ملخص
– تترك جائحة كوفيد 19 وما يرافقها من حظرٍ وإغلاقات تأثيراً مدمراً على الاقتصادات والصحة العامة في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهو ما يفاقم المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية الموجودة بالفعل، ويولّد مظالم جديدة.
– بينما تباشر الحكومات عملية تحقيق التوازن الصعب بين احتواء انتشار الفيروس واستئناف الأنشطة التجارية، فإنَّ تهديدات الاضطرابات الاجتماعية والسياسية آخذة في الازدياد.
– نجحت بعض الدول في خفض معدلات الإصابة بالفيروس بدرجة كبيرة واستأنفت أنشطتها الاقتصادية تدريجياً، لكنها لا تزال تواجه خطر موجة ثانية محتملة، في حين أنَّ الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة لدول أخرى.
خلفية
عادت الاحتجاجات إلى الظهور مُجدَّداً منذ شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول ضد الإجراءات الحكومية المفروضة لاحتواء جائحة فيروس كورونا، والتي تتزامن أيضاً مع موجة ثانية من الإصابات في كثير من الدول في جميع أنحاء العالم.
بينما تركزت معظم الآثار المباشرة لوباء كورونا على الصحة العامة والأداء الاقتصادي، يُرجح أن يتمثّل الإرث طويل المدى للأزمة الحالية في الاضطرابات السياسية والاجتماعية. فالوباء يُظهر بالفعل علامات على مفاقمة الأزمات الجارية في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت عدم المساواة العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية، أو الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية في أمريكا الجنوبية، أو الديون غير المستدامة في أوروبا، أو المواجهة الجيوسياسية الجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وبالإضافة إلى موجة التحديات الفورية التي واجهتها الحكومات في خضم أزمة تفشي كوفيد 19، فإنَّ الانعكاسات الطويلة المدى لهذه الأزمة على الاستقرار السياسي والاجتماعي ستخلّف مزيداً من عدم اليقين لسنوات مقبلة.
في 29 أغسطس/آب الماضي -على سبيل المثال- احتج نحو 30 ألفا في برلين، وفي أواخر سبتمبر/أيلول احتشد الآلاف في لندن واشتبك بعضهم مع قوات الشرطة بعد محاولتها تفريقهم. ويشكو المتظاهرون -الذين يُوصفون عادةً بأنهم “متظاهرون مناهضون للإغلاق”- من مظالم مختلفة، ولديهم دوافع متباينة، لكنّهم متحدون بوجهٍ عام في معارضتهم للقيود الحكومية المفروضة على النشاط التجاري والحريات الفردية.
وقد عاد العدد الإجمالي – تقريباً- للاحتجاجات في البلدان النامية إلى مستويات ما قبل الجائحة، إذ تجدّدت الشكاوى الطويلة الأمد بشأن عدم المساواة الاجتماعية الاقتصادية والحقوق المدنية والسياسية والفساد الحكومي.
تطور الاحتجاجات
الولايات المتحدة وأوروبا
في البداية، عندما فرضت الحكومات في جميع أنحاء العالم تدابير إغلاق صارمة في مارس/آذار، بدا أن معظم المواطنين يدعمون هذه الخطوة، أو على الأقل لم يخرجوا إلى الشوارع لمعارضتها. ومع مرور الوقت بدأ الأثر الشخصي والاجتماعي والاقتصادي لهذه القيود يوقع ضرراً، وأدى ذلك إلى استياء متنام بين أولئك الأكثر تضرراً من قيود الإغلاق ونجم عنه احتجاجات ومظاهرات عامة. وقد بدأت الحكومات بحلول يونيو/حزيران ويوليو/تموز في التخفيف من قيود كورونا مدفوعة بانخفاض معدلات الإصابة والوفيات في العديد من الدول، بالإضافة إلى التكاليف الاقتصادية المتزايدة لعمليات الإغلاق.
ومع ذلك، ساهم تخفيف القيود جزئياً في وقوع موجة ثانية من الإصابات، لاسيما في أوروبا، وهو ما أجبر السلطات على إعادة فرض بعض القيود، وفي نهاية المطاف حفّزت هذه القيود اندلاع احتجاجات في ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وسويسرا، من بين دول أخرى.
خرج غالبية المتظاهرين إلى الشوارع مدفوعين بالسخط الاجتماعي والاقتصادي. وعلى الرغم من توقيع القادة الأوروبيين في يوليو/تموز حزمة تحفيز مالية بقيمة 1.8 تريليون يورو لمواجهة تداعيات الفيروس، فإن ذلك لم يساهم في تقليل مخاوف الناس من أنَّ هذا الدعم الحكومي مؤقت وأنَّ الركود الاقتصادي سيزداد سوءاً إذا استمرت عمليات الإغلاق. تغذي هذه العوامل المشاعر المناهضة للحكومات، جنباً إلى جنب مع الإحباطات الموجودة على مدى عقد من الركود الاقتصادي.
عزَّزت أزمة فيروس كورونا الاستقطاب الحزبي في الولايات المتحدة، في ظل الاستجابة الواسعة للمواطنين الأمريكيين مع حادثة مقتل جورج فلويد في مدينة مينيابوليس وحالات وفاة أخرى لأمريكيين سود تورطت فيها الشرطة. وتتمثّل إحدى نتائج الاضطرابات حتى الآن في أنَّ سياسات مثل “إلغاء تمويل الشرطة” تحوّلت في أقل من شهر من شعار احتجاجي هامشي متطرف إلى دعوة مقبولة من الاتجاه العام السائد. ولا تزال قضايا الهجرة وتغيُّر المناخ وحقوق العُمّال مثيرة للاحتجاجات تتربص حالياً تحت السطح وتتأثر إلى حدٍ كبير بأزمة تفشي الوباء.
تعارض مجموعة ثانوية صغيرة من المحتجين القيود التي تفرضها الحكومة -مثل الارتداء الإلزامي لأقنعة الوجه أو مسألة التباعد- لأنَّهم يعتقدون أنَّ مثل هذه الإجراءات تنتهك حرياتهم الفردية. ثمة محتجون مدفوعون أيضاً بنظريات مؤامرة مختلفة على غرار أنَّ فيروس كورونا غير موجود بالأساس، أو أنَّ اللقاحات ما هي إلا جزء من أجندة حكومية شريرة.
آسيا والمحيط الهادئ
استطاعت العديد من الدول تسطيح منحنى الإصابات وبدأت في إعادة فتح اقتصاداتها، ومن هؤلاء الصين وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا ونيوزيلندا. ومع ذلك يتناقض نجاح قطاع الصحة العامة في شرق آسيا مع العديد من دول جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، حيث ارتفع عدد الحالات المصابة على نحوٍ كبير منذ منتصف مارس/آذار. وتشير العديد من الدراسات إلى أنَّ عشرات الآلاف من الإصابات الأخرى ربما لم تُكتشف بعد بسبب انخفاض معدل الاختبارات في كلٍ من إندونيسيا والفلبين اللّتين يبلغ إجمالي عدد سكانهما مجتمعتين أكثر من 370 مليون نسمة.
ويتشكّك خبراء أيضاً في أعداد الإصابات المنخفضة في كمبوديا ولاوس وميانمار من بين دول أخرى، منتقدين عدم توافر الاختبارات الملائمة الكافية وافتقار الحكومات إلى الشفافية. وفي جنوب آسيا -التي يسكنها أكثر من 1.8 مليار نسمة- لا يبدو مستوى تفشي الوباء على نفس القدر من الحدة المتوقعة في البداية. وقد يعزى نسبياً انخفاض أعداد حالات الإصابة المؤكدة إلى انخفاض معدلات إجراء اختبارات الكشف عن الفيروس أو إلى أنَّ تلك البلدان لا تزال في المراحل الأولى من تفشيه. ولا يزال خطر وقوع موجة ثانية من العدوى قائماً بغض النظر عن نجاح الدولة أو فشلها في التصدي للفيروس حتى هذه المرحلة.
عزَّزت أزمة فيروس كورونا الاستقطاب الحزبي في الولايات المتحدة، في ظل الاستجابة الواسعة للمواطنين الأمريكيين مع حادثة مقتل جورج فلويد في مدينة مينيابوليس وحالات وفاة أخرى لأمريكيين سود تورطت فيها الشرطة. وتتمثّل إحدى نتائج الاضطرابات حتى الآن في أنَّ سياسات مثل “إلغاء تمويل الشرطة” تحوّلت في أقل من شهر من شعار احتجاجي هامشي متطرف إلى دعوة مقبولة من الاتجاه العام السائد. ولا تزال قضايا الهجرة وتغيُّر المناخ وحقوق العُمّال مثيرة للاحتجاجات تتربص حالياً تحت السطح وتتأثر إلى حدٍ كبير بأزمة تفشي الوباء.
تعارض مجموعة ثانوية صغيرة من المحتجين القيود التي تفرضها الحكومة -مثل الارتداء الإلزامي لأقنعة الوجه أو مسألة التباعد- لأنَّهم يعتقدون أنَّ مثل هذه الإجراءات تنتهك حرياتهم الفردية. ثمة محتجون مدفوعون أيضاً بنظريات مؤامرة مختلفة على غرار أنَّ فيروس كورونا غير موجود بالأساس، أو أنَّ اللقاحات ما هي إلا جزء من أجندة حكومية شريرة.
آسيا والمحيط الهادئ
استطاعت العديد من الدول تسطيح منحنى الإصابات وبدأت في إعادة فتح اقتصاداتها، ومن هؤلاء الصين وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وتايوان وأستراليا ونيوزيلندا. ومع ذلك يتناقض نجاح قطاع الصحة العامة في شرق آسيا مع العديد من دول جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، حيث ارتفع عدد الحالات المصابة على نحوٍ كبير منذ منتصف مارس/آذار. وتشير العديد من الدراسات إلى أنَّ عشرات الآلاف من الإصابات الأخرى ربما لم تُكتشف بعد بسبب انخفاض معدل الاختبارات في كلٍ من إندونيسيا والفلبين اللّتين يبلغ إجمالي عدد سكانهما مجتمعتين أكثر من 370 مليون نسمة.
ويتشكّك خبراء أيضاً في أعداد الإصابات المنخفضة في كمبوديا ولاوس وميانمار من بين دول أخرى، منتقدين عدم توافر الاختبارات الملائمة الكافية وافتقار الحكومات إلى الشفافية. وفي جنوب آسيا -التي يسكنها أكثر من 1.8 مليار نسمة- لا يبدو مستوى تفشي الوباء على نفس القدر من الحدة المتوقعة في البداية. وقد يعزى نسبياً انخفاض أعداد حالات الإصابة المؤكدة إلى انخفاض معدلات إجراء اختبارات الكشف عن الفيروس أو إلى أنَّ تلك البلدان لا تزال في المراحل الأولى من تفشيه. ولا يزال خطر وقوع موجة ثانية من العدوى قائماً بغض النظر عن نجاح الدولة أو فشلها في التصدي للفيروس حتى هذه المرحلة.
الأثر الاقتصادي
– وفقاً لصندوق النقد الدولي، ستشهد الاقتصادات الآسيوية نمواً صفرياً هذا العام، وذلك لأول مرة منذ 60 عاماً.
– يوظّف قطاع الخدمات -الذي كان الأكثر تضرراً بسبب الوباء- 55% من العمال الآسيويين.
– في أبريل/نيسان، بلغ عدد العاطلين عن العمل في الهند نحو 122 مليونا.
حتى قبل تفشي كوفيد 19، كانت هناك احتجاجات مناهضة للحكومة في هونغ كونغ، ومظاهرات ضد تعديل قانون المواطنة (CAA) في الهند، وأزمة سياسية أدت إلى انهيار الائتلاف الحاكم في ماليزيا. وفي الوقت الحالي أسفرت القيود التي فرضتها الحكومات على التجمعات الكبيرة والسفر عن تحقيق درجة من الهدوء في جميع أنحاء المنطقة.
وبينما اندلعت احتجاجات أو إضرابات أو اشتباكات أو أعمال تخريب أو نهب في أماكن مثل أفغانستان وبنغلادش وكمبوديا وهونغ كونغ والهند وإندونيسيا والفلبين وتايلند، فإنَّ قوات الأمن استطاعت حصار معظم هذه الأحداث وتفريقها سريعاً. ومن المرجح عودة ظهور الاضطرابات مُجدّداً مع البدء في تخفيف القيود وسط تدهور الظروف الاجتماعية الاقتصادية.
تفتقر معظم حكومات المنطقة إلى القدرة على حماية فرص العمل أو خلق فرص عمل جديدة أو مواصلة توزيع مساعدات الإغاثة إلى أجل غير مسمى. وممّا يزيد الأمور سوءاً، اتّهام مسؤولون بسرقة موارد الإغاثة في العديد من الدول. ويُرجح أن تسير جهود تحقيق التعافي الاقتصادي ما بعد الجائحة بوتيرة بطيئة ومُتقطّعة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية القائمة بين الفقراء والأغنياء.
شهدت هونغ كونغ بالفعل زيادة في الاحتجاجات منذ أبريل/نيسان، وزادت الحكومة الصينية من حدة خطابها العدائي تجاه المتظاهرين، واعتقلت سلطات هونغ كونغ العديد من النشطاء البارزين المناهضين للحكومة. ويُرجح أن يؤدي هذا النهج تجاه الحركات الاحتجاجية إلى مزيد من المظاهرات والعنف إذا لم تعالج الأسباب الرئيسية الكامنة وراء الاستياء الشعبي.
وعلاوة على ذلك، ستتراجع على الأرجح جهود السلام والعمليات الأمنية في بؤر الصراع الساخنة في ظل تركيز الحكومات الإقليمية على مكافحة تفشي الوباء، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة نشاط الجماعات الإرهابية والمتشددة والانفصالية في مختلف أنحاء المنطقة. ففي منطقة جامو وكشمير التي تسيطر عليها الهند اندلعت أحداث عنف مسلح كبيرة، وكذلك الأمر في جنوب الفلبين وغرب ميانمار وفي مختلف أنحاء العراق وأفغانستان طوال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيَّار. وقد تستغل الجماعات المسلحة -في ظل الظروف السائدة- انشغال قوات الأمن بالأعباء التي تثقل كاهلها لتتمدّد وتبسط نفوذها.
تدابير إغلاق وطوارئ تخفي أكثر مما تبدي
اتّخذت العديد من الحكومات حول العالم عدة تدابير لتعزيز سلطاتها حتى تستطيع فرض قيود مواجهة فيروس كورونا، لكنها بعد ذلك استخدمت تلك الصلاحيات المُعزّزة لخنق المعارضة وقمع المتظاهرين. فعلى سبيل المثال، شكّلت الحكومة الصينية فريق عمل من مسؤولي إنفاذ القانون “للدفاع عن الأمن السياسي” و”حل النزاعات المتعلقة بتفشي فيروس كورونا”. وأقرَّ صانعو السياسات في كمبوديا قانون حالة طوارئ يخشى منتقدوه أنَّه يهدف بصورة أساسية إلى قمع المعارضة السياسية بدلاً من محاربة كوفيد 19. وفي الفلبين، منح البرلمان الرئيس رودريغو دوتيرتي سلطات استثنائية لمواجهة انتشار الوباء، وهي خطوة يقول مراقبون إنَّها ستضاعف نزعته الاستبدادية.
واستخدمت قوات الأمن في العديد من الدول القوة ضد المتظاهرين ومنتهكي تدابير الإغلاق، واتُّخذ أيضاً قرار تعليق الأنشطة البرلمانية والانتخابية أو تأجيلها فيما عدا بعض الاستثناءات القليلة. ويشعر النشطاء في جميع أنحاء المنطقة بالقلق من أنَّ استخدام الحكومات لسلطات الطوارئ سَيُشكّل سابقة خطيرة ستتجاوز مواجهة الوباء، وسيمثل هذا الوضع حاجزاً كبيراً أمام الممارسات السياسية الديمقراطية، من ضمنها أنشطة المعارضة المشروعة المناهضة للحكومة.
تداعيات متزايدة على الاقتصاد والصحة العامة
ترتبط التأثيرات الرئيسية للاحتجاجات بالصحة العامة. وقد يساهم الأشخاص المحتشدون في الأماكن العامة -وغالباً من دون أقنعة وجه- في نشر الفيروس بدرجة أسرع وعلى نطاق أوسع، ويترتب على ذلك تداعيات اقتصادية، حيث سيأخذ الموظفون المصابون أو أفراد أسرهم إجازة من العمل.
وهذه الأعداد المتزايدة للإصابات تجبر أيضاً الحكومات على إبقاء القيود لفترة أطول أو إعادة فرض بعض القيود القديمة كما يحدث في أوروبا حالياً، مما يؤخر إعادة الفتح الكامل للاقتصاد. في المقابل أيضاً، قد تضغط الاحتجاجات المناهضة لإجراءات الإغلاق على الحكومات لإعادة فتح الاقتصادات بسرعة كبيرة. وبينما يُحقّق هذا النهج (أي فتح الاقتصادات) فوائد اقتصادية قصيرة الأجل، فمن المرجح أن يؤدي إلى تصاعد أعداد الإصابات من جديد كما حدث في أوروبا والعديد من الولايات الأمريكية مؤخراً.
ثمة أيضاً تهديد باندلاع أعمال تخريبية أو إلحاق ضرر بالممتلكات يؤجّجه نظريات المؤامرة. وفي الوقت الحاضر، لا يزال مؤيدو نظريات المؤامرة موجودين على هامش الاحتجاجات المناهضة للإغلاق، ومع ذلك يستفيدون على نحوٍ متزايد من الشعور الشعبي العام بالضجر من التقدم البطيء للحكومات في مواجهة هذا التهديد الصحي ورغبتهم في إيجاد حلول سريعة. ويزداد الأمر سوءاً بسبب بعض القادة السياسيين الانتهازيين -مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو- الذين دعموا علناً المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة. فعلى سبيل المثال، شن مؤيدو نظريات المؤامرة الذين يعتقدون أنَّ تقنية الجيل الخامس تنشر فيروس كورونا؛ هجمات عديدة على أبراج شبكات الاتصالات، لاسيما في أوروبا.
وبالمثل، اكتسبت الحركة المناهضة للقاحات -التي لا يثق أعضاؤها في الحكومات وشركات الأدوية- شعبية خلال هذه الجائحة. فهذه المجموعات لا تكتفي بنشر معلومات مُضلّلة عبر الإنترنت فحسب، بل تزعج أيضاً مسؤولي الصحة العامة وتهدّدهم، خاصةً في الولايات المتحدة. ويُحتمل أن يُنفّذ مسلحون داخل الحركة المناهضة للقاحات هجمات واعتداءات على شركات الأدوية ومراكز إنتاج اللقاحات إذا بات لقاح كورونا متاحاً، وذلك على الرغم من أنَّ التهديد لا يزال تخميناً في هذه المرحلة. وفي المناطق الأكثر اضطراباً مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان، ثمة سوابق عديدة لهجمات شنّتها جماعات مسلحة على العاملين في حملات التطعيم ضد فيروس إيبولا وشلل الأطفال.
ديناميكيات أمنية متطورة
على الرغم من أنَّ معظم الاحتجاجات المناهضة للإغلاق كانت سلمية حتى الآن، فإن هناك تهديدا كامنا بالعنف. فعندما يتجمّع محتجون في انتهاك لقواعد التباعد، فإنَّ الشرطة ستختار تفريقهم واعتقالهم، وهو ما أسفر في الأسابيع الأخيرة عن وقوع اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، وقد تساهم تلك الاحتجاجات أيضاً في مفاقمة القيود السياسية القائمة.
وفي “إسرائيل”، أقرت الحكومة قانوناً جديداً أواخر سبتمبر/أيلول يحظر المظاهرات الجماهيرية خلال فترة الإغلاق الثاني الجارية في البلاد، والذي يقول منتقدون إنَّه حيلة لإنهاء الاحتجاجات الأسبوعية ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وأدان العديد من قادة الاحتجاجات هذا القانون وتعهدوا بمواصلة الاحتجاج، وهو ما يمكن أن يثير مواجهات عنيفة بين المحتجين وقوات الأمن.
علاوة على ذلك، يزداد خطر العنف مع وجود الجماعات اليمينية المتطرفة في بعض الاحتجاجات المناهضة لإجراءات الإغلاق. ففي يونيو/حزيران على سبيل المثال، اشتبك متظاهرون من اليمين المتطرف مع قوات الشرطة في روما، حيث ألقى المحتجون زجاجات وحجارة وقنابل دخانية باتجاه الشرطة والصحفيين. كما حاول متظاهرون ينتمون للتيار اليميني المتطرف اقتحام البرلمان الألماني خلال احتجاجات اندلعت في برلين في 29 أغسطس/آب ضد القيود المفروضة لمواجهة فيروس كورونا. ونَظّمت أيضاً جماعات يمينية متطرفة منادية بتفوق العرق الأبيض العديد من الاحتجاجات المناهضة للإغلاق في الولايات المتحدة. وفي واقعة حدثت أواخر أبريل/نيسان، اقتحم متظاهرون مسلحون مقر مجلس نواب ولاية ميتشيغان.
عوامل رئيسية يجب رصدها
بينما يواجه كل بلد مجموعة فريدة من الظروف والتحديات، فإنَّ العلاقة بين الجائحة والاستقرار السياسي تعتمد على عدة عوامل رئيسية، من بينها:
– درجة تفشي وباء فيروس كورونا وقدرة أنظمة الرعاية الصحية على الاستجابة لموجة ثانية محتملة.
– حجم المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية الموجودة بالفعل ومستوى حالة عدم الاستقرار.- مدى قدرة الحكومات على طمأنة المواطنين وتقديم الإغاثة الاقتصادية، بالإضافة إلى مدى قدرة قوات الأمن على حفظ النظام.
نظرة للمستقبل القريب
نتوقع زيادة الاحتجاجات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة مع استمرار حالة الإغلاق في العديد من البلدان، فضلاً عن حقيقة أنَّ الشعور بالصدمة الاقتصادية لتفشي الفيروس لم يصل إلى مداه الكامل بعد.
ولا يرجع عدم ثقة المحتجين في القيود الحكومية إلى استيائهم الاجتماعي والاقتصادي فحسب، بل أيضاً إلى حالة عدم اليقين الكبيرة بشأن مسار هذه الجائحة، وهو ما يزيد من إذكاء نظريات المؤامرة المختلفة. ومن ناحية أخرى، تجد الحكومات نفسها عالقة بين معالجة مشاكل الصحة العامة غير المسبوقة والشواغل الاجتماعية والاقتصادية، وذلك في الوقت الذي تحاول فيه أيضاً حماية مصالحها السياسية.
ومع ذلك، إذا استمر ارتفاع عدد الإصابات بدرجة تُهدّد البنية الصحية الأساسية وتتجاوز قدرات نظام الرعاية الصحية، فسيتعيّن على الحكومات حتماً الإبقاء على القيود، وسيؤدي ذلك إلى اتّخاذ بعض القرارات التي لا تحظى بشعبية، واستمرار عمليات التعبئة الجماهيرية المناهضة للإغلاق والحكومة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.
قد يتعرض الاستقرار السياسي للتهديد مع تصاعد المظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية من ناحية، فضلاً عن السلطات الموسّعة للحكومات من أجل إنفاذ القانون من ناحية أخرى. وستنجح الإدارات الحالية على الأرجح -في معظم الحالات- في إحباط أي تحديات سياسية تواجه حكمها، وسيستخدمون مزيجاً من القوة والطمأنة من أجل البقاء في السلطة، إذ إنَّهم يتمتعون بوضع أفضل وخبرة أكبر تتيح لهم التغلّب على الأزمة الجارية.
من الممكن أن يضع الخصوم السياسيون وأصحاب المصلحة الآخرون خلافاتهم جانباً للعمل معاً خلال تلك الفترة. ومع ذلك، لا يُعتبر هذا المسار مضموناً لأنَّ الحكومات التي لا تستطيع التعامل جيداً مع أزمة اقتصادية وصحية عامة كبيرة قد تكون السبب في احتشاد الناس بأعداد كبيرة. وعلى أقل تقدير، ستتواصل بعض الأحتجاجات والاشتباكات وأعمال النهب المتفرقة على مدى الأسابيع والأشهر المقبلة.
دول يجب مراقبتها:
– الولايات المتحدة: من غير المرجح أن تحافظ الجولة الحالية من الاحتجاجات على نفس المستوى من القوة المزعجة، لكن لا يزال هناك الكثير من المظالم التي يمكنها دفع حركات احتجاجية أخرى خلال عام الانتخابات.
– ألمانيا: ستواصل الحركة اليمينية المتطرفة النشطة على نحو متزايد الضغط من أجل احتجاجات مناهضة للحكومة في المستقبل القريب.
– هونغ كونغ: يُرجح عودة ظهور الاحتجاجات المناهضة للحكومة مع تخفيف قيود التباعد.
– ماليزيا: لا تزال الأزمة السياسية التي أدت إلى انهيار الحكومة في فبراير/شباط مستمرة، مع مواصلة خصوم رئيس الوزراء الجديد محيي الدين ياسين التشكيك في شرعيته.
– ميانمار: ثمة مخاوف متنامية من استخدام الجيش لجائحة كورونا كذريعة ليصبح أكثر قوة وسطوة، خاصةً قبيل الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني ووسط التوترات المستمرة مع الحكومة المدنية بشأن الإصلاحات الدستورية.
– البرازيل: أدّت جائحة كورونا إلى مفاقمة الانقسامات الحزبية بين القادة المحليين والرئيس المثير للجدل جايير بولسونارو.
– الإكوادور: واجه الرئيس الإكوادوري، لينين مورينو، تهديدات بأنَّ معارضة استجابته لتفشي كورونا قد تؤدي إلى تجدّد حركة احتجاجات 2019 التي أجبرت حكومته على إخلاء العاصمة مؤقتاً.
– السنغال: أظهرت سلسلة من الاحتجاجات اندلعت أوائل يونيو/حزيران ضد قرار حظر التجوال المفروض في البلاد؛ علامات على الغضب الشعبي المتنامي من القيود.
– جنوب أفريقيا: شهدت البلاد تدهوراً في الأوضاع الاقتصادية وسوءاً في الإدارة الحكومية قبل تفشي الفيروس.