الحدث
12 تموز/يوليو اندلعت اشتباكات عسكرية بين أرمينيا وأذريبجان، وتصاعدت بسرعة إلى أكثر الحوادث دموية منذ “حرب الأيام الأربعة” في نيسان/ابريل 2016. وفي حين أن تفشّي العنف بين الجانبين شائع، إلا أنه هذه المرة اندلع القتال داخل مثلث حدودي استراتيجي في منطقة “توفوز” القريبة من الحدود التركية الأذرية والأرمنية المعترف بها دوليًا، بعيدًا عن منطقة الصراع الفعلية (في إقليم “قره غاي” المتنازع عليه والذي تعتبره أذريبجان محتلاً من قبل أرمينيا منذ 1992)، مع الاستخدام المكثّف للمدفعية والطائرات بدون طيار والهجمات الإلكترونية والتضليل، مما تسبب في وقوع 17 ضحية مشتركة على الأقل، بما في ذلك الجنرال في الجيش الأذربيجاني “بولاد هاشيموف”.
الجهة المبادرة للهجوم
- تقع المنطقة التي اندلعت فيها الاشتباكات في وسط شبكة البنية التحتية الأساسية في أذربيجان، إلى جانب خط سكة حديد الواصل بين أذربيجان وجورجيا وتركيا (باكو – تبليسي – كارس) الذي تم إطلاقه حديثًا، وخط أنابيب النفط (باكو – تبليسي – جيهان)، وممر الغاز الجنوبي.
- عقب اندلاع النيران، اتهم الجانبان بعضهما البعض، حيث زعمت السلطات الأرمنية أن الجانب الأذربيجاني حاول الاستيلاء على موقعه العسكري ولكن تم صده، في حين أعلنت السلطات الأذربيجانية أن القوات الأرمنية بدأت القتال أثناء محاولتها الاستيلاء على موقع استراتيجي، ولكن تم رميها.
- الهجوم يتماشى مع التفكير الاستراتيجي الجديد للجيش الأرمني الذي كشف عنه وزير الدفاع “دافيت تونويان” العام الماضي. وبحسب “تونويان”، فإن الجانب الأرمني “سيتخلّص من الحالة الدفاعية المستمرة، وسيعمل على إضافة وحدات تحول العمليات العسكرية إلى داخل أراضي العدو”. وكذا بعد الاشتباك، كتب المتحدث باسم وزارة الدفاع الأرمينية “شوشان ستيبانيان” أنه رداً على الهجوم الأذربيجاني، قد تمضي القوات الأرمينية في “الاستيلاء على مواقع مفيدة جديدة”.
- في حين من الصعب أن نفهم لماذا ستخاطر “باكو” بالأمن المادي لخطوط أنابيبها وسمعتها كمورد موثوق للطاقة قبل ثلاثة أشهر فقط من إطلاقها ممر الغاز الجنوبي، وتوقع أذربيجان تسليم أول شحنة من الغاز إلى أوروبا قبل نهاية العام. جدير بالذكر أن ممر الغاز الجديد تم تصميمه لنقل الغاز الطبيعي من أذربيجان “شاه دنيز” ضمن المرحلة الثانية إلى الحدود التركية اليونانية عبر خط الأنابيب عبر الأناضول (TANAP) ثم عبر اليونان وألبانيا عبر خط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكيTAP) إلى إيطاليا).
- وفي الواقع، ادعى بعض الخبراء أن أرمينيا استولت بالفعل على الموقع العسكري الأذربيجاني “غاراجايا” (بلاك روك)، والذي كان من المفترض أن يمنح أرمينيا السيطرة على طريق سريع استراتيجي مهم، يربط ثاني أكبر مدينة في أذربيجان غانيا مع جورجيا المجاورة. ومع ذلك، هذه الادعاءات لا أساس لها.
عنف قد يتصاعد إلى حرب كبرى
- أرمينيا عضو في منظمة معاهدة “الأمن الجماعي” بقيادة روسيا، وتنص المادة 4 من ميثاق منظمة معاهدة الأمن الجماعي على أن الهجوم على دولة عضو سيعتبر هجومًا على جميع الدول الأعضاء. في السنوات الأخيرة أنشأت روسيا وأرمينيا نظام دفاع جوي مشترك في جنوب القوقاز وقوة أرضية روسية أرمينية مشتركة ودائمة من خلال دمج الفيلق الرابع للجيش الأرمني في المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية. وفي هذه الحالة، فإن هجومًا عسكريًا مباشرًا على أرمينيا سيؤدي حتمًا إلى جر روسيا إلى الصراع مع عواقب وخيمة محتملة على أذربيجان، على غرار الحرب الروسية الجورجية لعام 2008.
- في المقابل، وبعد فترة وجيزة من اندلاع القتال، أعلنت تركيا دعمها غير المشروط والثابت لأذربيجان، حيث صرح الرئيس “رجب طيب أردوغان” أن “هذا الهجوم هو حدث يتجاوز أرمينيا”. وبعد اجتماع مع مسؤولين عسكريين أذربيجانيين برئاسة نائب وزير الدفاع في أنقرة، وعد وزير الدفاع التركي “خلوصي أكار” بالمساعدة وبأن يريفان “ستدفع” ثمن التصعيد الأخير، وهي كلمات يُنظر إليها على أنها تهديد تصاعدي في أرمينيا. في حين كتب رئيس الصناعات الدفاعية التركية “إسماعيل ديمير”، أن تركيا مستعدة لدعم أذربيجان بطائراتها المقاتلة والصواريخ وأنظمة الحرب الإلكترونية.
- في الوقت نفسه، بدأ عرض لقطات لطائرات هليكوبتر عسكرية من القاعدة العسكرية الروسية رقم 102 في أرمينيا وهي تقوم بدوريات على الحدود الأرمينية التركية عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الأرمينية. ونفت روسيا القيام بدوريات على الحدود مصرة على أنها جزء من تدريبات عسكرية مخططة بالفعل. كما أعلنت روسيا عن تدريبات عسكرية ضخمة مفاجئة شارك فيها 150 ألف جندي من مناطقها العسكرية الجنوبية والغربية، والتي ستكفل، وفقًا لوزارة الدفاع الروسية، “الأمن في جنوب غرب روسيا”. ورفضت روسيا مرة أخرى أي ربط بين التدريبات العسكرية والاشتباكات على طول الحدود الأرمينية الأذربيجانية.
- في غضون ذلك، توسطت مجموعة “مينسك” التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تشارك في رئاستها فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، في نزاع “ناغورنو كاراباخ” منذ وقف إطلاق النار. وحثت كلا الجانبين على الالتزام بوقف إطلاق النار والعودة إلى المفاوضات وكبح الخطاب التحريضي. كما حثّ الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” على وقف التصعيد، فيما تعهدّت إيران المجاورة بالمساعدة في التوسط بين الجانبين، في حين أنها تتبع سياسات أقرب ما تكون إلى أرمينيا، منها إلى اذريبجان.
كيف استجابت الولايات المتحدة؟
- لعقود من الزمان، دافعت الولايات المتحدة عن أمن الطاقة الأوروبي، واعتبرت وصول أوروبا إلى إمدادات الطاقة المستقرة من البلدان الصديقة أمرًا بالغ الأهمية للأمن القومي الاوروبي، وبالتالي تخدم المصالح الامريكية، وهذا يشمل الممر الحيوي في منطقة القوقاز.
- وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس “دونالد ترامب” تنهي عامها الرابع، إلا أنه لم يصدر عنها بعد سياسة بشأن منطقة جنوب القوقاز، مما يخلق فراغًا يبدو أن القوى الأخرى – بما في ذلك إيران وروسيا – حريصة على ملئه.
- ويولي كبار المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة القليل من الاهتمام بأحدث أعمال العنف بين أذريبجان وأرمينيا. ولا يبدو أن وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” أثار المسألة في مكالمته الهاتفية مع نظيرة الروسي “لافروف” في 13 تموز/يوليو، وانتظر يومين آخرين قبل التعليق على القضية في مؤتمر صحفي. وإن عدم وجود استجابة رفيعة المستوى للحدث يُظهر مرة أخرى أن واشنطن لا تعتبر القوقاز أولوية.
رأي وخلاصة السياق
- أبرزت الاشتباكات الأخيرة بين أرمينيا وأذربيجان مرة أخرى هشاشة الوضع في القوقاز، وعلى الرغم من أن الديناميات المحلية لعبت دورًا رئيسيًا في الصراع، إلا أنه من الصعب فصله عن سياقه الجغرافي السياسي الأوسع.ومع تزايد التنافس بين الجهات الفاعلة التقليدية في المنطقة مثل روسيا وتركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإيران، وربما ظهور جهات فاعلة جديدة مثل الإمارات و”إسرائيل”، فإن الصراع في القوقاز ليس بمنأى عن خطر التحول إلى حروب بالوكالة كاملة.
- في المقابل، هناك كوابح تجعل من تأجيل اندلاع صراع متصاعد في الوقت الحالي أمرٌ مرجّح، حيث أن الصراع العسكري هو آخر شيء تحتاجه كل من أرمينيا وأذربيجان اللتان تكافحان لاحتواء جائحة “فيروس كوفيد-19. بالإضافة إلى أن كل من روسيا وإيران وآسيا الوسطى تتعامل مع معدلات الإصابة العالية من الفيروس وارتفاع البطالة والاقتصادات المتعثرة.
- من غير المتوقع أن تتنازل تركيا عن مصالحها في منطقة القوقاز ذات الأهمية الجيوسياسية الكبرى، وستقدم كل دعم يلزم لإسناد حليفها الأذري. وعلى الرغم من موقف الولايات المتحدة الفاتر حتى الآن تجاه الأحداث المستجدة، إلا أن الأرجح أن تكون واشنطن أقرب لضمان استمرار أمن الطاقة وزيادة التعاون مع أذربيجان وجورجيا لحماية خط الأنابيب وممر النقل الممتد من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا في طريقه إلى أوروبا.
مراجع استفدنا منها في إعداد التقرير:
- تقرير Azerbaijan-Armenia clashes put an end to cautious optimism الصادر عن Middle East Institute (MEI)، 23 يوليو/تموز 2020
- تقرير Behind the Flare-Up Along Armenia-Azerbaijan Border الصادر عن مركز كارينغي، 22 يوليو/تموز 2020