الحدث
● وقعت إيران مذكرة حصولها على العضوية الكاملة في “منظمة شنغهاي للتعاون“، وفق ما أعلن وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان”، في 15 سبتمبر/أيلول الجاري، لتصبح بذلك العضو التاسع في المنظمة بعد 17 عاما من عضويتها بصفة “مراقب”، وستكون إيـران قادرة على المشاركة الكاملة في جميع اجتماعات “منظمة شنغهاي للتعاون” فور انتهاء إجراءات ترقية العضوية، على الأرجح في أبريل/نيسان 2023.
● في يونيو/ حزيران 2005، حصلت إيـران على صفة “مراقب” في المنظمة، ووافقت الدول الأعضاء على عضويتها الدائمة في سبتمبر/ أيلول 2021، خلال قمة طاجيكستان، وتضم منظمة “شنغهاي للتعاون”، الصين وروسيا والهند وكازاخستان وقرغيزستان وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان وإيـران، وتشغل كل من أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا صفة مراقب، فيما تحظى كل من تركيا وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وسريلانكا بصفة شريك الحوار للمنظمة.
التحليل: منظمة شنغهاي … إطار فضفاض لا يرقى للتحالف
- بدأت “منظمة شنغهاي للتعاون” في صورة سلسلة اجتماعات “شنغهاي الخماسية” التي عقدت بين عامي 1996 و1997 حول القضايا الحدودية بين الصين والدول المجاورة لها ما بعد الاتحاد السوفيتي، وهي روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، وفي عام 2001 انضمت إليها أوزبكستان لتشكّل معاً بشكل رسمي “منظمة شنغهاي للتعاون”، حيث توسع نطاق عمل التكتل ليشمل التعاون الاقتصادي والثقافي والأمني بهدف محاربة ما تعتبره بكين “محاور الشر الثلاثة”: الإرهاب والانفصالية والتطرف، بعدها وفي عام 2017، أصبحت كل من الهند وباكستان دولة كاملة العضوية.
- غالباً ما يتم النظر إلى “منظمة شنغهاي للتعاون” على أنها تكتل معادٍ للغرب بطبيعته، بل ويغالي البعض في اعتبارها مكافئا “شرقيا” لحلف شمال الأطلسي، لكنَّ المنظمة تمثل إطارا فضفاضا ليس قريبا بأي شكل من الأشكال من التطور المؤسسي للناتو، وتفتقر الهيئتين الدائمتين فيها -“الأمانة العامة” في بكين و”الجهاز الإقليمي لمكافحة الإرهاب” في طشقند- إلى الأهلية القانونية لإنفاذ القرارات.
- ومن المرجح أن تستمر محدودية قدرة المنظمة على تعميق التعاون الأمني بالنظر إلى التنافس بين الصين والهند وبين الهند وباكستان، بل وبين الصين وروسيا أيضا، وقد أدت بالفعل الاختلافات بين الدول الأعضاء إلى تقييد التنسيق في سياسة التكتل، خاصة وأنها تعمل بنظام الإجماع الذي يحدّ من فرص بناء توافقات كبيرة، وبالتالي؛ تعمل “منظمة شنغهاي للتعاون” كمنتدى للحوار أبعد ما يكون تحالفاً إقليمياً رسمياً شبيهاً بـالاتحاد الأوروبي أو الناتو، وهو الواقع الذي لا يتوقع أن يغير منه بصورة جوهرية انضمام إيـران للمنظمة.
- وعلى سبيل المثال؛ تحد السياسات المتباينة للدول الأعضاء في “منظمة شنغهاي للتعاون” من قدرة المنظمة على النهوض بدور فاعل في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأمريكي على الرغم من أن جميع الدول الأعضاء يتشاطرون القلق بشأن الاستقرار في أفغانستان؛ فقد تبنت طاجيكستان وأوزبكستان مقاربتين متناقضتين مع “طالبان”، حيث عارضت الأولى علناً الحكومة الجديدة، بينما تبنت طشقند لهجة أكثر تحفظاً وتوافقاً، كما وقف كلا من باكستان وإيـران على طرفي نقيض في بعض المناسبات مثل صراع طالبان مع المعارضة في بانجشير، وتحكم سياسة بعض الدول الأعضاء تجاه أفغانستان (مثل الهند وباكستان، والصين والهند) منطق التنافس والصراع وليس منطق الشراكة والسعي لتحقيق أجندة متفق عليها.
- أما المكاسب التي قد تنالها إيـران من العضوية فتبدو أكثر أهمية؛ حيث كان الانضمام إلى “منظمة شنغهاي للتعاون” هدفاً طويل الأمد لطهران باعتباره يزيد من دور طهران في إدارة الأمن الإقليمي، ويتكامل مع جهود تعزيز حضور الجمهورية الإسلامية الدولي والإقليمي. وبينما تتطلع إيـران إلى الهروب من مساعي الولايات المتحدة إلى عزلها دبلوماسيا واقتصاديا، فإن عضوية منظمة شنغهاي للتعاون ستمنح طهران فرصا إضافية للتعاون الاقتصادي والتجاري في مجال الطاقة مع الصين وروسيا ودول آسيا الوسطى.
- بالإضافة إلى ذلك، تعزز هذه العضوية علاقات إيـران مع “الشرق”، وهو توجه يسجل تصاعدا في السياسة الخارجية الإيـرانية خاصة في ظل تسارع الصراع الدولي بين الغرب من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى، وقد سبق أن أشرنا في “أسباب” إلى أن هذه الدول المناهضة للغرب ستكون أكثر جدية في التصدي للنفوذ الغربي في مناطقها الحيوية، وستعمل على تطوير آليات وشراكات تجارية اقتصادية وأمنية، بالإضافة إلى العمل على خلق بدائل لأدوات الهيمنة الغربية الاقتصادية، لذا؛ فقد يكون لانضمام إيـران أثرا “رمزيا” على منظمة شنغهاي في المدى القصير، لكنّ شراكة إيران مع روسيا والصين بات محتملا بصورة متزايدة أن تزداد عمقا على وقع تنامي الصراع الدولي.