ملخص
● ينطلق ترامب من نظرة تقوم على اعتبار أن روسيا لم تعد تهديدا قطبيا يستحق استنزاف موارد الغرب في التصدي له، بينما يجب أن تكون الأولوية للصين. وإذا كانت روسيا عاجزة على هزيمة “دولة عادية” مثل أوكرانيا، فإنها ببساطة لم تعد تمثل تهديدا أمنيا لدول أوروبا.
● يمثل تحرك ترامب خطوة نحو إعادة تشكيل الصراع العالمي، ومحاولة جذب روسيا بعيدا عن الصين. لكنّ هذا الرهان ليس من المؤكد قابليته للتحقق؛ إذ يختلف وضع روسيا الراهن عن وضع الصين في سبعينيات القرن الماضي، وتبدو أن محاولة تكرار سياسة نيكسون مع الصين -معكوسة هذه المرة- ولا تأخذ في الاعتبار متغيرات الزمن والواقع الجيوسياسي؛ إذ لدى بوتين رؤية واضحة لدور روسيا في نظام دولي متعدد الأقطاب، وهي رؤية تصطدم مع الاستراتيجية الأمريكية.
● يخشى الأوروبيون من تخلي واشنطن عن ضمان الأمن الأوروبي. وبخلاف الإدارة الأمريكية، يسود في أوروبا تقدير مختلف إزاء روسيا. فعلى الرغم من أنهم يرون روسيا لا تزال تمثل فاعلاً اقتصاديًا ضعيفًا لكنّه عدوانيًا، وعلى استعداد لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافه. ولذلك؛ يتخوف قادة أوروبا، خاصة المملكة المتحدة وفرنسا، من أن طموحات موسكو الاستراتيجية لن تقتصر على أوكرانيا.
● ما زال من المبكر الجزم بمآلات قدرة أوروبا على تحقيق استقلال عسكري في المدى الطويل. وبينما تنظر الولايات المتحدة -بحق- إلى أوروبا باعتبارها حاليا مجزأة ومتصارعة وغير قادرة على بناء منظومة دفاعية مستقلة، فلا يمكن تجاهل أن العالم يمر مرحلة إعادة تشكل واسعة، وأن التفاعلات الجيوسياسية الراهنة من الممكن أن تفضي إلى تحولات تتجاوز المسلمات السابقة. وفي هذا الصدد؛ سيكون موقف ألمانيا حاسما نظرا لثقلها الاقتصادي وخططها الكبيرة لتطوير قدراتها العسكرية.
● يتوقع أن ينجح ترامب في الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار مطول، وليس اتفاقية سلام، بما يجمد جبهات القتال عند خطوط التماس الحالية، وتحويل الحرب إلى صراع مجمد. وبينما لا تتمتع أوكرانيا بخيارات كثيرة، فإن من المرجح أن يسعى زيلنسكي إلى تحقيق بعض الأولويات مثل الحصول على ضمانات وقدرات تحمي بلاده من تجدد العدوان الروسي، ومواصلة وضع موسكو تحت العقوبات كأداة تفاوض طويلة الأمد لضمان سلوك روسيا المستقبلي، فضلا عن عدم الاعتراف بأي سيطرة روسية على الأراضي الأوكرانية بما في ذلك القرم.

مقدمة
أعلن البيت الأبيض في 19 مارس/ أذار 2025 أن الرئيس الأميركي ترامب ونظيره الروسي بوتين اتفقا على هدنة في أوكرانيا لمدة 30 يوما، تشمل تجنب استهداف قطاع الطاقة والبنية التحتية، فضلا عن التوافق على ضرورة بدء محادثات فورية للتوصل إلى هدنة أوسع نطاقا، وهو ما أكده الكرملين في بيان منفصل، فقد أشار إلى تأكيد بوتين على أن حل الصراع يجب أن يكون شاملا وطويل الأجل، مع مراعاة المصالح الأمنية لروسيا والأسباب الجذرية للحرب.
الأهداف الأمريكية
ينطلق ترامب من نظرة مغايرة للعالم مقارنة مع إدارة بايدن، وهي نظرة لا تنفرد بها إدارته وإنما تمثل قطاعا متزايدا في الغرب عموما. وتقوم هذه النظرة على اعتبار أن روسيا لم تعد تهديدا قطبيا يستحق استنزاف موارد الغرب في التصدي له، بينما يجب أن تكون الأولوية هي للصين.
وتجادل هذه المقاربة بأن ضعف روسيا تجلى بصورة فادحة في حرب أوكرانيا نفسها؛ حيث عجزت موسكو طوال أكثر من ثلاث سنوات عن تحقيق نصر عسكري حاسم، ومنيت خطتها الأولى بالسيطرة على كييف بانتكاسة مخجلة. ليس هذا فحسب، بل إن القوات الأوكرانية نجحت في احتلال أراض من روسيا حتى لو ظل ذلك تحركا محدودا لكنّ دلالته لا يمكن تجاهلها. وإذا كانت روسيا عاجزة على هزيمة “دولة عادية” مثل أوكرانيا، فإنها ببساطة لم تعد تمثل تهديدا أمنيا لدول أوروبا خاصة وأن شرق أوروبا (باستثناء أوكرانيا وجورجيا وبيلاروسيا) بات تحت مظلة الناتو.
بالإضافة لذلك، فإن العقوبات الغربية على روسيا قوضت الكثير من مصادر قوة روسيا وأضعفت موسكو بشكل استراتيجي لن تتعافى منه في المستقبل القريب، خاصة على صعيد التكنولوجيا والبنية التحتية للتصنيع بما في ذلك التصنيع العسكري.
وقد صممت هذه العقوبات في الأساس ليس بهدف تجويع الشعب الروسي مثلا، وإنما استهدفت تقويض مكتسبات روسيا خلال العقدين الماضيين، عبر استهداف القطاعات الإستراتيجية للاقتصاد الروسي ومنع وصولها إلى التقنيات والأسواق الرئيسية، بما يضمن إضعاف القاعدة الاقتصادية لروسيا وقدرتها على التحديث. ولا يوجد مؤشر على هذا الضعف مثل حاجة روسيا للتعاون مع إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى أكثر ضعفا لمساندة جهود العمليات العسكرية في أوكرانيا.
ومع هذا؛ فإن استراتيجية استنزاف روسيا في أوكرانيا، لم تسفر عن تراجع أو تغير في موقف موسكو تجاه الحرب، إنما تحولت إلى حرب استنزاف متبادلة تمتلك فيها روسيا اليد العليا، وسيطرت حتى الآن على 20% من مساحة أوكرانيا. في المقابل تعاني كييف في تجنيد وتعبئة قوات جديدة يمكن أن تضاف للمليون جندي الذين يقاتلون حاليا في ظل محدودية عدد الشعب الأوكراني البالغ 38 مليون نسمة في مواجهة روسيا البالغ عدد سكانها 145 مليون نسمة، وهو ما عبر عنه جيه دي فانس نائب الرئيس الأمريكي قائلاً إن “الروس لديهم ميزة عددية هائلة في القوى العاملة والأسلحة في أوكرانيا”.
لقد تحركت إدارة ترامب لإنهاء الحرب وفق شروطها وشروط روسيا، بغض النظر عما تريده كييف. وتسعى الإدارة لتحقيق أربعة أهداف:
- وقف القتال بين روسيا وأوكرانيا.
- تلقي تعويضات من أوكرانيا مقابل الدعم الأمريكي المقدم لها، كما في صفقة المعادن التي يقول عنها ترامب “إنها ستسمح لنا باستعادة جزء من أموالنا” إذ تشمل تخصيص كييف 50% من عائداتها من المعادن والنفط والغاز الطبيعي وإيرادات الموانئ لصالح صندوق استثمار لإعادة الإعمار بملكية مشتركة بينها وبين واشنطن بقيمة 500 مليار دولار.
- دفع الأوروبيين لتحمل عبء الصراع بالدرجة الأولى بدلا من الولايات المتحدة.
- تشجيع موسكو على الابتعاد عن بكين، إذ يقول فانس نائب ترامب “ليس من مصلحة بوتين أن يكون الأخ الأصغر في تحالف مع الصين”.
في الصورة الواسعة، يمثل تحرك إدارة ترامب خطوة نحو إعادة تشكيل الصراع العالمي وفق الأولوية الأمريكية، ومحاولة لجذب روسيا بعيدا عن الصين. لكنّ هذا الرهان ليس من المؤكد أنه قابل للتحقق؛ حيث يختلف وضع روسيا الراهن عن وضع الصين في سبعينيات القرن الماضي إذ لم يكن لدى بكين طموحات قطبية دولية.
وتبدو محاولة تكرار سياسة نيكسون مع الصين -معكوسة هذه المرة- ولا تأخذ في الاعتبار متغيرات الزمن والمحيط الجيوسياسي. لأن لدى بوتين رؤية واضحة لدور روسيا في نظام دولي متعدد الأقطاب، وهي رؤية تصطدم بالضرورة مع الاستراتيجية الأمريكية القائمة على التصدي لجهود موسكو وبكين الساعية إلى تغيير النظام الدولي. وإذا كان ليس من مصلحة بوتين أن يكون الأخ الأصغر في تحالف مع الصين، فإنه أيضا لن يجد مصلحة في أن يكون الأخ الأصغر في تحالف مع ترامب أو واشنطن بصورة عامة.
ومن المهم الإشارة أيضا إلى أن ترامب في مقاربته تجاه روسيا لا يركز فقط على الصين، وإنما أيضا على الشرق الأوسط. إذ يعتقد ترامب أن روسيا مهمة في الضغط على إيران؛ لأن لدى كل من واشنطن وموسكو نفس المصلحة في ضمان ألا تكون إيران دولة نووية، وبدون تعاون روسيا فإن فاعلية العقوبات الأمريكية على طهران ستكون غير كاملة. بالإضافة لذلك؛ فإن التطورات في سوريا تضع روسيا أيضا في مسار مفيد للولايات المتحدة خاصة في ظل ضغوط الحكومة الإسرائيلية من أجل ضمان بقاء القواعد الروسية لإحداث توازن مضاد للنفوذ التركي المتصاعد في سوريا الجديدة.
الموقف الروسي
اعتبرت موسكو حرب أوكرانيا حربا ضد الغرب بأكمله الذي يحاول تطويق روسيا وضم أوكرانيا وجورجيا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بعد سابقة ضمه دول البلطيق الثلاثة لاتفيا ولتوانيا وإستونيا فضلا عن دول شرق أوروبا مثل بلغاريا والمجر ورومانيا والتشيك وسلوفاكيا، والتي كانت سابقا عضوة في حلف وارسو، مما يعني أن قوات الناتو ستصبح على حدود روسيا البرية مباشرة، وعلى بعد 300 ميل من موسكو، مما يمثل تهديدا حرجا للأمن الروسي.
شن الجيش الروسي هجومه على أوكرانيا من أربعة محاور، محور من الشرق، ومحوران من الشمال، ومحور رابع من الجنوب عبر شبه جزيرة القرم، وحاول السيطرة على العاصمة كييف، وراهن على قدراته العسكرية المتفوقة مقارنة بأوكرانيا، لكنه واجه مقاومة مستميتة وحرب استنزاف من الجيش الأوكراني بدعم غربي، مما كبده نحو 700 ألف قتيل فضلا عن تعرض روسيا لضغوط اقتصادية بواسطة العقوبات الغربية، كما برزت تحديات داخلية أمام بوتين كما في تمرد فاغنر وسيطرة أوكرانيا في أغسطس 2024 على منطقة كورسك داخل روسيا قبل استعادتها في مارس/ أذار 2025 بعد قتال عنيف تضمن استعانة روسيا بقوات من كوريا الشمالية.
لقد انعكست تلك التطورات على تغير الموقف الروسي من السيطرة على كييف ودعم نظام حكم موالي لموسكو إلى الاكتفاء بالسيطرة على كامل منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، والحفاظ على جسر بري إلى شبه جزيرة القرم عبر جنوب أوكرانيا، وتدمير البنية الأساسية والأصول العسكرية الأوكرانية.
في ظل تعقد الوضع الميداني والتقدم الروسي البطيء، وتحول الحرب إلى حرب استنزاف مكلفة ومنهكة، تسعى موسكو لاستثمار التغير في الموقف الأمريكي بعد وصول ترامب للبيت الأبيض، للحصول على مكتسبات سياسية وأمنية تنهي الحرب، وفي مقدمتها رفض عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، والإقرار الضمني بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم والمناطق التي سيطرت عليها في شرق أوكرانيا دون الحديث عن العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014، فيما ترفض موسكو نشر أي قوات أوروبية أو من حلف الناتو في أوكرانيا تحت مظلة مهام حفظ سلام.
الموقف الأوروبي
يسود القلق في أوروبا إزاء تفاوض واشنطن وموسكو بشكل ثنائي دون مشاركة كييف أو الدول الأوربية في المفاوضات. وفي المنظور الأوسع، يخشى الأوروبيون من تخلي إدارة ترامب عن ضمان الأمن الأوروبي في ظل تبنيها لنهج “أمريكا أولا”، وتلويحها بالانسحاب من حلف الناتو أو على الأقل تخليها عن قيادته التي احتكرتها واشنطن منذ تأسيس الحلف، فضلا عن التهديد بعدم الدفاع عن أعضاء الحلف ممن لا يخصصون نسبة 2% من ناتجهم المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري.
ولذا أعلن فريدريش ميرتس الفائز حزبه في الانتخابات الألمانية الأخيرة بأن أولويته القصوى بمجرد توليه منصب مستشار ألمانيا هي “تعزيز أوروبا في أسرع وقت ممكن حتى تتمكن تدريجياً من تحقيق الاستقلال الحقيقي عن الولايات المتحدة”.
وبخلاف الإدارة الأمريكية، يسود في أوروبا تقدير مختلف إزاء روسيا، والتي في نظرهم على الرغم من أنها لا تزال تمثل فاعلاً اقتصاديًا ضعيفًا ولكنّه عدوانيًا، وعلى استعداد لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. ولذلك؛ يتخوف قادة أوروبا، خاصة في المملكة المتحدة وفرنسا، من أن طموحات موسكو الاستراتيجية لن تقتصر على أوكرانيا، وأنه بمجرد تحييد أوكرانيا من الصراع، وتحويلها إلى دولة منزوعة السلاح غير قادرة على الدفاع عن نفسها، ستنتقل روسيا لتهديد دول أخرى. وهو ما عبرت عنه الرئيسة الليتوانية السابقة، داليا غريباوسكايتي، قائلة إن “ما تقوم به روسيا الآن هو محاولة لإعادة رسم خريطة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فأولاً تستهدف أوكرانيا، ثم ستستهدف مولدوفا، وفي النهاية قد تستهدف دول البلطيق وبولندا”.
ولذا وبمجرد تجميد ترامب مؤقتا الدعم العسكري والاستخباري الأمريكي لأوكرانيا، سارعت الدول الأوروبية للتعهد بتزويد أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية والأموال والأسلحة والتدريب العسكري. ونظمت لندن برعاية رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قمة غربية لدعم أوكرانيا بعنوان “تأمين مستقبلنا” بمشاركة دول أوروبا وتركيا وكندا، وهي صيغة أقرب ما تكون إلى (الناتو ناقص واشنطن).
وخلصت القمة إلى الإعلان عن “تحالف الراغبين” (Coalition of the Willing) مكون من 30 دولة لا يقتصر على تلبية الضرورة العاجلة المتمثلة أوكرانيا في مواجهة روسيا، وإنما يهدف بصورة أبعد إلى تعزيز التعاون الأمني الأوروبي خارج إطار الناتو والاتحاد الأوروبي، لتلافي الاصطدام مع الموقف الأمريكي داخل الناتو أو الدول المقربة من روسيا في الاتحاد الأوروبي مثل المجر.
عقب قمة لندن، أعلن ستارمر أن أمن بريطانيا يبدأ من أوكرانيا، كما كشف عن عزم بلاده زيادة ميزانيتها العسكرية إلى 2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، فيما وافق الاتحاد الأوروبي على استخدام الأصول السيادية الروسية المجمدة لديه والبالغة 300 مليار دولار لدعم الاحتياجات العسكرية لأوكرانيا، وذلك بعد تردد في استخدام تلك الأموال خوفا من رد الفعل الروسي وتآكل الجاذبية المالية لمنطقة اليورو.
كذلك أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن خطة “إعادة تسليح أوروبا” (ReArm Europe) بقيمة 800 مليار يورو لإعادة بناء ترسانات أوروبا من الأسلحة وتطوير صناعاتها الدفاعية، مع تخصيص 150 مليار يورو من المبلغ لصالح تلبية احتياجات أوكرانيا في الأمد القريب، خاصة في أنظمة الدفاع الجوي والمدفعية والطائرات بدون طيار. فيما تقترح باريس ولندن تشكيل قوة أوروبية لحفظ السلام بإجمالي 30 ألف جندي ونشرها في أوكرانيا.
ما زال من المبكر الجزم بمآلات هذه التحركات الأوروبية، وقدرتها على تحقيق استقلال عسكري أوروبي في المدى الطويل عن الولايات المتحدة. توفر واشنطن حاليا أكثر من ثلث قوات الناتو البالغة 3.4 مليون جندي، وحوالي 70٪ من حاملات الطائرات العاملة ضمن الناتو، فضلا عن إدارة واشنطن 38 قاعدة عسكرية في أوروبا. وتنظر الولايات المتحدة إلى أوروبا باعتبارها مجزأة ومتصارعة وغير قادرة على بناء منظومة دفاعية مستقلة.
وبينما لا يمكن اعتبار هذه النظرة مبالغة في الوقت الراهن، فلا يمكن تجاهل أن العالم في مرحلة إعادة تشكل واسعة، وأن التفاعلات الجيوسياسية الراهنة من الممكن أن تفضي إلى تحولات تتجاوز المسلمات السابقة. وفي هذا الصدد؛ فإن موقف ألمانيا سيكون حاسما نظرا لثقلها الاقتصادي وخططها الكبيرة لتطوير قدراتها العسكرية، والتي تشمل دعوة فريدريش ميرتس إلى تقاسم مسؤوليات الردع النووي بين الدول الأوروبية، وإعادة تطبيق التجنيد الإجباري تدريجيًا لسد النقص في القوات المسلحة الألمانية.
الموقف الأوكراني وآفاق التفاوض
لا تتمتع أوكرانيا بخيارات كثيرة طالما مضت واشنطن قدما في الاتفاق مع روسيا. ومن المرجح أن يسعى زيلنسكي إلى تحقيق بعض الأولويات مثل الحصول على ضمانات أمنية تحمي بلاده من تجدد العدوان الروسي، وتزويدها بقدرات عسكرية تمكنها من التصدي للجيش الروسي حال تجدد الحرب، ومواصلة وضع روسيا تحت العقوبات كأداة تفاوض طويلة الأمد لضمان سلوك روسيا المستقبلي، فضلا عن عدم الاعتراف بأي سيطرة روسية على أي أراض أوكرانية بما في ذلك القرم.
من جانبها؛ ترفض إدارة ترامب تقديم ضمانات أمنية إلى كييف من قبيل التعهد بانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو أو نشر قوات أميركية في أوكرانيا؛ فهي ترى أن تلك الضمانات قد تؤدي إلى دخول الجيش الأمريكي في صراع مباشر مع نظيره الروسي ما قد يتطور إلى حرب عالمية ثالثة أو حرب نووية. وتجادل الإدارة بأن صفقة المعادن والاستثمار المشترك بين واشنطن وكييف تمثل بذاتها ضمانة لأمن أوكرانيا واستقرارها.
وفي المقابل فإن شروط بوتين لوقف الحرب هي: تبني أوكرانيا للحياد بعدم انضمامها لحلف الناتو، ونزع سلاحها وفرض قيود على حجم ونطاق الجيش الأوكراني، وتغيير نظام الحكم لآخر موالي، والاعتراف بضم روسيا لمقاطعات دونيتسك ولوهانسك وخيرسون وزابوريزهيا، وهي مطالب يصعب أن تقر بها كييف رسميا، بل إن إدارة ترامب على الأرجح لن تقدم اعترافا بسيادة روسيا على أي من أراضي أوكرانيا.
يرى الرئيس الأمريكي ترامب بحسب ما صرح به في اجتماعه مع زيلنسكي الذي تحول إلى مشاجرة، أن كييف لا تملك أي أوراق، وبالتالي ليس لديها القدرة على وضع شروط إنهاء الحرب، ووضعها بين خيارين إما وقف إطلاق نار من دون ضمانات أمنية أو خسارة المساعدات العسكرية الأميركية مما سيجعلها تقاتل دون دعم حليفها الرئيسي، وهو خيار سيقودها نحو الهزيمة المحققة في ظل عجز أوروبا عن إدامة تقديم دعم فعال لأوكرانيا في مواجهة آلة الحرب الروسية. وللضغط على أوكرانيا، جمد ترامب لفترة مؤقتة المساعدات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية المقدمة لأوكرانيا. كذلك عارضت واشنطن مشروع قرار يتبنى صيغة تدين “العدوان الروسي على أوكرانيا” فيما صوتت لمشروع قرار يدعو إلى إنهاء الحرب دون الإشارة إلى أن روسيا اعتدت على أوكرانيا.
الخاتمة
يتوقع أن ينجح المسعى الأمريكي بالوصول لاتفاق وقف إطلاق نار مطول يمكن أن يجمد جبهات القتال عند خطوط التماس الحالية، وتحويل الحرب إلى صراع مجمد مثلما هو الوضع في جزيرة قبرص، وفي شبه الجزيرة الكورية. وبالنسبة لروسيا سيكون هذا خيارا مناسبا يتيح لها إعادة بناء قدراتها العسكرية، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها تدريجيا، واستعادة أموالها المجمدة في الخارج، فضلا عن تزكية الانقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا، والتجهز لظرف مواتي يتيح لها تحقيق بقية أهدافها في أوكرانيا.
ومن جهتها قد تستفيد أوروبا من وقف القتال لكسب مزيد من الوقت من أجل تأسيس بنية أمنية أوروبية لا تعتمد على مظلة الحماية الأمريكية، وزيادة إنفاقها العسكري، وتطوير صناعاتها الدفاعية بالأخص في مجالات الدفاع الجوي وأنظمة المدفعية وإنتاج الذخائر الدقيقة بعيدة المدى والنقل الجوي، وزيادة حجم قواتها البرية، وتقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا، والاستعداد للمعركة القادمة ضد روسيا.
لكنّ الحل الأكثر استدامة للصراع في أوكرانيا، وعليها، هو التوصل لاتفاق شامل يضمن لروسيا حياد أوكرانيا، دون أن يعني ذلك تحول أوكرانيا إلى دولة تابعة لروسيا. لا يبدو مثل هذا الحل محتملا في المستقبل القريب، ومن ثم سيظل الصراع عرضة للتجديد بمستويات متفاوتة، خاصة إذا جاءت إدارة أمريكية تالية بنهج مختلف إزاء التعامل مع روسيا.