الحدث
في الاجتماع الافتراضي لـ”مجموعة السبع” في 30 أغسطس/آب، حضرت قطر إلى جانب دول كبرى لبحث مستقبل أفغانستان، شملت الدول كلاً من الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة، وبمشاركة من تركيا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وجاء هذا الحضور بعد أن لعبت الدوحة دوراً مهمًا ومؤثراً في المفاوضات التي جرت مع حركة طالبان، وفي عمليات الإجلاء لعشرات الآلاف من أفغانستان. لكن في المقابل ما زال أمام الدور القطري تحديات صعبة مرتبطة بالقدرة على التعامل مع واقع الحكم الجديد في كابول، والاستثمار الأمثل للعلاقة مع كلٍ من واشنطن وقادة طالبان من أجل الوصول لتفاهمات تضمن مستقبل آمن لأفغانستان، واعترافا دوليا شاملا بحكومتها الجديدة.
مميزات الدور القطري في أفغانستان
- برز الدور القطري بشكل فاعل في الملف الأفغاني بعد قرار الدوحة عام 2013 فتح مكتب تمثيل لحركة طالبان في العاصمة القطرية، أصبح فيما بعد مقراً للمكتب السياسي للحركة. حيث ارتبط اسم دولة قطر في الملف الأفغاني بدورها في المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان من جهة، وبين الحركة والحكومة الأفغانية السابقة من جهة أخرى. هذا الدور امتاز عن غيره من الوساطات الإقليمية والدولية الأخرى بعدة اعتبارات، أهمها:
- أن الرعاية السياسية لطالبان لم تنطلق من محاولة قطر الوصاية على الحركة وفرض إرادتها عليها، أو الانتقاص من شأنها ومعاملتها كطرف مأزوم، بل حملت شكل المساعدة التي تراعي شروط طالبان واحتياجاتهم كحركة أفغانية وطنية في كافة تفاصيل عملية التفاوض، الأمر الذي عزّز الثقة بين المسؤولين القطريين وقادة الحركة.
- فهم فريق قطر المعني بالتفاوض للتركيبة القبلية داخل أفغانستان وحتى داخل طالبان، الأمر الذي عكس توازنا وحيادا من الجانب القطري، وقبولاً في التعامل وتفضيلاً من الطرف الأفغاني للوسيط القطري على باقي الأطراف العربية والدولية التي حاولت مراراً لعب دور مع طالبان وفشلت، وكان آخرها تركيا.
- علاقات قطر الممتدة والإيجابية مع الأطراف الدولية شكّلت عاملاً مهماً في تعزيز دور قطر بالمفاوضات، ومن المرجّح أن يستمر تأثيرها في مسار رسم مستقبل أفغانستان، حيث عبرت العديد من الدول الغربية عن ثقتها بالدور القطري. فعمليات الإجلاء التي جرت مؤخراً تأتي في هذا السياق، وأيضا ما تبعها من زيارات لوزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان والبرتغال وإيطاليا للدوحة ونقل أغلب تلك الدول سفاراتها من كابول للدوحة لتصبح الدوحة مقر دبلوماسية الدول الأكثر تأثيراً في الملف الأفغاني.
- تجربة قطر وخبرتها في لعب دور الوساطة الناجحة في ملفات معقدة في المنطقة خلال العقدين الماضيين، في السودان، ولبنان، واليمن وفي القرن الأفريقي، أكسبها ثقة الأطراف الدولية، ومنحها مصداقية لدى الأطراف المحلية نتيجة حيادها أثناء رعاية المفاوضــات.
تحديات أمام قطر في الملف الأفغاني
- أولاً الوصول لتسوية شاملة تضمن مشاركة جميع مكونات الشعب الأفغاني في الحكم وعدم إقصاء الخصوم السياسيين والفرقاء القبليين، حيث ربطت معظم الأطراف الدولية اعترافها بطالبان والحكومة الأفغانية القادمة بسلوك الحركة ونهجها السياسي والأمني والحقوقي، وهو ما يفرض على قطر إدارة العملية التفاوضية بأدوات تساعدها على الوصول لنتائج بهذا الخصوص خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
إقرأ أيضاً:
الرابحون والخاسرون جيوسياسيا من عودة طالبان المنتصرة إلى كابل
أفغانستان.. لماذا صُنفت دولة فاشلة وفق المؤشر العالمي؟ وهل كانت هكذا دائما؟
نهاية سياسات الغضب: قوى الشرق الأوسط تعيد التموضع وتفتح أبوابها الموصدة
مخاطر وآفاق الشرق الأوسط في العام 2021
- التحديات المرتبطة بالحريات وملفات حقوق الإنسان، حيث وعدت طالبان بالعفو عن كل من بقوا في أفغانستان، ومع ذلك ما يزال هناك الكثير من “المتعاونين” السابقين مع القوات الغربية، ونشطاء مجتمع مدني ونساء يخشون من الإجراءات والقوانين التي يمكن أن يفرضها نظام الحكم الجديد.
- بموازاة ذلك، ما زالت بعض الجماعات المسلحة -أبرزها “داعش”- تشكل تهديدًا لاستقرار البلاد، والهجوم الذي نفذه انتحاري تابع لتنظيم الدولة وراح ضحيته أكثر من 180 شخصًا خارج مطار كابول، مؤشر واضح على ذلك. وقد أفاد تقرير صادر عن صحيفة “نيويورك تايمز”، في 31 أغسطس، بأن المسؤولين الأمريكيين يقومون بإعادة صياغة الخطط الأمنية لمواجهة التهديدات التي يمكن أن تنبثق عن تطورات الوضع في أفغانستان، لا سيما بعدما فقدت واشنطن شبكاتها من العملاء والمحطات الاستخبارية في جميع البلاد.
- أخيراً، سينتقل -على الأرجح- مقر المكتب السياسي لطالبان إلى كابل بعد تشكيل الحكومة، مما يعني انتقال مركز الثقل جغرافياً إلى أفغانستان بعدما كان في الدوحة. ويحمل هذا الأمر معه تحديات عديدة، منها:
- زيادة تأثير دول كبرى مثل الصين وروسيا على طالبان في ظل خروج الولايات المتحدة من المشهد الميداني في أفغانستان، حيث ستضع بكين وموسكو على الأغلب مسألة البدء بترتيب مصالحها في أفغانستان عبر التواصل المباشر مع قيادات الحركة في كابل مقابلاً دعم حكومة طالبان في المجتمع الدولي وتوفير غطاء وشرعية لحكم الحركة في مواجهة ضغوط وشروط الولايات المتحدة وحلفائها.
- التنافس التقليدي بين قيادات الداخل والخارج لحركة طالبان، فقد كان الجناح السياسي للحركة يقيم في الخارج – ومقرهم سابقاً في الدوحة – ومعني بالتواصل السياسي مع دول العالم، في حين كانت مرجعية الحركة بالداخل تتولى العمل الميداني سواءً العسكري أو المجتمعي. وإن لم يكن هذا التنافس ظاهراً كما في حركات تحرر أخرى غير أنه موجود، وسيبرز أكثر في المرحلة المقبلة التي يتوقع أن يتراجع فيها دور قيادات الخارج في العمل السياسي لطالبان، أو أن يزيد مستوى تأثير قيادات الداخل في قرارات مفصلية باتت مرتبطة أكثر بإدارة الشأن المحلي في البلاد.
- تحدي الأدوار المباشرة التي ستحتاج قطر تنفيذها ميدانياً في أفغانستان لاستمرار حضورها في هذا الملف، سواء استمرار قطر كوسيط حصري في أي عملية تفاوض بين طالبان وباقي الأطراف الأفغانية، وهذا التحدي سيتطلب جهدا لوجستيا إضافيا لإبقاء زخم التواصل مع قيادة الحركة قائما رغم بعد المسافة، كما سيتطلب الحفاظ على الدور السياسي والدعم الفني الميداني وتوفير المساعدات المادية والعينية إضافة للضمانات الدولية تحتاجها طالبان في المرحلة المقبلة والتي لا تستطيع دولة أخرى توفيرها مثل قطر.
- وعموماً، فإن احتمالية انتقال مقر إقامة قيادات المكتب السياسي لطالبان إلى داخل أفغانستان قد يتطلب من قطر أحد أمرين: إما فرز فريق من الخارجية القطرية ليقيم في كابل ليدير هذه العملية بين الأطراف الأفغانية؛ أو أن تُقنع قطر قيادة حركة طالبان بأن يعود عدد من قيادات المكتب السياسي للحركة – ممن لديهم تفويض – للإقامة في قطر لإكمال مسار التفاوض الجديد.
الأدوار القطرية المحتملة في المرحلة المقبلة:
- المساعدة في الوصول لتفاهم أفغاني على شكل نظام الحكم الجديد في ظل سيطرة طالبان، وربما خبرة السنوات الماضية في المفاوضات والفهم العميق لتركيبة المجتمع الأفغاني وكيفية التعامل مع مكوناته، قد تؤهل قطر أكثر من غيرها للعب هذا الدور. إضافة لتوفر قناة تفاوض مع الولايات المتحدة يمكن عبرها تحصيل الاعتراف الدولي المقبل لأي حكومة مقبلة أو نظام حكم جديد في أفغانستان.
- توزيع مصالح الدول الكبرى في عمليات إعادة البناء والاستثمار المباشر في أفغانستان تعزيزاً لمنظومة مصالح الحركة والنظام السياسي الجديد في أفغانستان. ومن الواضح أن قطر متقدمة بخطوات عن غيرها من الدول في تحقيق تفاهمات مع طالبان بهذا الشأن، خاصة وأن دول أخرى، مثل السعودية والإمارات، ستسعيان للإستثمار في أفغانستان ومنافسة قطر، لكن احتمال ارتباط تمويلهما باشتراطات سياسية على طالبان، سيُطيل من فترة تفاوضهم والوصول لاتفاقات نهائية لهم مع طالبان.
- تحاول قطر أن تصبح جزءًا لا يتجزأ من السياسة الأفغانية في ظل حكم طالبان، من خلال الاستثمار والمساعدة المالية والمشاركة في إعادة الإعمار. طالبان بحاجة إلى المال للبقاء في السلطة، وبرغم أن أبرز ما ميز الحركة في المرحلة السابقة هو استقلالها المالي وتمويلها الذاتي، غير أن إدارة الدولة تتطلب إمكانيات أكبر سيؤثر فيها عدم تمكن طالبان من الاستفادة من الأموال المجمدة في الولايات المتحدة (9.5 مليار دولار) وغيرها من أرصدة البنك المركزي للبلاد التي لم يعد بإمكان طالبان الوصول إليها. لذا يتوقع أن تعتمد الحركة آنيا خلال هذه الفترة الانتقالية بشكل متزايد على المساعدات المالية القطرية وأي ترتيبات مالية مع دول كبرى مثل الصين.
- توفير شبكة دعم إنساني دولي داخل أفغانستان تلبي احتياجات طارئة وأخرى تنموية مستمرة، خاصة بعد قطع منظمات دولية مثل الاتحاد الأوروبي مساعداتها المالية لأفغانستان. حيث ساهمت الدوحة كذلك في إيصال مساعدات الأمم المتحدة إلى أفغانستان خلال هذه الفترة بناء على طلب وكالات الأمم المتحدة. هذا الدور مؤهل لأن يتوسع لتصبح له ديمومة.
- توظيف إنجاز طالبان الأخير لصالح محور دول إسلامية تسعى لشكل من التعاون الوثيق بينها في آسيا الوسطى، بما يشمل دولاً مثل باكستان وأذربيجان وأوزبكستان، وبدعم من قطر وتركيا، حيث بدأت قطر بالفعل بالتوسع هناك في المجال الاقتصادي والتعاون والاستثمار في النفط والغاز والتعدين والبنوك والصناعات الزراعية، وأيضا في التعليم والثقافة، في ظل منافسة سعودية في أوزبكستان بشكل خاص.
- تعزيز الدور الأمني التركي في أفغانستان بديلاً عن قوات الناتو بما يخدم مصالح دول الغرب في أفغانستان وبما يوائم شروط طالبان. ومن ذلك المشاركة في إدارة وتأمين مطار كابل الدولي، الذي يمثل حاجة دولية عاجلة استدعت من قطر إرسال فريق فني لتقييم الاحتياجات وتشغيل المطار.
- توفير ضمانات لدول إقليمية ودولية بعدم خوض طالبان في نشاط عسكري خارجي أو دعم نشاط معادي لدول انطلاقاً من أراضيها، بالأخص الصين وإيران.
- تأهيل طاقم الإدارة العامة الجديد من كوادر طالبان لإدارة الحكومة ووزاراتها، وهذا يمكن أن يتم بالتعاون مع دول حليفة أو مؤسسات مجتمع مدني، حيث يتوقع أن تلعب تركيا دوراً بهذا الأمر إلى جانب قطر.
- توفير إسناد لوجستي في قطاعات مدنية أو عسكرية تستدعي تدخل ميداني لطرف يقبله الأفغان والمجتمع الدولي، وبرز هذا الأمر في عمليات الإجلاء التي لعبت قطر دوراً كبيرا فيها بفضل الإمكانيات اللوجستية الكبيرة التي وفرتها، والتي كان من بينها تدشين جسر جوي لنقل اللاجئين الأفغان واستقبال مواطني الدول الغربية وموظفي وكالات الأمم المتحدة في الدوحة، حيث غطت قطر نحو 40% من عمليات الإجلاء بفترة قياسية، وما زالت مستمرة في هذا الدور.