شركة أمنية للصين في ميانمار.. هل تحاكي بكين نموذج “فاغنر” الروسية؟
سياقات - ديسمبر 2024

الخبر

أفادت التقارير أن الحكومة الصينية اقترحت إنشاء “شركة أمنية مشتركة” مع المجلس العسكري في ميانمار من أجل ضمان سلامة المشاريع والأفراد الصينيين في البلاد. وشكل المجلس العسكري لجنة مكونة من 13 عضوا لمراجعة اقتراح الصين وصياغة مذكرة تفاهم للمشروع المشترك.

التحليل : شركة أمنية للصين في ميانمار.. هل تحاكي بكين نموذج “فاغنر” الروسية؟

تعرض المجلس العسكري في ميانمار، والذي يحكم البلاد منذ انقلاب فبراير/شباط 2021، لخسائر فادحة في الشهور الأخيرة بعد أن سيطرت مجموعات المقاومة المناهضة للانقلاب العسكري على مساحات شاسعة من الأراضي في مناطق مختلفة داخل ميانمار. وأثارت هذه الأوضاع غير المستقرة مخاوف الصين بشأن استثماراتها وأصولها في البلاد، إذ تقع العديد من مشاريع البنية التحتية والشركات الصينية في مناطق الصراع النشطة مما يجعلها مهددة، خاصة بعد سيطرة مجموعات المقاومة على مصنعين كبيرين للصين في شمال ووسط ميانمار في شهر يوليو/تموز الماضي.

يأتي الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار (CMEC) على رأس قائمة المشاريع الصينية التي تقع ضمن نطاق التهديدات بشكل دائم. ويشكل هذا الممر الذي يربط بين مقاطعة “يونان” جنوب الصين وساحل ميانمار على المحيط الهندي طريقا حيويا للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية للصين. ويتألف من طرق سريعة وسكك حديدية وخطوط أنابيب النفط والغاز والمناطق الاقتصادية التي تربط الصين بالميناء البحري “كيوكو” في ميانمار مما يوفر الوصول المباشر إلى خليج البنغال ومنه إلى المحيط الهندي والوصول إلى الشرق الأوسط وأوروبا. 

شركة أمنية للصين في ميانمار.. هل تحاكي بكين نموذج "فاغنر" الروسية؟

الممر الاقتصادي بين الصين وميانمار (CMEC) باللون البرتقالي، بينما يوضح اللون البني مسار التجارة عبر مضيق ملقا بدون المرور عبر ميانمار، ويشير اللون الأزرق للمر التجاري بين الصين وباكستان.

ويعد الممر الاقتصادي مع ميانمار حجر الزاوية في جهود الصين للالتفاف على مضيق ملقا والوصول إلى المحيط الهندي. إذ يمثل مضيق ملقا طريقا لأغلب إمدادات الصين من الطاقة والمواد الخام، وكذلك طريقا لأغلب صادراتها. بينما يحيط بالمضيق كل من ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وهي دول إما محايدة أو حليفة لأمريكا، الأمر الذي يجعل احتمالات إغلاق المضيق كبيرة في حال تصاعد التوترات بين بكين وواشنطن. ونتيجة إلى ذلك، تنظر الصين إلى مضيق ملقا باعتباره نقطة الاختناق الاستراتيجية في إطار صراعها المتنامي مع أمريكا، وتواصل بكين جهودها لتجاوز معضلة مالقا عبر الحفاظ على الممر الاقتصادي في ميانمار قيد التشغيل لتأمين إمدادات الطاقة وطرق التصدير في أوقات التوترات.

يأتي توجه الصين لإنشاء شركة أمنية في ميانمار في سياق أوسع من التعاون المتزايد بين بكين والمجلس العسكري في الشهور الأخيرة، وترى بكين أن وجود حكومة مركزية في ميانمار متمثلة في المجلس العسكري ربما يكون أقل ضررا من سيطرة المعارضة الديمقراطية ومجموعات المقاومة المسلحة التي أصبحت أكثر قرباً من الولايات المتحدة والغرب. كما تؤكد الخطوة الصينية أن بكين ستواصل تعزيز نفوذها في ميانمار، بينما سيكون التحدي الأبرز هو تجنب التورط بشكل أكبر في الصراع المشتعل في البلاد.

وبالرغم من تغيير بكين موقفها المتحفظ من حكومة الانقلاب في ميانمار، فإن الصين توازن بين دعمها للنظام الحاكم وعلاقتها مع جماعات التمرد في البلاد إذ لا تزال بكين في احتياج للتعاون مع تلك الجماعات – خاصة مجموعات التمرد العرقية – لضمان أمن الحدود التي تفصل بين الصين وميانمار والتي لا يسيطر عليها المجلس العسكري. وتنتشر على طول تلك الحدود التي يبلغ طولها ما يزيد عن 2000 كيلومتر مراكز الاحتيال الإلكتروني التي تلحق أضرارا كبيرة بالمواطنين الصينيين في مقاطعة “يونان”، وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الإيرادات الناتجة عام 2023 من الاحتيال عبر الإنترنت من خلال تلك المراكز يصل إلى 15.3 مليار دولار غالبيتها من الاحتيال على الصينيين.

ولا تعد شركة الأمن الصينية المقترحة في ميـانمار الأولى من نوعها، إذ تمتلك بكين عدد من شركات الأمن الخاصة حول العالم ولكن ينحصر دورها في حماية الاستثمارات الصينية المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق. وتتجنب هذه الشركات الأدوار القتالية المباشرة على عكس فاغنر الروسية التي شاركت بشكل كبير في الصراعات في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط وأوكرانيا باعتبارها شركة عسكرية خاصة بينما في الواقع عملت كامتداد غير رسمي للجيش الروسي.

ولكن مع انخراط الصين المتزايد في الحرب الأهلية في ميانمار فإن احتمالات تحول شركة الأمن الصينية إلى نموذج يحاكي فاغنر الروسية تظل قائمة، إذ يمكنها أن تعمل بقيود أقل من تلك القيود المعتادة المفروضة على شركات الأمن الخاصة الصينية عبر تقديم التدريب العسكري والدعم القتالي وتأمين الأصول الاستراتيجية؛ مما يجعلها واحدة من أدوات التأثير الجيوسياسي للصين في ميانمار ومنطقة جنوب شرق آسيا.

تقدم الأوضاع غير المستقرة في ميـانمار نموذجا للتحدي الذي يواجه الصين عبر جميع خطوط مبادرة الحزام والطريق وسط تصاعد الأزمات الجيوسياسية حول العالم. ويؤكد تحول الصين نحو التدخل المباشر لتأمين استثماراتها في ميـانمار عبر شركة أمنية بدلا من المجلس العسكري ما توقعناه في “أسباب” عندما تناولنا الاتفاق الأمني بين الصين و”جزر سليمان” في أبريل/نيسان، 2022، حيث أشرنا إلى أن الصين في المدى القريب ربما تحاول إرساء مبدأ استخدام القوة العسكرية لحماية بنيتها التحتية واستثماراتها في الأماكن التي تدعي أن الحكومة لا تملك فيها القدرة على تحقيق الاستقرار. وهو الأمر الذي قد يتطور مع الوقت لتزايد الانتشار العسكري والأمني الصيني بما يواكب انتشار الاستثمارات الصينية في آسيا وأفريقيا بصورة خاصة.