إن روسيا تلعب دوراً مهيمناً في الثقافة الاستراتيجية السـويدية لدرجة أن السـويد التزمت سياسة الحياد منذ عام 1812، وركزت ستوكهولم على شؤونها الخاصة مُحاولةً الابتعاد عن طريق روسيا لكن القلق من العدوان الروسي تصاعد في السنوات الأخيرة.
كان الهجوم على أوكرانيا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت لانضمام السويد للناتو حتى تصبحا جزءاً من المظلة الأمنية الأمريكية، فلماذا ترغب السـويد الانضمام لحلف شمال الأطلسي؟
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تجيبكم عن هذا السؤال في الفيديو.
لطالما كانت الجغرافيا في صالح السـويد، إلا أن أراضيها الصالحة للعيش لا تتجاوز ثلث مساحتها.
- تغطي الجبال والغابات الكثيفة شمال البلاد يتعذر معها الوصول إلى الكثير من أجزائه
- يحتوي الشمال على مواقع تعدينٍ قيّمة لكن بقية أراضيه تظل شبه خالية من السكان
- في أقصى الجنوب نجد القلب السكاني والصناعي للسويد
يعيش ويعمل غالبية مواطني السـويد البالغ عددهم 10 ملايين داخل الحزام الممتد من غوتنبرغ إلى ستوكهولم إلى مالمو.
بحر البلطيق.. ساحة معركة بين الغرب والشرق
لأن قلب السـويد النابض محاطٌ بالبحر من كل جانب، سنجد أن التجارة البحرية مع أوروبا لها دورٌ كبير في رخاء السـويد، وإذا غابت تلك التجارة مع أوروبا ستخسر السـويد نحو 45% من ناتجها المحلي الإجمالي. ويُعتبر بحر البلطيق من أزحم الممرات المائية في العالم حيث يمثل 15% من حركة التجارة البحرية العالمية.
- تستحوذ روسيا على قدر كبير من حركة الشحن هناك
- تتجمد الكثير من موانئ خليجي فنلندا وبوثنيا في الشتاء
- يعتمد رخاء دول البلطيق على الوصول البحري لهذا
- يجب على كل دولة أن تسعى للسيطرة على أكبر عدد ممكن من نقاط الوصول
- كادت السـويد تهيمن على المنطقة في القرن السابع عشر لكنها خسرت كل شيء تقريباً
- ظل بحر البلطيق أشبه ببحيرة روسية منذ نهاية الحرب الفنلندية عام 1809وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991
- دخلت المنطقة في وقتٍ مستقطع جيوسياسي خلال التسعينيات
- سارعت بولندا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا إلى الانضمام لحلف الناتو
- لم يعدى لدى روسيا سوى نقطة وصول واحدة قرب سانت بطرسبرغ
- أصبحت قاعدتها البحرية في كالينينغراد معزولةً عن بقية البلاد
- أدى توسع الناتو إلى إضعاف قبضة روسيا في البلطيق بشدة
عسكرة كالينينغراد.. قلق سويدي فنلندي
وجدت روسيا من منظورها أن السبيل الوحيد لمواجهة الناتو يكمن في عسكرة كالينينغراد وهذا ما فعلته موسكو تحديداً.
- نشرت روسيا أسلحة منع دخول المنطقة والأنظمة المضادة للطائرات والصواريخ
- نشرت القاذفات المقاتلة والصواريخ المضادة للسفن
- قدّر الروس أن إنشاء فقاعة بحرية جوية سيُتيح لهم تقييد حركة قوات الناتو في المنطقة وتحويل بحر البلطيق إلى بحيرةٍ روسية من جديد
- نجحت استراتيجيتهم لفترة إذ تحملت الدول المجاورة أسلوب اللعب الروسي الجديد
- الصراع في أوكرانيا قلب موازين المعادلة
كيف سينعكس انضمام السويد للناتو على البلطيق؟
انتاب السـويد وفنلندا شعورٌ بالقلق من عودة روسيا فأعلنتا ترشحهما لعضوية الناتو في مايو/أيار 2022، وتستطيع عضوية فنلندا في الناتو أن تسحق النفوذ الروسي داخل شبه جزيرة كولا.
- سيؤدي انضمام السـويد إلى سحق النفوذ الروسي في بحر البلطيق
- تُعتبر السـويد جزءاً من شبه الجزيرة الإسكندنافية لكنها تظل قوة كبرى في دول البلطيق
- تمتلك أكبر مجالٍ بحري في بحر البلطيق مع وصولٍ حر إلى بحر الشمال بفضل مدينة غوتنبرغ
- تساعد هذه العوامل في جعل السـويد الدولة الأهم استراتيجياً في البلطيق تقريباً
جزيرة غوتلاند درة التاج السـويدية
تمثل جزيرة غوتلاند درة التاج في الأراضي السـويدية حيث تقع على بعد 170 كيلومتراً جنوب ستوكهولم، وتشغل أقل من 1% من إجمالي مساحة أراضي السـويد لكن شواطئها الممتدة تجعلها موقعاً مثالياً للقواعد العسكرية، وتستقر غوتلاند في قلب بحر البلطيق على بُعد 250 كم فقط من القاعدة البحرية الروسية في كالينينغراد، ويضم بحر البلطيق العديد من نقاط الاختناق التي يمكنها إعاقة خطوط الاتصال الروسية لكن غوتلاند تحتل رأس القائمة.
- تستطيع السـويد – وحلف الناتو بالتبعية – تحويل الجزيرة إلى برج مراقبة للسيطرة على جزءٍ كبير من الحركة البرية والبحرية في محيطها
- فككت السـويد وحداتها على الجزيرة عام 2005 لكنها بدأت إعادة عسكرة الجزيرة الآن تمهيداً لانضمامها إلى الناتو رسمياً
- تجري حالياً زيادة حجم البنية التحتية وأعداد الأفراد والمعدات على الجزيرة
- تستهدف السـويد نشر 4,000 جندي جاهز للقتال داخل جزيرة غوتلاند بنهاية عام 2022
- تُعَدُّ غوتلاند محطةً قيّمة لربط الكابلات البحرية في بحر البلطيق
- ترتبط الدول المحيطة بمجموعة كابلات بحرية تحت الماء لتخدم اتصالات البيانات الرقمية مثل الإنترنت وحركة الشبكات الخاصة
- تمر العديد من اتصالات أعضاء الناتو عبر منشآت الكابلات الخاصة بغوتلاند بما في ذلك اتصالات وظائف القيادة والتحكم
يُمكن القول إن انضمام السـويد للناتو سيمنح التحالف عمقاً استراتيجياً داخل المنطقة التي كان الروس يهيمنون عليها في وقتٍ من الأوقات.
عسكرة جزيرة غوتلاند.. ضربة لروسيا
وتعد جزيرة غوتلاند أهم الأصول في بحر البلطيق. ولا شك أن الدولة التي ستسيطر عليها وتنشر أنظمتها المضادة للسفن فيها ستتمكن من صياغة شكل النشاط العسكري إقليمياً، وربما يأتي هذا التطور بسرعةٍ أكبر من أي مكان آخر، إن الجيش السـويدي مجهزٌ للتشغيل المتوافق مع قوات الناتو بالفعل، وبمجرد انضمام السـويد وفنلندا إلى الناتو ستصبح جميع الدول المشاطئة على بحر البلطيق جزءاً من التحالف نفسه ليصوبوا جميع أسلحتهم في وجه روسيا.
- ستجري عسكرة غوتلاند على وجه السرعة لتضع السـويد في قلب الخريطة الجيوسياسية لشمال أوروبا
- ستخسر روسيا تفوقها في العتاد والأفراد
- نطاق العمليات الروسية سيصبح مقيداً نتيجة انعدام حلفائها في بحر البلطيق
- تمتلك روسيا قواعدها العسكرية في بيلاروسيا بشرق أوروبا ولديها قواعد في أرمينيا بمنطقة القوقاز وقواعد كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان في آسيا الوسطى
- تقف موسكو بمفردها في بحر البلطيق وتحاوطها دول الناتو من جميع الجهات
وفي ظل انعدام الحلفاء لن تمتلك روسيا ما يكفي من الأعداد أو المساحة لمواصلة القتال، ناهيك عن أن حجم وحدات الجيش الروسي الجاهزة للقتال والوحدات المميكنة في شمال غرب روسيا منخفض نسبياً، ويرجع السبب إلى أن الكرملين أعطى الأولوية لاستخدام القوة الصلبة في منطقة القوقاز وعلى الحدود الأوكرانية وفي منطقة القطب الشمالي.
خطة السـويد عسكريا
- تخطط ستوكهولم لزيادة إنفاقها الدفاعي بنسبة 40% بين عامي 2021 و2025
- زيادة أعداد قوات جيشها من 60,000 إلى 90,000 جندي بحلول عام 2025
- طلبت عدة سفن وغواصات جديدة
- أعادت تنشيط قواعدها الجوية والبحرية السابقة
ولا شك أن هذه التطورات السريعة جديرة بالاهتمام لأن السـويد تُعَدُّ قوةً بحرية عميقة الجذور ولها تقاليدها البحرية التي ترجع أصولها لحقبة الفايكنغ، وحتى في يومنا هذا تمتلك السويد أكبر أسطولٍ في بحر البلطيق بإجمالي 164 سفينة مقابل 59 سفينة لروسيا.
ولا خلاف على أن الزوارق القتالية تشكل غالبية الأسطول السـويدي لكن حتى إذا استثنينا الزوارق من المعادلة فسنجد أن القدرات البحرية لروسيا والسـويد متقاربة بشدة.
إقرأ أيضاً:
فنلندا والسويد تفتحان الطريق لهيمنة الناتو على البلطيق
بايدن يدشن الحرب الباردة مع الصين في قمتي مجموعة السبع (G7) والناتو
هل تسير روسيا على طريق الهزيمة الاستراتيجية في حربها ضد أوكرانيا؟
قمة الناتو 2030 تطلق مواجهة مفتوحة بين الغرب والتحالف المضاد له