ما هو دور وكلاء إيران في حصار إسرائيل وأمريكا؟

جاء الهجوم الإيراني بأكثر  من 300 طائرة مُسيَّرة وصاروخ على إسرائيل ردا على قصف الاحتلال الإسرائيلي مجمع السفارة الإيرانية في سوريا قبل أسابيع.وأصبحنا اليوم على مشارف تصعيدٍ غير مسبوق فيما يبدو الصراع المسلح بين أمريكا وإسرائيل وإيران أقرب من أي وقت مضى.

لكن إيران لن تقف بمفردها في حال ساءت الأوضاع واندلعت حرب شاملة حيث تتمتع بشبكة وكلاء ضخمة، ومنذ اندلاع صراع غزة تعرّضت القوات الأمريكية لأكثر من 160 هجوماً إجمالاً بينما كان رد بايدن خجولاً في أحسن الأحوال، إذ إن الموارد الأمريكية مضغوطةٌ بدرجةٍ كبيرة.

منصة أسباب وبالشراكة مع Caspian Report، تقدم لكم في هذا الفيديو كيف لوكلاء إيران دور في حصار إسرائيل وأمريكا والتغلٌّب عليهما.

كانت كل من إيران وأمريكا شوكةً في حلق الأخرى طيلة عقود لكن الأوضاع ازدادت سخونةً مؤخراً. إذ تستنزف الحرب في أوكرانيا الموارد الأمريكية، ويجب أن تكون الموارد المتبقية على أهبة الاستعداد للمواجهة المحتملة في تايوان.
أما إيران فهي في أنسب وقت لتغيير الوضع الراهن، حيث لا تستطيع الولايات المتحدة التواجد في كل الأماكن طوال الوقت.

صراع إيران وأمريكا منذ 1979

لكن فهم كيفية وصول الأمور إلى هذه النقطة يتطلب منا العودة إلى زمن الثورة الإسلامية عام 1979.

  • جرت الإطاحة بالشاه المدعوم أمريكياً
  • صادرت قيادة الثورة السفارة الأمريكية
  • احتجزت جميع الدبلوماسيين الأمريكيين البالغ عددهم 52 رهينة

وكان من الضروري لإيران أن تقطع العلاقات مع واشنطن لتضمن نجاح الثورة الإسلامية.
وخلال العقود التالية، ركّزت السياسة الخارجية الإيرانية على دحر الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط.
وقد ظهرت الصراعات وانحسرت في محيطها كأمواجٍ هائجة تصطدم بالشاطئ. وكانت كل موجة تأتي حاملة معها فرصةً لإيران من أجل توسيع نفوذها.

لكن هذا النهج لم يكن يعتمد على ضم الأراضي، بل صُنع الأدوات وعن طريق تمويل وتدريب وتسليح مجموعة من الجماعات المسلحة ذات الأغلبية الشيعية بطول الشرق الأوسط، زرعت إيران شبكةً من الميليشيات المسلحة المستعدة لتنفيذ رغباتها، مع الاحتفاظ بغطاء قدرتها على الإنكار. لكن الولايات المتحدة كانت تحظى باليد العليا في مهد الجمهورية الإسلامية.

وبرز صدام حسين كخصمٍ لا يُستهان به عندما شنّ غزوه عام 1980، واحتاج كلا الطرفين إلى ثماني سنوات، وملايين الوفيات، ومئات المليارات من الدولارات حتى يضطرا للجلوس إلى طاولة المفاوضات.

حروب عبر وكلاء إيران

حزب الله

وربما كانت حرب إيران مع العراق مُدمِّرة، لكنها قرّبت سوريا بقيادة الأسد الأب من إيران.
وبالتعاون مع الأسد، رعت طهران أولى ميليشياتها الوكيلة: حزب الله. إذ كانت الجماعة الشيعية أول عضوٍ في شبكة وكلاء إيران المعروفة باسم “محور المقاومة”.

ونما حزب الله منذ ذلك الحين ليتحول إلى حزب سياسي نافذ في لبنان، وأحد أكثر القوات العسكرية قدرةً في المنطقة.

  • يمتلك نحو 100 ألف مقاتل مدعومين بالمُسيَّرات والدبابات والمدفعية
  • ترسانةٍ تضم أكثر من 130 ألف صاروخ وقذيفة

الحرس الثوري

بينما يأتي الحرس الثوري في مركز مشروعات إيران الخارجية، وهو عبارةٌ عن قوةٍ أيديولوجية شبه عسكرية مهيبة تُشكل عصب إسقاط القوة الإيراني.

  • يبلغ قوامه نحو 150 ألف مقاتل أي قرابة نصف تعداد الجيش الوطني الإيراني
  • يضم في صفوفه فيلق القدس، المعروف بتنسيقه لعمليات إمداد وتسليح وكلاء إيران بطول المنطقة
  • شكل فيلق القدس جماعات وكيلة إضافية في العراق، وخاصةً بعد عام 2011 بالتزامن مع تراجع النفوذ الأمريكي

وتعمل الجماعات المدعومة من إيران تحت مظلة “المقاومة الإسلامية في العراق”، التي يتراوح قوامها بين 35 و75 ألف مقاتل، كما تتزعمها جماعات مثل كتائب حزب الله، وهي معروفة بهجماتها المتواصلة على المصالح الأمريكية في العراق وسوريا، وفي عام 2011، اجتاحت رياح الربيع العربي منطقة الشرق الأوسط لتُطيح بالأنظمة وتُثير حركات التمرد.

حروب عبر وكلاء إيران

وخلق هذا الأجواء المثالية لإيران من أجل توسيع نفوذها. وقد استغلت الفرصة وسط الاضطرابات، إذ تواصلت مع المتمردين الحوثيين في اليمن لزرع بذور نفوذها في عمق شبه جزيرة العرب، وحققت ذلك بالقرب من خصميها الرئيسيين: السعودية والإمارات.

يُذكر أن كليهما يتمتع باقتصاد قوي، وقوات مسلحة لا يُستهان بها، وعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة
بينما يُعد الحوثيون جماعة متمردةً مُخضرمةً في المعارك، إذ يقاتلون قوات النظام المدعومة من السعودية منذ عام 2014، لكنهم تحوّلوا اليوم إلى منصةٍ لإطلاق الصواريخ الإيرانية.

وقد شنّ الحوثيون منذ عام 2015 مئات الهجمات بالمُسيّرات والصواريخ ضد السعودية، وإسرائيل، وحتى الإمارات.
وليست هناك الكثير من البيانات الموضوعية المتوافرة عن الحوثيين، لكن أعدادهم تبلغ نحو 200 ألف شخص ولا يتمتع جميعهم بالجاهزية القتالية، ومن المُعتقد أن عدد المقاتلين الحوثيين الموالين لإيران يتراوح بين 10,000 و30,000 مقاتل.
وعبر تجنيد الحوثيين، حصلت إيران على ورقة ضغط استراتيجي وحاصرت الموارد العربية، لتضيف بذلك بيدقاً آخر إلى رقعة الشطرنج الإقليمية، ويُمكن القول بشكلٍ عام: إن إيران تُدرك حدود جيشها التقليدي، لهذا تعتمد على الحرب غير المتكافئة عبر وكلائها.

وقد أثبتت هذه الاستراتيجية فعاليتها الشديدة لدرجة أن الحرب السورية كانت الاختبار الكبير الوحيد لطموحاتها.
إذ هدّدت احتمالية سقوط الأسد بتقويض قبضة إيران على الشام وإحداث فجوة في شبكةٍ وكلائها، حيث كانت خسارة سوريا ستعني فقدان الوصول البري المباشر إلى حزب الله في لبنان.
لكن إيران نجحت عبر تحالفها مع روسيا في صد قوات المعارضة السورية، وتأمين حكم الأسد، وتحويله إلى أداةٍ لها بالتبعية.

هجمات الحوثيين

وفي رد فعلٍ جريء على صراع غزة، بدأ الحوثيون في تنفيذ عمليات اقتحام وشن هجمات بالمسيّرات والصواريخ على السفن المارة في البحر الأحمر.

  1. ذكر صندوق النقد الدولي أن الاضطرابات أسفرت عن تراجع الشحن عبر البحر الأحمر بنسبة 30% في يناير/كانون الثاني فقط
  2. تدخلت البحرية الأمريكية بعدها، لكن تهديد هجمات المسيّرات والصواريخ ما يزال قائماً.
  3. يستهدف الهجوم الحوثي عموماً الضغط على أمريكا في تعاملاتها مع إسرائيل والعالم العربي الأوسع.
  4. إن هجمات البحر الأحمر كانت بمثابة تمهيد لهجمات إضافية على المصالح الأمريكية.

ففي الـ28 من يناير/كانون الثاني، أسفر هجوم قوي على قاعدة البرج 22 في الأردن عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة 40 آخرين، وأعلنت المقاومة الإسلامية في العراق مسؤوليتها عن الهجوم، لكن البنتاغون سارع إلى توجيه أصابع الاتهام نحو إيران في اليوم التاليـ واتهمها بتسليح المعتدين ثم توعّد بتحميل طهران المسؤولية.


ورداً على الهجوم، شنّت الولايات المتحدة بدعمٍ بريطاني غارات دقيقة على 36 موقعاً للحوثيين في اليمن، وجاءت الغارات متبوعةً بهجماتٍ إضافية على وكلاء إيران في العراق وسوريا، وربما تستطيع القوة الجوية أن تبعث برسائل قوية، لكنها تعجز عن توجيه ضربات قاضية عادةً.

ووكلاء إيران لديهم دراية جيدة بتكتيكات القوة الجوية من هذا النوع، كما يتوقعونها جيداً، وهذا يعني أن تفكيك شبكة وكلاء إيران المُوسَّعة يضع أمريكا أمام خيار وحيد: نشر جنودها على الأرض.
وعلاوةً على التحركات الهجومية، عززت الولايات المتحدة وجودها في المنطقة.

  • نشرت 3,200 جندي إضافي بالمنطقة
  • أنظمة الدفاع الجوي المتطورة باتريوت وثاد
  • إرسال فرقة مهام بحرية

وتبعث هذه البصمة العسكرية برسالةٍ إلى إيران وحلفاء الولايات المتحدة، مفادها أن أمريكا ملتزمة بالأمن الإقليمي.
لكن هجمات وكلاء إيران تأتي في توقيت محسوب بدقة إذ تستغل عام الانتخابات الحاسم في الولايات المتحدة وتستفيد من الالتزامات الأمريكية تجاه عدة صراعات.

وقد تعامل بايدن بحذرٍ حتى الآن لكن الفوز في الانتخابات ربما يشجعه على تبنّي موقفا أكثر حزماً، كما سيفعل ترامب الشيء نفسه وربما أكثر، ومع ذلك، تظل هناك عقبات على طريق الهيمنة.

نقاط ضعف إيران

وبرغم النفوذ الإيراني، يعمل كل من وكلاء إيران تحت لوائه الأيديولوجي الفريد أي إن الانحرافات عن التوجيهات الاستراتيجية الإيرانية قد تُعطِّل خططها المرسومة بدقة، ومن الممكن أن تأتي الهجمات الأخيرة برد فعل عكسي مثلاً.
إذ ربما توقف واشنطن مفاوضات سحب بقية جنودها الـ2,500 من العراق ما يعني أن إيران تستطيع السير على خيطٍ رفيع، بينما يتعيّن على وكلائها مراقبة خطواتهم.


وربما تكون طهران قوة لا يُستهان بها، لكن لديها نقاط ضعفٍ أيضاً، فعلى غرار يوغوسلافيا من قبل، يُعد التكوين الإثني لإيران بمثابة نقطة ضعفها الرئيسية، ويفكر صناع السياسة الأمريكية والإسرائيلية حالياً في استغلال هذه الانقسامات الداخلية وذلك أملاً في تحقيق سيناريو البلقنة داخل إيران، وقد عزّز الاحتلال الإسرائيلي تحديداً علاقاتها مع أذربيجان. وأبدت اهتماماً بدعم الحركات الانفصالية الأذربيجانية داخل إيران.


يُذكر أن عدد الإيرانيين الأذربيجانيين يتراوح بين 25 و28 مليون نسمة وغالبيتهم في شمال إيران، وفي حال قررت ولو نسبة من هذا العدد الكبير أن تحمل السلاح ضد طهران؛ فسيشكل هذا كارثةً على الدولة الإيرانية، لكن عمليات المعلومات ما تزال في مهدها في الوقت الراهن.

وفي شرق إيران،  تتواجه مع باكستان. ويُمثل الانفصاليون المسلحون البلوش عصب المشكلة، إذ يشكلون الأغلبية العرقية في المنطقة ويشعرون بالتهميش من جانب طهران وإسلام أباد، كما توجد على الجانب الإيراني حركة تمرد إسلامي سنية، بينما يُعتبر تمرد البلوش في باكستان بمثابة حركة قومية أكثر علمانية.


وعلى كل حال، يؤدي هذا التمرد الإثني إلى وضع إيران وباكستان على حافة الهاوية، وقد وصل الأمر بطهران في يناير/كانون الثاني إلى شن غارات أحادية ضد الانفصاليين البلوش المختبئين في باكستان، وكانت هذه هي أول مرةٍ تشن فيها إيران هجوماً على الأراضي الباكستانية.

وبعدها بيومين، ردت إسلام أباد بشن غاراتها الجوية ضد الانفصاليين البلوش المختبئين في إيران، وأظهر عرض العين بالعين هذا مدى السرعة التي يُمكن أن تتدهور بها الأوضاع بصورةٍ غير متوقعة، وبالعودة إلى الهجوم الإيراني، تتطلع إسرائيل إلى إعادة إثبات الردع. لكن مستوى الدعم الأمريكي سيُحدد ما إذا كانت الأزمة ستتصاعد لتتجاوز حدود إسرائيل وإيران أم لا.

إقرأ أيضاً:

هل تؤثر وفاة رئيسي وعبد اللهيان على سياسة إيران الخارجية؟

في ميناء تشابهار.. إيران والهند تعزفان على وتر سباق القوى الكبرى

تحطم نظرية الأمن الإسرائيلية في عملية “طوفان الأقصى”

عملية “طوفان الأقصى” تفرض معادلة جديدة في الصراع العربي- الإسرائيلي