في أواخر صيف 2022، دمّرت الفيضانات باكستان بعد أمطار استمرت لشهور. وبحلول سبتمبر/أيلول، أصبحت ثلث أراضي البلاد تحت الماء بما في ذلك منطقة بعرض 100 كيلومتر مروراً بنهر السند في إقليم السند، لكن فيضانات باكستان ليست سوى الحلقة الأخيرة في سلسلةٍ من الكوارث، ومن المؤكد أن تدمير البنية التحتية وتدمير المحاصيل والأمراض التي تنقلها المياه ستزيد من تفاقم المشكلات القائمة مثل التضخم والأزمة المالية والاضطرابات السياسية.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو تفاصيل أزمة فيضانات باكستان في صيف 2022
مشكلة الترسيب في باكستان
- يُعتبر مهداً للحضارة ويرجع تاريخ الزراعة على ضفافه لـ 5,000 عام
- غالبية سكان جنوب بـاكستان يعيشون بالقرب منه حتى يومنا هذا
- ينبع نهر السند من أنهار الهيمالايا الجليدية قبل أن يصب في بحر العرب و
- صل حجم تدفقاته السنوية إلى نحو 79 مليار متر مكعب أي ما يعادل نصف حجم مياه البحر الميت
- يجري حجز نحو 13% من هذه المياه عند سد تاربيلا أكبر سد مملوء في العالم
- تؤدي الاستفادة من نهر السند إلى توفير الطاقة الكهرومائية والمساعدة في الري وتخفيف الفيضانات
- المشكلة المستعصية تكمن في ذوبان الأنهار الجليدية التي تمثل تسعة أعشار تدفقات النهر مما يتسبب في ترسيبٍ واسع النطاق
- تؤدي الأنهار الجليدية القوية في شمال بـاكستان إلى سحق الصخور أثناء اندفاعها
- إنتاج كميات رواسب كبيرة يحملها التيار في اتجاه مصب النهر المنحدر بشدة
- الراوسب تستقر عند سد تاربيلا الذي انخفضت سعته بمرور الوقت من 12 مليار متر مكعب إلى 7.8 مليار متر مكعب فضلاً عن تدهور سلامة هيكله
الزراعة في إقليم السند
تعتمد ثلثا أراضي الإقليم على الزراعة لكسب الرزق، حيث إن إنتاج 100 مليون طن من السلع الزراعية سنوياً يمثل مصدراً مهماً لإيرادات الصادرات، لكن إخلاء الأراضي المطلة على النهر يؤدي لخفض قدرة التربة على امتصاص الأمطار الموسمية، كما يزيد من فيض الأمطار الجارية مما يُفاقم مشكلة الترسيب أكثر، ولهذا سيكون أي حل لمشكلات إدارة المياه البـاكستانية مؤقتاً. فما هذه الحلول؟
سد ديامير بهاشا
تتضمن إحدى الحلول المقترحة سد ديامير بهاشا في منطقة كشمير الخاضعة لحكم بـاكستان الذي ستصل سعته إلى 10.5 مليار متر مكعب.
- أدّت النزاعات الإقليمية مع الهند على كشمير إلى ردع المستثمرين لسنوات
- إسلام آباد وقعت عقوداً بقيمة 2.7 مليار دولار لبناء السد مع شركات صينية في 2020
- سيؤدي المشروع بعد إتمامه إلى تمديد دورة حياة سد تاربيلا لمدة 35 عاماً فقط قبل أن تعاود الطبيعة ضرباتها الموجهة إلى الهياكل الاصطناعية
- ستظل بـاكستان مضطرةً لمواصلة تأجيل مواجهة الكارثة بالاستمرار في بناء هياكل بنية تحتية جديدة للأنهار للأبد
أسوأ فيضانات باكستان عبر التاريخ
إن مشكلة الترسيب لا حل لها. وتصادفت هذه المشكلات مع أحداث الطقس قصيرة المدى لتُكوّن سلسلةً من الأسوأ في التاريخ لفيضانات باكستان في عام 2022.
- ضربت موجات الحر البلاد في أبريل/نيسان متسببةً في تجاوز الحرارة لـ40 درجة مئوية لفترات مطولة
- أسفرت الحرارة عن حريق غابات في شيراني التهم أكثر من 65,000 ألف فدان من الأراضي
- أدى الرماد والدخان إلى تعتيم الأنهار الجليدية وجعلها تمتص المزيد من ضوء الشمس
- ذوبان 7,200 قطعة جليد في الشمال بوتيرةٍ غير مسبوقة
- حمل الهواء الأكثر دفئاً معدلات رطوبة أكبر واجتمع مع درجات حرارة السطح الباردة في بحر العرب
- ازدياد متوسط هطول الأمطار السنوي في بلوشستان والسند بما يتراوح بين خمسة وثمانية أضعاف
- أدى التوسع في البناء العقاري غير القانوني على السهول الفيضانية إلى تعريض المجتمعات البـاكستانية لمخاطر الفيضانات
خسائر فيضانات باكستان
- خسارة أربعة أخماس محاصيل الأرز و70% من محاصيل القطن
- نفوق مليون رأس ماشية بإقليم بلوشستان
- دمّرت فيضانات باكستان أكثر من 18,000 مدرسة (بـاكستان كانت تواجه أزمة تعليمٍ تسببت في عدم التحاق أكثر من 23 مليون طفل بالمدارس)
- يُقدر إجمالي الخسائر الناتجة عن فيضانات باكستان بـ40 مليار دولار أي ما يُعادل عُشر الناتج المحلي الإجمالي لبـاكستان.
- وصلت خسائر عائدات التصدير السنوية حتى الآن إلى 22 مليار دولار
- تسببت فيضانات باكستان في تقويض إمدادات بـاكستان الغذائية.
وكشف استطلاعٌ للتغذية الوطنية عام 2018 أن 37% من البـاكستانيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وينفق المواطن نصف أجره على الطعام في المتوسط مما يجعلهم عرضةً لخطر تقلبات الأسعار ونقص المعروض، ولهذا يعتمد العديد من البـاكستانيين الريفيين على محاصيل الكفاف.
- إسلام آباد لا تزال بحاجة لاستيراد 500 ألف طن من القمح مما يستنفد احتياطياتها المحدودة من النقد الأجنبي
- رفع أسعار السلع الغذائية بنسبة 500% محلياً مما زاد التضخم ووسّع نطاق الأزمة لتشمل القطاعات الاقتصادية الأخرى
لم تنجح جهود رفع الحد الأدنى للأجور لأن ثلاثة أرباع البـاكستانيين يعملون بصفةٍ غير رسمية، ولهذا تُقلِّص المصانع إنتاجها تحسباً لتراجع المبيعات.
وتُضاف كل هذه المشكلات إلى أزمة الدين الجارية، حيث يُقدّر حجم الدين بثلاثة أرباع الناتج المحلي الإجمالي.
- بدأت بـاكستان في الاقتراض من صندوق النقد الدولي منذ عام 2019
- حصلت على قرضٍ ثانٍ في يناير/كانون الثاني عام 2022 بشرط أن تفرض إسلام آباد الضرائب التنازلية وتخفض الدعم على الوقود
- الاستياء الشعبي زاد بحلول مارس/آذار ودفع برئيس الوزراء السابق عمران خان لإعادة الدعم
- خلق توترات بين خان وبين الجيش الذي أراد أن يظل عند حسن ظن صندوق النقد الدولي
- جرت الإطاحة بخان في تصويتٍ لحجب الثقة
- سارع خليفته شهباز شريف إلى سحب الدعم وفرض الضرائب
- ازدياد أسعار المنتجات البترولية بمقدار الثلثين ورفع أسعار الكهرباء بمقدار النصف
- وصول معدل التضخم لـ27% وهو أعلى معدل مسجل منذ 40 عاماً
- انخفضت دخول الأسر الفقيرة بمقدار الخمسين ولم يعد أمامها حلٌ سوى الدفع بأطفالها إلى سوق العمل أو أخذ قروض رواتب بمعدلات فائدة افتراسية
أمراض وأوبئة ما بعد فيضانات باكستان
إن الانتعاشة الاقتصادية ستُعرقلها حقيقة أن انحسار مياه فيضانات باكستان ربما يستغرق ستة أشهر. بينما تنتشر الأمراض التي تنتقل عبر المياه.
- شهدت البلاد ارتفاعاً في حالات النزلات المعوية والزحار والالتهاب الكبدي والملاريا
- تسجيل أكثر من 300 حالة وفاة حتى الآن
- أكثر من 3 ملايين طفل معرضين للإصابة بالأمراض الخطيرة
إن هذه الظروف القاسية أدّت إلى إذكاء الاضطرابات السياسية والاستقطاب والتشدد، حيث واصل عمران خان إقامة التجمعات الحاشدة حتى بعد الإطاحة به. واستغل الاستياء السياسي للفوز بعدة انتخابات محلية، وحافظ على هذا الزخم برغم المشكلات القانونية المتواصلة.
ولا شك أن حكومة شريف ستعاني للرد على انتقاداته نظراً لحال الدول البـاكستانية العاجزة، لكن المعارضة لا تقتصر على البرلمان أيضاً إذ تتواصل هجمات المسلحين رغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته الحكومة مع حركة طالبان البـاكستانية، ويخشى البعض من أن الحركة تستخدم الوكلاء لشن الهجمات حتى تتمكن من إنكار مسؤوليتها بصورةٍ مقنعة، علاوةً على استمرار هجمات تنظيم الدولة (داعش) ضد الجنود في إقليم خيبر بختونخوا.
قلق شركاء باكستان الدوليين
يعد عدم الاستقرار مقلقاً لشركاء بـاكستان الدوليين وخاصةً الصين، فبعيداً عن التزامات صندوق النقد الدولي تدين بـاكستان بأكثر من مليار دولار للشركات الصينية في صفقات مرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني البـاكستاني، وافقت بـاكستان مؤخراً على دفع 200 مليون دولار لمحطات الطاقة الصينية في سبتمبر/أيلول حتى تتجنّب التخلّف عن السداد، لكن الالتزامات المالية البـاكستانية للصين أحدثت توترات مع صندوق النقد الدولي الذي يخشى من أن عملية السداد للشركات الصينية لن تكون مستدامةً على المدى البعيد.
وأصبح موقف التزامات الديون البـاكستانية عالقاً بين الصين وبين صندوق النقد الدولي دون أن تتبقى لها أي خيارات تفاوض جيدة، وتمثل كل هذه العوامل عاصفةً مثالية لكن انبعاثات الكربون التاريخية من الغرب فاقمتها أكثر بعد أن تحولت إلى حربةٍ لمشاعر مناهضة الغرب ومناهضة صندوق النقد الدولي، وتشكل باكستان اليوم أقل من 1% من الانبعاثات العالمية.
لكن المطالبات بالتعويض عن الضرر لن تلق آذاناً صاغية. والأرجح هو أن إسلام آباد ستضطر للاكتفاء بالمساعدات الخارجية مع أن التعهد بتخصيص 500 مليون دولار لإعادة الإعمار ليس سوى غيضٍ من فيض في فاتورة إعادة الإعمار المقدرة بـ40 مليار دولار.