أثارت مبادرة الحزام والطريق الصينية مخاوف لدى الهند التي تسعى للفوز بنصيب أكبر من السوق في آسيا، في محاولة لمواجهة نجاحات مشروعات بكين الاقتصادية في العقد الأخير. لذا قررت الهند الدخول في مواجهة مباشرة عبر تدشين عدة ممرات تجارية في جميع الاتجاهات، قد تجعل نيودلهي من أعمدة التجارة في الاقتصاد العالمي ويمنحها نفوذًا اقتصاديًة وكلمة سياسية مسموعة.
لكن هل تنجح الهند في هذه المواجهة؟ وهل هذه الممرات التجارية ستجعلها صاحبة النفوذ الأقوى في المنطقة؟
منصة أسباب بالشراكة مع CaspianReport تشرح لكم في هذا الفيديو، الاستراتيجية الكبيرة التي تتبعها الهند.
في البداية، لنعطي لمحة سريعة عما فعلته الصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001 وأبرزها مبادرة الحزام والطريق.
تضم المبادرة مكونين:
- ممر بري يتضمن تأهيل وبناء الصين لطرق وشوارع وسكك حديدية. يمتد غربًا من وسط آسيا إلى أوروبا ويسميه البعض “طريق الحرير” الجديد.
- طريق بحري يتألف من موانئ تبنيها الصين. تمتد غربًا بطول المحيط الهندي ويسميه المشرعون الصينيون عقد اللؤلؤ لكن هذه المبادرة الصينية لن تعزز فقط نفوذ بكين في المنطقة، إنما ستؤدي لتهميش الهند وتحجيم حضورها. لأن الموانئ والطرق السريعة والسكك الحديدية الجديدة يمكن أن تساعد الصين يومًا ما في حالة نشوب نزاع عسكري. وبالنظر إلى الخريطة، ليس صعبا تخيل الحصار الصيني للهند. فماذا فعلت الهند؟
أولاً: ممر نقل دولي
في سبتمبر عام 2000، وقعت نيودلهي قرار إنشاء ممر نقل دولي بين الشمال والجنوب بهدف تعزيز ربط الهند بالأسواق الأوروبية. بطول 7200 كيلومترًا يبدأ المرر من مومباي مرورا إلى ميناء بندر عباس الإيراني. ومن هناك ستصل السكك الحديدية إلى باكو الأذربيجانية ومنها إلى أستراخان في روسيا. وسيمتد الممر إلى موسكو وينتهي في سان بطرسبرغ.
مميزات ممر النقل الدولي الهندي
- سيتوقف الممر بين الشمال والجنوب في مراكز عدة وسيخلق سلاسل قيمة (ممرات تجارية كبرى) ما يؤدي إلى نشأة حزام ديناميكي يمتد على طول بلاد ومناطق كاملة
- الممر أسرع بنسبة 40% وأقل تكلفة بنسبة 30% من المسار التقليدي الذي يمر بقناة السويس والبحر المتوسط
- يقلل المسافة بين مومباي وموسكو من 16 ألف كيلومتر إلى 7 آلاف كيلومتر
- الممر استثنائي للتجارة الدولية
العوائق التي تواجه ممر النقل الدولي
إيران؛ فالبنية التحتية للسكك الحديدية فيها متأخرة لأنها بلد جبلي، وما زالت هناك مناطق بحاجة للتأهيل. وكان الأمر سيكون أبسط لولا أن إيران تحت وطأة عقوبات دولية ما يجعل التعاون الاقتصادي معها صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر. لذا سيظل الممر مغامرة غير محسوبة.
ثانياً: “الجيران أولًا”
في 2014 خرجت الهند بسياسة أكثر تواضعًا تُعرف بـ”الجيران أولًا” بهدف حل الخلافات بين نيودلهي وجاراتها الأصغر من جهة، وإضعاف نفوذ الصين في المنطقة من جهة ثانية. منحت الهند جاراتها خطوط ائتمان سخية وعقودًا تجارية ومساعدات خارجية مثل “بوتان” التي حصلت على مساعدات تصل إلى 350 مليون دولار في عام 2019.
حققت الهند بعض النجاحات في بدايات برنامجها لكن هذه النجاحات تعثرت بمرور الأعوام.
- المالديف وسريلانكا ونيبال وبنغلاديش صارت أقرب إلى الصين
- أفغانستان صارت قصة النجاح الوحيدة في سياسة الجيران أولًا لكن كل النفوذ الهندي ذهب أدراج الرياح مع استيلاء طالبان على الحكم
أخفقت الهند في هذه السياسة، فانتقلت لغيرها بعد أعوام.
ثالثاً: ممر النمو الآسيوي الأفريقي
الإخفاق السابق دفع الهند إلى استراتيجية كبرى جديدة في 2017 بالتعاون مع اليابان. وسمي المشروع بممر النمو الآسيوي الأفريقي وهو من بنات أفكار رئيسي الوزراء نياندرا مودي وشينزو آبي. يربط الممر الهند بأفريقيا عبر مسارات جديدة للشحن.
لكن يبدو أنه سيولد ميتاً لعدة أسباب:
- الممر مصمم ليكون عملية تُبنى من الأسفل للأعلى ومخططاته لا تتضمن خطة تنفيذ واضحة.
- الدول الأفريقية التي من المفترض أن تشارك في الممر لم يُكشف عنها حتى الآن
- وصولًا إلى 2021 لم يحدث أي تقدم بشأن الممر
- الغياب الصادم للنتائج أدى إلى الاعتقاد بأن المشروع مبادرة علاقات عامة
- المشرعون الهنود واليابانيين لا يتحدثون عنه
رابعاً: الطريق العربي المتوسط
رغم فشل المحاولات السابقة، لكن الهند لم تستلم للإخفاق، فقد خرجت بحزام تجاري آخر يستهدف أوروبا. يسعى هذا المشروع إلى ربط الهند بالأسواق الأوروبية عبر البنى التحتية للطرق والسكك الحديدية القائمة بالفعل في الشرق الأوسط.
ولم تكن الخطة هذه لتخطر على بال أحد قبل أعوام لولا تغير قواعد اللعبة في المنطقة بعد تطبيع إسرائيل علاقاتها مع بعض الدول العربية، بحسب معهد الدراسات الجنوب آسيوية بجامعة سنغافورة.
مسار الطريق العربي المتوسط
- مشاريع السكك الحديدية التي تدشن على قدم وساق ستصل موانئ الإمارات بموانئ السعودية والأردن وصولًا إلى مدينة حيفا على ساحل فلسطين المحتلة.
- من ساحل البحر المتوسط ستُشحن البضائع عبر المتوسط إلى بيرايوس اليونانية.
- من هناك ينطلق الشحن بريًا إلى قارة أوروبا.
أهداف الهند من الطريق العربي المتوسط
تهدف نيودلهي إلى استغلال هذا الطريق الناشئ وإنشاء مسار تجاري يمتد من الهند إلى الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل واليونان وصولًا إلى ألمانيا. وما إن يبدأ عمل الممر العربي المتوسطي من الممكن أن تصل السلع الهندية التي تغادر مومباي إلى البر الأوروبي في مدة لا تتجاوز 10 أيام.
لكن الوجهة الرئيسية لن تكون فقط أوروبا. فعن طريق ربطها بالبنى التحتية القائمة يمكن أن تسهم الهند في إنشاء سلاسل القيمة بطول الممر ويمكن أن يصبح قطاع التصنيع الهندي الضخم قوة لا يمكن الاستغناء عنها في آليات العرض والطلب في المنطقة.
التغير المناخي والطريق العربي المتوسط
من المتوقع أن يؤثر التغير المناخي على الشرق الأوسط تأثيرات كارثية في العقود القادمة. وبحلول عام 2050 ستنشأ موجات حر طويلة بينما سيتسارع التصحر وتطول فترات الجفاف. وسيصبح الطعام والمياه من السلع النادرة الثمينة. وتعد الهند رابع أعلى دولة من حيث الإنتاج الزراعي، لذا فقد تصبح السلة الغذائية للشرق الأوسط. وقد بدأ تنفيذ الخطط بالفعل:
- من المزمع أن تستثمر الهند نحو 7 مليارات دولار في إنشاء حدائق غذائية كبرى
- ستتعاون الهند مع “إسرائيل” في مجال الإنتاج الزراعي
- وقعت الهند شراكة استراتيجية شاملة مع الإمارات تتعهد فيها بزيادة التجارة الثنائية بنسبة 60% وضخ استثمارات جديدة في البنية التحتية بقيمة 75 مليار دولار
- بدأت الشركات الإماراتية في بناء والاستحواذ على موانئ جديدة بطول سواحل المحيط الهندي
عوائق قد تواجه الطريق العربي المتوسط
الوضع المؤلم للشرق الأوسط هو العيب الخطير للمر. فالخطة أشبه بحقل ألغام جيوسياسي
- التجارة مع السعودية و”إسرائيل” ستضر بالعلاقات مع إيران
- ستُقحم الهند في توازنات القوى المعقدة في الشرق الأوسط
- ميناء بيرايوس مملوك لشركة كوسكو الصينية للشحن، ما يعني أن استخدامه سيكون قرارا سيئاً
لكن رغم هذه التعقيدات فإن هذا الطريق هو مسار منطقي عملي تتحرك الهند تجاهه، فلا يمكنها مقاومة نفوذ الصين في الوضع الحالي إلا بإيجاد وضع جديد أقوى منه. فهل تنجح؟