الحدث
وقع وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، ووزير النقل العراقي رزاق السعداوي، ووزير المواصلات القطري جاسم بن سيف السليطي، ووزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي سهيل المزروعي مذكرة تفاهم رباعية، في بغداد، بتاريخ 22 إأبريل/ نيسان 2024 بخصوص مشروع طريق التنمية الاستراتيجي، وذلك بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.
التحليل: طريق التنمية ضمن سياق إقليمي ودولي تنافسي
يمثل مشروع ممر التنمية أحد مشروعات النقل الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا، وتبرز أهميته الجيوسياسية في أنه يفتح المجال لمزيد من إدماج العراق في مشروعات إقليمية استراتيجية تعزز من استقلاله عن مجال النفوذ الإيراني. وبينما يلقى المشروع دعما من الصين، فإنه بالتالي يدخل السباق الجيوسياسي الدولي كونه ينافس بصورة واضحة مشروع الممر الاقتصادي، أو ممر “الهند الخليج أوروبا”، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي بايدن لربط الهند والخليج وأوروبا عبر ميناء حيفا، ضمن مساعي واشنطن لخلق سلاسل توريد بعيدة عن الصين.
- أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن مشروع “طريق التنمية” في مؤتمر دولي عُقد في بغداد في 27 مايو/أيار 2023، ويهدف إلى ربط الخليج بأوروبا عبر شبكة طرق برية وسكك حديدية تبدأ من ميناء الفاو بطول 1190 كيلو مترا في الأراضي العراقية وتنتهي في فيشخابور شمالي العراق، لتعبر الأراضي التركية إلى أوروبا بواسطة شبكة الطرق السريعة والسكك الحديدية التركية. ونظرا لضيق ساحل العراق على الخليج، والبالغ 58 كيلو مترا فقط، فقد اختير ميناء الفاو كنقطة بدء للمشروع لما يتمتع به من عمق يسمح لسفن الشحن الكبيرة باستخدامه. ومن المفترض تنفيذ المشروع بكلفة 17 مليار دولار في الجزء الخاص بالعراق ضمن ثلاث مراحل:
- المرحلة الأولى: تشمل استكمال بناء وتطوير ميناء الفاو الكبير بمحافظة البصرة بحيث تنتهي في عام 2028، وتتيح نقل 3.5 مليون حاوية بالقطار و22 مليون طن من البضائع السائبة سنويًا.
- المرحلة الثانية: تتضمن استكمال بناء السكك الحديدية والطرق البرية في العراق وتركيا بحلول عام 2033، مما يتيح نقل 7.5 مليون حاوية و33 مليون طن من البضائع سنويا.
- المرحلة الثالثة: تتضمن الانتهاء من أعمال البناء والتطوير في ميناء الفاو الكبير بحلول عام 2050، مما يتيح نقل 40 مليون طن من البضائع سنويا.
- تسعى بغداد للاستفادة من موقع العراق الجغرافي لتعزيز مكانة البلاد الجيوسياسية، كما يجلب المشروع إيرادات يتوقع أن تبلغ 4 مليار دولار سنويا مما يقلل من الاعتماد على النفط الذي يشكل 93% من إيرادات ميزانية العراق السنوية، ويربط شمال العراق مع الوسط والجنوب عبر تدشين بنية تحتية متطورة تتيح إقامة مناطق صناعية وأعمال تجارية وخدمية على طول الطريق الذي سيمر أغلبه خارج مراكز المدن مما يقلل من الكثافة السكانية في المدن، ويوفر فرص عمل للشباب.
- بالإضافة للهدف الجيوسياسي الأهم المتمثل في إبعاد العراق عن مجال النفوذ الإيراني، تبدي تركيا اهتماما كبيرا بطريق التنمية إذ يتقاطع مع هدفها بجعل تركيا عقدة جيواقتصادية تربط آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتنظر له كمكمل للممر الأوسط المعروف باسم “طريق النقل الدولي عبر قزوين”، والذي يعد أقصر طريق جغرافي بين غرب الصين وأوروبا حيث يمر بالأراضي التركية بواسطة سكة حديد “باكو -تبليسي-قارص”. وسيربط “طريق التنمية” تركيا مع الخليج، وينافس بصورة واضحة مشروع الممر الاقتصادي، أو ممر “الهند الخليج أوروبا”، الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي بايدن لربط الهند والخليج وأوروبا عبر ميناء حيفا، والذي تحداه وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، قائلا “إن ممرات الطاقة والنقل لا يمكن أن تكون فعالة ومستدامة في المنطقة من دون مشاركة تركيا”.
- ويتزامن التوقيع على اتفاق “طريق التنمية” مع تطور التعاون الأمني بين بغداد وأنقرة ضد تواجد حزب العمال الكردستاني شمال العراق، وضغوط أنقرة لتفكيك العلاقة بين الحزب وبين الفصائل العراقية الموالية لإيران. ولذا فقبل توقيع مذكرة التفاهم الرباعية الخاصة بطريق التنمية، أعلن مجلس الأمن القومي العراقي حظر حزب العمال الكردستاني، وذلك بعد لقاءات سياسية وأمنية مكثفة بين الجانبين التركي والعراقي، ناقشت التوصل لاتفاق أمني شامل يتضمن الأمن المائي والتعاون ضد تنظيم داعش.
- أما قطر فهي شريكة استراتيجية لتركيا، وقد وعدت الدوحة بغداد باستثمار 10 مليار دولار في تمويل مشاريع البنية التحتية والخدمات بالعراق، ضمن خطط تعزيز وتنويع استثماراتها ومواردها. وقد يتيح المشروع مستقبلا بناء خطوط لنقل النفط والغاز من الخليج والعراق إلى أوروبا دون المرور بنقاط الاختناق في مضيقي هرمز وباب المندب وقناة السويس، وهو ما يساهم في نقل الغاز القطري إلى أوروبا، ويلتقي مع استراتيجية الاتحاد الأوروبي في الاستغناء عن الغاز الروسي.
- ستستفيد الإمارات من إدارة ميناء الفاو، والذي طلب منها رئيس الوزراء العراقي شياع السوداني الإشراف على تشغيله، وهو أمر يحظى باهتمام استراتيجي لدى أبوظبي التي تستهدف توسيع نطاق تواجدها الاستراتيجي في سلسلة متصلة من الموانئ تربط الخليج العربي بالقرن الأفريقي والبحرين الأحمر والمتوسط. كما أن الاستثمار في البنى التحتية العراقية المرتبطة بالمشروع، مثل المدن الصناعية، يخدم خطط الإمارات الواسعة بعيدة المدى لتنويع مصادر اقتصادها.
- وبالإضافة لذلك، تظل المملكة العربية السعودية شريكا إضافيا محتملا للمشروع. حيث تسعى تركيا لإقناع المملكة بأهمية الاستثمار في المشروع دون تعارض مع شراكتها مع الولايات المتحدة في مشروع الممر الاقتصادي، والذي تشترك فيه الإمارات أيضا رغم انضمامها لممر التنمية. وسيكون من المحتمل أن تنضم السعودية لممر التنمية لأسباب جيوسياسية بالأساس تتعلق بموازنة النفوذ الإيراني في العراق.
- توجد عدة عقبات تواجه “طريق التنمية” في مقدمتها:
- أولا: انتشار الفساد في العراق مما يعيق تنفيذ المشاريع العملاقة ويستنزف الميزانيات المخصصة لها، فالعراق شغل في عام 2023 المرتبة 154 عالميا من بين 180 دولة مدرجة في مؤشر الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية العالمية.
- ثانيا: الاضطرابات السياسية، والمخاوف حول استقرار الحالة الأمنية في العراق، فبالإضافة لتواجد حزب العمال الكردستاني واحتمال استهدافه للمشروع لتعطيل المصالح التركية، فإن تنظيم داعش لا يزال ينشط في عدة محافظات منها الموصل. كذلك تنزعج حكومة أربيل من استبعاد إقليم كردستان من المشروع وهو ما سيخلق تعقيدات أخرى. كما أنه من الوارد أن تلجأ طهران لعرقلة المشروع عبر ميليشيات موالية لها دفاعا عن ممر الشمال- الجنوب، والذي تهدف طهران لاستخدامه في تحويل أراضيها وبالأخص مينائي تشابهار وبندر عباس إلى نقاط للتجارة بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا. كل هذه العوامل تولد مخاطر تهدد أعمال بناء الطريق، كما تهدد سلامة عمليات الشحن لاحقا، وربما تدفع شركات التأمين لرفع أسعارها مما يرفع كلفة الشحن الإجمالية.
- ثالثا: انخفاض تكاليف النقل البحري مقارنة بالنقل البري، إذ يعد “طريق التنمية” متعدد الوسائط، ويتطلب تحميل الحاويات على السفن إلى ميناء الفاو ثم إعادة تحميلها بريا عبر الشاحنات أو السكك الحديدية، وهو ما يتطلب تكلفة تشغيل مرتفعة مقارنة بالشحن عبر قناة السويس. وإن كان سيوفر ميزة تنافسية عالية من حيث الوقت، إذ يختصر زمن الشحن بين آسيا وأوروبا إلى نحو نصف الزمن الحالي عبر قناة السويس.