الحدث
● تصاعدت هجمات الحوثيون على المصالح الإسرائيلية منذ بدء الحرب على غزة عبر الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار، فضلا عن اختطاف السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل، والتي جاءت على النحو التالي:
◂19 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق الحوثيون 5 صواريخ كروز و30 طائرة بدون طيار نحو إسرائيل، أسقطت جميعها المدمرة الأمريكية “يو إس إس كارني”.
◂27 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق الحوثيون طائرتين بدون طيار تم إسقاطهما أو تحطمتا في مصر، إحداهما أصابت مبنى في مدينة طابا المصرية.
◂31 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق الحوثيون صواريخ باليستية وكروز ومسيرات، استهدفت مدينة إيلات بجنوب إسرائيل وأسقطتها الطائرات المقاتلة ونظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي “أرو”.
◂14 نوفمبر/تشرين الثاني، أطلق الحوثيون صواريخ باليستية على أهداف إسرائيلية، بما في ذلك إيلات، وقام الجيش الإسرائيلي باعتراضها.
◂19 نوفمبر/تشرين الثاني، استولى الحوثيون على السفينة التجارية “غلاكسي ليدر” في البحر الأحمر وتم احتجاز أفراد طاقمها، وهي مملوكة لشركة “أبراهام رامي أونغار” ومقرها إسرائيل.
◂24 نوفمبر/تشرين الثاني، هوجمت سفينة حاويات يملكها ملياردير إسرائيل، في المحيط الهندي، بطائرة مسيّرة يعتقد أنها “شاهد-136” الإيرانية، ما تسبب بأضرار دون إصابات بشرية.
◂26 نوفمبر/تشرين الثاني، حررت المدمرة الأمريكية “مايسن” ناقلة الحاويت “سنترال بارك”، بعد ساعات من اختطافها على يد مسلحين صوماليين في خليج عدن، فيما استهدف صاروخان السفينتين “مايسن” و”سنترال بارك”، انطلقا من الأراضي اليمنية.
◂29 نوفمبر/تشرين الثاني، أسقطت سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية طائرة بدون طيار تابعة للحوثيين بالقرب من مضيق باب المندب.
◂3 ديسمبر/كانون الأول، أطلقت صواريخ باليستية تجاه ثلاث سفن تجارية جنوبي البحر الأحمر، بينما أسقطت سفينة حربية أمريكية ثلاث طائرات بدون طيار تابعة للحوثيين.
التحليل: هجمات الحوثيين تعيد تشكيل علاقاتهم الإقليمية والدولية
على الرغم من أن هجمات الحوثيين لا تؤثر مباشرة على تطورات حرب غزة ميدانيا، ولا تشكل تهديدا على جيش الاحتلال، لكنّها ربما تمثل أنجع أدوات الضغط الإيرانية على الغرب من أجل وقف الحرب؛ نظرا لتداعياتها المباشرة على الاقتصاد الدولي.
- وبينما من المرجح أن يستمر الحوثيون في هجماتهم ضد السفن المرتبطة بإسرائيل، فإن الولايات المتحدة وقوى دولية أخرى مثل المملكة المتحدة، فضلا عن “إسرائيل” وأطراف إقليمية مثل الإمارات، سيواصلون إجراءاتهم الأمنية المضادة لحماية السفن والتصدي لهجمات الحوثيين. وسيظل من المحتمل إذا تسببت هجمات الحوثيين في أضرار كبيرة بسفن إسرائيلية أو سفن عسكرية غربية، أن تقوم الولايات المتحدة و”إسرائيل” بشن ضربات انتقامية ضد أهداف الحوثيين في اليمن.
- تحقق هجمات الحوثيين على المصالح الإسرائيلية عدة أهداف استراتيجية للجماعة؛ يأتي في مقدمتها حشد الدعم المحلي عبر تعزيز موقفهم العدائي ضد “إسرائيل” والدفاع عن أهل غزة، وهي تتماهى مع السردية الرئيسية لأيديولوجية الحركة التي يحددها شعارها “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل”. كما يسعى الحوثيون إلى تحسين صورتهم في المنطقة والتي تضررت لدى قطاعات شعبية ترى أنهم انقلبوا على مسار الثورة في اليمن وأدخلوا البلاد في حرب أهلية خدمة لمصالح إيران. أي أن الحوثيين يعيدون تقديم أنفسهم كحركة داعمة للقضية الفلسطينية، على عكس الحكومة اليمنية وحلفائها السعودية والإمارات.
- علاوة على ذلك، تعزز الهجمات صورة الحوثيين كلاعب إقليمي قوي ومؤثر يمكنه تهديد الملاحة الدولية وتتجاوز قدراته حدود اليمن، حيث تظهر هجماتهم ضد “إسرائيل” قدراتهم العسكرية، والتي تشمل إطلاق طائرات بدون طيار هجومية حتى مدينة إيلات الساحلية جنوبي إسرائيل، على مسافة حوالي 2000 كم، وقدرتهم على تهديد الملاحة الدولية، وهي رسائل ضمنية حول قدرتهم على تهديد الأراضي والمصالح السعودية والإماراتية.
- اعتمدت الاستراتيجية الإيرانية منذ بدء حرب غزة على توجيه ضربات عبر وكلاء طهران في المنطقة نحو إسرائيل والقواعد الأمريكية، بحيث تظهر نفوذها الإقليمي وتدافع عن صورتها دون أن تتورط في توسيع رقعة الحرب بما يعرضها لهجمات مباشرة من أمريكا أو إسرائيل. ولا تمثل هجمات الحوثيين انحرافاً عن الاستراتيجية الإيرانية، لكنّها أيضا تشير إلى تمتع الحوثيين باستقلالية نسبية مقارنة بوكلاء إيران الآخرين في المنطقة، فيما يتعلق بإدارة العمليات وانتقاء الأهداف، وهو الأمر الذي يعطي انطباعا في بعض الأحيان بأن سلوك الحوثيين أكثر تهورا من باقي المجموعات الموالية لإيران سواء حزب الله اللبناني أو المجموعات العراقية.
- يمكن أن تتسبب هجمات الحوثيين على مضيق باب المندب في أضرار كبيرة للاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد البحرية وكذلك أمن الطاقة الدولي، حيث ستؤدي الاضطرابات الأمنية إلى زيادة تكاليف التأمين على السفن التي تعبر البحر الأحمر وبالتالي زيادة أسعار الشحن البحري؛ وستدفع إلى اتخاذ مسارات بحرية أطول وأكثر كُلفة، وهو الأمر الذي أكدته البيانات البحرية الأخيرة حيث أعادت بعض الشركات توجيه سفنها بعيداً عن باب المندب، واتخاذ مسار أطول حول رأس الرجاء الصالح.
- من الممكن أن تؤدي هجمات الحوثيين إلى تعقيد جهود التسوية مع السعودية؛ لأنها قد تقوض تدابير بناء الثقة وتزيد التوترات بين الجانبين، الأمر الذي ظهر حين أسقطت السعودية صاروخ كروز أطلقه الحوثيون نحو “إسرائيل” في 19 أكتوبر/تشرين الأول، دخل المجال الجوي السعودي لفترة وجيزة، ما أدى إلى ارتفاع حالة التأهب في المملكة خوفا من أن عدم دقة صواريخ الحوثيين قد يشكل خطرا على الأراضي السعودية، كما حدث مع الطائرات بدون طيار التي سقطت في طابا المصرية بالخطأ. وفي المقابل قتل الحوثيون 4 جنود سعوديين في نهاية أكتوبر/تشرين أول الماضي، وهي الحادثة الأولى من نوعها منذ التوصل إلى هدنة في إبريل/نيسان من العام الماضي.
- في الجانب الآخر، انعكست تلك التطورات على تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين السعودية وأمريكا لمواجهة المخاطر التي تهدد الممرات الملاحية في الخليج العربي والبحر الأحمر. ومن هنا جاء تعزيز التواجد العسكري البحري الأمريكي في الخليج العربي والبحر الأحمر، وكذلك تسعى الولايات المتحدة بمشاركة حلفاء آخرين إلى تشكيل قوة عمل بحرية لتأمين السفن التجارية في البحر الأحمر. كما عززت البحرية البريطانية تواجدها في الخليج والمحيط الهندي بإرسال المدمرة “HMS Diamond” بهدف “ردع التصعيد من الجهات الفاعلة الخبيثة والمعادية التي تسعى إلى تعطيل الأمن البحري”. بينما تتوفر مؤشرات حول سعي الإمارات عبر حلفائها في جنوب اليمن لاتخاذ تدابير مضادة لتحركات الحوثيين في المجرى الملاحي.
- بالرغم من أن الإدارة الأمريكية استبعدت في أوقات سابقة فكرة إعادة الحوثيين إلى قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO) لتجنب تعقيد الجهود الإنسانية والإغاثية التي تقوم بها مؤسسات أمريكية وغربية في اليمن، ومع ذلك، فإن استمرار هجمات الحوثيين سيدفع واشنطن إلى إعادة النظر بجدية في كيفية التعامل مع الجماعة، ويُبقي الاحتمالات قائمة بشأن إعادة تصنيف الحوثيين كحركة إرهابية.