الحدث
أجرى الرئيس الصيني “شي جين بينغ” زيارة إلى روسيا استمرت ثلاثة أيام من 20 إلى 22 مارس/آذار الجاري، وأعلن فيها عن اتفاقيات للتعاون الاقتصادي، وتعهدت موسكو بزيادة التجارة الدولية بالعملة الصينية “اليوان”، فضلاً عن وصول الشركات الصينية إلى روسيا والتي يمكن أن تحل محل الشركات الغربية التي غادرت روسيا منذ بداية الحرب. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن زيارة “شي” تهدف إلى تعزيز السلام العالمي، في إشارة إلى أن خطة السلام الصينية بخصوص حرب أوكرانيا كانت محل نقاش بين الزعيمين.
التحليل: زيارة “شي” تعمق علاقته مع “بوتين” بحذر
-
تواجه الصين تحدياً جوهرياً في تحقيق توازن بين فوائد تعزيز شراكتها مع روسيا ومخاوف تقويض علاقاتها ومصالحها مع الغرب؛ حيث تحتاج بكين إلى توثيق شراكتها الاستراتيجية مع موسكو في إطار سعيهما المشترك لإنهاء نظام القطب الواحد، كما ترغب في تأمين إمدادات الطاقة وإيجاد مسارات بديلة عن النفط المنقول بحرا والقادم من الشرق الأوسط والذي قد يتوقف في حال تصاعد التوتر بين بكين وواشنطن حول تايوان، الأمر الذي بدا بوضوح مع زيادة إمدادات النفط الروسي إلى الصين في العام الماضي بنسبة 44%، وزيادة إمدادات الغاز الروسي بأكثر من الضعف. لكن في المقابل؛ تسعى بكين إلى الحفاظ على علاقاتها مع شركائها التجاريين الأكبر في أوروبا، خاصة بعد أن تسببت سياسات الإغلاق المشددة المتعلقة بفيروس كورونا في تعثر الاقتصاد الصيني العام الماضي.
- زيارة “شي” إلى موسكو بعد أيام من توليه لفترة رئاسة ثالثة للصين دليل بارز على التزام الصين بدعم روسيا دبلوماسيا واقتصاديا في مواجهة الاصطفاف الغربي ضدها منذ بدء غزو أوكرانيا، ومع ذلك لا تزال الصين حذرة بشأن التكاليف المحتملة لتعزيز شراكتها مع روسيا والتي يمكن أن تلحق الضرر بمصالحها الاقتصادية الحيوية؛ حيث قدم “شي” ضمنيا دعمًا سياسيًا ومعنويًا للرئيس الروسي “بوتين” بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بحقه، ودعما اقتصادياً يرتكز على تعميق الروابط التجارية، بينما لم يعد بتقديم أي مساعدات عسكرية لروسيا التي تسعى لتغطية احتياجها العسكرية لمواجهة تدفقات الأسلحة الغربية المتطورة للجيش الأوكراني. وكذلك، لا يبدو أن ثمة تقدم كبير في صفقة خط أنابيب غاز “قوة سيبيريا 2” (Power of Siberia-2) والذي تنتظر روسيا أن يمنحها بديلا لإعادة توجيه صادرات الغاز من أوروبا إلى آسيا، إذ لم يؤكد البيان الختامي للقمة التوصل لاتفاق نهائي بشأن خط الغاز، وهو الأمر الذي يتوافق مع سياسة بكين الحذرة في إبرام عقود طاقة طويلة الأجل.
- وتأتي زيارة “شي” إلى روسيا في إطار رغبة بكين في إعطاء دفعة جديدة لـ “خطتها للسلام” بين روسيا وأوكرانيا والتي أعلنتها في فبراير/شباط الماضي دون أن تحدث تأثيرا كبيرا، وخاصة بعد أن حققت بكين نجاحاً دبلوماسياً لافتاً كوسيط محوري بين السعودية وإيران، أظهرها كقوة دبلوماسية مهمة في منطقة مارست فيها واشنطن هيمنة دبلوماسية منذ نهاية الحرب الباردة.
- وبينما ينظر دبلوماسيون أمريكيون مخضرمون إلى الصين “كصانعة سلام محتملة في أوكرانيا“، فإن النجاح الذي حققته الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط ليس من السهل تكراره في أوكرانيا؛ حيث تفتقر الصين إلى مكانة الوسيط المحايد في الحرب الأوكرانية بسبب دعمها الواضح لروسيا، كما أنها كانت بعيدة عن جهود الوساطة الجادة منذ بداية الحرب.
- يعد تعزيز الشراكة مع بكين جزءًا أساسياً من استراتيجية موسكو لكسر العزلة الدولية التي يفرضها الغرب، وتوفير غطاء دبلوماسي لمواصلة حربها في أوكرانيا. وترى موسكو أن تنامي العلاقات الاقتصادية مع بكين، والتي حققت مستويات قياسية العام الماضي حيث بلغت التجارة الثنائية 190 مليار دولار، بمثابة شريان الحياة الذي يعوض روسيا عن بعض مبيعات النفط والغاز الطبيعي المفقودة بسبب العقوبات الغربية، وكذلك توفير بدائل للمكونات الغربية المحظورة والمهمة للآلة العسكرية الروسية مثل أشباه الموصلات ومعدات الجيل الخامس، أي إن العقوبات الغربية تزيد من اعتماد موسكو على بكين وتعمق النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي للأخيرة في روسيا؛ مما سيؤدي إلى استمرار اتساع الخلل في ميزان العلاقة الثنائية لصالح الصين.