الحدث
اجتمع في شهر مايو/أيار الجاري، بطهران، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، “علي شمخاني”، مع مستشار الأمن القومي الهندي، “آجيت دوفال”، لمناقشة عدة ملفات من بينها تفعيل ممر الشمال – الجنوب، وهو نفس الموضوع الذي ناقشه “شمخاني” في أبريل/نيسان الماضي مع “إيغور لويتين” المساعد الخاص للرئيس الروسي، كما ناقشه في اتصال هاتفي الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” ونظيره الروسي “فلاديمير بوتين” في مارس/آذار الماضي.
التحليل: مشروع ممر الشمال-الجنوب متنفس روسيا لمواجهة عقوبات الغرب
يلبي مشروع “ممر الشمال–الجنوب” حاجة روسيا الدائمة للوصول إلى المياه الدافئة، عبر بناء شبكة من الطرق البرية والسكك الحديدية وخطوط الملاحة البحرية بهدف تعزيز النقل والتجارة بين روسيا وإيران والهند والقوقاز ودول آسيا الوسطى؛ حيث يربط عبر الأراضي الإيرانية بين عاصمة روسيا الشمالية، مدينة وميناء سان بطرسبورج المطلة على خليج فنلندا في بحر البلطيق، والعاصمة المالية والتجارية للهند مومباي (بومباي). كما يُفترض مستقبلا بناء خطوط مواصلات فرعية تربط الممر بشرق ووسط أوروبا.
- توجد 3 مسارات لممر الشمال – الجنوب:
- المسار الأوسط عبر بحر قزوين: حيث يبدأ المسار برا من سان بطرسبورج شمال غرب روسيا إلى منطقة أستراخان الروسية على بحر قزوين ثم يتم الشحن بحرا بواسطة السفن إلى ميناء بندر انزلي الإيراني على ساحل بحر قزوين، ثم النقل برا إلى ميناء تشابهار الإيراني المطل على المحيط الهندي، ثم الشحن بحرا إلى مدينة بومباي في الهند.
- المسار الشرقي: هو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران عبر المرور بكازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان.
- المسار الغربي: هو مسار بري ينطلق من روسيا إلى إيران عبر أذربيجان، وهو ما يتطلب إكمال بناء خط سكة حديد رشت- استارا داخل إيران بطول 160 كم لربط ميناء بندر أنزالي الإيراني مع شبكة السكك الحديدية الروسية عبر أذربيجان، وهو ما يوفر طريقًا مباشرًا لنقل البضائع.
- بينما جرى الاتفاق بخصوص المشروع بين إيران وروسيا والهند في عام 2000، إلا أنه لم يشهد تقدما منذ ذلك الحين بسبب مشاكل التمويل وعدم تبني سياسي قوي له سابقا، وبالأخص من قبل موسكو. لكنّ الاهتمام الروسي بإنجاز المشروع تجدد عقب فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات مشددة على موسكو إثر شنها للحرب ضد أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وهو ما جعل روسيا تنضم إلى إيران في مواجهة صعوبات في الوصول إلى الأسواق العالمية وتعرضها للتضييق على حركة التجارة الخاصة بها. وبالفعل بدأت مرحلة الاختبار في يوليو/تموز 2022 من خلال نقل قطار روسي 39 حاوية عبر آسيا الوسطى إلى إيران، ومنها إلى الهند، وتأمل إيران وروسيا في استكمال وإطلاق الممر بحلول عام 2025 بحيث ينقل ما بين 20-25 مليون طن سنويًا من البضائع.
- وتسعى روسيا وإيران لتعزيز تواجدهما في أسواق بديلة مثل دول الخليج وشرق إفريقيا والهند، كما تبحثان عن طرق للالتفاف على العقوبات الغربية وخفض تكلفة التجارة عبر ممر الشمال- الجنوب الذي سينقل البضائع بينهما بحرا بشكل مباشر، أو برا من خلال دول آسيا الوسطى أو جنوب القوقاز بعيدا عن طرق التجارة التقليدية الأكثر عرضة للعقوبات الاقتصادية الغربية.
- وتراهن موسكو وطهران على أن ممر الشمال- الجنوب، يمكن أن يصبح بديلا لحركة النقل عبر قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، نظرا لأن المرور من خلاله يستغرق 25 يوما لقطع 7200 كيلو متر مقارنة بطريق قناة السويس البالغ طوله 16 ألف كلم، ويستغرق من 36 إلى 40 يوماً على الأقل.
- لكنّ المشروع مازال يواجه تحديات. حيث تواجه إيران تحديات مثل تردي البنية التحتية المحلية من عربات نقل وطرق، وضعف القدرة على جذب استثمارات أجنبية أو توفير الموارد المالية اللازمة لإكمال الممر، وبالأخص تمويل بناء “خط سكة حديد رشت-أستارا”، فضلا عن تمويل بناء 22 نفقا و15 جسرا على امتداد الممر في الأراضي الإيرانية، وهي عقبات تعهدت روسيا مؤخرا بحلها عبر تقديم مساعدات فنية ومالية مقابل دفع إيران المستحقات ضمن آلية “النفط مقابل البضائع”.
- كذلك يؤثر توتر العلاقات الإيرانية الأذرية المتزايد بعد حرب كاراباخ 2020، على المسار الغربي للممر، والذي يُعد المسار الأقل كلفة والأيسر عبورا، وهو ما قد يؤخر أو يعطل إكمال تنفيذ المشروع، كما يفتح الباب لواشنطن والغرب لعرقلة تنفيذ الممر الذي يفتح نافذة واسعة في جدار العقوبات الغربية على روسيا وإيران.
- والخلاصة؛ يمثل المشروع أحد أوجه التعاون الاستراتيجي بين موسكو وطهران، والذي تعزز بعد حرب أوكرانيا، ليأخذ أشكالا متنوعة عسكرية وأمنية واقتصادية وتجارية، كما أنه يشير إلى أن تنامي التحالف بين الهند والولايات المتحدة مازال يواجه تحديا أساسيا هو عمق العلاقة التاريخية بين روسيا والهند.
إقرأ أيضاً:
زيارة “شي” إلى موسكو: الصين وروسيا تعززان شراكة إنهاء نظام القطب الواحد
الشراكة الحذرة: آفاق العلاقات الإيرانية الروسية على وقع حرب أوكرانيا
كيف توازن الهند علاقتها بين روسيا والولايات المتحدة؟
زيارة “رئيسي” إلى بكين في 2023 .. شراكة الصين وإيران استراتيجية لكنّها غير متكافئة