراء في الشرق الأوسط.
مشروع الدلتا الجديدة
إن جوهرة التاج من بين هذه المشروعات هو مشروع الدلتا الجديدة والتي تقع في الشمال الغربي بجانب دلتا النيل.
الخطة:
- إنشاء سهول دلتا جديدة تمر بمحور الضبعة بتكلفة 90 مليار دولار
- تمتد إلى نحو 4100 كيلومتر مربع أو (منطقة تبلغ مساحتها نصف مساحة قبرص)
- سيكون المشروع مجتمعات حضرية جديدة ومناطق صناعية تركز على الإنتاج الزراعي
- موقع هذا المشروع الضخم وقع عليه الاختيار بالتحديد لقربه من شبكة الطرق المصرية والموانئ والمطارات والمناطق الصناعية ما يتيح للدولة نقل المنتجات عبر البلاد بسهولة
الهدف الأساسي للدلتا الجديدة:
- تقليص الفجوة بين إنتاج الغذاء واستهلاكه وحاليًا تصل تكاليف استيراد الغذاء إلى 15 مليار دولار سنويًا
- ستزيد الدلتا الجديدة إنتاج المحاصيل الزراعية بواقع 13% وتعزز الأمن الغذائي المصري
عقبات تحويل الصحراء إلى أراضٍ زراعية
- سيتطلب ثروة طائلة
- عدم توافر المياه: فالحصة السنوية من المياه لمصر تصل إلى نحو 60 مليار متر مكعب ويتضمن ذلك 55.5 مليار متر مكعب من نهر النيل
وأنفقت الدولة مليارات على معالجة المياه ومحطات التحلية وتقنيات الري الحديثة لتعويض نقص المياه، إلا الحصة المائية لمصر ما تزال مهددة بفعل إنشاء إثيوبيا سدًا ضخمًا على النيل.
إقرأ أيضاً:
مآلات الاحتجاجات الشعبية في مصر
الجيش المصري في كل قطاعات الاقتصاد
يتزعم الجيش المصري كل هذه المشاريع الاقتصادية الكبرى تقريبًا ويتغلغل في نسيج كل قطاعات الاقتصاد المصري تقريبًا.
- ينتج السلع
- يشغل المصانع
- يدير البنية التحتية
- يرعى الأراضي الزراعية
- يدير الشركات
- يشارك في الأنشطة الاقتصادية باعتبارها وسيلة لتقليل الميزانية العسكرية الرسمية
والهدف من الأنشطة العسكرية تعويض الجنود منخفضي الرتب عن انخفاض رواتبهم ومعاشاتهم بأن يتاح لهم إدرار دخل إضافي، وتذهب التكهنات إلى أن 30% من إجمالي الناتج المحلي المصري يسيطر عليه الجيش، لكن بعض التقديرات تضع النسبة عند 60%، لكن ما يجعل الفساد جزء أصيل من عمل الاقتصاد، استعمال الجيش سلطته في التكليف المباشر للمشروعات لكبار الضباط.
توضع المليارات في مشروعات كبرى في حين تُهمَّش الشركات الخاصة لأن الجيش يستحوذ عادةً على الإدارة والتمويل، والنتيجة متباينة، فبعض المشاريع تنجح لكن الكثير منها يخفق، ما يصعب مراقبة الفساد وكشفه هو أن الجيش معفي من التحقيقات أصلًا لذا لا توجد وسيلة للتحقق من مدى مشاركة الجيش في هذه المشروعات.