ملخص
في ظل عدم اليقين المرتبط بأي حالة الحرب، لا يمكن الجزم بكيفية نهاية الحرب على غزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي عقب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول. ومع هذا، وفي ضوء تطور الديناميات المرتبطة بالفاعلين في المشهد، فإن تحليل السيناريوهات التالي، يستكشف السيناريوهات المحتملة التالية:
السيناريو الأول: احتواء الصراع محليًا (السيناريو القائم). السيناريو الأكثر ترجيحًا في الأسابيع القليلة المقبلة هو بقاء الصراع في المقام الأول بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس في غزة، وسط ضغوط إقليمية ودولية لتجنب التصعيد. سوف تركز العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي تشمل الغزو البري، على إضعاف قدرات حماس، لكنّ نجاحها سيظل غير مؤكد، ويتأثر بعوامل مثل مقاومة حماس، وتعقيدات حرب المدن في غزة، وردود الفعل الإقليمية والدولية، والضغوط على حكومة الاحتلال المرتبطة بملف الأسرى.
السيناريو الثاني: التصعيد الإقليمي مع حرب بالوكالة (احتمالية كبيرة). مع وجود احتمالية مُعتَبَرة لتطور الصراع، وخاصة في الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة، فإن الصراع يتوسع إلى ما هو أبعد من غزة، ليجتذب جهات إقليمية فاعلة. ويمكن لإيران أن تلعب دوراً مهماً في تعبئة شبكتها الإقليمية من الوكلاء لتحدي مصالح “إسرائيل”. وقد تقوم الولايات المتحدة بشن غارات جوية ضد وكلاء إيران، في حين ستحرص دول مثل السعودية ومصر على موازنة مخاوفها الأمنية مع ارتباطاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”.
السيناريو الثالث: حرب إقليمية واسعة النطاق (ضعيف). هناك احتمال لتصاعد الصراع إلى حالة من عدم الاستقرار على نطاق أوسع في الشرق الأوسط، في ظل احتمال حدوث ردود عسكرية غير متناسبة وهجمات غير محسوبة، خاصة على المدى الطويل. قد يشمل ذلك مشاركة مباشرة من إيران في الحرب، وتدهور دائم في البيئات الأمنية للدول المتأثرة بالحرب.
السيناريو الرابع: القرار الدبلوماسي الدولي (متوسط). هناك احتمال ضئيل للغاية أن تؤدي الجهود الدبلوماسية الدولية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وتقود قوى عالمية وإقليمية مبادرات، وتمارس ضغوطاً كبيرة لتسهيل المفاوضات. وتتمثل اللحظة المحورية في المفاوضات غير المباشرة، التي تيسِّرها مصر وقطر، والتي تؤدي إلى اتفاقيات مثل تبادل الرهائن والأسرى.
تمثل السيناريوهات من 1 إلى 3 مسارات تصعيد تدريجية محتملة، بحيث تزيد كل مرحلة من احتمالية التي تليها، ويشير الانتقال من سيناريو إلى آخر إلى تعميق واتساع نطاق الصراع.
نظرة عامة في الحرب على غزة
- في أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت “إسرائيل” الحرب على غزة، معربة عن نيتها “تدمير” حماس. شن جيش الاحتلال هجومًا جويًا في المرحلة الأولى على غزة، وبدأ لاحقا عمليات برية لم ترقَ بعد للاجتياح الشامل. ويبدو واضحا أن الخطط الأولية الخاصة باجتياح برى واسع باتت تواجه تعقيدات الواقع، المتمثل أولا في المقاومة الشرسة التي تواجهها قوات الاحتلال، فضلا عن وجود أكثر من 240 أسير إسرائيلي وأجنبي في غزة، والوضع الإنساني الخطير الذي يتسبب في تحول الدعم العالمي بالتدريج باتجاه وقف الحرب.
- يتحدث قادة الاحتلال عن حرب طويلة تتجاوز السوابق التاريخية للهجمات على غزة، وبغض النظر عن الجدل الإسرائيلي الداخلي حول الجدوى العسكرية لتوسيع العمليات البرية، فمن المرجح أن يتواصل الهجوم المنسق على غزة من الجو والبحر والبر، وبات من الواضح أن تدمير البنية التحتية المدنية في غزة، هو أمر مقصود؛ بحيث يكون نصف القطاع الشمالي على الأقل غير قابل للحياة، بما يدفع السكان قهرا إلى النزوح نحو جنوب القطاع، وربما مغادرته، أو في الحد الأدنى تمهيدا لفرض منطقة أمنية عازلة أوسع في شمال القطاع.
- في ظل الأزمة الإنسانية في غزة وإجراءات الاحتلال المتطرفة في الضفة الغربية، سيظل من الوارد أن تتصاعد المواجهات في الضفة الغربية والتي ستتخذ في الغالب طابعا مدنيا شعبيا، مع عمليات للمقاومة. في خارج الأراضي المحتلة، بدأت مجموعات عراقية وسورية في استهداف قواعد تتواجد فيها قوات أمريكية. ودخل الحوثيون من اليمن رسميا على جبهة الصراع بإرسال طائرات مسيرة وصواريخ تستهدف جنوب “إسرائيل”.
- أظهر حزب الله اللبناني حتى الآن، نهجا عسكريا متحفظا، يتمثل مناوشات منخفضة المستوى على طول الحدود اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي تسجل منحنى تصاعديا واضحا، لكنّها ستظل الأرجح ضمن استراتيجية “جبهة إشغال لا جبهة حرب”. ومن المرجح أن حزب الله يسعى لتجنب حربا واسعة النطاق؛ نظراً للتحديات السياسية والاقتصادية في لبنان، فضلا عن تجنب التعرض للاستهداف العسكري الأمريكي.
- ومع ذلك، ستظل لحزب الله أولوية استراتيجية في عدم نجاح “إسرائيل” في تدمير حماس في غزة، لكنّ قرار التصعيد سيظل على الأرجح مرتبطا بقرار إيران الإقليمي خاصة وأن الاستثمار الإيراني في حزب الله طوال السنوات الماضية يرتبط بصورة أساسية بمعادلة جيوسياسية واسعة استهدفت منها طهران أن ترفع تكلفة استهدافها عسكريا. لذلك؛ فإن إيران ستظل أولويتها الراهنة احتواء حرب غزة وليس توسيعها لكي تتجنب تعريض نفوذها العسكري الواسع في المنطقة للاستهداف الأمريكي المباشر، والاحتفاظ به كأداة ردع للأراضي الإيرانية نفسها.
- يمكن تحديد الأهداف العامة التي يسعى الاحتلال لتحقيقها فيما يلي:
- إلحاق ضرر عسكري استراتيجي بالبنية التحتية للمقاومة في غزة، بما يشمل تدمير شبكة الأنفاق التي توفر قدرا من الحصانة للمقاومة، وتقويض أصول التصنيع العسكري التابعة لحماس، فضلا عن الاستهداف الشخصي لقيادة حماس السياسية والعسكرية، وكل هذا بهدف استعادة الردع داخليا وخارجيا.
- فرض واقع أمني وسياسي جديد في قطاع غزة تكون حماس فيه خارج السلطة، وبما يعيد للاحتلال والمستوطنين الشعور بالأمن. من المبالغة افتراض أن لدى الاحتلال تصورا واضحا لما يعنيه هذا، في ظل ارتباك مواقفه الراهنة إزاء هوية السلطة السياسية المدنية التي ستحكم القطاع، وحدود دور جيش الاحتلال الأمني في مستقبل غزة، فضلا عن أن هذه الخطط محل جدل داخلي وإقليمي ودولي.
- تحرير الأسرى، أو حتى مقتل أغلبهم في العمليات العسكرية الراهنة بما يفقد حماس فرصة تحقيق نصر سياسي في حال نجحت في الاحتفاظ بهم وأجبرت الاحتلال على صفقة تبادل كبيرة.
- أما الأهداف العامة التي تسعى حماس لتحقيقها، فهي:
- التصدي للعملية العسكري الإسرائيلية وإثبات أنه ليس من الممكن “القضاء على حماس” كما يستهدف الاحتلال. بغض النظر عن تدمير البنية التحتية في القطاع والتكلفة الإنسانية الباهظة، فإن هدف حماس الرئيسي هو إفشال أهداف العملية العسكرية الإسرائيلية، سواء القضاء على بنية المقاومة الاستراتيجية، أو فرض سلطة سياسية وأمنية تابعة للاحتلال في غزة، فضلا عن خطط تهجير السكان.
- الدفاع عن المكتسبات التي تحققت، خاصة الاحتفاظ بالأسرى، باعتبار أن ذلك سيتوج النصر العسكري بانتصار سياسي.
- يظهر واضحا أن عنصر المفاجأة الذي حازته حماس يضعها في موقع أكثر وضوحا من حيث الأهداف؛ فقد تحقق نصر حماس العسكري والأمني بالفعل يوم السابع من أكتوبر، والان هي تتمتع بميزة الدفاع التي تجعل أهدافها محددة حتى وإن كانت مكلفة، بينما جيش الاحتلال يتحرك بمزيج من رد فعل ما بعد الصدمة والحاجة للانتقام، وهو ما يجعله أكثر ارتباكا من حيث الأهداف، بغض النظر عن تفوقه آلته العسكرية وقدرتها التدميرية.
- في ضوء هذه الملامح العامة، التي مازالت تترك مجالا كبيرا لعدم اليقين، قمنا بتطوير أربعة سيناريوهات ترسم مسارات التصعيد الممكنة للصراع، ونقدم أيضًا تقييمًا للاحتمالية والجداول الزمنية المتوقعة لكل سيناريو بالإضافة إلى التعليق على الآثار المحتملة.
السيناريو 1: استمرار الصراع محليًا (الوضع القائم – احتمال كبير جدًا)
- هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً، على الأقل خلال ثلاثة أشهر، حيث تركز “إسرائيل” على إعادة تأكيد هيمنتها العسكرية، ويظل الصراع بين “إسرائيل” وحماس محصوراً بالأساس داخل قطاع غزة، مع عدم وجود تصعيد كبير يشمل جهات فاعلة إقليمية مثل إيران أو حزب الله أو فصائل فلسطينية أخرى في الضفة الغربية أو سوريا. إن العامل الأساسي الدافع هنا هو الهدف المُركَّز لإسرائيل وإيران والولايات المتحدة المتمثل في إدارة الصراع ضمن حدود محددة، وتجنب اندلاع حريق إقليمي أوسع نطاقًا.
- يمكن لتحقيق نصر عسكري سريع وحاسم أن يعزز موقف “إسرائيل”، وإن كان هذا النصر السريع يظل غير مرجح، حيث سيواجه الاحتلال مقاومةً كبيرة، وسيعاني من خسائر مستمرة. وفي المقابل، سيؤدي الصراع المطول مع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى ضغوط داخلية ودولية لوقف إطلاق النار.
- ويعتمد نجاح الغزو البري على عوامل عديدة، بما في ذلك مستوى المقاومة من جانب حماس والفصائل الفلسطينية، والتحديات الجغرافية والبنية التحتية لحرب المدن في غزة، وردود الفعل الإقليمية والدولية. ومن شأن المشهد الحضري في غزة، المكتظ بالسكان والمساحات المفتوحة المحدودة، أن يزيد من تعقيد العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي.
- ورغم أن حماس تواجه ضغوطًا هائلة، وتعاني قيادتها وبنيتها التحتية وأصولها العسكرية لاستهداف شديد، ولكن ليس من المحتمل أن تؤدي العملية العسكرية إلى القضاء عليها. حيث إن الحركة متأصلة بعمق بين سكان غزة، وأظهرت قدرة على الحفاظ على مستوى من القدرة العملياتية بما لديها من شبكة من الأنفاق والبنية التحتية المحصنة، وهو الأمر الذي يضمن بقاءها كلاعب رئيسي في غزة. وتظل غزة، في أعقاب ذلك، عبارة عن خليط معقد من الدمار والمقاومة، ولا تقع بالكامل تحت السيطرة الإسرائيلية.
- وفي حالة نجاح الغزو البري الذي يؤدي إلى سقوط غزة تحت السيطرة الإسرائيلية، فإن العواقب ستشمل تقلبات جيوسياسية بعيدة المدى. فمثلا؛ من شأن إعادة احتلال غزة، أو التمسك بخطط التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين إلى سيناء أن تؤدي إلى أزمة إقليمية أوسع، وسيكون رد فعل مصر على مثل هذا التطور حاسمًا، كما سينعكس ذلك على مجمل علاقات “إسرائيل” بدول المنطقة، وتعطل لمجمل مسار تطبيع العلاقات العربية مع “إسرائيل”.
- كما تشمل نتائج وتداعيات هذا السيناريو صراعًا طويل الأمد يستمر في زعزعة استقرار المنطقة، وآثارًا إنسانية كبيرة في المقام الأول داخل قطاع غزة، والإبقاء على الوضع الراهن الذي يمنع أي تقدم جوهري نحو اتفاق سلام أوسع أو حل للقضية الفلسطينية نفسها.
السيناريو الثاني: صراع إقليمي دون مستوى الحرب (احتمال كبير)
- هناك احتمال أن تتوسع الحرب خارج حدود غزة والأراضي الفلسطينية، خاصة كلما طالت المدة وأصبحت الأوضاع الإنسانية أكثر كارثية، كما يمكن أن تؤدي عمليات غير محسوبة على الجبهة اللبنانية، أو ضد المصالح الأمريكية في المنطقة إلى تسريع المسار نحو امتداد الصراع الإقليمي. وقد تأكد هذا التقييم من خلال الزيادة الأخيرة، وإن كانت هامشية، في الهجمات التي تشنها الجماعات المدعومة من إيران في سوريا والعراق ضد التواجد العسكري الأمريكي، وإسقاط الحوثيين طائرة تجسس أمريكية.
- في هذا السيناريو، يحفز تصاعد الحرب بين إسرائيل وحماس التوترات الإقليمية وتؤدي إلى صراع أوسع يشمل جهات فاعلة حكومية وغير حكومية. وتشهد المراحل الأولية تكثيف الهجمات في غزة، مع توغل جيش الاحتلال بشكل أعمق في محاولة لتفكيك القدرات العسكرية لحماس. وتؤدي حرب المدن إلى سقوط عدد كبير من الضحايا في كلا الجانبين، وتتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. ومع ذلك، فإن المشهد الإقليمي يصبح محفوفاً بالمخاطر على نحو متزايد مع بدء الجهات الفاعلة الأخرى في لعب أدوار أكثر أهمية للدفاع عن مصالحها.
- ستجد إيران نفسها مدعوة للعب دور أكثر تأثيرا دون التورط في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة. وستشجع وكلاءها في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان، لشن هجمات ضد أهداف إسرائيلية بهدف زيادة وتيرة استنزاف القدرة العسكرية الإسرائيلية. كما سيكثف الوكلاء في العراق واليمن، الهجمات ضد الأصول الأمريكية، مما يؤدي إلى وضع أمني محفوف بالمخاطر، بما في ذلك الممرات الملاحية الدولية في المنطقة.
- ستحافظ الولايات المتحدة، على توازن دقيق، حيث تقوم بشن غارات جوية مستهدفة وكلاء إيران، دون أن تصل إلى حد نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق. وستركز الأطراف الإقليمية خاصة المملكة السعودية والإمارات ومصر، على تأمين أراضيهم. كما ستتزايد جهودهم الدبلوماسية للوساطة من أجل وقف إطلاق النار، خاصة مصر وقطر.
- التصعيد الإقليمي الذي يشارك فيه الوكلاء سيزيد من زعزعة استقرار المنطقة المضطربة بالفعل. ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تعطيل جزئي لإمدادات أسواق النفط العالمية. ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى احتمال حدوث المزيد من زعزعة الاستقرار في نقاط التفتيش البحرية الحيوية مثل مضيق هرمز وباب المندب. كما أن إشراك جهات فاعلة متعددة بدرجات متفاوتة من النفوذ والأهداف يمكن أن يجعل الحلول الدبلوماسية أكثر صعوبة، ويطيل أمد الصراع.
السيناريو الثالث: حرب إقليمية واسعة النطاق (احتمالية ضعيفة)
- ما تزال احتمالات تصاعد الصراع إلى مستوى حرب إقليمية واسعة النطاق، ضعيفة لكن غير مستبعدة، خاصة كلما طالت مدة الحرب، بما يزيد من إمكانية صدور ردود أفعال عسكرية غير متناسبة، أو شن هجمات مبنية على تقديرات خاطئة. في الوقت الراهن، يُنظر إلى هذا السيناريو باعتباره احتمالية متوقعة على مدار الـ12 شهراً المقبلة تقريباً. ومع ذلك، هناك احتمالية قوية لتسارع الأحداث بشكلٍ غير متوقع، ما قد يُسرّع وتيرة التقدم نحو زيادة عدم الاستقرار الإقليمي.
- وفي هذا السيناريو، سيتحول الصراع إلى حرب إقليمية واسعة النطاق تجذب معها أطرافاً رئيسية من الدول والفاعلين من غير الدول خارج نطاق المواجهة المباشرة بين “إسرائيل” وحماس. وستتسع رقعة الصراع لتشمل عدة جبهات من الشرق الأوسط في حرب شديدة التقلب. وسيأتي هذا السيناريو مدفوعاً بالتنافسات الجيوسياسية العميقة، والحسابات العسكرية الاستراتيجية، ونقاط الضعف الاقتصادية، وشبكة معقدة من التحالفات والعداوات التي تتسم بها المنطقة.
- ستلجأ إيران مضطرة إلى قرار الحرب حين تشعر بضغط الحملة المنسقة ضد حلفائها ومصالحها. وسيتمحور جزء كبير من الاستراتيجية العسكرية الإيرانية حول شبكة وكلائها في المنطقة لتنسيق حملة متعددة الجبهات ضد المصالح الإسرائيلية، بما في ذلك حزب الله في لبنان، والميليشيات في العراق وسوريا، والحوثين في اليمن. في مرحلة أخرى من تدهور الصراع، قد تلجأ طهران مباشرة إلى الضربات الصاروخية المكثفة لاستهداف القواعد العسكرية، والبُنى التحتية الحيوية، والمراكز الحضرية الإسرائيلية، لكنّ هذا يظل احتمالا متواضعا في ظل أنه سيضع الأراضي الإيرانية في مواجهة رد عسكري أمريكي وليس إسرائيليا فقط.
- ستزداد كثافة العمليات البحرية الإيرانية، خاصة في الممرات المائية الاستراتيجية. ولا شك أن التهديدات بإغلاق مضيق هرمز وشن هجمات على البنية التحتية النفطية سترسل موجات صدامية في أسواق النفط العالمية، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار ويفرض ضغطاً هائلا على الاقتصاد العالمي. ولا شك أن وجود البحرية الأمريكية في مواقع استراتيجية، مثل الخليج العربي، سيكون له دور محوري في حماية الطرق البحرية، وضمان تدفق إمدادات الطاقة العالمية، مع لعب دور الرادع للعمليات البحرية الإيرانية.
- سيغطي التصعيد الإقليمي الأوسع نسبيا على التركيز الأولي الذي كان منصباً على غزة، مع اضطرار جيش الاحتلال للتعامل مع مشهد صراع متغير ومعقد. ورغم قدرتها على الدفاع عن أراضيها في مواجهة التهديدات المتعددة، ستجد حكومة الاحتلال نفسها في مواجهة تحديات أمنية غير مسبوقة تشمل الهجمات الصاروخية على عمق المدن والبنية التحتية الإسرائيلية. وستعكف “إسرائيل” على تنفيذ عمليات جوية وبحرية بهدف استهداف المنشآت المعادية الرئيسية ومواقع إطلاق الصواريخ ومراكز التحكم والقيادة في أرجاء المنطقة.
- سيبرز دور روسيا أكثر في هذه المرحلة؛ إذ تتواجد عسكرياً في سوريا وهي متحالفة مع إيران، ولهذا فقد تلعب دوراً كبيراً في تسهيل أو تقييد بعض الجبهات المضادة لإسرائيل. وربما تلجأ روسيا إلى الاشتباك غير المباشر بتقديم الدعم اللوجستي والعملياتي لحلفاءٍ مثل إيران وسوريا. وسيسمح هذا النهج لروسيا بالحفاظ على مصالحها وتحالفاتها الاستراتيجية في المنطقة. وستظل المشاركة الروسية مقيدة وحذرة بسبب أنشطتها في أوكرانيا واحتمالية استنزاف مواردها العسكرية والدبلوماسية.
- وستجد دول الخليج ومصر والأردن والعراق نفسها في موقف محفوفٍ بالمخاطر. ومن المرجح أن تعزز السعودية والإمارات جاهزيتهما العسكرية رغم قلقهما من اتساع نطاق الصراع، وقد تشاركان في أنشطة عسكرية محدودة لحماية مصالحهما ضد الهجمات المدعومة من إيران. وستُجر أقدام مصر إلى الصراع أيضاً، لكنها ستوازن بين أمنها الداخلي واعتباراتها الاقتصادية وبين دورها كوسيط رئيسي في الصراع. ومن المرجح أن تتبنى الدول العربية الأخرى مواقف الحياد الحذر، بهدف عزل نفسها عن تداعيات الصراع. وستتجه استراتيجيات تلك الدول إلى حفظ الاستقرار الداخلي، وإدارة الآثار الاقتصادية، والتعامل مع التعقيدات الجيوسياسية التي سيفرضها الصراع.
السيناريو الرابع: الحل الدبلوماسي الدولي (احتمالية متوسطة)
- تُعد احتمالية التوصل إلى حل دبلوماسي متوسطة في الأشهر القليلة القادمة. لكن إمكانية تغيير المواقف والأولويات الدولية قد تحمل في طياتها احتمالية ظهور بيئة مواتية للتفاعلات الدبلوماسية، مدفوعة بتصاعد الأزمة الإنسانية والضغوط الدبلوماسية الدولية، والطبيعة المتغيرة للعلاقات الجيوسياسية واحتمالية حدوث تحولات في الأولويات الاستراتيجية.
- وسيشهد هذا السيناريو المتصور، نجاح الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية المنسقة للتوسط في اتفاق لوقف إطلاق النار بين “إسرائيل” وحماس، ويحول دون تصعيدٍ إقليمي أوسع. وسيعيد المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تقييم موقفه نتيجة تصاعد الأزمة الإنسانية، والإدراك أن الدعم غير المشروط للعملية العسكرية الإسرائيلية ليس مستداماً، وسيُسفر عن نتائج عكسية. كما سيأتي هذا التحول متأثراً بعجز جيش الاحتلال عن تحقيق نصر عسكري حاسم.
- وستجري المفاوضات بشكل غير مباشر، لهذا ستلعب كل من مصر وقطر دور الوساطة المحوري لتسهيل الحوار بين جميع الأطراف. وسنشهد نقلةً كبيرة بمجرد التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الرهائن والسجناء، ما سيشجع على المزيد من التفاوض وتجنب مزيد من التصعيد.
- وستتطور الديناميات الداخلية داخل إسرائيل وبين صفوف حماس. ففي “إسرائيل”، سيكون هناك إدراك متنامٍ لفكرة أن الحل العسكري قد لا يكون قابلاً للتحقيق دون تكبُّد تكلفةٍ عالية، سواءً على صعيد الأرواح البشرية أو العلاقات الدولية. أما بين صفوف حماس، فسيكون هناك اعتراف بمحدودية الدعم العسكري الخارجي، والمعاناة الهائلة التي يجلبها الصراع على الشعب الفلسطيني. وسيكون الحل الدبلوماسي صعباً سياسياً أكثر بالنسبة لحكومة نتنياهو، التي ستواجه رد فعلٍ سياسي قوي على المستوى المحلي، وخاصةً من القطاعات الأكثر تحفظاً وتشدداً في مجتمع وحكومة إسرائيل.
- ستعتمد عودة حماس لقيادة غزة على عدة عوامل منها شروط الحل الدبلوماسي، والديناميات السياسية الإقليمية وداخل الأراضي الفلسطينية. وربما تكون هناك محادثات حول حكم غزة كجزءٍ من المفاوضات الدبلوماسية، بحيث يشمل الحكم مختلف الفصائل الفلسطينية وربما بإشراف دولي. أي إن عودة حماس لتكون سلطة الحكم المنفردة في غزة قد لا تكون نتيجةً مرجحة.
- ويظل بالإمكان تحقيق وقف إطلاق النار دون التوصل إلى حلٍ دبلوماسي شامل. وقد يأتي ذلك مصحوباً باتفاقيات حول قضايا بعينها مثل تبادل السجناء، وانسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق بعينها. وفي هذا السيناريو، سيكون وقف إطلاق النار بمثابة إجراءٍ مؤقت لوقف العنف وخلق مناخ مواتٍ للمزيد من المفاوضات، أو منع التصعيد الأوسع للصراع. وربما لن يحل ذلك القضايا العالقة أو يؤدي إلى سلامٍ دائم، لكنه سيوفر إغاثةً فورية من الصراع المستمر ويمنع وقوع المزيد من الدمار والخسائر في الأرواح.
- أما بعد المفاوضات، فستعيش غزة فترة إعادة إعمار وتأهيل. وستتدفق المساعدات الدولية على غزة، مع بذل الجهود لإعادة تشييد البنية التحتية وتحسين ظروف معيشة الناس. لكن الطريق نحو التعافي سيكون طويلا ومليئاً بالتحديات التي تشمل القيود السياسية والأمنية من قبل حكومة الاحتلال، والمصاعب الاقتصادية في ظل الحاجة لموارد كبيرة ومساعدات واسعة، ما سيجعل وتيرة إعادة الإعمار بطيئة وربما غير شاملة.
إقرأ أيضاً:
✚ لماذا شنت حماس هجوم 7 أكتوبر؟
✚ كيف تعزز الحرب في غزة موقع روسيا والصين في الشرق الأوسط؟
✚ تحطم نظرية الأمن الإسرائيلية في عملية “طوفان الأقصى”
✚ عملية “طوفان الأقصى” تفرض معادلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي
✚ أكثر اندماجا لكن أقل أمنا … أين باتت تقف “إسرائيل” في الشرق الأوسط؟