الحدث
في ختام زيارته لبكين 17 مايو/أيار الجاري، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو وبكين أكدتا اهتمامهما بالمضي قدما في مشروع خط أنابيب الغاز المقترح “قوة سيبيريا 2” (Power of Siberia 2). وأضاف بوتين أن الاقتصاد الصيني المتنامي يحتاج إلى الطاقة ولا يوجد مورد أكثر موثوقية من روسيا، مؤكدا أن المشروع سيكون محصنا ضد العقوبات الغربية.
التحليل: تقدم مشروع “قوة سيبيريا 2” رهن بعوامل اقتصادية وجيوسياسية
ستواصل روسيا جهودها لتفعيل مشروع خط قوة سيبيريا 2، حتى لو بأسعار منخفضة، لأنه يخدم توجهات موسكو الاستراتيجية لإيجاد مستوردين للغاز من غير الأوروبيين، والأهم من ذلك ما يحمله المشروع من قيمة جيوسياسية كبيرة بالنسبة لروسيا التي تستخدم مواردها من الطاقة كأداة لتعزيز النفوذ الجيوسياسي، فضلا عن كون المشروع علامة واضحة على شراكتها الاستراتيجية مع الصين.
- وعلى الرغم من الحذر الصيني والحرص على تجنب العقوبات الغربية، سيظل المشروع على الطاولة ضمن بدائل بكين التي لن تتعجل في وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية في ظل أن عقود التوريد الحالية تلبي احتياجات الصين حتى منتصف العقد القادم. ومن المرجح أن يتم استكمال المشروع بشروط الصين، مما قد يعيد تشكيل سوق الغاز العالمية، وإن كانت الصين ستعمل على الموازنة بين الشراكة الاستراتيجية مع روسيا وأهمية تنويع مصادر وارداتها من الطاقة لتجنب الاعتماد المفرط على مورد رئيسي واحد.
- وتشير تصريحات بوتين إلى الأهمية التي توليها موسكو للمشروع في ظل جهود إعادة توجيه صادراتها من الغاز من أوروبا إلى آسيا. كما حاولت روسيا إحياء مفاوضات خط “قوة سيبيريا 2” مع الصين أكثر من مرة بعد الحرب الأوكرانية، وتكررت المحاولات الروسية في العام الماضي خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لموسكو وكذلك خلال زيارة بوتين إلى بكين، ومع ذلك لم تسفر الجهود الروسية عن إحراز تقدم جوهري بشأن خط الغاز خلال العامين الماضيين.
- ولم تذكر موسكو تكلفة خط قوة سيبيريا 2 الذي يبلغ طوله 2600 كيلومتر، ولكن بعض التقديرات تشير إلى أن التكلفة تقدر بنحو 13.6 مليار دولار، وسينقل الخط الغاز سنوياً من منطقة يامال شمال روسيا إلى الصين عبر منغوليا. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمشروع حوالي 50 مليار متر مكعب سنوياً، ما يعادل تقريباً خط أنابيب نورد ستريم 1 بين روسيا وألمانيا، المتوقف حالياً. ومن المتوقع إذا تم إنشاء الخط في العقد الجاري أن يزداد إنتاجه تدريجيا، بحيث يصل الخط الجديد إلى طاقته الإنتاجية الكاملة بحلول عام 2035.
- انخفضت صادرات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي بشكل كبير بعد أكثر من عامين من الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أطلق خططا أوروبية مضادة للاستغناء عن الغاز الروسي. حيث انخفضت صادرات خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا في عام 2023 إلى 27 مليار متر مكعب بعد أن كانت 140 مليار متر مكعب في عام 2021، بينما ظلت صادرات الغاز المسال الروسي إلى أوروبا مستقرة نسبيا عند حوالي 22 مليار متر مكعب في عام 2023. وتسبب النهج الأوروبي في تراجع إجمالي صادرات الغاز الروسية للأسواق العالمية بنحو 42% مقارنة بعام 2021.
- ولا تزال روسيا ثاني أكبر مصدر للغاز في العالم بعد الولايات المتحدة. وترتكز الاستراتيجية الروسية لمواجهة الحصار الأوروبي على التوسع في صادرات الغاز سواء عبر خطوط الأنابيب أو الغاز المسال (LNG) إلى مستهلكين من خارج الاتحاد الأوروبي بما يشمل الصين وتركيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق. حيث ارتفعت إمدادات الغاز الروسي إلى الصين عبر خط أنابيب “قوة سيبيريا 1” من 10 مليار متر مكعب عام 2021 إلى 22.7 مليار متر مكعب عام 2023، ولم تستبعد روسيا الانضمام إلى خط أنابيب الغاز TAPI الذي يمر عبر تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند.
- تواجه الاستراتيجية الروسية مجموعة من التحديات، يمكن أن تتسبب كل هذه التحديات في إبطاء إنتاج الغاز المسال الروسي وتعقيد مبيعاته للخارج. ويأتي في مقدمة تلك التحديات:
- تزايد احتمالات فرض الاتحاد الأوروبي حظر على الغاز المسال الروسي،
- العقوبات الأمريكية المفروضة على مشاريع الغاز المسال الروسية الجديدة،
- تقييد الوصول إلى تكنولوجيا التسييل الغربية والقيود اللوجستية المتعلقة بالشحن.
- مشاريع الغاز المسال الروسية القائمة معرضة هي الأخرى للعقوبات الغربية، حيث لم تفرض واشنطن عقوبات على تلك المشاريع لضمان توازن أسواق الغاز، لكن من المتوقع عندما يتوفر قدرات بديلة كافية للغاز الطبيعي المسال أن تتحرك أمريكا لفرض عقوبات على مشاريع الغاز المسال الروسي القائمة.
- منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا واصلت الصين زيادة وارداتها من النفط والغاز الروسي، وحصلت على تخفيضات كبيرة في الأسعار وإمكانية الدفع بالعملة المحلية “اليوان”، ومع ذلك تصرفت الصين بحذر شديد مع مشاريع الطاقة الروسية ولم تبرم بكين أي اتفاقية للاستثمار في النفط والغاز مع موسكو منذ ذلك الحين. بينما في نفس التوقيت عقدت الصين العديد من صفقات الغاز طويلة الأجل مع موردين مختلفين شملت قطر وأمريكا والمكسيك وعُمان، وهو ما يشير إلى حذر بكين الراهن من إبرام عقود طاقة طويلة الأجل مع موردين معرضين لمزيد من العقوبات الدولية، كما هو الحال مع روسيا.