في ميناء تشابهار.. إيران والهند تعزفان على وتر سباق القوى الكبرى
سياقات - مايو 2024
تحميل الإصدار

الخبر

بعد ثمان سنوات من إبرام مذكرة تفاهم للتعاون في تطوير ميناء تشابهار في إيران، وقعت شركة الموانئ الهندية العالمية المحدودة، وهيئة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية، في 13 مايو/ أيار، عقدا مدته 10 سنوات، لتشغيل محطة الشهيد بهشتي في ميناء تشابهار، تستثمر بموجبه الشركة الهندية 120 مليون دولار في تجهيز الميناء، فضلا عن تقديم خط ائتمان بقيمة 250 مليون دولار لتدشين مشاريع تهدف إلى تحسين البنية التحتية المرتبطة بالميناء. من جانبه؛ قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، إن أي كيان يفكر في عقد صفقات تجارية مع إيران يجب أن يكون على دراية بالمخاطر المحتملة للعقوبات.

أهمية ميناء تشابهار الاستراتيجية

التحليل: أهمية ميناء تشابهار الاستراتيجية

يمثل الميناء أهمية استراتيجية للهند بجوار أهميته التجارية؛ فهو يتيح للهند الالتفاف على التطويق الصيني لها غربا عبر ميناء جوادر الذي بنته الصين في باكستان ضمن مشروع الحزام-الطريق، إذ يقع جوادر على بعد نحو 70 كم من ميناء تشابهار، وهو ما يعزز التواجد الهندي في بحر العرب في مواجهة الصين. يقع ميناء تشابهار في محافظة سيستان-بلوشستان، جنوب شرق إيران، وهو الميناء الإيراني الوحيد المطل على المحيط الهندي، مما يؤهله بمياهه العميقة لاستقبال السفن الثقيلة التي تصل حمولتها إلى 250 ألف طن.

  • ويمثل ميناء تشابهار أيضا بوابة الهند إلى آسيا الوسطى وأفغانستان والقوقاز وشرق أوروبا، حيث يتيح للهند الوصول برا إلى أفغانستان وأسيا الوسطى دون المرور بباكستان، خصم الهند التقليدي، كما يساهم موقعه القريب لأفغانستان بنحو 800 كم عبر تضاريس أكثر سلاسة مقارنة بميناء كراتشي الباكستاني، في تقليل اعتماد كابول على إسلام أباد، مما يعزز العلاقات الهندية الأفغانية على حساب العلاقات الأفغانية الباكستانية المتوترة على خلفية النزاعات الحدودية طويلة الأمد بين الجانبين.
  • على الجانب الإيراني، يساهم تطوير ميناء تشابهار في تحول جنوب إيران إلى مركز عبور، بالأخص لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، والذي يربط بين روسيا والهند عبر إيران، مما يقلل وقت الشحن بنسبة تصل إلى 50% ويخفض تكلفة النقل بنسبة 60%، ويعزز تطوير البنية التحتية للنقل بما في ذلك الموانئ والطرق وشبكات السكك الحديدية ويفتح فرص أكبر للوصول إلى الأسواق الإقليمية ولتكامل اقتصاداتها.
  • ويعد مشروع الميناء متنفسا للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من العقوبات الأمريكية والغربية، كما يتيح جذب استثمارات تساهم في تعويض سنوات الركود، ويوفر فرص عمل تساهم في كبح معدل البطالة المرتفع، وفي تدشين مشاريع تنموية وخدمية في بلوشستان التي تشهد تمردا مسلحا. كما يفتح الباب لإنشاء صناعات تحويلية وبتروكيماوية في تشابهار التي يتوفر بها الغاز الطبيعي مما يخفف من احتكار الشركات الصينية والروسية للقطاعات الحيوية الإيرانية مثل النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية.
  • يلقي الصراع بين الولايات المتحدة وإيران بظلاله على التعاون الهندي الإيراني، وسيختبر مشروع الميناء قدرة الهند على تحقيق “الاستقلال الاستراتيجي”، والذي يشمل تعميق التعاون مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” ودول الخليج، بالتزامن مع مواصلة العلاقات تاريخية مع روسيا وتعزيز العلاقات مع إيران.
  • لذلك؛ فإن تطوير ميناء تشابهار سيعكس توازنات القوى والمصالح المتبادلة بين القوى الكبرى والإقليمية، وربما يفلت من ضغوط العقوبات الأمريكية في ظل رغبة واشنطن بتعزيز دور الهند لموازنة الوجود الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، خاصة وأن الهند نجحت سابقا في الحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية للشركات التي ستشارك في تطوير الميناء، لكن الشركات الهندية والأجنبية ظلت متخوفة، وستزداد هذه المخاوف في حال عودة ترامب للبيت الأبيض.

تطور تاريخي لمشروع ميناء تشابهار

  • اقترح شاه إيران مشروع ميناء تشابهار لأول مرة عام 1973. ولاحقا، افتتحت السلطات الإيرانية المرحلة الأولى من الميناء في عام 1983 خلال الحرب مع العراق بهدف تقليل الاعتماد على الموانئ الإيرانية في الخليج، والتي كانت عرضة للهجوم من طرف سلاح الجو العراقي. ثم عرض الرئيس الإيراني محمد خاتمي خلال زيارته إلى الهند عام 2003 تطوير وتشغيل رصيفين في ميناء تشابهار وفق نظام التشييد والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) لكن أدت العقوبات الغربية على إيران إلى تعثر تنفيذ المشروع.
  • وفي عام 2016 وُقعت مذكرة تفاهم لتطوير محطتين وخمسة أرصفة في ميناء تشابهار، وقدمت الهند خط ائتمان بقيمة 150 مليون دولار، وذلك ضمن اتفاق ثلاثي بين الهند وإيران وأفغانستان لإنشاء طريق عبور ونقل استراتيجي يربط بين الدول الثلاث. وفي عام 2017، افتُتحت المرحلة الأولى من توسعة ميناء تشابهار، وشملت زيادة الطاقة الاستيعابية للرصيف الأول بالميناء من 2.5 مليون طن سنويا إلى 8.5 مليون طن، فيما من المفترض وصول طاقة الميناء الاستيعابية مستقبلا إلى 86 مليون طن.
  • اكتسب مشروع تشابهار زخما عقب توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، وبدأت طهران مفاوضات مع شركات هندية وروسية وأوروبية لتوريد معدات وآلات رفع إلى الميناء، وهو ما تزامن مع احتلال إيران للمركز الثاني في قائمة توريد النفط للهند في عام 2017. ولكن انهار كل ذلك عقب نقض ترامب للاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات أمريكية على إيران، فأوقفت الهند وارداتها النفطية من إيران، كما ساهمت عوامل أخرى في عرقلة المشروع من قبيل العقبات الفنية والبيروقراطية على الجانبين الإيراني والهندي؛ ومخاوف القطاع الخاص من الاستثمار في إيران، وانتشار جائحة كوفيد-19.