الحدث
• أكد المتحدث العسكري في مالي يوم الخميس، السادس من يناير/ كانون الثاني 2022، وصول قوات روسية إلى بلاده، من أجل تقديم الدعم القتالي للقوات المسلحة المالية، وكانت عدة تقارير قد كشفت عن تواجد مجموعة فاجنر العسكرية بين القوات الروسية المتواجدة في مالي، بعد أن وقعت اشتباكات بين المجموعة وجماعات مسلحة في وسط مالي مطلع العام الجاري. حيث يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق من تواجد مجموعة فاجنر في مالي وفي مقدمته فرنسا التي أرسلت تحذيرات في أكثر من مناسبة للحكومة المالية بعدم السماح لمجموعة فاجنر بالتواجد على أراضيها، في حين تنفي السلطات المالية باستمرار عقد أي اتفاق مع مجموعة فاجنر.
• بالرغم من الروابط التاريخية بين فرنسا ومالي التي كانت إحدى المستعمرات الفرنسية القديمة، ومع ذلك توترت العلاقات بين الجانبين في السنوات الأخيرة على خلفية إخفاق فرنسا في تحقيق نجاحات ملموسة في عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلحة المنتشرة في مالي، فضلا عن شكوك حول دعم القوات الفرنسية للحركات الانفصالية وتأجيج الصراعات العرقية، والتي أدت إلى تزايد مشاعر الاستياء لدى غالبية الماليين تجاه القوات الفرنسية.
التحليل
- ساهمت الانقلابات العسكرية المتكررة التي شهدتها مالي في العامين الماضيين في تدهور العلاقات بين مالي وفرنسا، حيث رأت الأخيرة الانقلاب العسكري على الحكومة الانتقالية في مايو 2021 كمحاولة من المجلس العسكري المالي لتعطيل الانتقال الديمقراطي والاستيلاء على السلطة؛ مما دفع فرنسا للإعلان عن تقليص وجودها العسكري وإغلاق قواعدها العسكرية في شمال مالي، في إطار خطتها لإعادة انتشار قواتها في منطقة الساحل الأفريقي*. وتنظر فرنسا إلى تعاقد المجلس العسكري الحاكم في مالي مع مجموعة فاجنر العسكرية على أنه امتداد لمحاولات روسيا المستمرة لمزاحمة نفوذ فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى تخوف فرنسا من أن يمنح التواجد العسكري الروسي في مالي فرصة للجماعات المسلحة لاستعادة شعبيتها وتعزيز نفوذها، والذي يمكن أن يتسبب في زعزعة استقرار منطقة الساحل الأفريقي وتهديد المصالح الفرنسية.
- على الجانب الآخر، سعت روسيا خلال العقد الاخير إلى تعزيز مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في أفريقيا؛ واستعادة نفوذها في القارة الذي تضاءل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وتعتمد الاستراتيجية الروسية في أفريقيا على الدبلوماسية العسكرية، في حين أن الاستثمارات والروابط التجارية بين روسيا وأفريقيا تظل محدودة، إذ لا يتخطى حجم التجارة الروسية مع دول إفريقيا جنوب الصحراء** عُشر حجم التجارة الصينية وربع حجم التجارة الأمريكية مع نفس الدول. وعلى العكس من الولايات المتحدة الأمريكية التي تربط مبيعات أسلحتها بالأوضاع الحقوقية، تُقدم روسيا دعمها العسكري لعديد من الدول الأفريقية التي تعاني من حروب أهلية أو يسيطر على الحكم فيها أنظمة عسكرية متهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وبرزت روسيا كمورد رئيسي للأسلحة للقارة الإفريقية في السنوات الأخيرة، حيث تأتي في المرتبة الأولى كأكبر مصدر لدول أفريقيا جنوب الصحراء، وبلغت مبيعات أسلحتها في 2020 مليار ونصف المليار دولار.
- لا يبدو أن فرنسا ستتخلى بأي حال عن تواجدها في مالي الغنية بالموارد الطبيعية، فبجانب مصالح فرنسا الاقتصادية، هناك مصالح استراتيجية تتمثل في مواجهة الجماعات المسلحة في مالي ومنطقة الساحل الأفريقي، وسيكون من المرجح أن تواصل فرنسا جهودها الساعية لفرض عزلة دولية على المجلس العسكري المالي، مثلما دفعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إلى فرض عقوبات قاسية على مالي. في حين يأتي التواجد الروسي في مالي ضمن خطوات أخرى مماثلة في ليبيا وتشاد، ومساعي لم تكلل بالنجاح بعد لتواجد طويل الأجل في السودان، لن تتوقف روسيا عن الاستمرار في ترسيخ نفوذها في منطقة الساحل الأفريقي وملء أي فراغ تتركه فرنسا خلفها في المنطقة. وفي سياق متصل، سيواصل المجلس العسكري المالي السياسة التي كانت تقوم بها كثير من الدول الأفريقية في فترة الحرب الباردة، حيث سيستغل المنافسة الموجودة بين روسيا وفرنسا لتحقيق مكاسب من الطرفين.
* منطقة الساحل الأفريقي تمتد عبر شمال القارة الأفريقية بين المحيط الأطلسي والبحر الأحمر وتشمل كل من إرتريا والسودان وتشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو وموريتانيا.
** أفريقيا جنوب الصحراء تشمل كافة دول أفريقيا عدا دول شمال أفريقيا (مصر – ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب).