الحدث
مع تواصل الحرب التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة، كثف العديد من زعماء دول الجنوب العالمي، بما في ذلك دول من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، انتقاداتهم للحكومة الإسرائيلية:
◂بوليفيا: في 31 أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت بوليفيا أول دولة في العالم تقطع علاقاتها الدبلوماسية بشكل كامل مع دولة الاحتلال، واعتبرت ما يحدث في غزة “جرائم ضد الإنسانية”.
◂جنوب أفريقيا: حافظت على دعمها التاريخي للقضية الفلسطينية، واستدعت سفيرها لدى “إسرائيل” في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، ووصفت الحرب بأنها “إبادة جماعية”. كما أعلن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم أنه سيؤيد اقتراحا برلمانيا بإغلاق سفارة الاحتلال لدى البلاد وتعليق كافة الروابط الدبلوماسية مع “إسرائيل”.
◂كولومبيا: استدعى رئيس كولومبيا اليساري “غوستافو بيترو” سفير بلاده لدى الاحتلال، وانتقد جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، ووصف جيش الاحتلال بالنازية.
◂تشيلي: في بداية الأمر، ندد الرئيس “غابرييل بوريك” بهجوم حماس على “إسرائيل”، ولكن مع تصاعد العدوان على غزة استدعى “بوريك” سفير بلاده لدى دولة الاحتلال.
◂البرازيل: حاول لولا دي سيلفا تبني موقف محايد حرصا منه على الموازنة بين اليسار البرازيلي الداعم لإقامة دولة فلسطينية، واليمين الإنجيلي الداعم لإسرائيل. ولكن مع تصاعد جرائم الاحتلال في غزة، انتقد لولا “إسرائيل”، ووصف حربها في غزة بأنها “إبادة جماعية”.
◂المكسيك: أعلن الرئيس “أندريس مانويل لوبيز” أن بلاده تريد أن تكون جزءًا من جهود التوصل إلى حل سلمي. لاحقا، اعتبرت حكومة المكسيك أن هجمات إسرائيل قد ترقى إلى جرائم الحرب.
في 17 نوفمبر/تشرين ثاني 2023، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، تلقيه طلبات إحالة من خمس دول أعضاء بالمحكمة، هي جنوب أفريقيا، بنغلاديش، بوليفيا، جزر القمر، وجيبوتي، للتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية في حرب غزة.
التحليل: حرب غزة حلقة جديدة في مسار تآكل القيادة الغربية للنظام الدولي إبتداء بدول الجنوب
تكشف حرب غزة عن الصدع المتزايد بين الغرب من جهة ودول الجنوب العالمي من جهة أخرى؛ حيث ظهرت الولايات المتحدة وحلفاء محدودين معزولين عن الإجماع الدولي الذي عبر عنه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي لوقف الحرب، والذي وافقت عليه 120 دولة، وعارضته الولايات المتحدة و13 دولة أخرى. وسبق أن كشف غزو روسيا لأوكرانيا أن غالبية دول الجنوب العالمي لم تعد متماهية مع سياسات أمريكا وحلفائها الغربيين؛ حيث اتخذت دول مثل الهند والبرازيل ودول أفريقيا وغالبية الدول العربية والإسلامية موقفا محايدا من الصراع، أو على الأقل رفضت الانضمام للعقوبات الغربية مع روسيا، حتى لو أدانت غزو روسيا لأراضي أوكرانيا.
- تشكل ميول زعماء أمريكا اللاتينية السياسية والأيدولوجية الدافع الأبرز في نظرتهم للقضية الفلسطينية، حيث تميل حكومات اليسار إلى دعم فلسطين كقضية تحرر وطني باقية من عهد الاستعمار. كما يشكل العامل الديمغرافي بعدا آخر في التأثير على توجهات بلدان أمريكا اللاتينية تجاه القضية الفلسطينية. وعلى سبيل المثال، تعد تشيلي أكبر موطن لجالية فلسطينية خارج الشرق الأوسط، تقدر بحوالي نصف مليون، بينما تبلغ الجالية اليهودية في الأرجنتين 200 ألف وهي الأكبر في أمريكا الجنوبية، وهو الأمر الذي انعكس على حجم التظاهرات الداعمة لفلسطين في تشيلي والأخرى الداعمة لإسرائيل في الأرجنتين، وكذلك حجم التأثير على القرار السياسي.
- من المرجح أن تؤدي حرب غزة، التي من المتوقع أن تطول نسبيا، إلى توتر علاقات دول في أمريكا اللاتينية، خاصة الحكومات اليسارية، مع “إسرائيل”، لكنّ موقف دول المنطقة يظل قابلا للتغيير اعتمادا على التغيرات السياسية المحلية وصعود قوى أخرى للسلطة. ومن المرجح أيضا أن يلجأ بعض الزعماء في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا إلى توجيه انتقادات مباشرة للإدارة الأمريكية باعتبارها الشريك الرئيسي لإسرائيل ولكن دون أن يؤثر ذلك في الأجل القصير على التعاون الاقتصادي والأمني بين بلادهم وواشنطن، إذ إن معظم قادة يسار أمريكا اللاتينية، ونظراءهم في مناطق أخرى، يتبنون نهجا واقعيا في علاقاتهم مع واشنطن لتلبية احتياجات بلادهم.
- لكن في الأجل المتوسط والبعيد، يرى العديد من دول الجنوب العالمي أن موقف الغرب من حرب غزة مقارنة بحرب أوكرانيا، هو دليل على أن الغرب يطبق القواعد الدولية بشكل انتقائي وفقاً لمصالحه. وسيكون لهذا التناقض أضرارا بعيدة المدى على النظام الدولي ومصداقية المزاعم الغربية حول الالتزام بـ”النظام القائم على القواعد”، وهي العبارة المركزية التي تستشهد بها أمريكا وأوروبا لحشد الدعم ضد روسيا والصين.
- بالإضافة لذلك؛ أدى الموقف الغربي من حرب غزة إلى زيادة الاستياء من بنية النظام الدولي القائم على مؤسسات مثل مجلس الأمن الدولي، في ظل غياب أي تمثيل لأفريقيا وأمريكا اللاتينية بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وقدرة الولايات المتحدة بمفردها على تحدي الأغلبية الدولية من خلال حق النقض.
- لذلك؛ فإن موقف واشنطن في حـرب غزة من المتوقع أن يساهم في تقويض مكانتها الدولية، ويدفع المزيد من دول الجنوب العالمي إلى البحث عن بدائل أخرى لتعزيز مصالحها، خاصة الصين وروسيا الخصمين الاستراتيجيين للولايات المتحدة، والمنظمات المتعددة الأطراف مثل مجموعة بريكس، فضلا عن تطوير العلاقات البينية بين دول الجنوب نفسها وبعضها البعض، خاصة القوى المتوسطة مثل الهند وتركيا والبرازيل وجنوب أفريقيا. وعلى الرغم من أن قرارات القمة العربية الإسلامية الطارئة لم تلبِ تطلعات شعوب 57 دولة شاركت فيها، إلا أنها تظهر تضامن تلك الدول فيما بينها لاتخاذ مواقف سياسية تعارض مباشرة السياسة الأمريكية والغربية إزاء حـرب غزة، وهو اتجاه من المرجح أن يتعزز مستقبلا.
- يشير موقف الصين وروسيا من حـرب غزة إلى حرص الجانبين على الاستفادة من الحرب لتعزيز دورهما كقوى دولية بديلة للقيادة الأمريكية المنحازة وغير الناجحة، وبالتالي حاجة العالم إلى نظام دولي بديل، متعدد الأقطاب، وغير خاضع للهيمنة الغربية.
- ويبقى التحدي الرئيسي أمام دول الجنوب العالمي هو مدى قدرتهم على اتخاذ مواقف سياسية موحدة، والدفاع عنها، متجاوزين النظام الدولي الذي يهمين عليه الغرب، بينما الكثير من تلك الدول مازال مرتبطا أمنيا واقتصاديا مع الغرب، ولا يجمعها فيما بينها تكتلات فاعلة بديلة بما يكفي لموازنة الكتلة الغربية المتماسكة والمتمحورة بصورة رئيسية حول حلف الناتو ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي.