الملخص
– يواجه العالم مسارات معقدة للتعامل مع عملية إنتاج وتوزيع لقاحات كوفيد 19، فلا تزال الكمية المتوقع إنتاجها غير واضحة، إضافة لعوامل أخرى يمكنها التأثير على توزيع اللقاح من بينها سرعة التصنيع واستقرار اللقاح المنتَج (أي الحساسية للظروف البيئية والتفاعل مع مكونات اللقاح الأخرى) واعتبارات سلاسل التوريد وأماكن التخزين.
– تبرز مبادرة “كوفاكس” لتوزيع اللقاحات باعتبارها من أكثر المبادرات شمولاً، ويمكن أن تمثل إطاراً لتسهيل عملية التوزيع، ولكن دورها سيكون محدوداً في تخفيف حدة التنافس الجيوسياسي على اعتبار أن بعض الاقتصادات الكبرى (ومنها روسيا والولايات المتحدة) رفضت المشاركة فيها.
– أضحى السباق نحو اللقاح مسيّساً، وتتنافس القوى العظمى فيما بينها حتى ولو كان في التعاون مصلحتها العليا. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وبريطانيا دولتان حليفتان، فإن كل واحدة منهما تعمل على تطوير اللقاح بصورة منفصلة.
– تهدف الدول لاستعمال اللقاح المحتمل في خدمة مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. وتشير التوقعات إلى أن الصين ستبادر لتوزيع لقاح فيروس كورونا على نطاقٍ واسع في 2021، وستستغل تطوير اللقاح في استعادة سمعتها الدولية وتوسيع علاقاتها بالدول النامية، وستعمد لتبني “دبلوماسية اللقاحات” في إطار دعم الخطوات الجيوإستراتيجية الصينية السابقة على الأزمة، وخاصة مبادرة الحزام والطريق.
– ستركز الولايات المتحدة -على الأرجح- على جهود التعافي الصحي لسكانها، وسيكون الأمر كذلك بالنسبة لكثير من دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيفتح الباب أمام روسيا والصين لحصد المنافع الجيوسياسية والاقتصادية لتطوير اللقاحات على حساب الغرب.
– فيما تواجه كل من الصين وروسيا أزمة مصداقية في جودة لقاحاتهم وقدرتها على المنافسة، ولكن هذا لن يؤثر كثيراً على قدراتهم التسويقية في ظل الحاجة المُلحة حول العالم لتجاوز تأثيرات الجائحة.
– ستختلف سرعات طرح اللقاح بين دول العالم، ومن المتوقع أن تمتد عمليات التوزيع إلى عام 2022، وهو ما سيؤدى لاختلاف مواعيد النهاية الوبائية من دولة لأخرى، وعلى الأرجح سيتشابه الطريق إلى “مناعة القطيع” في الدول المرتفعة الدخل مع المسار الذي ستسلكه الولايات المتحدة.
– وحتى مع وصول بعض المناطق إلى مناعة القطيع، ستبقى هناك جيوب يتوطّن فيها مرض كوفيد 19 في أنحاء العالم، ومنها على سبيل المثال المناطق المتأثرة بالحروب أو المجتمعات الرافضة في معظمها للتلقيح.
مقدمة
بات العالم اليوم على درايةٍ بنتائج بعض تجارب اللقاح المضاد لكوفيد 19 مع تزايد الضغوط السياسية بهدف تسريع اجتياز اللقاحاتالمرشحة لمرحلة الاختبار وتجهيزها للتوزيع السريع. وقد أثبتت المعطيات العلمية أن ثلاثة لقاحات لفيروس كورونا ،طورتها شركة Pfizer (الولايات المتحدة) / BioNTech (ألمانيا) و Moderna (الولايات المتحدة) و Oxford-AstraZeneca (المملكة المتحدة) ، أثبتت فعاليتها العالية في المرحلة الثالثة من التجارب.
غير أن انعكاسات هذه الأخبار الإيجابية على دول العالم ستأخذ وقتاً، لأولوية التوزيع المحلي، وصعوبات النقلوالتخزين، لا سيما أن التوجهات السياسية في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ترى أولوية التعامل معالأزمة المحلية. وفي هذا السياق وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرسوما يعطي الأولوية في تسليم جرعاتاللقاحات إلى الأميركيين.
في المقابل، تحاول الصين أن تستثمر بصورة كبيرة في ”دبلوماسية اللقاحات“ على الرغم من عدم ظهور نتائجتجارب اللقاحات الصينية، حيث باشرت الصين توزيع اللقاحات في جميع أنحاء العالم ساعية إلى تلميع صورتهابعد عام على ظهور وباء كوفيد-19 على أراضيها.
ومما لا شك فيه أن نشر اللقاح على نطاق واسع أمرٌ حيوي لعددٍ من الأسباب؛ إذ سيقلل اللقاح من خطر الحالات الحرجة والوفيات، ويخفف بالتالي الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية، كما سيسمح بتخفيف إجراءات التباعد بصورة كبيرة، ويعطي دفعة للاقتصادبصورة عامة، ويعيد بناء ثقة الشركات والمستهلكين، ويُسهم في تنشيط استثمارات القطاع الخاص.
عن صناعة اللقاحات وتوزيعها
- القيمة الكلية لسوق اللقاح تصل حالياً إلى 35 مليار دولار (أقل من 3% من المبيعات الدوائية الكلية). وتمتلك أربع علاماتتجارية متعددة الجنسيات -وهي “غلاكسو سميث كلاين” (GlaxoSmithKline) و”سانوفي” (Sanofi) و”ميرك” (Merck) و”فايزر” (Pfizer)- نحو 85% من الحصة السوقية عن طريق عمليات دمجٍ واستحواذ متنوعة. ويقدر الاستثمار العالمي فيلقاحات كوفيد 19 حتى الآن بسبعة مليارات دولار.
- تمتلك الهند والصين وأوروبا أكبر الإمكانات لإنتاج اللقاحات، وبعضها شريك في البرنامج الموسع للتحصين التابع لمنظمةالصحة العالمية واليونيسيف ضد الحصبة والجدري والتيتانوس وأمراض أخرى في الدول الناشئة. واللقاحات الجديدة مثل لقاحاتالالتهاب الكبدي الوبائي ب، وفيروس الروتا والإنفلونزا البكتيرية متاحة بصورة أقل بسبب محدودية إمكانات التصنيع الأولية،والشركات بحاجة إلى عائدٍ على استثماراتها في الأبحاث والتطوير (الذي يقدر بمليار دولار لكل لقاحٍ جديد) عن طريق بيعاللقاحات للأسواق التي تقدر على شرائه بأسعار مرتفعة.
- في عام 2000 تأسست منظمة جافي، أو التحالف العالمي للقاحات والتحصين، باعتبارها شراكة بين القطاعين العام والخاصلإتاحة اللقاحات للدول النامية عبر نظام من الحوافز للشركات المصنعة مثل التسعير متعدد المستويات، وتقديم الالتزامات السوقيةوالدعم اللوجستي والتمويل الابتكاري.
- وفي 2019 تأسس ائتلاف ابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة ليعمل على تطوير لقاحات لخمسة أمراض لها الأولوية، وأيضاًلمواجهة التهديدات الناشئة ومنها كوفيد 19. وتحت مظلة مشروع التصنيع المستدام، أجرى “ائتلاف ابتكارات التأهب لمواجهةالأوبئة” استطلاعات لتقييم إمكانات إنتاج اللقاحات، وشملت 113 جهة مصنعة في 30 بلداً.
- ووجدت نتائج الاستطلاعات أن ما بين مليارين إلى أربعة مليارات جرعة من لقاح كوفيد 19 يمكن توفيرها بنهاية عام 2021 (لـ20% من سكان العالم) دون الإضرار بخطوط الإنتاج الأخرى.
- وبخلاف المخزون الأولي، هناك عوامل أخرى يمكنها التأثير على توزيع لقاح كوفيد 19 من بينها سرعة التصنيع، واستقرارمنتج اللقاح (أي الحساسية للحرارة والضوء والإشعاع والتغيرات البيئية والتفاعل مع مكونات اللقاح الأخرى)، واعتبارات سلاسلالتبريد، والاستعداد لاستيعاب كميات اللقاح.
- تمتلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا أكبر تشكيلات من اللقاحات، ودخل لقاح أوكسفورد بالتعاون مع شركة”أسترازينيكا” (AstraZeneca) في اتفاقيات شراءٍ هي الأكثر تنوعاً مقارنة باللقاحات الأخرى، ليصبح المرشح الرئيسيالمرتقب لمساعدة أغلب مناطق العالم، خاصة بسبب انخفاض كلفته.
- أما لقاحي “فايزر” (Pfizer) و”موديرنا” (Moderna) المصنوعين من الحمض النووي الريبوزي الرسول فهي معروضةبسعر أعلى بكثير، وتتسابق عليها الدول الأكثر ثراء. وعبرت بعض الدول أيضاً عن اهتمامه بلقاح “سبوتنيك في” (Sputnik V) الروسي ولقاح “سينوفاك” (Sinovac) الصيني.
- وتذهب تقديرات مؤسسة بل وميلندا غيتس إلى أنه يمكن تفادي 33% من وفيات كوفيد 19 عبر بيع اللقاح إلى الدولالمرتفعة الدخل، لكن هذه النسبة سترتفع إلى 61% عند توفير اللقاح لجميع الدول.
- ومن المبادرات الأكثر شمولاً مشروع إتاحة لقاحات كوفيد 19 على الصعيد العالمي “كوفاكس” التي صارت حالياً اتفاقية متعددةالأطراف لإتاحة اللقاح بصورة مشتركة للعديد من الدول. وقد اشتركت 80 دولة ذاتية التمويل في مشروع كوفاكس حتى الآن؛ إماباتفاقات شراءٍ ملزِمة وإما غير ملزمة (مع التحوط بالتفاوت في الأسعار)، في حين سيُمكن لـ 92دولة مشاركة منخفضة الدخلالانتفاع بآلية التزام السوق المسبق القائمة على تمويلات الجهات السيادية المتبرعة والقطاع الخاص والتبرعات الخيرية.
- تمكنت آلية التزام السوق المسبق حتى الآن من جمع ثلث المبلغ المقترح الذي يصل إلى ملياري دولار. وتستهدف “كوفاكس” توفير جرعات لـ3% من الأشخاص ذوي الأولوية في كل دولة من الدول الأعضاء، وزيادة النسبة إلى 20% بنهاية عام 2021.
- وقد اقتُرحت نماذج أخرى لتوزيع اللقاح بناءً على الخطر الصحي (بإعطاء الأولوية لعاملي الرعاية الصحية وكبار السن) و”الأولوية العادلة” بمراحل متوالية تركز على: منع الوفيات المبكرة، وتخفيف وطأة الفقر، ومنع انتقال الفيروس، لكنها مراحلتؤدي في النهاية إلى أكبر تغطية ممكنة (أعلى من 70%).
- رفضت بعض الاقتصادات الكبرى (ومنها روسيا والولايات المتحدة) المشاركة في مشروع كوفاكس، واختارت التركيز علىبرامج اللقاحات الخاصة بها أو الشراء المباشر للقاحات. وانضمت الصين إلى المبادرة في أول أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فيحين صرحت الصين وروسيا باستعمال لقاحٍ لكل منهما داخل البلاد، لكن لم تنتج الكثير من البيانات الموثوق بها من تجاربهما.
- من الصعب توسيع إمكانات تصنيع اللقاحات بسرعة. ويتنبأ نموذج مستقل من شركة التحليلات “إيرفينيتي” (Airfinity) بأنالجرعة المليار من اللقاح ستُصنع في الربع الأول من عام 2022 (عدد سكان العالم 7.8 مليارات نسمة). ولمواجهة هذا الأمر، يَستعمل التحالف العالمي للقاحات والتحصين آليات التزام السوق المسبق في تحفيز الشركات على توسيع إمكانات التصنيعقبل إصدار التراخيص للقاح المرشح.
- تتوقف سرعة توزيع اللقاح على نوع اللقاح الناتج، وما إذا كان على سبيل المثال يتطلب التبريد أثناء النقل، وما إذا كانتالطرق التجارية أو الحدود ستظل مغلقة بسبب إجراءات السيطرة على كوفيد 19، فضلا عن أن الكثير من اللقاحات المرشحةجديدة، والطرق المطلوبة لتصنيعها وتوزيعها تختلف اختلافاً كبيراً عن اللقاحات السابقة.
- وفي الوضع المثالي، ستقتصر إتاحة الجرعات الأولى من اللقاح على نسبة 22% من سكان العالم هم المعرضون لأكبر خطربسبب الظروف الصحية، ويتم توزيع اللحاق على هذا الأساس. وهذه هي الطريقة الأكثر فعالية لتقليل معدلات الإصابة والوفيات،لكن في الواقع ستسعى الدول إلى تلقيح أكبر عددٍ ممكن من سكانها هي لتسرّع عودة النشاط الاقتصادي إلى معدلاته الطبيعية.
الأزمة الجيوسياسية أعمق من “دبلوماسية اللقاح“
- مع تراجع عصر التعددية أمام صعود القومية والخوف من الآخر، سيتعين على كل بلدٍ تدبر أمره بنفسه. وبما أن الجهود الدوليةلمحاربة كوفيد 19 لم تكن كافية، لجأت كل دولة منفردة إلى التصرف بما تراه يحقق مصلحتها الخاصة، ووضعت الحواجز عندالحدود وزادت من القيود على التجارة الدولية وحركة السفر والسياحة.
- أغلب الدول تراهن بمستقبلها الآن على لقاح فيروس كورونا، وأصبح السباق نحو تحقيق هذا الهدف مسيساً. ومن بين الدولالساعية إلى تطوير اللقاح الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وكما كان الحال في الاستجابات المبدئية للجائحة، تتنافسالقوى العظمى حتى حين يكون في التعاون مصلحتها العليا. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وبريطانيا دولتان حليفتان،فإنهما تعملان بشكل منفصل في تطوير اللقاح. كما أن روسيا أعلنت هي الأخرى عن تطوير لقاح، وهي على استعداد لتبدأ إعطاءهلسكانها، ابتداءً بالعمالة الموجودة على الخطوط الأمامية، أي العاملين بالرعاية الصحية والمدرسين.
- تستعمل الدول اللقاح المحتمل أيضاً أداةً لخدمة مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية. على سبيل المثال، في أواخر أغسطس/آب الماضي، تعهد رئيس الوزراء الصيني “لي كه تشيانغ” بأن تشارك الصين بعض الجرعات من أي لقاحٍ تطوره -وتشارك كذلكالخبرة العلمية بتطوير اللقاح- مع دول جنوب شرق آسيا. وفي لقاءٍ بين وزير الخارجية الصيني “وانغ يي” ونظيره المغربي، تعهدالأول بأن توفر بلاده اللقاح للدول الأفريقية.
- إن تفشي كوفيد 19 محوري، لأن إجمالي الناتج المحلي للصين ربما يتخطى الولايات المتحدة في وقتٍ أقرب من الحساباتالسابقة، بل وربما هذا العام. وسيدور الكثير من النقاش الحاد عما إذا كان نظام الحزب الواحد السياسي السلطوي في الصين –باقتصاد رأسمالي تقوده الدولة يتفوق على التنويعات الغربية من الأنظمة الديمقراطية باقتصاد سوقي– تُفرض عليه قيودمتزايدة.
- وبينما تعاني كل الاقتصادات بدرجات متفاوتة من فيروس كورونا، ربما ينتهي المطاف بأن يكون الاقتصاد الصيني أقل معاناةويجني منافع أكبر بعد انحسار الفيروس أمام اللقاحات. ولكن ما يقف في طريق الصين هو الهيمنة البنيوية الراسخة للولاياتالمتحدة، الأمر الذي سيزيد من حدة التنافس الأمريكي الصيني على الحصص السوقية وعلى سلاسل التوريد، وعلى الحلفاءوالشركاء، وهو ما سينتج عنه أحد سيناريوهين:
الأول، ربما يتجه الصراع إلى مواجهة مباشرة، خاصة إذا انتخب الأمريكيون الرئيس دونالد ترامب لفترة ثانية في نوفمبر/تشرينالثاني 2020.
الثاني، قد لا يحدث الكثير من التصعيد إذا فاز مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، لكن سيظل الناتج (والصراع) على حاله.
الصين ستعمل على استثمار الأزمة عالمياً.. لكنها ستعاني
- تشير التوقعات إلى أن الصين ستبادر لتوزيع لقاح فيروس كورونا على نطاقٍ واسع في 2021. وبخلاف المنافع التي سيعودبها ذلك على سكانها، ستستغل الصين تطوير اللقاح في استعادة سمعتها الدولية التي تضررت من كونها بلد المنشأ للفيروس.
- تعوّل الصين على توسيع علاقاتها بالدول النامية من خلال توزيع اللقاحات، حيث تزداد المنافسة بين الصين والدول الغربيةبقيادة الولايات المتحدة على النفوذ. وانضمت الصين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى مشروع إتاحة لقاحات كوفيد 19 علىالصعيد العالمي؛ ذلك الائتلاف الذي يستهدف إتاحة اللقاحات والذي أعرضت الولايات المتحدة عن الانضمام إليه.
- حالياً، تجري تجارب سريرية لـ11 لقاحاً في الصين، اثنان منهما طورتهما “سينوفاك” (Sinovac) و”كانسينو بيولوجيك” (CanSino Biologics)، واثنان طورتهما “سينوفارم” (Sinopharm) وصلت إلى تجارب المرحلة الثالثة. وعلى مستوىالعالم، وصلت تسعة لقاحات إلى تجارب المرحلة الثالثة بحلول نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
- وقد بدأت الشركات الصينية بالفعل في برامج التلقيح على نطاقٍ واسع للموظفين والعاملين الأساسيين في المنزل، رغم الطبيعةغير المثبتة للقاحات، وهي تجري تجارب على البشر في أكثر من 10 دولٍ في أنحاء العالم. وتعتزم “سينوفاك” أن يكون اللقاحجاهزاً للتوزيع عالمياً بحلول بداية 2021.
- وبينما يُمكن أن يحقق هذا تفوقاً دبلوماسياً للصين، هناك بعض العقبات المحتملة. فالتحديات العملية التي تواجه إنتاج وتوزيعلقاحٍ على نطاق جماهيري ضخمة للغاية، نظراً للاحتياج المرجّح إلى تقنيات نقل اللقاح عند درجة حرارة تحت الصفر. وسيتعينعلى الشركات الصينية أيضاً العمل بجد لبناء الثقة في لقاحاتها، نظراً للفضائح السابقة المتعلقة بسلامة اللقاحات، وكذلك المخاوففي الخارج من انخفاض جودة سلع الرعاية الصحية التي شحنتها الصين للدول الأخرى استجابةً للجائحة.
- وهناك مخاطر سياسية متعلقة بتوزيع اللقاح، فقد تعهدت الشركات والحكومة الصينية بتوفير اللقاح حسب الأولوية لعددٍ من البلدان،من بينها البرازيل وإندونيسيا. لكنها قد تتعثر في تسليم كافة الشحنات التي تعهدت بها، وهو ما قد يتسبب برد فعلٍ دبلوماسي سلبي من الدول التي تنتظر في آخر الطابور، أو يدفع هذه الدول إلى البحث عن مزودين آخرين.
- إضافةً إلى ذلك، فإن أي انطباع عن تلقي الأثرياء وأصحاب النفوذ للقاح أولاً قد يؤثر على الانطباعات الشعبية عن الصين، ومنالمحتمل أن يعوق التعاون الأوسع نطاقاً في مساحات أخرى مثل مبادرة الحزام والطريق. لذا، ترجح بعض التحليلات أن الصينتواجه خطر التعهد بأكثر مما ستلتزم به بخصوص توزيع اللقاح في 2021، مما قد يعوق آمال الصين المنتظرة في تحسينصورتها الدولية من تطوير اللقاح مبكراً.
- في المقابل، ربما تفتقر واشنطن والقوى العظمى الأخرى إلى وسائل تضاهي مناورات بكين. فعندما تطور الولايات المتحدةلقاحها ستركز -على الأرجح- على جهود التعافي الصحي لسكانها، حيث التوترات السياسية على أشدها. والاتحاد الأوروبي يداهمشغولتان بتنازع الدول الأعضاء على السيطرة داخل الاتحاد وحزم الإنقاذ الاقتصادي. وأي لقاحٍ من المملكة المتحدة سيُستخدمعلى الأرجح في بريطانيا -وربما في الاتحاد الأوروبي- قبل إتاحته في المناطق الأخرى.
- واليابان وكوريا الجنوبية مشغولتان، إذ تمر الأولى بانتقالٍ سياسي للسلطة، وتأخذ الثانية حذرها من تهديد كوريا الشمالية، ومن ثملن تنخرطا في “دبلوماسية لقاحاتٍ” خاصة بهما. وهذا المناخ السياسي العالمي يترك روسيا والصين لتحصدا المنافعالجيوسياسية والاقتصادية لتطوير اللقاحات على حساب الغرب.
ثلاث سرعات لطرح اللقاح
تترجم الجهود العالمية لإنتاج اللقاحات والتنافس حولها إلى ثلاث سرعات لطرح اللقاح من جانب البلدان، ولكل منها تبعات مهمةعلى الاقتصادات الوطنية في 2021 و2022.
- طرحٌ سريع: ستكرر دولٌ مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية وتايوان أداءها المُتقدم في مكافحة الفيروس، وهذه المرة فيعملية التلقيح، ومن المتوقع أن يُعيد هذا الأمر ثقة الشركات والمستهلكين محلياً. والصين أيضاً ستكون ضمن هذهالمجموعة التي بها أربعة أعضاء من المتوقع أن ينتجوا مليار لقاح بحلول نهاية 2021 (لكن أغلبها سيكون مقسماً إلىجرعتين لا جرعة واحدة).
- طرح سريع يشوبه اضطراب: أمّنت الولايات المتحدة وبريطانيا خطوط إمداد باللقاحات من شركات تصنيع متعددة. لكن كفاءة الحكومة في التعامل مع الجائحة في 2020 كانت مضطربة في هذين البلدين، وهذا سيستمر على الأرجح في عملية توزيع اللقاحات. وتسري تلك الحجة على إسبانيا وفرنسا أيضاً.
بالنسبة للولايات المتحدة، ستمثل نتيجة الانتخابات الرئاسية عاملاً محورياً. والسيناريو المحوري المتوقع هو أن يفوزجو بايدن بالانتخابات، مما سيعني جهوداً جماعية منسقة لطرح اللقاح في الولايات المتحدة. وعلى الأرجح ستحقق عدةدول متوسطة الدخل ذات أسواق ناشئة تقدماً جيداً، لكنها لن تستكمل برامجها الوطنية في 2021، وهذه المجموعةتتضمن البرازيل والمكسيك وروسيا، لكنها ربما لن تتضمن الهند بسبب مشاكل لوجستية وفي التخزين المبرد.
بالنسبة لاقتصادات هذه الأسواق المتقدمة والناشئة، ستؤخر مشاكل الإدارة والمشاكل اللوجستية على الأرجح استعادةثقة الرأي العام، وفي بعض هذه الدول قد تؤخر إجراءات التخفيف المنتظرة لقيود التباعد، مما يعنى أن إجراءاتالتباعد قد تستمر حتى صيف 2021، مما سيبطئ تعافي الاقتصاد. - طرح بطيء يمتد حتى 2022: ستبدأ دول الأسواق الناشئة المنخفضة الدخل على الأرجح توزيع اللقاحات في 2021 بمساعدة من مبادرة كوفاكس. لكن غياب الولايات المتحدة وروسيا والصين عن الائتلاف يعني أن الطرح الواسع النطاق للقاح في هذه الدول سيتأخر حتى عام 2022. وهذا يشكل خطورة تتمثل في تأخير المرحلة الثانية من التعافي الاقتصادي حتى عام 2022.
إمكانية انتهاء كورونا
- تأتي نقطة انتهاء الأوبئة حين تتحقق “مناعة القطيع”، وذلك حين تكون نسبة أفراد المجتمع المحصنين من كوفيد 19 كافية لمنع الانتشار الواسع المستمر للمرض. وتأمل العديد من الدول في الحصول على ما يكفي من جرعات اللقاح لتحقيق المناعة، فعندها لن تحتاج إلى تدخلات الصحة العامة الطارئة التي نفذتها في 2020. وبينما قد نحتاج إلى إعادة إعطاء اللقاح بصورة منتظمة -ربما مثل جرعات لقاح الإنفلونزا الموسمية- فإن خطر الانتشار الواسع للفيروس سيكون قد ولى.
- ستتحقق نقطة انتهاء ثانية -وعلى الأرجح في وقتٍ مبكر- حين يُمكن استئناف كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية دون الخوف من وقوع الوفيات باستمرار (حين لا يعود معدل الوفيات بالفيروس أعلى من المتوسط التاريخي للوفيات في البلد)، أو من حدوث عواقب صحية طويلة الأمد متعلقة بكوفيد 19.
- وستتيح هذه العملية أدواتٍ مثل تلقيح الأفراد الأكثر عرضة للخطر، والاختبارات السريعة الدقيقة لكشف الإصابة بالفيروس،وتحسن الطرق العلاجية، والتعزيز المستمر للاستجابات المتعلقة بالصحة العامة.
- لن يبدو الوضع الطبيعي القادم تماماً مثل الوضع القديم، قد يكون مختلفاً بطرقٍ مفاجئة، ويتخذ ملامح غير متوقعة، ويتحققبالتدريج، لكن هذا الانتقال سيمكّن من عودة مشاهد مألوفة مثل السفر بالطائرات، والأسواق المزدحمة، والمصانع الهادرة،والمطاعم المكتظة، وصالات التمارين الرياضية المكتملة العدد.
- النهايتان مرتبطتان ببعضهما البعض بالطبع، لكن ليس خطياً. فإذا تأخر الانتقال إلى الوضع الطبيعي إلى أقصى حد، فسيتزامن ذلك مع تحقيق مناعة القطيع. لكن في المناطق التي تمتاز بقوة الاستجابة المتعلقة بالصحة العامة، يمكن أن يتحقق الوضع الطبيعي قبل وقتٍ طويل من انتهاء الجائحة من الناحية الوبائية.
- سيختلف الخط الزمني لتحقق هاتين النهايتين حسب كل مكانٍ. ففي الولايات المتحدة وأغلب الاقتصادات المتقدمة، ستتحقق النهاية الوبائية في الربع الثالث أو الرابع من العام 2021، مع وجود إمكانية للانتقال إلى الوضع الطبيعي مبكراً؛ ربما في الربع الأول أوالثاني من عام 2021،.وكل يومٍ يُحدث فارقاً كبيراً، فبخلاف نفاد الصبر انتظاراً لعودة الحياة الطبيعية، كلما طال الوقت قبل إزالة القيود على الأنشطة الاقتصادية، زاد الضرر الاقتصادي الواقع على البلد.
- وعلى الأرجح سيتشابه الطريق إلى مناعة القطيع في الدول الأخرى المرتفعة الدخل مع المسار الذي ستسلكه الولايات المتحدة، وستختلف التوقيتات الزمنية بناءً على الاختلاف في إتاحة ونشر اللقاحات ومستويات المناعة الطبيعية، وربما الاختلاف فيالمناعة المتقاطعة مع أمراض أخرى وفعالية اللقاحات الأخرى ضد فيروس كورونا مثل لقاح السل.
- وحتى مع وصول بعض المناطق إلى مناعة القطيع، ستبقى جيوب يتوطن فيها مرض كوفيد 19 في أنحاء العالم، ومنها علىسبيل المثال المتأثرة بالحروب، أو المجتمعات الرافضة في معظمها للتلقيح. ففي هذه المناطق، ربما يشبه كوفيد 19 في الوصولإلى مناعة القطيع مرض الحصبة في أنه لن يكون تهديداً يومياً لحياة أغلب الناس، لكنه خطرٌ مستمر يلوح في الأفق. وإذا تراجعتالمناعة -على سبيل المثال في حالة عدم تبني الجرعات- ربما يصبح كوفيد 19 متوطناً في أماكن أوسع.
مراجع اعتمد عليها التقرير
Covid-19’s long-term geopolitical impact, Geopolitical Intelligence Services, 28 September 2020
McKinsey, When will the COVID-19 pandemic end?, 2020, September 28
Vaccine Rollouts: Three Speeds for Countries, Continuum Economics, October 01, 2020
Vaccine nationalism could prolong pandemic, oxford anlytica, September 2, 2020
Global COVID vaccine roll-out will face many hurdles, oxford anlytica, October 14, 2020
Is It Possible to Avert Chaos in the Vaccine Scramble, csis, august 6 2020