الحدث
أعلن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مسؤوليته عن تفجيرين في 3 كانون الثاني/ يناير الجاري استهدفا احتفالا بذكرى اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني “قاسم سليماني” بالقرب من ضريحه في مدينة كرمان، مما أسفر عن مقتل 95 شخصا وإصابة 150 آخرين، فيما كشف وزير الداخلية الإيراني “أحمد وحيدي” أن أحد الانتحاريين طاجيكي الجنسية يُدعى “أمان الله بازيروف”، ورجح أن المهاجم الآخر طاجيكي أيضا، كما أعلن الادعاء العام إلقاء القبض على 32 شخصا في 6 محافظات بشبهة التورط في تنفيذ الهجوم فضلا عن العثور على 16 عبوة ناسفة في محافظة كرمان. ويعد هجوم كرمان هو الأضخم من حيث عدد الضحايا داخل الأراضي الإيرانية خلال 4 عقود، ولم يتمكن التنظيم في أوج قوته بالعراق وسوريا من تنفيذ هجوم بهذا الحجم في إيران.
التحليل: بصمة داعش في تفجيرات كرمان لا تنفي فرضية “من وراء الكواليس”
- يحمل تكتيك شن هجمات دموية على مدنيين لقتل عدد كبير من الضحايا، مع استهداف أماكن تحمل رمزية دينية أو سياسية، بصمة تنظيم داعش، وبالأخص فرعه في خراسان، والذي نفذ عدة هجمات داخل إيران خلال السنوات الماضية، من آخرها اقتحام مهاجم طاجيكي لضريح شاه جِراغ في مدينة شيراز بمحافظة فارس في 13 آب/ أغسطس 2023، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة ثمانية آخرين، وذلك في ثاني هجوم على الضريح بعد أن تعرض لهجوم كبير في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، أسفر عن مقتل نحو 15 شخصا وإصابة 20 آخرين. كما يشبه الهجوم تفجير قرب ضريح قائد الثورة آية الله الخميني في حزيران/يونيو 2017، والذي أسفر عن مقتل سبعة عشر شخصا.
- وتشير التحقيقات إلى تسلل خبير متفجرات طاجيكي عبر الحدود إلى إيران في 28 كانون الأول/ديسمبر ليشرف على تصنيع السترات المتفجرة، ثم مغادرته البلاد قبل تنفيذ الهجوم، فيما انتقل الانتحاري الأول من فان التركية إلى أفغانستان ثم دخل إيران تهريبا، فيما لازالت تفاصيل دخول الانتحاري الثاني مجهولة. ويركز تنظيم داعش في أفغانستان على تجنيد عناصر من طاجيكستان وأوزبكستان لتنفيذ هجماته في إيران وأفغانستان، حيث يستفيد من وجود جالية أفغانية كبيرة في إيران تُقدر بنحو 3 مليون شخص في بناء شبكة دعم لوجستي وجمع معلومات استخبارية. وهو ما دفع المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في كانون الأول/ ديسمبر 2023 لحظر تواجد وإقامة وتوظيف الأفغان في 16 محافظة إيرانية.
- ويتزامن الهجوم مع حملة إسرائيلية واسعة ضد أهداف إيرانية بداية من اغتيال أحد أبرز قادة فيلق القدس بسوريا العميد “رضي موسوي” وصولا إلى شن هجمات مكثفة على خطوط الإمداد ومواقع إيرانية في سوريا والعراق، وهو ما يلبي توجهات تل أبيب الراغبة في الانتقام لخسائرها الكبيرة في طوفان الأقصى، وتحميلها لإيران مسؤولية إمداد المقاومة الفلسطينية بالمال والسلاح والخبرات.
- لذلك؛ فإن تبني “داعش” للهجوم لا ينفي فرضية وجود أيادٍ إسرائيلية محركة له، ولا يعني هذا أن تنظيم داعش صناعة إسرائيلية وأمريكية مثلما تردد الدعاية الإيرانية، ولكنّ الفرضية تستند إلى ما يحدث داخل صفوف التنظيم بالأخص فرعه الأفغاني. حيث تؤكد التقارير الأممية خلال الفترة من 2015 حتى 2021 أن المئات من عناصر التنظيم استسلموا لقوات الحكومة الأفغانية في عهد أشرف غني بعد أن خاضت طالبان ضدهم معارك شرسة، واتهمت طالبان جهاز المخابرات الأفغاني السابق بالإشراف على نشاط عناصر التنظيم، وإمداده بالسلاح، بل وقصفت الحكومة السابقة قوات طالبان في شرق أفغانستان خلال هجومها على معاقل التنظيم، قبل أن تسيطر عام 2021 على كامل البلاد.
- ويعمل تنظيم داعش على تقويض حكومة طالبان، حيث استهدف عام 2022 سفارتي روسيا وباكستان في كابول، وفندق لوغان الذي يقيم به مواطنون صينيون، ثم اغتال عام 2023 والي بلخ محمد مزمل، وحاول اغتيال وزيري الداخلية والدفاع سراج حقاني والملا محمد يعقوب، فضلا عن استهدافه لمعبد للسيخ وأماكن تجمع للشيعة الهزارة.
- وتشير المصادر الأمنية في كابول إلى أن أجهزة أمنية إقليمية تلعب دورا في تحريك التنظيم بالتعاون مع مسؤولين أمنيين سابقين. وخلال العامين الماضيين أسس رئيس المخابرات السابق رحمة الله نبيل في ألمانيا “حزب التحرير الوطني الأفغاني”، وأسس خلفه معصوم ستانكزاي رفقة مستشار الأمن القومي السابق حنيف أتمر “حركة السلام والعدالة الوطنية”، بينما يعمل القادة الأفغان من جماعة القائد الطاجيكي أحمد شاه مسعود عبر “المجلس الأعلى للمقاومة” على إسقاط حكم طالبان، ويتردد العديد منهم على الإمارات التي يتواجد فيها أيضا الرئيس السابق أشرف غني، كما احتفظوا باتصالاتهم مع الهند، ويوجد تنسيق أمني رفيع المستوى بين الهند والإمارات وتل أبيب، فضلا عن تحالف I2U2، والذي يضم الهند والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة.
- وبالتالي فإن احتمال ضلوع إسرائيل في تنفيذ هجوم كرمان عبر اختراق شبكات تنظيم داعش في أفغانستان يظل غير مستبعد، وقد سبق للأجهزة الأمنية الإسرائيلية اغتيال القيادي الحمساوي “مازن فقها” في غزة عام 2017 على يد عناصر داعشية ظنت أنها تتلقى أوامر من قيادة التنظيم بينما أشرف ضباط الشاباك على تشغيلها.
- ومن المرجح أن تعمل الأجهزة الأمنية الإيرانية على تطوير التنسيق الأمني مع طالبان، والذي سبق أن تمخض في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عن إلقاء القبض في عملية مشتركة على ثلاثة عملاء إيرانيين للموساد خلال تجهيزهم لإطلاق طائرات مسيرة انتحارية من الحدود الأفغانية باتجاه أهداف في إيران. وضمن هذا السياق، اجتمع بعد هجمات كرمان، المبعوث الرئاسي الإيراني الخاص لشؤون أفغانستان “حسن كاظمي قمي” مع نائب رئيس الوزراء الأفغاني “مولوي عبد الكبير” لمناقشة التصدي للتهديدات الأمنية المشتركة.
- وليس من المرجح أن تتغاضى طهران عن احتمال ضلوع تل أبيب من خلف الستار في تنشيط هجمات تنظيم داعش داخل الأراضي الإيرانية، للانتقام وإحراج السلطات والأجهزة الأمنية أمام الشعب، وإبراز إخفاقها في تأمين البلاد. وهو ما يفهم من تصريح المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، الذي شدد فيه على الأجهزة الأمنية في بلاده بضرورة الكشف عن “الأسباب الحقيقية” لهجمات كرمان، وتوعد بمعاقبة “مرتكبي الحادث الإرهابي الحقيقيين في كرمان، من هم خلف الكواليس”. ويتوقع أن ترد إيران بشكل مباشر عبر تصعيد حملاتها ضد أنصار تنظيم داعش والأجانب داخل البلاد، فضلا عن احتمال استهداف مصالح إسرائيلية في المنطقة بشكل غير مباشر.
إقرأ أيضاً:
✚ هل يشارك حزب الله في الحرب على غزة؟
✚ تداعيات حرب غزة على نفوذ إيران الإقليمي
✚ لماذا شنت حماس هجوم 7 أكتوبر؟
✚ كيف تعزز الحرب في غزة موقع روسيا والصين في الشرق الأوسط؟
✚ تحطم نظرية الأمن الإسرائيلية في عملية “طوفان الأقصى”
✚ أكثر اندماجا لكن أقل أمنا … أين باتت تقف “إسرائيل” في الشرق الأوسط؟