تقع الإمارات في منتصف الطريق بين أكبر اقتصادين في العالم، وتتمتع بثروةٍ ضخمة واحتياطيات كبيرة من الهيدروكربونات. كما تعتمد على نموذج حكم علماني متسامحةٌ نسبياً مع الأديان الأخرى بعكس العديد من جيرانها.
واليوم، خفضت الإمارات اعتمادها على الهيدروكربونات إلى 30% فقط من ناتجها المحلي الإجمالي.
وظهرت صناعات جديدة مثل التطوير العقاري،والسياحة، والخدمات اللوجستية، والنقل. وعاماً تلو الآخر جذبت الإمارات معدلات قياسية من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويُعد انضمام أبوظبي إلى تحالف بريكس مؤخراً خير شاهد على تلك السياسة الطموحة، لكن المرء لا يستطيع اللعب مع الكبار دون أن يكتسب القليل من الأعداء.
منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تشرح لكم في هذا الفيديو كيف تزدهر الإمارات وسط عالمٍ محفوف بالمخاطر
كيف بدأ تاريخ الإمارات؟
يُمكن وصف تاريخ الإمارات بأنه عبارة عن حكاية تطور. فبعد رحيل البريطانيين في القرن العشرين، شكّل القادة المحليون بزعامة عائلة آل نهيان اتحاداً يجمع العائلات الملكية، وكانت هذه هي لحظة ميلاد دولةٍ جديدة تستعد لمواجهة تعقيدات السياسات الإقليمية والاقتصاد العالمي.
ثم جاء اكتشاف النفط ليجلب معه ثروةً غير مسبوقةٍ، ما دفع الإمارات إلى الساحة العالمية لتصبح طرفاً رئيسياً في قطاع الطاقة، ويأتي الرئيس محمد بن زايد على رأس الترتيب الهرمي، ويصوغ بن زايد السياسة الوطنية بصفته رئيساً للبلاد.
- تحتفظ كل من العائلات السبع الأخرى بالسلطة السياسية داخل إمارتها الخاصة
- يعمل نظام الرئاسة بشكلٍ يُشبه الملكية الانتخابية
- تُدلي العائلات الملكية بأصواتها لاختيار الرئيس
- التفاهم بالإجماع في السنوات الأخيرة نص على ضرورة أن تظل الرئاسة لدى آل نهيان
- ترجع أصول هذا التقليد إلى كبير العائلة الذي تزعم جهود الوحدة بعد خروج بريطانيا
وتحتفظ الإمارات بوضعها المستقر وسط منطقةٍ تشوبها الاضطرابات في كثيرٍ من الأحيان. وحظيت هذه المرونة بأهمية متزايدة عام 2022 مع صعود بن زايد إلى الرئاسة، إذ أدرك أن الاستقرار هو حجر أساس الإمارات.
- بدأ يعمل بشكلٍ نشط لمنع النزاعات العائلية من زعزعة استقرار الدولة
- هو يحكم بالتعاون مع أشقائه الخمسة الذين اختاروا نجله كخليفةٍ له بالإجماع
- تقضي هذه الاستراتيجية على أي تحديات داخلية لسلطته
- تضمن الانتقال السلس للسلطة
المناخ.. العائق الأكبر للإمارات
لكن أكبر خصوم الإمارات يتمثل في المناخ وليس البشر، إذ تشكل أراضيها الصالحة للزراعة أقل من 1% من مساحتها، ولا تمتلك البلاد بحيرة أو نهراً واحداً للمياه العذبة. وأدت هذه الظروف البيئية الجدباء تاريخياً إلى تقييد سُكنى البشر على نطاق واسع، ومن المؤكد أن هذه الجغرافيا ستعني حكماً بالفقر على غالبية الدول لكن الإماراتيين وجدوا طرقاً للتغلب على ذلك، ولا شك أنهم استفادوا بوجود كنز دفين من احتياطيات النفط والغاز قبالة سواحلهم مباشرةً.
- تُعد الإمارات من كبار منتجي الوقود الأحفوري وتستحوذ على 6% من احتياطيات النفط العالمية.
- تحتل المرتبة السابعة من حيث احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة
- يُمثل النفط الخام تحديداً مصدر دخل البلاد الأول مشكلا 30% من ناتجها المحلي الإجمالي
لكن النفط الذي بنى الثروة الإماراتية يظل من الموارد المحدودة في النهاية. وقد أدركت الحكومة هذا الواقع منذ البداية.لهذا تركز السياسة الوطنية الإماراتية على تقليل اعتماد البلاد على عائدات الهيدروكربونات واستثمار مليارات الدولارات في صناديق الثروة السيادية والصناعات التي تتنوع من السياحة إلى المصارف.
تنوع طرق التجارة البحرية
وسنجد أن موقع الإمارات يلعب دوراً فارقاً عند الحديث عن تنويع الاقتصاد، إذ تمتد حدودها بطول الخليج العربي وبحر العرب.وتفتح سواحلها الممتدة الباب أمام طرق التجارة البحرية الحيوية وحوّلها هذا الموقع المتميز إلى واحدة من القوى البحرية.
- برز ميناء جبل علي كواحدٍ من أكثر موانئ الحاويات ازدحاماً في العالم.
ونجحت الإمارات كذلك في تثبيت أقدامها كمركز رئيسي للسفر الجوي، انطلاقاً من حرصها على استغلال كل الفرص.
- ارتقت دبي تحديداً إلى آفاقٍ جديدة حيث تستضيف أحد أكثر مطارات العالم ازدحاماً برحلات السفر الدولي.
- تحولت شركة طيران الإمارات إلى واحدة من أكبر شركات الطيران العالمية.
وبفضل هذا المزيج من الاتصال البحري والجوي بالإضافة إلى السياسات الصديقة للشركات مثل الضرائب المنخفضة والبيروقراطية الفعالة، تحوّلت الإمارات إلى مركزٍ مالي.
- صارت تُلقَّب بمانهاتن الشرق الأوسط.
ومع ذلك، يتعيّن على الدولة أن تصعد على أكتاف قوتها العاملة لبناء إمبراطورية كهذه، لكن عدد مواطني الإمارات يُعد صغيراً جداً لإنجاح مشروع تنويع اقتصادي مُوسَّعٍ كهذا، وقد عالج الإماراتيون ذلك بالاستيراد إذ تُغري الإمارات العمالة من جنوب وجنوب شرق آسيا بالأجور التنافسية، التي يمكنهم استخدامها لإعالة أسرهم في أوطانهم، وبين عام 2003 ومنتصف العقد الثاني من القرن الـ21، ارتفعت أعداد العمالة الوافدة بنسبة مذهلةٍ بلغت 325%.
وربما يبدو هذا الحل مبتكراً لعلاج أوجه القصور السكانية، لكن العمل لن يمنحك جنسية البلاد، وحتى عام 2024 لم يشكل المواطنون الإماراتيون سوى نسبةٍ ضئيلة من إجمالي السكان، إذ لا يمثل الإماراتيون سوى نحو 1.1 مليون نسمة من إجمالي السكان البالغ عددهم 9.3 مليون نسمة.
بينما تشكل العمالة الأجنبية بقية السكان، وقد يمثل هذا الأمر مشكلةً في المستقبل، كما يجعل الإمارات دولةً أكثر من كونها أمةً وشعباً، أي إن الإماراتيين لا يمتلكون عمقاً استراتيجياً ولا مجالاً للخطأ، كما كان حال إمبراطورية البندقية، ومع ذلك، تجني الإمارات الآن ثمار عملية التنويع الاقتصادي المطولة.
- نمى الاقتصاد إجمالاً بنسبة 3.7% خلال النصف الأول من العام، مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2022
- مع استبعاد الصناعات المرتبطة بالنفط من المعادلة سنجد أن معدل النمو بلغ نسبةً مذهلة تُقدر بـ5.9%
- تدل هذه الأرقام على أن اقتصاد أبوظبي المرن سيزدهر في مستقبلٍ بلا وقودٍ أحفوري
“كل شيء مباح“.. السياسة الخارجية لإمارات بن زايد
وفي خضم السعي لتحقيق الازدهار، يجب إدراك أن السياسة الخارجية مهمةٌ بقدر الداخلية، إذ يرتكز نهج “كل شيءٍ مباح” الذي تتبعه الإمارات على فلسفة براغماتية، وتُعطي تلك الفلسفة الأولوية للنمو الاقتصادي بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو المعتقدات، وحوّلت سياسة “كل شيء مباح” الإمارات إلى ملاذٍ للمنبوذين والمنعزلين حيث لم تفرض أبوظبي العقوبات على روسيا مثلاً، وعززت بذلك تجارتها الثنائية مع موسكو لتقدم نفسها كوسيط في صفقات تبادل السجناء.
وتجدر الإشارة في هذه المرحلة إلى أن موقع الإمارات الاستراتيجي يمثل سلاحاً ذا حدين. حيث تقع الإمارات في واحدةٍ من أكثر مناطق العالم تقلباً وهي معرضة للصراعات طوال الوقت، لكن سياسة “كل شيء مباح” ساعدت أبوظبي على اجتياز هذه المخاطر، إذ تعاونت القيادة الإماراتية بهدوء وعناية مع السعودية وإيران، واحتفظت بالحياد في الصراعات الإقليمية.
كما تتمتع الإمارات بتحالف استراتيجي مع جارتيها الوحيدتين: السعودية وعمان، علاوةً على أنها متحالفة معهما بالإضافة إلى البحرين والكويت وقطر لتشكيل مجلس التعاون الخليجي، ويسعى الإماراتيون للحفاظ على السلام في محيطهم المباشر عبر تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون الأمني بين أعضاء المجلس.
ويُمكن القول إن النهج الإماراتي في إدارة شؤون الدولة يمنح الحكومة الفيدرالية مرونةً كبيرة في صنع القرار، وتستطيع أبوظبي -بفضل قلة مواطنيها- أن تطبق السياسات دون الحاجة لتلبية رغبات عددٍ كبير من السكان المنقسمين.
وبهذا يمكن للحكومة الفيدرالية التركيز بالكامل على شؤون الجغرافيا السياسية دون تحيزات، بفضل مسؤولياتها المحدودة، وهذا هو ما يميز الإمارات ويُتيح لها ممارسة سياسات لا يمكن الدفاع عنها داخل دول لديها التزامات محلية أكبر.
أحلام كبيرة.. سياسة جديدة حاسمة
لكن أبوظبي بدأت تطارد أحلاماً أكبر في السنوات الأخيرة. إذ تحوّلت القيادة الإماراتية من سياستها الحذرة إلى سياسةٍ حاسمة، ولم تعد الإمارات مكتفيةً بأسلوب اللعب الآمن، بل صارت تتطلع لتقديم نفسها بصفتها القوة الاقتصادية والدبلوماسية الأولى في الشرق الأوسط، وتعتمد المرحلة الأولى في خطة أبوظبي على التحول إلى دولةٍ رائدة في الطاقة المتجددة وذلك عبر الاستثمار في مشروعات الطاقة النووية والشمسية فضلاً عن تقنيات تخزين الكربون التي ستطيل عمر صناعتها النفطية.
- جاءت استضافة الإمارات لقمة المناخ كوب 28 لتكشف عن هذا الهدف أمام العالم
- جاءت استضافة القمة كخطوةٍ استراتيجية جزئية لتحسين صورة البلاد وتحويلها من دولةٍ بترولية إلى صورةٍ تعكس طبيعة مدنها الأنيقة والحديثة والنظيفة
- لتعزيز نفوذها الاقتصادي أكثر تُقيم أبوظبي شراكات تجارية مع الأسواق الحيوية في آسيا
- أبرم الإماراتيون اتفاقيات تجارة مع الهند وإندونيسيا
- ستخرج المشروعات مع ماليزيا وتايلاند للنور قريباً
- أكبر إنجازٍ لها يتمثل في انضمامها إلى تحالف بريكس عام 2024
- تعزز هذه الخطوة مكانة الإمارات إلى جانب القوى الصاعدة في النظام العالمي
- تمنحها مجالاً لإبرام ترتيبات تجارية إضافية مع مجموعة من أسرع الاقتصادات نمواً
لكن أي اقتصادٍ في الشرق الأوسط سيظل بحاجةٍ إلى درع حمايةٍ مهما كانت قوته، ولهذا تلعب الإمارات دوراً نشطاً في السياسات الإقليمية وليس الغرض هو مجرد ممارسة قوتها الصلبة فحسب بل يأتي ذلك كردٍ على الديناميكيات الإقليمية المتغيرة.
ومثّلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، التي شارك فيها إماراتيان، نقطة التحوُّل هنا إذ أدركت أبوظبي أن تقاعسها الإقليمي جعلها عرضةً لخطر الأطراف الأجنبية والجماعات الإسلامية، واستجاب الإماراتيون لذلك بتغيير تكتيكاتهم وشنوا هجومهم لتحطيم الإسلام السياسي داخل حدودهم وفي كافة أرجاء الشرق الأوسط.
- تحمل أبوظبي عداءً خاصاً لجماعة الإخوان المسلمين التي يتهمها المسؤولون الإماراتيون بإشعال الربيع العربي.
- إن قبضة أبوظبي الحديدية تضرب أينما ظهر نبعٌ للإخوان في المنطقة.
- يتجلى أبرز مثالٍ على ذلك عند انتخاب مصر بحريةٍ لرئيسها المرتبط بجماعة الإخوان. حيث رعت الإمارات الانقلاب العسكري الذي أطاح به من السلطة لكن هذه السياسة المتشددة تتجاوز حدود الدفاع
- دخلت الإمارات في خلافٍ مع قطر، التي ترعى سياسةً معاكسة وتدعم الإسلام السياسي بنشاط
- جاء حصار قطر بواسطة السعودية والإمارات والبحرين ومصر في عام 2017 بهدف تغيير ميول قطر الإقليمية
- الحصار فشل في النهاية تاركاً قطر ككيانٍ غير منحاز وسط توترات الشرق الأوسط المتصاعدة
علاقات الإمارات مع القوى العالمية
ومع ذلك فإن صعود سلم النظام العالمي يستوجب اللعب مع الكبار. وسنجد أن الإماراتيين يلعبون على جميع الأوتار فيما يتعلق بالقوى الكبرى، حيث عززت الإمارات علاقاتها مع كافة القوى الكبرى بالموازنة بين احتياجات الأمن الإقليمية وبين الشراكات العالمية.
وتتمتع الإمارات بعلاقات اقتصادية، وتقنية، وأمنية قوية مع الصين، كما تنظر أبوظبي إلى العلاقات الأقوى مع واشنطن باعتبارها ترياقاً للاضطرابات السياسية الإقليمية، وتدعم الإمارات بشكلٍ نشط المبادرات الأمريكية، من أفغانستان وحتى التدخل الليبي، بهدف كسب تأييد واشنطن، وهذا يجعل من أبوظبي حليفاً ثابتاً في الشؤون الإقليمية. وتتطلع الإمارات في المقابل إلى تعاون أمني ثنائي مع الولايات المتحدة.
- وقع البلدان عام 2017 على اتفاق دفاعي أمريكي إماراتي نظَّم الاتفاقات السابقة ومهّد طريق التعاون في المستقبل
- منذ توقيع الاتفاق، عرضت الولايات المتحدة مبيعات أسلحة تتضمن صفقة بقيمة 23 مليار دولار في عام 2020
- تشمل طائرات مسيّرة ومقاتلات من طراز إف-35
لكن العلاقة ما تزال متأرجحةً رغم أن الاتفاق قرّب أبوظبي من واشنطن، وبعد مضي 3 سنوات سنجد أن الـ50 مقاتلة من طراز إف-35، والـ18 مسيّرة من طراز ريبر، والمجموعة المتنوعة من الذخائر المتقدمة، لم تغادر الأراضي الأمريكية بعد، إذ جاء صعود جو بايدن للرئاسة مصحوباً بنهجٍ أكثر حذراً في التعامل مع الإمارات.
ويخشى بايدن من العلاقات الأمنية والاقتصادية القوية للإمارات مع الصين والتي قد تؤدي إلى وقوع التقنيات العسكرية المهمة في أيدي الصينيين، ورغم ذلك، ما تزال أبوظبي عازمةً على متابعة الاتفاقيات الأمنية مع واشنطن إذ تعني العلاقات الأقوى مع أمريكا إبرام صفقات أسلحةٍ وأمن.
وفي المقابل، تعني صفقات الأسلحة والأمن امتلاك اليد العليا ضد التهديد الرئيسي للإمارات: إيران
- تنظر أبوظبي لإيران باعتبارها قوةً تُزعزع الاستقرار ولا يُمكن توقع تصرفاتها
- تمتد شبكة وكلاء طهران من حزب الله وصولاً إلى الحوثيين
- تتحالف مع القوى نفسها التي تعارضها الإمارات
- كانت هذه الخلفية الجيوسياسية تمهيداً لتدخل الإمارات في اليمن عام 2015
- تحركت أبوظبي للقضاء على الحوثيين المدعومين من إيران ضمن تحالفٍ عربي
لكن الإمارات ألحقت الضرر بنفسها حين دعمت جماعةً انفصالية بدلاً من الحكومة التي تدعمها السعودية، وأدى هذا إلى انقسام التحالف وتخفيف الضغط على الحوثيين بدرجةٍ كبيرة ما دفع الإمارات إلى تقليص مشاركتها في عام 2022 بعد أن أدركت أنها تساعد الوكلاء الإيرانيين ليس إلا.
ولكن، وتأكيداً على المعنى الحقيقي للبراغماتية ورغم التوترات الثنائية تحافظ الإمارات على علاقاتها التجارية والدبلوماسية مع إيران التي تمثُّل تحوُّطاً استراتيجياً أكثر من كونها صداقةً راسخة.
اتفاقيات أبراهام
ولحسن حظ الإمارات أنها لا تُبحر وحيدةً في بحر المخاوف الإيرانية، إذ تشاركها دول إقليمية مثل السعودية، والبحرين، وإسرائيل في التخوف الجماعي من مواقف إيران المغامرة وطموحاتها النووية، ولأن أمريكا لم تعد أداةً يُعتمد عليها في احتواء المخاطر وجدت القوى الإقليمية ضرورةً متزايدة لتشكيل تحالفات محلية في المقابل.
ومن هنا ظهرت اتفاقيات أبراهام عام 2020 كواحةٍ نادرةٍ من نوعها.
- طبّعت العلاقات بين الإمارات والبحرين وإسرائيل للمرة الأولى
- أدى هذا إلى وضع الإمارات في طليعة الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط
- مهّد الطريق أمام تعاونٍ أمني أفضل ضد إيران
وهنا تتجلى نقاط الأفضلية المميزة لأسلوب الحكم الإماراتي، إذ إن التركيز على الواقعية السياسية يُتيح تشكيل تحالفات براغماتية لا تخضع لقيود المظالم التاريخية، لكن الصراع المحتدم في غزة يلوح في الأفق كسبب إفساد محتمل لهذا الاتحاد حديث العهد، ولم تسحب الإمارات سفيرها مثل العديد من الدول العربية لكن الرؤية الإسرائيلية لغزة ما بعد الحرب ربما تثير المشكلات.
إذ ربما تميل تل أبيب إلى نموذجٍ يشبه الضفة الغربية بحيث تُوجد سلطات مُعيّنة لإدارة الشؤون المدنية، بينما تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية، لكن القيادة الإماراتية المعارضة لحماس بشدة تُفضل حل الدولتين، وتتصور تولية المسؤولية في غزة لمحمد دحلان، رئيس الأمن السابق. ويعكس هذا الموقف المشاعر السائدة بين الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل.
وبغض النظر عن مآلات الأمور، سيظل تطبيع العلاقات مع العالم العربي الأوسع هو الضمانة الأولى لأمن إسرائيل على المدى البعيد، وصار التواصل مع حلفاء جدد أمراً شديد الأهمية منذ ظهور الخلافات مع السعودية المجاورة وتُسلّط المنافسة السعودية-الإماراتية الضوء على السعي للهيمنة على قطاعات رئيسية مثل السياحة، والتجارة، وحتى استكشاف الفضاء.
وتمثل هذه الأمور منافسةً اقتصادية أكثر من كونها قطيعةً دبلوماسية لكن اليقظة تظل واجبة. لأن ارتكاب زلات قليلة في عالم الجغرافيا السياسية يكفي لتحويل أعز أصدقائك إلى ألد أعدائك، وعند الحديث عن القوى العالمية الكبرى سنجد أن محاولة إرضاء الكل قد تعني المخاطرة بتنفير الجميع.
ويتمثّل هدف بن زايد النهائي في إقامة ترتيب أمني على غرار الناتو مع واشنطن. لكن ارتباطاته القوية مع الصين تزيد الأمور تعقيداً دون شك، إذ تشعر واشنطن بقلق خاص حيال استثمارات بكين في الموانئ وشبكة الجيل الخامس تحديداً ولا يزال كلا الجانبين متمسكاً بموقفه.
وربما ينتظر بن زايد نتيجة الانتخابات الأمريكية لعام 2024 قبل اتخاذ تحركات حاسمة، وإذا سعى بن زايد إلى علاقات أعمق مع الولايات المتحدة فسيتطلب هذا تقليصاً كبيراً لعلاقات الإمارات مع الصين. لكن خطوةً كهذه ستمثل مقامرة إذ يتطلب التحالف الوثيق مع واشنطن تقديم التزامات أمريكية ثابتة بدعم المصالح الإماراتية.
- قد يأتي التحالف مع أمريكا بنتائج عكسية في غياب تلك الضمانات
- قد يُجرِّد الإمارات من ترسانتها الدبلوماسية الثمينة
- تأرجح الشراكة الإماراتية بين الولايات المتحدة والصين ربما يُقنع تلك القوى الكبرى بالبحث عن حلفاء أكثر موثوقية
وليس هناك نقص في البدائل المتاحة بوجود دولٍ مثل السعودية وقطر. فضلاً عن أن توجه أبوظبي الحازم الجديد يعني أنها قد دخلت حلبة الشرق الأوسط ولم تعُد جالسةً في مقاعد المتفرجين أي إنها ستواجه التداعيات المباشرة لمشاركتها الإقليمية، ومع كل توجه دبلوماسي وتحدٍ داخلي، تجد الإمارات نفسها تسير على خيطٍ رفيع يتراوح بين كونها قوةً صاعدةً وقنبلة موقوتة.
إقرأ أيضاً:
✚ السعودية والإمارات تتوغلان في سوق “المعادن الحرجة”
✚ شراكة استراتيجية بين الإمارات وإيطاليا تعزز بدائل التجارة والدفاع
✚ اتفاق الهند والإمارات لتشغيل “الممر الاقتصادي”.. لماذا تهتم نيودلهي بمنطقة الخليج؟
✚ الاتفاقية الأمنية بين أمريكا والبحرين تمهد لأخرى مع السعودية والإمارات