الحدث
انعقد “حوار التعاون الأمني المشترك” بين الولايات المتحدة والـعراق، في واشنطن يومي 7-8 أغسطس/آب 2023، بمشاركة وفد عراقي ترأسه وزير الدفاع “ثابت العباسي”، وضم أيضا رئيس جهاز مكافحة الإرهاب “عبد الوهاب الساعدي” ، ووفد أمريكي بقيادة مساعدة وزير الدفاع “سيليست والاندر”، وذلك في استكمال للحوار الاستراتيجي بين البلدين الذي بدأ في يونيو/حزيران 2020 لمعالجة أربع ملفات رئيسية: الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية، كما اجتمع الوفد العـراقي مع وزير الدفاع الأمريكي “لويد أوستن”، وممثلين عن هيئة الأركان المشتركة ووكالة التعاون الأمني الدفاعي والقيادة المركزية الأمريكية ووزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي.
التحليل: العراق يسير على توازن دقيق بين أمريكا وإيران في حوار التعاون الأمني
- يمثل تأمين المصالح الأمريكية في العراق أولوية لدى واشنطن؛ حيث يقع العراق في موقع مهم بالمشرق العربي، ويمتلك موارد طاقة وفيرة، ويمثل مرتكزا لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وساحة للتعاون الأمريكي الكردي. لذا؛ ينتشر به نحو 2000 جندي أمريكي لأداء مهام استشارية وتدريبية لصالح حكومتي بغداد وإقليم كردستان. ويمنح الوجود العسكري في العراق ضمانة لمواصلة واشنطن تواجدها العسكري والأمني في سوريا؛ حيث تتحرك قوافل الإمداد اللوجستية الأمريكية انطلاقا من العراق إلى القوات الأمريكية في سوريا، والتي تبلغ نحو 900 جندي، فضلا عن تقديمه الدعم والإسناد للقوات الكردية الحليفة في سوريا.
- تخشى الولايات المتحدة من أن تؤدي الخلافات بين حكومتي بغداد وأربيل، والنزاعات المتواصلة بين الأحزاب السياسية العراقية، إلى توفير بيئة تتيح عودة وبعث تنظيم داعش مجددا. وبالتالي فإن واشنطن حريصة على تعزيز قدرات الجيش العراقي، وتقديم الدعم الجوي والاستخباراتي، والتشجيع على التنسيق الأمني الثنائي بين بغداد وأربيل خاصة لسد الفجوات في المناطق الحدودية المتنازع عليها بينهما، فضلا عن حث حكومة بغداد على إعادة توطين النازحين ودمجهم في المجتمع وإعادة بناء المناطق المدمرة بهدف نزع فتيل أزمة المظالم المجتمعية في الوسط السني التي يستفيد منها داعش.
- تحرص الحكومة العراقية على الاستفادة من الدعم الأمريكي في تأهيل الجيش العراقي وجهاز الاستخبارات، وجهاز مكافحة الإرهاب، حيث تدرب ما يزيد عن 200 ألف عنصر أمني وعسكري عراقي على يد القوات الأمريكية، ورغم ذلك لا تزال القوات العراقية تفتقر إلى القدرة على مواجهة التهديدات الأمنية بمفردها بمعزل عن الدعم الجوي والاستخباراتي الأمريكي، فيما يظل شبح تكرار انهيار الجيش العراقي في مواجهة تنظيم داعش على غرار عام 2014، يطارد عقول المسئولين العراقيين والأمريكيين.
- بالإضافة لذلك؛ يتيح التواجد العسكري الأمريكي في العراق لواشنطن مراقبة أنشطة إيران العسكرية في المنطقة والداخل الإيراني، بما في ذلك رصد بناء قواعد عسكرية جديدة أو تحريك بطاريات إطلاق الصواريخ البالستية. كما تستخدم واشنطن وطهران العراق كساحة لتصفية الحسابات والمواجهات غير المباشرة، مثلما حدث في اغتيال قائد فيلق القدس “قاسم سليماني” قرب مطار بغداد عام 2020، وهو ما ردت عليه طهران بقصف قواعد أمريكية داخل العراق.
- عقب اغتيال “سليماني”، تبنت إيران استراتيجية طويلة المدى تستهدف إضعاف التواجد الأمريكي في المنطقة، خاصة العراق وسوريا، كضرورة لتحسين البيئة الأمنية التي أدركت طهران أنها تحمل مخاطر كانت غافلة عنها. ومن ثم؛ وبصورة مدروسة ومنسقة، هاجمت جماعات عراقية موالية لإيران القوات الأمريكية في العراق، ووضعت التواجد الأمريكي عموما تحت ضغط مدروس، وتعددت حوادث استهداف القوات الأمريكية فضلا عن المواطنين الأمريكيين، ومن آخرها اغتيال الأمريكي “ستيفن ترول” في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بالعاصمة بغداد.
- على الرغم من ردود الجيش الأمريكي باستهداف مواقع لمليشيات مثل حزب الله العـراقي وكتائب سيد الشهداء، فإن إيران نجحت، بنسبة معتبرة، في تحويل العـراق إلى بيئة معادية للتواجد الأمريكي، بما في ذلك المستوى السياسي. حيث أصدر البرلمان العـراقي، بتحرك من حلفاء إيران، قرارا يطالب بخروج القوات الأمريكية من البلاد، اضطرت معه واشنطن لتقليل عدد جنودها في العـراق، وتحويل مهمة قواتها منذ يوليو/تموز 2021 إلى مهمة استشارية غير قتالية.
- منذ ذلك الحين؛ تحرص واشنطن على التنسيق مع بغداد للحفاظ على بقاء القوات الأمريكية وفق إطار شرعي يستند إلى تلبية دعوة حكومة بغداد لمساعدة الجيش العـراقي في مواجهة تنظيم داعش، وتدريب الأجهزة الأمنية والعسكرية. كما تعمل واشنطن على تعزيز علاقاتها مع شخصيات وجهات حكومية عراقية، خاصة في الجيش والمخابرات وجهاز مكافحة الإرهاب، فضلا عن قوى سياسية وحزبية، بهدف معادلة نفوذ شبكة الميليشيات المتحالفة مع إيران، والتي تتمتع بحماية الدولة العـراقية عبر انخراطها في المؤسسات العسكرية والأمنية.
- ويمكن القول بأن العـراق، يحكمه خلال العقد الأخير توازن دقيق بين النفوذين الأمريكي والإيراني. فمنذ إبعاد “نوري المالكي” عن رئاسة الحكومة، أفرزت المعادلة السياسية رؤساء حكومات يعبرون عن هذا التوازن المعقد، وتمتعوا بعلاقات جيدة مع الجانبين وحرصوا على عدم التورط في انحياز صريح يعرض العـراق لغضب أي من الجانبين. وبينما اعتبر رئيس الوزراء السابق “مصطفى الكاظمي”، أكثر ميلا للولايات المتحدة وأكثر انفتاحا على تطوير علاقات العـراق عربيا، فقد تجنب الصدام مع نفوذ الميليشيات أو استهداف النفوذ الإيراني. وبالمثل، فإن حكومة رئيس الوزراء، “محمد شياع السوداني”، القادم من الإطار التنسيقي الموالي لإيران، مرحب بها أمريكيا، وتعمل على بقاء علاقات العـراق متوازنة مع واشنطن وطهران.
- وبينما من المرجح أن تحرص واشنطن وبغداد على هذا التوازن الدقيق، فإن التهديد الأبرز للعلاقات بين البلدين يتعلق بمدى استقرار النظام السياسي العـراقي، وبالأخص في ظل حالة الصراع بين التكتلات الشيعية المختلفة، بالإضافة مستوى امتثال بغداد للعقوبات الأمريكية على طهران، ومدى نجاح حكومات العـراق في إدارة ملف الميليشيات الموالية لإيران، في ظل تصاعد الضغوط الإيرانية إقليميا بهدف وضع التواجد الأمريكي تحت ضغط متواصل.
إقرأ أيضاً:
أبعد من صراع “الصدر” و”المالكي”… التأزم السياسي في العراق مزمن
“بايدن” يعود للشرق الأوسط بمشروع دفاعي يوحد حلفاءه مع إسرائيل ضد إيران
الإمارات تنسحب من القوة البحرية الموحدة لحث أمريكا على الوفاء بالتزاماتها