حظت واشنطن بنفوذ تاريخي لا يضاهى على القوة البحرية بسبب هيمنتها على أمريكا الجنوبية وموادها الخام،وأكدت مشروعات البنية التحتية الكبرى نفوذ واشنطن الجيوسياسي، وعلى رأسها مشروع قناة بنما التي افتتحت عام 1914، سمح المشروع للتجارة بتجنب طريق رأس هورن الخطير واختصرت مسافة الشحن بما يصل إلى 20 ألف كيلومتر، لكن مؤخرا بدأ إنشاء مشروعات البنية التحتية الكبرى لتطوير قارة أمريكا الجنوبية من الداخل، وأبرزها الممر البري الواصل بين المحيطين، فما هو الممر بين المحيطين؟ وهل سيحل محل قناة بنما؟
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو أهمية الممر بين المحيطين.
أمريكا الجنوبية – جغرافياً
- تلف العوائق الجغرافية الطبيعية القارة التي تمتد سلسلة جبال الأنديز بطولها على مسافة 9,000 كيلومتر وارتفاع يبلغ أربعة كيلومترات
- تهيمن غابات الأمازون الكثيفة على منتصف القارة لتغطي مساحةً تساوي ثمانية أضعاف مساحة تكساس
- تفصل جبال كورديليرا الكولومبية في الشمال بين حوض الأمازون وبين ساحل الكاريبي
أمريكا الجنوبية – سياسياً
- شكّل الماضي الاستعماري الاقتصادات المحلية حيث بُنيت هذه الدول من أجل استخراج الموارد الطبيعية
- جرى شحن المواد الخام إلى المراكز الصناعية في أوروبا وأمريكا الشمالية
- غالبية التجارة بين الشرق والغرب كانت تمر عبر قناة بنما مما يجعل فكرة بناء الطرق والسكك الحديدية فكرةً غير اقتصادية
متى طُرحت فكرة الممر بين المحيطين؟
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بدأ التكامل الإقليمي بجدية داخل أمريكا الجنوبية. وجرى إرساء فكرة بناء ممر بين المحيطين على يد بوليفيا لأول مرة.
- حصلت العاصمة البوليفية لاباز عام 2013 على تمويلٍ صيني لبناء شبكة سكك حديدية تربط الداخل البرازيلي مع بيرو مروراً بمرتفعات بوليفيا
- الصفقة فشلت بسبب الخلافات مع شركات السكك الحديدية التي كانت ستبني المشروع والاضطرابات السياسية داخل بوليفيا
- سمح تقاعس لاباز للباراغواي بالتدخل لسد الفجوة واقتراح طريق بديل يمر عبر باراغواي
- جرت تنحية بوليفيا جانباً وتم توقيع إعلان أسونسيون ديسمبر/كانون الأول عام 2015 بين حكومات البرازيل وباراغواي والأرجنتين وتشيلي
الممر بين البحرين.. أين يبدأ وينتهي؟
- يبدأ طريق الممر عند ميناء سانتوس على الأطلسي الذي يتصل بكامبو غراندي عبر خطوط النقل الحالية
- يربطها طريق سريع بجسر المحيطين والذي سيعبر نهر باراغواي فوق بلدة بورتو مورتينهو
- يمتد بعدها طريق مزدوج عبر غابات تشاكو في باراغواي مروراً بمدينة لوما بلاتا
- يصل المسار بعدها إلى المحافظتين الأرجنتينيين خوخوي وسالتا
- ينقسم الطريق من هناك أثناء عبوره لجبال الأنديز ليصل إلى تشيلي عبر ممري سيكو وخاما الجبليين
- ينحدر الممر أخيراً لينتهي في موانئ أنتوفاغاستا وميخيليونيس وتوكوبيلا وإيكويكو وأريكا
- يصل الطول الإجمالي للطريق إلى نحو 2,250 كيلومتراً وسيجري إكماله بخطوط سكك حديدية موازية لتربطه بالموانئ على نهري باراغواي وبارانا
انتهت حتى الآن ثلاثة أرباع أعمال البناء في طريق الممر تقريباً. وتبقت فقط قطاعات بسيطة لم تكتمل بما في ذلك جسر المحيطين والطرق السريعة المرتبطة بالجسر على جانب باراغواي. وتصل تكلفتهما على الترتيب إلى 103 مليون دولار و445 مليون دولار.
إقرأ أيضاً:
كولومبيا تلحق بربيع اليسار في أمريكا اللاتينية وتعيد انتباه واشنطن إلى الكاريبي
ما هو مشروع مياه ليسوتو الموقع بين ماسيرو وجنوب أفريقيا؟
“بلينكن” في أفريقيا: سياسة أمريكا الجديدة نحو القارة لا تخفي تراجع أولوياتها
مميزات الممر بين البحرين
- سيسهل الطريق الجديد تصدير الذرة وفول الصويا من البرازيل إلى الأسواق الآسيوية وخاصةً في ولاية ماتو غروسو
- سيؤدي تجنب رأس هورن وقناة بنما إلى إدرار عائدات إضافية قدرها 500 مليون دولار سنوياً على ولاية ماتو غروسو دو سول
- باراغواي شهدت تمهيد 3,000 كيلومتر من الطرق بفضل هذا المشروع أي أكثر من إجمالي الطرق المبنية في تاريخ البلاد بالكامل
- سيساعد الممر الأرجنتين على تطوير مناطقها الشمالية
- سيساعد على تحسين الوصول إلى موانئ تشيلي وعلى نقل القمح وفول الصويا إلى الأسواق الآسيوية
- سيوفر الممر فرصةً مربحة لبوينس آيرس حتى تستفيد من نقاط قوتها الاقتصادية
- يمنح المشروع تشيلي أهميةً جيوسياسية من خلال جعلها محور ارتكاز لتجارة أمريكا الجنوبية
- ستوفر موانئ تشيلي مدة شحنٍ أقصر كما أنها أقل ازدحاماً من نظيرتها البرازيلية
- من المؤكد أن معدل التدوير الأسرع سيُترجم إلى زيادةٍ إجمالية في أحجام البضائع بمرور الوقت
سلبيات مشروع الممر بين المحيطين
لكن هناك بعض العيوب فرغم أن الممر سيساعد في تكامل أمريكا الجنوبية لكن المنتقدين يجادلون بأنه سيحول القارة إلى محجر ومزرعةٍ أفضل لشركات الصين وأوروبا وأمريكا الشمالية.
- الافتقار لصناعات القيمة المضافة محلياً سيعزز ميول الاتجاه للخارج التي تهيمن على المنطقة منذ عام 1492
- إن المستفيدين الرئيسيين هنا هم أصحاب المصالح الزراعية والتعدينية الكبيرة الذين يفرضون نفوذاً كبيراً على حكومات القارة
- تعهّدت الشركات الصينية مثلاً بتخصيص استثمارات تتجاوز الأربعة مليارات دولار لبناء مزرعة خنازير ضخمة في منطقة تشاكو الأرجنتينية وهي خطوةٌ أثارت غضب السكان المحليين بسبب احتمالية تفشي الأمراض في مزارعها
- الأضرار التي ستلحق ببيئة منطقة غران تشاكو وهي منطقةٌ منخفضة تقع جنوب الأمازون وشمال الأرجنتين
- شهدت المنطقة منذ عام 1985 إزالة 140 ألف كيلومتر مربع من الغابات أي ما يعادل خُمس المنطقة وتجري حالياً إزالة منطقة بمساحة ملعب كرة قدم كل دقيقتين
- أدت إزالة الغابات إلى القضاء على أحد أهم مصارف الكربون في العالم
- حُرِمَ السكان الأصليون المحليون من سُبل عيشهم
- يفرض الطريق الجديد تهديداً على الأنواع النادرة حيث تُقتل الفهود والنمور الأمريكية وحيوانات المدرع الكبير والذئب ذو العرف على جانب الطريق في نهاية المطاف
المشروع الجديد.. انقسام جيوسياسي
أثار المشروع انقساماً جيوسياسياً مع بوليفيا حيث أعربت لاباز عن استيائها من تهميشها في المشروع، وما تزال تخطط لبناء ممر سككها الحديدية الخاص لكن جاذبية مسار باراغواي للشحن ستضعه في منافسةٍ مباشرة مع نظيره البوليفي. ولن تكون التداعيات محليةً فقط لأن باراغواي التي تمثل محور المشروع هي واحدةٌ من الدول القليلة التي تعترف بسلطة تايوان على أنها الحكومة الشرعية والوحيدة للصين.
ولهذا السبب تعتبر صادرات باراغواي للصين منخفضةً بالمعايير الإقليمية، ومع ذلك لا يوجد خلاف على المكاسب الاقتصادية للتعامل مع الصين وربما لن يمضي وقتٌ طويل قبل أن تختار أسونسيون الانضمام للمعسكر الآخر، على المدى البعيد سيؤدي إهمال واشنطن المستمر إلى تقويض نفوذها داخل منطقةٍ لطالما اعتُبرت باحتها الخلفية،ويمكن القول إجمالاً إن الممر بين المحيطين ستكون له تداعيات بعيدة المدى على أمريكا الجنوبية ولن يحل محل قناة بنما لكنه سيمثل موطئ قدمٍ بارز وسيؤدي للنمو الاقتصادي، لكن المشروع له تكاليفه الاجتماعية، والبيئية، والجيوسياسية أيضاً.