تلقت إسرائيل ضربةً موجعة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، شنّت حركة حماس هجوماً مفاجئاً واسع النطاق في عمق إسرائيل أثناء عطلة يهودية كبيرة، تقدم مقاتلو الحركة مدعومين بوابلٍ من الصواريخ واستخدموا المتفجرات لاختراق السياج الحدودي المُطوِّق لغزة، ثم توغلوا صوب البلدات الإسرائيلية القريبة باستخدام الدراجات النارية والشاحنات الصغيرة والطائرات الشراعية، مستهدفين نحو 22 موقعاً خارج غزة منها بلدات على بعد 24 كلم من حدود القطاع.
تجاوز عدد القتلى الإسرائيليين الـ1,200 من العسكريين والمدنيين حتى وقت كتابة التقرير وتعرضت قاعدة عسكرية إسرائيلية واحدة على الأقل للاجتياح، فيما أظهرت فيديوهات الشبكات الاجتماعية مقاتلي حماس العائدين وبحوزتهم معدات الجيش الإسرائيلي والرهائن.
- أعلنت الحكومة الإسرائيلية حالة الحرب
- استدعت قوات الاحتياط الإسرائيلية استجابةً للهجوم
- من المرجح شن عملية عسكرية طويلة الأمد في قطاع غزة
لكن العنف قد يمتد ليبلغ الضفة الغربية، وربما لبنان أيضاً ولا يبدو المستقبل القريب مبشراً لكن المنطق المبرر للهجوم مقلق بالقدر نفسه إذ يتعلق الأمر باتفاقيات السلام وصفقات الأسلحة والاتفاقات النووية والأهم من ذلك أنه يتعلق بإيران والسعودية وإذا كنت تظن أن الأطراف الكبرى تُعد خطيرة فانتظر لترى ما تستطيع أن تفعله الأطراف الصغيرة.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو أسباب تعرض إسرائيل للهجوم
تقع إسرائيل وسط منطقةٍ ليست بالهينة حيث يمكن أن تنفجر الأمور لتخرج عن السيطرة بسرعة إذ تتبادل إسرائيل وحزب الله إطلاق النار في جنوب لبنان، وإذا استمر هذا الوضع، فلن يمضي وقت طويل قبل أن تدخل سوريا على الخط، وربما إيران والولايات المتحدة أيضاً، وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن نجد أنفسنا أمام صراع إقليمي جديد.
في السنوات الأخيرة، تعرضت شرعية حماس للتقويض لصالح منظمات مسلحة أخرى ومنها جماعات مثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني ولجان المقاومة الشعبية والجبهتين الديمقراطية والشعبية لتحرير فلسطين التي اتهمت حماس بأنها شديدة التساهل والتكيف مع إسرائيل.
ومنذ ذلك الحين، بدأت حماس في تصعيد خطابها وتحركاتها تدريجياً لمواكبة ما تفعله حكومة نتنياهو اليمينية.
هل تشن إسرائيل عملية برية؟
وتزايدت أعمال العنف في الضفة الغربية وقطاع غزة بثبات لتبلغ أعلى معدلاتها منذ عام 2005 لكن الهجوم الحالي من حركة حماس غير مسبوق، وسترد إسرائيل للانتقام أملاً في منع إطلاق المزيد من الصواريخ أو تنفيذ محاولات التسلل.
علاوةً على أن إسرائيل ستشن عملية برية داخل قطاع غزة على الأرجح وذلك لاستعادة الرهائن والمعدات العسكرية التي استولت عليها حماس، ومع ذلك، يجب القول إن حماس لديها سجل حافل من احتجاز الرهائن لفترات مُطوّلة حيث احتجزت جلعاد شاليط مثلاً منذ عام 2005 وحتى 2011.
وأثار ذلك الوضع قضيةً سياسية كبيرة، كما يُعد قطاع غزة منطقة شديدة الاكتظاظ بالسكان ومليئةً بالفخاخ، والأنفاق، ومواقع الكمائن المعدة مسبقاً، ما يعني أن شن عملية برية إسرائيلية داخل غزة سيكون أمراً باهظ التكلفة للقوات الإسرائيلية والمدنيين الفلسطينيين.
يُذكر أن آخر غزو إسرائيلي كبير للقطاع عام 2014 أسفر عن خسائر فادحة في صفوف الجانبين.
هل تشارك قوى أكبر في التصعيد الحالي؟
ومع ذلك، من المحتمل أن تتصاعد الأعمال العدائية الحالية لمستويات لم نشهدها منذ عقود، لكن قوة وتطور وتوقيت هجوم حماس المفاجئ تُشير إلى احتمالية مشاركة قوى أكبر في الأمر.
- تُعدُّ إيران أكبر راعٍ لحماس
- لم يتضح بعد حجم تورط طهران في التخطيط والتحضير لهذه العملية
- إيران لديها العديد من الأسباب التي قد تجعلها راغبةً في هز استقرار المشهد السياسي
مسألة التطبيع بين السعودية وإسرائيل
ومن المفارقات أن أكثر ما يخشاه الإيرانيون هو السلام بين أكبر خصمين لهم: إسرائيل والسعودية.
- شهدت الأشهر الأخيرة زخماً أحاط بمبادرة أمريكية من أجل الوساطة في اتفاقية تطبيع بين إسرائيل والسعودية
- من المتوقع أن تُعيد المبادرة تشكيل الهيكلة الأمنية للشرق الأوسط
- وصفها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأنها أكبر اتفاقية تاريخية منذ الحرب الباردة
لهذا كانت إيران تبحث عن سبل لإفساد التطبيع، وتكمن الفكرة في أن إسرائيل والسعودية وسّعتا نطاق علاقاتيهما في صمت حتى الآن، لكن إبرام اتفاق رسمي سيدفع أهداف إسرائيل الاستراتيجية للحصول على قبول واعترافٍ كامل من العالم العربي.
ولا شك أن اتفاق سلامٍ بهذا الحجم سيفتح الباب أمام مشروعات اقتصادية جديدة في المنطقة مما سيجعل محيطها أكثر تكاملاً، ورخاءً، واستقراراً، وقد بذل الأمريكيون جهوداً حثيثة من أجل إتمام الاتفاق لكن غصن الزيتون سيأتي مصحوباً بشروط وأحكام مسبقة إذ تتضمن إحدى شروط أو مكافآت التطبيع ربط الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل في اتفاقية دفاع مشترك لكن عبر معاهدات منفصلة.
طُرِحَت فكرة إبرام معاهدتي دفاعٍ مشترك منفصلتين مع الولايات المتحدة، كجزءٍ من اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي، وستكون تلك المعاهدات مشابهةً للمعاهدات العسكرية الأمريكية مع اليابان وكوريا الجنوبية والتي تُعد أقوى المعاهدات الأمريكية خارج نطاق حلف الناتو.
- إن إبرام معاهدتي دفاع منفصلتين مع إسرائيل والسعودية سيضفي بعض الاستقرار على الشرق الأوسط
- الديناميات الإقليمية ستواصل تقويضها للوحدة كما هو الحال دائماً
- عملية التطبيع مصممة حتى تُتيح للولايات المتحدة مغادرة الشرق الأوسط
- قد تجر الأقدام الأمريكية للمنطقة ثانيةً في النهاية
- المعاهدات الدفاعية مع إسرائيل والسعودية ستكون أشبه بتنازل أحادي الجانب
- فلن تكسب أمريكا أي شيء من هذا الاتفاق فعلياً
- ستضطر لتخصيص المزيد من الالتزامات لمكانٍ تريد مغادرته
- المكسب الوحيد الذي سيعود على الأمريكيين هو أن معاهدات الدفاع ستدفع بالمفاوضات إلى الأمام
ويرى بعض المسؤولين أن هذا الأمر قد يُسفر في النهاية عن نسخة شرق أوسطية من حلف الناتو بحيث تكون مهمتها هي احتواء صعود إيران.
محاولات واشنطن لتأسيس نظامٍ جيوسياسي في الشرق الأوسط
وسيمثل هذا السيناريو مكسباً للجميع لكنه يصب في صالح الولايات المتحدة في الأساس لكنها ليست أول محاولةٍ من واشنطن لتأسيس نظامٍ جيوسياسي في الشرق الأوسط، ففي عام 1955، ساهم المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون في تأسيس حلف بغداد، وكان الغرض من هذا الحلف هو أن يؤدي نفس دور الناتو في أوروبا بحيث يكون عبارةً عن معاهدة دفاع جماعية لمواجهة النفوذ السوفيتي.
- فشلت الفكرة بعد تضافر الانقلابات والثورات والانقسامات الداخلية معاً لتعرقل الوفاء بمسؤوليات حلف بغداد وتعيق قدراته
- تقرر حلّ حلف بغداد عام 1979
- ظهرت محاولات أخرى لإنشاء حلفٍ مشابه لكنها فشلت فشلاً ذريعاً
- جاءت آخر تلك المحاولات في عهد إدارة ترامب
- ضغطت الولايات المتحدة لتشكيل تحالف إقليمي شامل وأطلقت عليه اسم تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي
- كان الغرض من ذلك التحالف تقييد واحتواء إيران لكن الديناميات الإقليمية قوّضت جهود الوحدة ولم يخرج التحالف المقترح إلى النور
ويشير واقع الأمور إلى أن منطقة الشرق الأوسط تقع وسط شبكة معقدة من التعاون والمنافسة وهي مكان يذخر بالخلافات والنزاعات حتى بين الحلفاء المفترضين.
أزمات إسرائيل تنعكس على مسألة التطبيع مع السعودية
تدرس حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فكرة ضم الضفة الغربية بالكامل منذ فترة، ويتضمن الائتلاف الحاكم عدة فصائل تمثل المستوطنين اليهود المتدينين في الضفة الغربية، إذ يتمتع حزبان سياسيان على وجه التحديد بنفوذٍ غير متناسب وهما حزب الصهيونية الدينية وحزب القوة اليهودية.
- يسيطر كلاهما على أكثر الوزارات نفوذاً في البلاد
- يشغل إيتمار بن غفير منصب وزير الأمن القومي
- يشغل بتسلئيل سموتريتش منصبي وزير المالية
- العامل المشترك بين هذين الحزبين هو سعيهما لتحويل إسرائيل إلى دولةٍ يهودية تمتد من نهر الأردن وصولاً إلى البحر المتوسط
- حصل بن غفير وسموتريتش لأول مرة على السلطة والأموال التي يحتاجانها لضم الضفة الغربية أحادياً
- اتخاذ تلك الخطوة سيعني نسف طموحات الفلسطينيين في الحكم الذاتي وإجبارهم على الانتقال إلى الدول العربية المجاورة
وقد أجرى الرئيس جو بايدن محادثات للإبقاء على تفاعل الإسرائيليين مع السعوديين. ولعب مصير الفلسطينيين دوراً محورياً في تلك المفاوضات إذ لا تستطيع المملكة تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون التطرق للقضية الفلسطينية.
وتمثّلت إحدى الشروط الأساسية لاتفاق السلام السعودي الإسرائيلي في وقف خطط ضم الضفة الغربية، وما سيتبعها من نزوح فلسطيني وفي مقابل الاعتراف الرسمي السعودي بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها.
- سيسلم الإسرائيليون جزءاً كبيراً من أراضي المنطقة ج للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية
- سيجري الاتفاق على الأماكن والأراضي المحددة
- يجب أن تكون كبيرةً بما يكفي لإحداث الفارق
- ستبادر إسرائيل بتجميد جهود التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وشرعنة المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في المناطق نفسها
ولا شك أن هذا الوضع مربك للغاية لكنه ازداد تعقيداً بعد هجوم حماس الأخير، إذا جرى نقل بعض أجزاء المنطقة ج إلى السيطرة الفلسطينية؛ فسوف تشكل السلطة الفلسطينية كياناً أكثر امتداداً - ستعزز قدرتها على تطوير البنية التحتية والبلدات المحلية دون التأثير على المستوطنات الإسرائيلية
لكن نقل هذه الأراضي تنص عليه اتفاقيات أوسلو 1993 التي تعهد نتنياهو باحترامها مؤخراً، إلا أن نتنياهو معروف بأنه ينكث الوعود، ولهذا طلب السعوديون نقل الأراضي مقدماً كجزءٍ من اتفاقية التطبيع، ومن المؤكد أن تسليم أراض في المنطقة ج سيقلب الموازين في كل الأحوال إذ من شأنه أن يُنهي خطط الضم فعلياً.
علاوةً على أنه سيمنح بن سلمان إنجازاً فورياً بالنيابة عن الفلسطينيين، وسيتمكن بعدها من استغلال ذلك الإنجاز كذخيرة سياسية لتبرير إبرام اتفاقية سلامٍ مع إسرائيل، وينطبق الأمر نفسه على نتنياهو، إذ إن إبرام اتفاق سلام مع السعودية سيبرز كإنجازٍ تاريخي على خلفية الاحتجاجات السياسية والتدقيق القضائي الراهن.
حيث يمثل تطبيع العلاقات مع العالم العربي هدفاً استراتيجياً بعيد المدى داخل إسرائيل لأن بقاء الدولة يتطلب منها العثور على سبلٍ لإقامة وإصلاح العلاقات مع الدول المجاورة، ولأن الدول العربية ستتحد بنهاية المطاف لتتطور وتعيش في رخاء، لهذا فإن بقاء الدولة الإسرائيلية سيتعرض للخطر إذا لم تصلح علاقاتها مع العرب قبل حدوث ذلك.
وبناءً عليه، سيكون السلام مع السعودية بمثابة انتصار جيوسياسي تاريخي، وهو انتصار قد يمثل سابقةً ستسير دول عربية أخرى على نهجها.
موقف إيران من تطبيع السعودية مع إسرائيل
بالنسبة لإيران، سنجد أن إبرام اتفاق سلام بين العالم العربي وإسرائيل لن يصب في صالحها، وليس من المعروف بعد ما إذا كانت إيران متورطةً في الهجوم لكن الشطر الأعظم من قوتها الناعمة في المنطقة مبني حول فرضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي حال تسوية الخلافات بين العالم العربي وإسرائيل؛ فسيؤدي ذلك إلى نزع سلاح فرض النفوذ الإيراني تدريجياً.
- اتفاقية السلام السعودية الإسرائيلية ستتيح للإسرائيليين جمع مواردهم وتركيز انتباههم بالكامل على تقليص نفوذ إيران
- ستشارك السعودية وبعض الدول العربية بشكلٍ نشط في قلب الموازين الجيوسياسية
وعندها ولن تكون لدى إيران فرصة للفوز في تلك المعركة، وربما لم تكن حماس قد اتبعت تعليمات إيران بشكل مباشر، لكن من المرجح وجود تنسيق بين كلا الجانبين نظراً لمصلحتهما المشتركة في تعطيل محادثات السلام الجارية، ومن المفارقات أن بعض الإسرائيليين يريدون إفساد عملية السلام أيضاً، حيث يضع نتنياهو يديه على عجلة القيادة، لكن شركاء ائتلافه القومي المتطرف هم المسيطرون على المكابح.
وقد أعلنها سموتريتش، الذي يُعد ثاني أقوى مسؤولٍ في إسرائيل، صراحةً عندما قال إنه لن يقدم أي تنازلات للفلسطينيين وهذا قبل بدء هجوم حماس من الأساس.
هل تمتد الحرب إلى الضفة الغربية؟
وإذا فشلت المفاوضات، فقد يفسر وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو ذلك باعتباره الضوء الأخضر لضم الضفة الغربية، ولا حاجة للقول إن المخاطر ستكون كبيرة للغاية عندها فهناك نحو 3 ملايين فلسطيني يعتبرون الضفة الغربية وطنهم.
وإذا ساءت الأمور وامتدت الحرب من غزة إلى الضفة الغربية، أو إذا قررت الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة طرد الفلسطينيين بالكامل فسوف:
- يسافر غالبية المدنيين إلى الأردن المجاور لأنه البلد الأقرب ولأن هناك جالية فلسطينية كبيرةً هناك بالفعل
- الأردن يستضيف منذ سنوات مئات الآلاف من اللاجئين الفارين من الصراعات الإقليمية، مثل السوريين والفلسطينيين
تُعد المملكة الهاشمية موطناً لثاني أكبر عدد من اللاجئين مقابل الفرد الواحد في العالم فهناك أكثر من 715 ألف لاجئ مسجل في الأردن بما يعادل نحو 7% من إجمالي سكان البلاد
- ليس لدى الأردن القدرة على تنظيم أو استضافة 3 ملايين لاجئ آخرين
- سيؤدي هذا إلى انهيار الدولة ببساطة
- سيثير النزوح الفلسطيني غضباً دولياً
- سيثير حالة عدم استقرار وكارثة إقليمية على الحدود الشمالية للمملكة العربية السعودية
- نزوح الفلسطينيين سيشهد تسلل الجماعات المسلحة الموالية لإيران إلى الأردن -ومنها حماس
- من المرجح أن يستغل هؤلاء المسلحون الوضع بينما الأردن في حالة سقوط حر
- ستصب كل هذه الفوضى في مصلحة الخصم الرئيسي للسعودية: إيران
لكن محمد بن سلمان لا يمكن أن يسمح بذلك إذ تحارب السعودية قوات المتمردين الحوثيين الموالين لإيران في الجنوب، كما تواجه الإيرانيين أنفسهم في جهة الشرق، ولا تريد السعودية جبهة جيوسياسية جديدة على حدودها الشمالية بالقرب من مدينة نيوم المستقبلية، التي تصل تكلفتها لمليارات الدولارات، لهذا تسعى السعودية إلى تفادي -أو تقليل أثر- الاضطرابات التي يتوقعها العديدون.
الخلاف بين حماس وفتح
بينما تتمحور السياسة الفلسطينية حول المنافسة بين حماس وفتح، وهذه المنافسة شديدة لدرجة أنها تزيد صعوبة إجراء مفاوضات دولية بمشاركة الفلسطينيين، لأنهم لا يملكون جبهةً موحدة، ويلعب الخلاف بين حماس وفتح دوراً كبيراً في تشكيل المشهد السياسي مما أسفر عن سعي السعوديين لتجاوز المنظمات الفلسطينية تماماً والتفاوض بالنيابة عنها، وذلك بهدف تحقيق بعض المكاسب للفلسطينيين في الضفة الغربية.
وطالما أن الفلسطينيين لا يبدون قادرين على التفاوض لأنفسهم؛ فيجب أن يتدخل أحدهم للتصرف لمصلحته في هذا الموقف، هذا هو ما فعله السعوديون تحديداً لكن الأمر لم يقتصر على التلويح بصفقات حل القضية الفلسطينية والمعاهدات الدفاعية.
إذ درس الأمريكيون السماح للسعودية بتطوير برنامجها النووي المدني الخاص، وسيسمح هذا للمملكة بتخصيب اليورانيوم على أراضيها مع تقديم ضمانات السلامة المناسبة لطمأنة إسرائيل، ولا شك أن إنشاء البرنامج النووي السعودي بموافقة أمريكا وإسرائيل سيأتي بالتوازي مع تطبيع العلاقات.
كما سيفتح الباب أمام مختلف أشكال التعاون الأمني والتجاري بين السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة، ومن المؤكد أن واشنطن ستمضي قدماً في خطة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا وذلك بعد ضم الأراضي السعودية لحسابات واشنطن الاستراتيجية.
- كشف بايدن مع حلفائه عن الممر الذي سيربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط خلال قمة العشرين في سبتمبر/أيلول
- لا مكان لإيران في ذلك الممر
- تُعد السعودية وإسرائيل ضروريتين لإتمام المشروع
- اتفاق السلام من شأنه أن يقرب واشنطن خطوةً أخرى من تحقيق الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا
وتمثلت آخر ملامح اتفاقية التطبيع في مبيعات الأسلحة، حيث تضغط السعودية على الولايات المتحدة تحديداً للحصول على الأسلحة الأمريكية المتطورة سريعاً، ولا تريد السعودية أقل مما تعهد الأمريكيون بمنحه للإمارات مقابل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وهذا يتضمن:
- مقاتلات إف-35
- مسيّرات إم كيو-9 ريبر
- مجموعة من الصواريخ الموجهة بدقة
لكن المعاملات المرتبطة بهذه الأسلحة تحتاج لسلسلة معقدة من المفاوضات، إذ إن الولايات المتحدة ملزمة قانونياً بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل في أي صفقة مع المنطقة، وقد تمثّلت نقطة الخلاف في مقاتلات إف-35 بنسخها المختلفة وقدراتها المتطورة، إذ لا تمتلك أي دولة في المنطقة هذه المقاتلات، باستثناء إسرائيل.
وتريد تل أبيب إبقاء ذلك الوضع على حاله، وقد كان من المرجح حتى وقت قريب أن يظهر غصن الزيتون بين إسرائيل والسعودية لكن هجوم حماس قلب موازين المعادلة وعطّل اتفاقية التطبيع إن لم يكن قد نسفها بالكامل، ولن تعود الأمور كما كانت على أي حال، فقد أصبح الوضع على صفيحٍ ساخن وصار لدى اليمين المتطرف في إسرائيل ما يكفي من الذخيرة لإبعاد الفلسطينيين.
وإذا كان من المقرر لاتفاق السلام التاريخي أن ينجح؛ فيجب أن يسيطر نتنياهو على حلفائه من اليمين المتطرف، وهناك جانب إيجابي يتمثل في أن المعارضة عرضت تشكيل حكومة طوارئ في الوقت الراهن، ما يعني أن الفرصة ما تزال متاحةً لتفادي الكارثة، إن هجوم حماس يدفع المنطقة المحيطة إلى نقطة الغليان وربما كان الأمر متوقعاً منذ زمنٍ بعيد.
إقرأ أيضاً:
✚ تطبيع العلاقات السعودية .. شراكة أمنية مع واشنطن وتطبيع مع “إسرائيل”
✚ كيف تعزز الحرب في غزة موقع روسيا والصين في الشرق الأوسط؟
✚ تحطم نظرية الأمن الإسرائيلية في عملية “طوفان الأقصى”
✚ عملية “طوفان الأقصى” تفرض معادلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي
✚ أكثر اندماجا لكن أقل أمنا … أين باتت تقف “إسرائيل” في الشرق الأوسط؟