تقديم عام
انطلقنا في تقدير السيناريوهات من افتراض أن تسوية الصراع في اليمن يقوم على نتائج مسارين رئيسين: مسار تطورات الاقتتال الداخلي على الأرض بين الأطراف المتصارعة، ومسار المفاوضات الجارية بقيادة الأمم المتحدة، ومدى الدعم الذي ستحظى به من القوى الإقليمية والدولية، وبخاصة الإدارة الأمريكية الجديدة.
ونظراً لعدم نضوج كلا المسارين، والتقلبات الشديدة التي تعتريهما، وليس آخرها المعارك الدائرة في مأرب والخلافات بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي، فقد حصرنا توقعات السيناريوهات المحتملة إلى نهاية العام الحالي.
قصرنا تحليلنا على ثلاث سيناريوهات بسبب الافتراضات الأساسية التالية:
أولاً، تعزّز المسار الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران في معالجة أزمة الاتفاق النووي، وترجيح عدم حدوث تغيرات دراماتيكية تؤدي إلى انهيار العلاقة بين الطرفين وصراع عسكري خلال العام.
ثانياً، انسحاب الولايات المتحدة من الدعم العسكري للتحالف (السعودية، الامارات) في حربه باليمن، واقتصاره على العمليات المتعلقة بالإرهاب.
* في الجدول أدناه، أدرجنا المتغيرات التي سيتم بناء السيناريوهات عليها وهي في تبويبين أساسيين: متغيرات الصراع، وفاعلية المفاوضات والضغوط.
السيناريو الأول
انخفاض الصراع والانتهاء بتوقيع اتفاقية تمهّد لتسوية دائمة
- وفق هذ السيناريو، قد تنخفض المعارك الدائرة على الأرض بين جماعة الحوثي وقوات الحكومة الشرعية بشكل ملحوظ، بالتوازي مع تحقيق المفاوضات الأممية تفاهمات مستقرة بين الطرفين قبل نهاية العام 2021، ومع ذلك منح هذا السيناريو 40% نظراً لحالة السيولة الكبيرة في الميدان، وعدم الثقة بين الأطراف اليمنية والدول الإقليمية ذات العلاقة.
- قد يُساعد الهدوء النسبي في جبهات القتال على الوصول لاتفاقية تهدئة دائمة وشاملة عبر مراحل ثلاث تمتد من الاستقرار والإغاثة في المدى القريب، إلى فترة انتقالية لبناء المؤسسات على المدى المتوسط، وتبلغ ذروتها في توطيد الديمقراطية والتنمية المستدامة على المدى الطويل.
- وحتى ذلك الوقت، سيبقى التوقع في السنوات المقبلة بترجيح ظهور دولة اتحادية هشّة، وحكومة مركزية غير قادرة على توسيع صلاحياتها وبسط سيطرتها الكاملة.
- التنفيذ الكامل والشفاف لاتفاقية الرياض بين حكومة عبد ربه منصور هادي والمجلس الانتقالي بقيادة “الزبيدي”، هو على الأرجح شرط مسبق لأي مفاوضات جادة من طرف الحكومة الشرعية مع جماعة الحوثي.
- كذلك فإن أي توتر محتمل في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران قد يؤثر أيضاً على الوضع الميداني في اليمن والمسار التفاوضي، والعكس صحيح، خاصة إذا عادت الولايات المتحدة للاتفاق النووي.
- اشراك الخليج في نهج استقرار اليمن، وكذلك إيران التي أشارت إلى أنها أكثر استعدادًا لدعم المفاوضات والمساهمة في عملية التسوية خشية تهميشها في أي صفقة.
- سيبقى الأمر مرهوناً في هذا السيناريو بشرط ضبط الوضع الميداني، فبينما أظهرت الأطراف المتصارعة حرصها على استئناف المفاوضات وابرام صفقات تبادل أسرى، أظهرت الهجمات الأخيرة لجماعة الحوثي في مأرب بأن استراتيجية الجلوس على طاولة المفاوضات بموقع ميداني متقدم هي الحاكمة عند الحوثي.
- ستتطلب النهاية الدائمة للصراع نهجًا مرحليًا يضمن أمن المواطنين في جميع أنحاء اليمن بمختلف الطبقات السياسية والاجتماعية، ويوفر نوع من الاستقرار الاقتصادي. ويبدو أن تطوير قطاع الغاز الطبيعي المسال سيصبح مصدرًا للإيرادات الحكومية في المستقبل، مع محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الحالية التي يمكن استعادتها واستخدامها في غضون مهلة قصيرة نسبيًا، وهناك أيضاً منطقة التجارة الحرة التي تم انشاءها في عدن، ويمكن أن تساعد في تنشيط الميناء.
- من المرجح أن يشهد الاقتصاد اليمني تحسن طفيف في العام 2021، حيث عدلت شركة “فيتش” في تقييمها لدرجة اليمن إلى 19.0 (من 100) في مؤشر المخاطر السياسية قصير الأجل (STPRI)، بعد أن كان 18.1 سابقًا، ولكن مع ذلك يبقى اليمن في أدنى درجة لأي بلد مشمول في التصنيف العالمي الخاص بـ”فيتش”.
السيناريو الثاني
استمرار الصراع وتعثّر توقيع اتفاقية تسوية
- وفق هذا السيناريو يستمر القتال على طول العديد من الجبهات الحالية، مع تصعيد متقطع في العنف وزيادة النزوح.
- عوامل كثيرة قد تعزز استمرار الصراع، ليس أقلها الواقع الذي أفرزته سنوات الانقسام والحكم المحلي في أماكن مثل مأرب وحضرموت، مما يكشف عن مهمة ليست باليسيرة في تمكين الهياكل المركزية القادرة على توفير الأمن والاستقرار.
- كذلك فإن فشل اتفاق الرياض واستمرار الخلاف بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي، سيجعل الحكومة اليمنية تتعامل مع سلطتان بحكم الأمر الواقع، الحوثيون في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب.
- توقع اتساع الفجوة في عملية التفاوض بين الحوثيين والفاعلين السياسيين الآخرين، وعدم الوصول لصيغ أسس مشتركة لعملية سياسية مستقبلية.
- لكن من ناحية أخرى، فإن هناك عوامل تحد من حالة الانهيار التام للعملية السياسية، بما في ذلك:
- اتفاق وقف إطلاق النار يقلل من تصعيد الصراع.
- استمرار النسق البطيء للعملية السياسية، والاتصال بين السلطات المحلية/المركزية المختلفة.
- إيداع السعودية لأموال إضافية في البنك المركزي اليمني في عدن، وزيادة تدفقات التحويلات واستئناف إنتاج النفط وتصديره.
- الوصول إلى اتفاق بشأن البنك المركزي في عدن وصنعاء، وزيادة الواردات إلى اليمن ورفع العقوبات.
- سماح مسؤولو الصحة ومجموعات الطوارئ في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة اليمنية بوصول المزيد من العاملين في المجال الإنساني وتنفيذ استجابة أكثر ملاءمة.
السيناريو الثالث
تصاعد الصراع وفشل في توقيع اتفاقية
- اشتداد الصراع على الخطوط الأمامية، واشتباكات وأعمال شغب تتزايد في العديد من المدن اليمنية تؤدي إلى الانهيار التام للعملية السياسية، وتزايد النزوح في جميع أنحاء اليمن.
- استمرار سعي الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتعزيز أهدافها السياسية والاقتصادية والأمنية ومصالحها عبر شراكات انتهازية ضيقة على حساب التهدئة وإنهاء الحرب في اليمن، من المنافسة السعودية على النفوذ في شرق اليمن، إلى المصالح التجارية والبحرية الإماراتية على طول الساحل الجنوبي، والهيمنة الإيرانية في مناطق سيطرة الحوثيين في شمال اليمن، وصولاً للمصالح والمنافسة الدولية في المنطقة.
- أشار تقرير المخاطر لشركة “فيتش” بشأن اليمن للعام 2021، إلى شكوك كبيرة حول قدرة البلاد على البقاء موحدة. حيث إن النظام السياسي المستقطب يثير الكثير من المخاطر على ضوء التوترات الطائفية والقبلية المرتفعة، وعجز الحكومة عن السيطرة على مناطق شاسعة من البلاد، والاعتماد على التحالف العسكري الخارجي لدعم القوة الصغيرة التي تمتلكها.
- البطالة والفقر منتشران على نطاق واسع، حيث أعلنت الأمم المتحدة أن اليمن على وشك المجاعة، وأن 80٪ من سكان اليمن يحتاجون إلى مساعدة دولية. وسيزداد الأمر سوءاً في حال تم إغلاق العمليات الإنسانية بسبب تزايد الهجمات ضد المساعدات الإنسانية.
- وقد يؤدي التباطؤ الاقتصادي في السعودية وبقية دول الخليج وسط انخفاض أسعار النفط وتداعيات وباء كوفيد-19 إلى وضع العديد من اليمنيين المغتربين عاطلين عن العمل، وتقليل المساعدات الواردة والاستثمار.
- فرض مزيد من العقوبات الدولية على صادرات النفط وعمليات الموانئ، بما يؤثر على التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص الوقود. فيما يشهد إنتاج النفط في الحقلين الرئيسيين: مأرب والمسيلة، انخفاضًا طويل المدى.
- وسيتسبب تصاعد حدة الصراع في مزيد من الدمار، وبالتالي ارتفاع تكاليف إعادة الإعمار في نهاية المطاف.